أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - امال قرامي - المرزوقى والرقص على الحبلين















المزيد.....

المرزوقى والرقص على الحبلين


امال قرامي

الحوار المتمدن-العدد: 4376 - 2014 / 2 / 25 - 09:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


يبدو أنّ السمة المميزّة لعدد من الشخصيات السياسيّة التى تُدير المرحلة الانتقاليّة هى التقلّب بين خطاب ينهل من معين حداثى قوامه مرجعيّة حقوقيّة كونيّة لها قيمها، ومعجمها الدلالى الخاصّ، وخطاب ضارب فى القدم تأسّس على فقه صاغه أصحابه فى زمان غير هذا الزمان، وبلغة وآليات فهم تلاءمت مع حاجات مجتمعات تقليديّة. وكأنّه لا سبيل للتحرّر من الأسر، وتسمية الأشياء بمسمّياتها، والقطع مع ممارسات، وخطابات تستسيغ التقيّة، وتهوى الضبابيّة، واللبس، والمراوغة.. وكأنّه يعزّ على مهندسى الشأن السياسى الاعتراف بأنّ التأسيس للجمهوريّة الثانية يقتضى وضوح الرؤية، وتحديد الاختيارات بدقّة، وتحمّل المسئوليات. ولكن أنّى لمن افتقر إلى رؤية سياسيّة واضحة أن يحسم أمره، ويعلن صراحة التزامه باحترام كلّ متطلّبات تأسيس الدولة المدنيّة؟


ها هو السيّد المرزوقى يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ، أنّ التأرجح بين مرجعيتين قد صار سمة مميّزة لديه، وأنّ اللعب على الحبلين صار محبّذا لديه. يكفى أن نتبيّن المخرج الذى ارتآه رئيس جمهوريّة ليحسم أمر جابر الماجرى ذاك الشابّ الذى وزّع رسومات مسيئة للرسول، وصدر بشأنه أقسى حكم بالسجن (7 سنوات)؟

لم يكن بمقدور السيد الرئيس أن ينتصر للمرجعيّة الحقوقيّة فقط، وأن يصطفّ إلى جانب الحقوقيين، وقد كان ذات يوم خلّهم الوفى، ليعلن العفو من موقع المناضل عن حريّة الفكر، والضمير والتعبير، فى زمن استشرت فيه دعوات التكفير، فيرسم بذلك سياسة الدولة المدنيّة الفعلية بكلّ عزم، وإنّما رام التلفيق والتوفيق والجمع بين الثنائيات: المبادئ الحقوقية و«التعاليم الإسلامية»، القانون الجنائى وأحكام الردة، القانون/الفقه ساعيا من وراء ذلك إلى إرضاء الناشطين الحقوقيين، و«العلمانيين»، واليساريين، والحداثيين، ومنظّمى الحملات العالمية لإطلاق سراح الماجرى.. من جهة، وعلماء الشريعة، والمتشدّدين والمحافظين من الإسلامويين، من جهة أخرى.

وحتى يتم إصدار القرار الرئاسى بالعفو عن جابر الماجرى أوّل سجين رأى بعد الثورة، ارتأت الرئاسة أن تستنجد برئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات، وأن تستشير لجنة العفو، وفى الآن نفسه أن تستفتى وفد المشايخ. وهكذا تمّ سيناريو الإخراج: رئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات يزور السجين بتاريخ 11/10/2013، وبعدها بأيام قليلة يقدّم الماجرى رسالة اعتذار إلى المسلمين فتعدّ فى نظر علماء الدين، توبة إلى الله، وبذلك عفا الحاكم الدنيوى فى انتظار عفوّ الرحمان القدير.


يومئ اللعب على الحبلين إلى ميل المرزوقى إلى ذات اليسار وذات اليمين، يريد أن يحكم بأحكام الأرض وأحكام السماء، الدنيوى والأخروى، القوانين المدنية والشريعة، أن يعيد للقانون هيبته دون أن يتغافل عن هيبة أصحاب العمائم، أن يتلاعب باللغة: سجين الرأى/المتهم/والمرتدّ، رسالة اعتذار/استتابة، حكم صادر عن هيئة محكمة، حكم المستتيبين.

موقف المرزوقى مشابه لموقف «برداك أوغلو» رئيس إدارة الشئون الدينية التركية سابقا حين سئل عن رأيه فى تحوّل عارضة أزياء إلى المسيحية فقال: «تركيا دولة علمانية ولكلّ إنسان الحقّ فى أن يغيّر دينه من وجهة نظر قانونية إلاّ أنّ هذا الأمر يعدّ ردّة من وجهة دينيّة».

وبقطع النظر عن موقف الماجرى هل استسلم للضغوط فاعتذر من موقع الباحث عن مخرج لمحنته أم أنّه «تاب» من موقع إيمانى أم أنّه اضطر إلى ممارسة الرياء الدينى.. فإنّ حسم قضية الماجرى يطرح عدة إشكاليات منها:

• ما الوجهة التى ستتجه إليها البلاد بعد صدور الدستور؟ هل نحن فى طريق بناء الدولة المدنية وفق مبدأ احترام القوانين الدستورية أم أننا سنحاول البحث عن المخارج وفق فقه الحيل، وتكييف المسائل حسب موازين القوى؟

• إلى أى مدى نحن مدركون خطورة ما سيترتّب على حرب المواقع التى انطلقت منذ سنتين؟ فقد سعت وزارة الشئون الدينية تحت إمرة الخادمى إلى زحزحة النخب الممثلة «للفرانكوفونية، والتغريب» عن مكانها والحدّ من أدوارها وتأثيرها واستبدالها بالمشيخة والعلماء، فى محاولة لاحتكار السلطة والهيمنة على الجموع.

