أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امال قرامي - ثقافة «التسليك»














المزيد.....

ثقافة «التسليك»


امال قرامي

الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 11:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كيف يمكن الحديث عن أسس بناء تونس الجديدة بعد «ثورة مجيدة»، والحال أن ثقافة «التسليك» قد ترسخت فى ذهن شرائح من التونسيين وأضحت داء ينخر فى كل المؤسسات؟ وكيف يتسنى إرساء ثقافة المواطنة والفرد بات مقتنعا بأن أقصر السبل المؤدية إلى نيل المراد تتطلب التنازل عن المبادئ والقيم؟

حوّل نظرك صوب المؤسسات التعليمية تجد فئة من المعلمين والأساتذة يتعمدون عدم تفسير الدروس، ويجاهرون بأن الحل يكمن فى الدروس الخصوصية. وكلما واجههم التلاميذ بالمطالبة بالحق فى الدراسة والفهم طردوهم عقابا لهم. وسيان فى ذلك بين ما يجرى داخل المعاهد العمومية والمعاهد النموذجية. والواقع أن «التسليك» استراتيجية تستعملها فئة من «المربين» حتى يحققوا أحلامهم فيتحولون بفضلها إلى أرباب عقارات وسيارات.. ولسان حالهم: «سلّك أمورك تحيا».

ولئن قل وجود هذه الظاهرة فى المؤسسات الجامعية فإن «ثورة الشباب» ساهمت فى بروز ممارسات جديدة وفرضت معاملات أقل ما يقال فيها أنها ستقضى على مستوى الشهادات العلمية. فالطالب/ة اليوم بات يريد الارتقاء والنجاح، وتحصيل الشهادات دون بذل الجهد والخضوع للتقييم وفق معايير علمية وموضوعية شعاره فى ذلك «سلكها» بالضغط على الأساتذة، والاعتصام أمام المشرفين على الماجستير ومناظرات التبريز، ورفع الصوت عاليا: «النجاح استحقاق يا عصابة السراق». ولئن صمد أغلب الجامعيين محاولين مقاومة الرداءة و«البلطجة» فإن منهم فئة آمنت بتسليك الأمور خوفا أو مجاراة للواقع أو تنصلا من المسئولية.. أو شعار هؤلاء «سلك تأمن».

ولا يختلف الأمر فى بقية المؤسسات الأمنية والتجارية والصناعية وغيرها إذ لابد للمرء أن يتزلف للعون أو الموظف، وأن يجامله وإن لزم الأمر أن يترجاه بالدعاء بالخير لوالديه وأجداده حتى يرحمه. أما الذى عرف المسلك السوى فإنه لا يهدر وقته.. ليس أمامه إلا أن يسلك يده فى جيبه: يدفع حتى يسلّك أموره.


«التسليك» سلوك يزداد ترسخا يوما بعد آخر لاسيما فى زمن الأزمات. فالمرء بات يتصرف ويسلك كل السبل ليجد المخرج والحل، ويحقق المبتغى وهو تارة المُسلِك وطورا المسَلّك. والتسليك ثقافة راجت فى عديد الأوساط يؤمن بها الرجل والمرأة، ويروج لها المسئول، والعامل والموظف والعاطل عن العمل، الكبير والصغير، ويتباهى بها الجميع، بل إن من الفايسبوكيين من خصص لها صفحة أطلق عليها اسم «سلك حالك».

والتسليك يقوم على فكرة مفادها الوصول إلى الهدف بأيسر الطرق (التحايل، الغش، النفاق، السرقة، السير فى الاتجاه المعاكس، عدم احترام القوانين...) وبأسرع وقت ممكن دون بذل الجهد والعناء، دون مكابدة وصبر واحترام للقوانين والأعراف. فتلك القيم التى تربت عليها أجيال وأجيال ما عادت تنفع، وما عاد للمسلّكين طاقة على تحمّل التعب والعمل والكدّ.