• هل ستعيش تونس ما عاشته السودان والجزائر ومصر وإيران وماليزيا وغيرها من البلدان الإسلامية من قضايا حسبة يطالب فيها محتكرو النطق نيابة عن الله بتطبيق حدّ الردّة تزامنا مع بداية مسار العدالة الانتقالية؟

• ما تأثير هذه السابقة فى المجال القانونى: دور القانون ووظيفته فى التنظيم الاجتماعى والسياسى؟ هل ستتحول قضية الماجرى إلى قرار يشبه «قرار حورية» يدرس ويقاس عليه أم أنّها ستتحول إلى «حدث معزول» وخطأ من أخطاء مسار التحوّل؟

• إلى أى حدّ سنتفاعل مع هذه الهجمة اللغوية أو الهبّة المعجمية التى تروم النفاذ إلى بنى التفكير وإعادة تشكيل رؤيتنا لذواتنا وللآخر وللحياة؟ فبعد الاقتصاد الإسلامى، وبنك التكافل، والأوقاف والحبس..ها هى الردة، وأحكام الردة، وحد الردة، والمرتد، وأحكام الاستتابة، والتفريق بين الزوجين، ومال المرتد، وذبيحته.

• كيف سنتدبّر واقع الحريّة الدينيّة فى ظلّ ارتفاع أصوات تطالب بتنفيذ حكم الله، وإقامة دولة الخلافة، وتعلن الجهاد على الطواغيت، وترفع السيوف فى وجوه التونسيين، متسلّحة بما تلقته من تدريبات فى أفغانستان وليبيا والجزائر والعراق وسوريا؟


إنّ إصدار قرار العفو الرئاسى على الماجرى لا يتماهى فى تقديرنا، مع روح الثورة وقيمها. فالماجرى لن يغادر السجن على إثر حوار وطنى حول موقع الحريات فى تونس وعلى رأسها حرية المعتقد، وحرية الضمير، وحرية التعبير، حوار يجسّد ممارسة ديمقراطية تشاركية تجعل السياسى متفاعلا مع «إرادة الشعب» وحقه فى إدارة الاختلاف.

حرية الماجرى خضعت للمقايضة والتفاوض ومنطق «التوافق» العاطفى لا العقلانى ودارت فى الكواليس، ولذلك منّ عليه المرزوقى، ومنّت عليه «مشيخة الزيتونة»، وككلّ فعل منّ ستغدو حريّة الماجرى دَينا فى رقبته وغُلاّ يأسره إلى أبد الآبدين. حريّة الماجرى تطلّبت تنازلا ورضوخا للإكراهات ولسياق الهوس الهووى، والتذرّع بالدفاع عن المقدسات، وسيّان أكان اعتذارا أو توبة فإنّ تدخّل الجماعة لانتزاع هذه الرسالة لا معنى له سوى سحق الفرد وارتهانه والتصرّف فى قراراته، واختياراته فى تونس ما بعد الثورة.

اللعب على الحبلين أو الازدواجية علامة على انفصام سياسى ثقافى وعطب فى صياغة التصوّرات. ولكن لكلّ بهلوانى مهما أجاد الرقص على الحبلين، زلّة وسقطة.. قد يتحمّل التونسيون عددا من السقطات ولكن حين يتعلّق الأمر بنصب محاكم التفتيش، والإطاحة بالرءوس فذاك أمر جلل لشعب صرخ مدوّيا مطالبا باحترام حقّ الحياة وحرمة الأجساد.



#امال_قرامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أتتك أخبار حكومة مهدى جمعة؟
- التشويش على الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد شكرى بلعيد
- هل دقّت ساعة تقييم الأداء السياسى للترويكا؟
- لله درّه من دستور .. أطلق عنان الذوات
- فى الظروف الحافّة بالتصويت على مواد الدستور
- السياسة..واضطراب المشاعر
- تداخل الفصول
- الإحراج والعار
- الشدّ إلى الوراء.. الشدّ إلى الأمام
- كان لنا حلم.. وضاع
- ليس بالإمكان أبدع مما كان
- سوق السياسة كسوق الرياضة
- النهضة.. وعلاج الوخز بالإبر
- انقلابيون
- هذا ما جنته براقش على نفسها
- لم أكن لأخلع سربالا
- فات المعاد
- أعطنى حرّيتى .. أطلق يديّا
- وتعطَّلت لغة الحوار الوطنى
- هل أُلفت حركة النهضة بين التونسيين؟


المزيد.....




- متى تتوقعون الهجوم على رفح؟ شاهد كيف أجاب سامح شكري لـCNN
- السعودية.. القبض على شخصين لترويجهما مواد مخدرة بفيديو عبر و ...
- مئات الغزيين على شاطئ دير البلح.. والمشهد يستفز الإسرائيليين ...
- بايدن يعلن فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات على إيران بس ...
- لماذا تعد انتخابات الهند مهمة بالنسبة للعالم؟
- تلخص المأساة الفلسطينية في غزة.. هذه هي الصورة التي فازت بجا ...
- شاهد: لقطات نشرها حزب الله توثق لحظة استهدافه بمُسيرة موقعًا ...
- ألمانيا تطالب بعزل إيران.. وطهران تهدد بمراجعة عقيدتها النوو ...
- مهمات جديدة أمام القوات الروسية
- مسؤول إيراني: منشآتنا النووية محمية بالكامل ومستعدون لمواجهة ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - امال قرامي - المرزوقى والرقص على الحبلين