للفساد ألف وجه ووجه.. دأب ناشطو المجتمع المدنى على التشهير بآليات منظومة الفساد وتحليل مقوماتها موجهين أصابع الاتهام إلى الأنظمة السابقة. ولكن آن الأوان أن نعترف بأن ثقافة التسليك باتت تشكل خطرا على العباد والبلاد ويتعيّن مقاومتها. ولئن أعلنت وزارة الداخلية عن تخصيص سلك من الشرطة البلدية لمراقبة احترام قواعد النظافة وحماية المحيط فإننا نذهب إلى أن حملات النظافة لابد أن تصاحبها حملات مماثلة تسير بالتوازى مع تسليك البالوعات: حملات تطهير وتنظيف وغسل للأدمغة وتغيير جذرى للعقليات حتى تفارق الجموع التواكل، والسلبيّة، والتحايل، والانتهازية و...


أجل الثورة حدثت ولكن صاحبها تدهور سريع فى منظومة القيم. ولعل أخطر ما فى الأمر أن تدبّ ثقافة التسليك، و«مشّى الأمور» فى جسد المؤسسات التربوية والتعليمية فى سياق تاريخى لم تعتبر فيه الحكومات الانتقالية إصلاح التعليم فى صدارة الأولويات، ولم تصغ سياسة تتجه نحو إيلاء العلوم المكانة الضرورية.

إنّ سردية ثورة مدنيّة طلائعية حبلى بقيم حداثية لن تقنع من يُعاين الواقع المرير: انتشار الفكر الخرافى والشعوذة ومأسسة الجهل، وتدهور المنسوب المعرفى...ثقافة التسليك لا يمكن مواجهتها، فى تقديرنا، إلاّ بإرساء ثقافة العلم والعمل، البذل والجهد والكدّ، وتحمّل المسئولية كاملة.



#امال_قرامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تنفع الجراحة التجميليّة؟
- شرعيّة تكتسب بالكد والعمل وحب الوطن
- الحلحلة والفككة... ومفردات أخرى
- أيّها الثوّار.. شكر الله سعيكم
- «التابع» وعقدة «الأجنبى»
- الإسلامويات قادمات ليزاحمن القيادات
- مأزق الاستقالات من حزب النهضة
- فى عيد الاستقلال.. النهضة تؤيد شرعية مرسى
- احتجاج «العاملات بالجنس»
- قادة النهضة يستعينون بأمريكا
- وزيرة سياحة «مستفزة»
- المرزوقى والرقص على الحبلين
- هل أتتك أخبار حكومة مهدى جمعة؟
- التشويش على الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد شكرى بلعيد
- هل دقّت ساعة تقييم الأداء السياسى للترويكا؟
- لله درّه من دستور .. أطلق عنان الذوات
- فى الظروف الحافّة بالتصويت على مواد الدستور
- السياسة..واضطراب المشاعر
- تداخل الفصول
- الإحراج والعار


المزيد.....




- لماذا لن يُعتقل بوتين في أمريكا رغم صدور مذكرة توقيف دولية ب ...
- ما أصل الصراع بين أذربيجان وأرمينيا؟
- قتلى بنيران إسرائيلية بين منتظري المساعدات، وبيان عربي يدين ...
- مقتل 6 عسكريين لبنانيين بانفجار مخزن أسلحة في وادي زبقين جنو ...
- زيلينسكي غاضب من ترامب ويرفض التنازل عن أراض لروسيا
- القضاء بجنوب أفريقيا يأمر بإعادة جثمان الرئيس السابق لونغو ل ...
- مظاهرات حاشدة عبر العالم تنديدا بحرب الإبادة والتجويع على غز ...
- الإعلام الإسرائيلي يرصد ردود فعل دولية ضد خطة احتلال غزة
- دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟ ...
- سرايا القدس تبث مشاهد لقصف مقاتليها مستوطنة بغلاف غزة


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امال قرامي - ثقافة «التسليك»