أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - اليسار الثوري في مصر - بيان سياسي حول موقفنا من الانتخابات الرئاسية الجارية















المزيد.....


بيان سياسي حول موقفنا من الانتخابات الرئاسية الجارية


اليسار الثوري في مصر

الحوار المتمدن-العدد: 4456 - 2014 / 5 / 18 - 17:54
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


بيان سياسي حول موقف اليسار الثوري من الانتخابات الرئاسية الجارية

الرفاق والرفيقات أعضاء وأنصار منظمتنا:

بعد الإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين عبر تعبئة سياسية وانتفاضة جماهيرية (ساهم فيها جميع صنوف الطيف السياسي والاجتماعي)، ومن أجهزة استخباراتية، لتجمعات فلول، لقوى الليبرالية البورجوازية، واليسار الإصلاحي بأغلب منظماته، وبدرجة كبيرة وبارزة، البورجوازية الصغيرة القومية، وبوجه خاص الناصريون، وفي الخلفية والمقدمة كان هناك المدرعات والجنرالات، يضعون فعلاً لمسات نظام ما بعد الإخوان في تفاصيله وسياساته، سواء في شقه المعلن (خارطة الطريق)، أو في شقه غير المعلن – السياسات الفعلية – بهدف كنس هذا الطريق من “معوقات” الثورة وقواها الحية، وتجهيز المسرح السياسي لاستقرار يتم فرضه وضماناته للمستثمرين المحليين والأجانب.

هكذا تحول المؤشر القمعي نحو العناصر المحسوبة في صف الثورة، وانهالت يد القضاء البورجوازي والعسكري تمحى وتحطم ما نالت القوى المختلفة من مساحات تعبير، مثل التظاهر والتنظيم وغيرهم، وانطلق الرئيس “الإداري” الذي تم تنصيبه مؤقتاً لتسيير الأعمال حتى انتخاب رئيس خلال شهور، انطلق هذا البهلول المعين يصدر القوانين بجرأة وصفاقة لا نظير لهما، من الحريات السياسية إلى أسعار السلع والخدمات الأساسية، وكأنه رئيس للمهمات القذرة حتى لا يتورط فيها الرئيس القادم بالانتخابات، وتصاعدت نغمة الغطرسة الشرطية، والتعذيب مجدداً في الأقسام ومقرات الاحتجاز، مدفوعة برغبة مزدوجة، فرض الخوف والجبن على المواطنين واستعادة السيطرة الأمنية، تراجع مناخ الثورة وعودة سيطرة الدولة البوليسية المدعومة من الجيش.

منحدر الثورة المضادة
---------------------
قبل أن يسقط فعلياً نظام مبارك اتحدت القوى المشكلة له والمستفيدة منه بهدف حمايته، المجلس العسكري، والإدارة الأمنية والمخابراتية، ورجال الأعمال، وجيش غير شرعي مكون من آلاف البلطجية، بدء هؤلاء جميعاً العمل منذ الأيام الأولى للثورة، فالثورة المضادة لا تنتظر انتصار الثورة أبداً، وإنما تشرع فوراً في محاولة قطع الطريق على الثورة ومنعها من الانتصار، ثمة وسيلتان هما الأشهر من وسائل الثورة المضادة، كما ظهرت في التجارب التاريخية منذ الثورة الفرنسية على الأقل حتى الآن، التخويف والتجويع، سيتم إطلاق سراح المجرمين، وحل فيالق الحراسة، إطلاق فوضى مسلحة في مواجهة الجماهير الداعمة للانتفاضة الثورية، فوضى تهدد حياة وممتلكات الأفراد في أي وقت بلا أي رادع، حتى يكون عودة الأمان هو أهم طلب، ولو استلزم عودة الدولة الأمنية.

وبالمقابل سيكون هناك وقف أعمال، غلق مطاحن وشركات، وقف توريد واستيراد وصرف رواتب، ومن ثم سيؤدى استمرار الثورة إلى مزيد من العوز والجوع والبطالة، زيادة في الأزمة و ليس بداية في حلها، ومن ثم سترفض كتل من الجماهير استمرار الإضرابات، المسيرات والاعتصامات، فالثورة هكذا تؤدى إلى خراب وأزمات.

ربما لعبت اللجان الشعبية خلال الـ 18 يوماً دوراً أكبر مما تدركه هي نفسها، فقد أحبطت أو حدت من خطورة عملية الثورة المضادة، واجهت الفوضى المسلحة وسيطرت نسبيا على أسعار وتوزيع السلع في الأحياء الشعبية، ومن ثم كان أثر المؤامرة ضعيفاً وتعمقت الانتفاضة وحركة الجماهير في الميادين بدلاً من أن تنتهي، ومن ثم اضطرت الثورة المضادة إلى قبول التضحية برجل النظام.

وتقدم المشهد كلياً المجلس العسكري من بين كل فرقاء الثورة المضادة، يحكم وينسق ويدير ويفاوض، ومن خلفه أجنحة بورجوازية مذعورة من قوة غضب الجماهير وجنوحها، حتى المتحفظين منهم على سيطرة الجيش ودوره، لم يكن أمامهم إلا التسليم له بالقيادة الفعلية والسير خلفه عند اللزوم.

العنصر الثالث والأخير الذي تستند إليه الثورة المضادة هو عنصر الزمن، فكلما زاد الوقت وزادت تضحيات الجماهير ومتاعبها دون حلول حقيقية، كلما شعرت بالإرهاق والأزمة الاقتصادية وبانت أحلامها بعيدة جداً أبعد مما تصورتها، حتى أنها تكاد تنسى الشعارات والمطالب التي حركتها، إن إرهاق الجماهير حتى تستسلم هو الوسيلة الثالثة، فإن لم تستطع الثورة إحداث تغييرات هامة أو بعض الإصلاحات في خلال فترة وجيزة (حوالي سنة)، تكون عرضة لاستعادة شكل حياتها قبل الثورة، حيث كانت الأمور مستقرة عن الآن.

إن سلسلة تغيير الوزراء والوزارات والمفاوضات والتعديلات الشكلية والقوانين وحتى الدساتير، تلك العمليات التي تبدو وكأنها تبنى على جبل قش عائم – وهلة وتختفي بمنتهى السهولة – ليست بريئة من التوظيف ضمن هذا المخطط المضاد للثورة، إلا أن الثورة التي أجبرت على أن تكون رد فعل على تحركات النظام – بسبب ضعفها التنظيمي والسياسي – مضطرة لأن تدخل سلسلة الألعاب تلك بحثاً عن طوق نجاة، أو على الأقل لحماية نفسها من إعلان انتهائها، وبدخولها تعرقل فعلاً أثر خطوة أو أخرى، وتفرض على النظام المزيد من المناورات، حتى إشعار آخر.

الترهيب مجدداً
---------------
مخطط الترهيب ابتدأ من جسم هلامي كبير مكون من البلطجية ومساجين هاربين، ورجال أمن سريين، وجهاز دعائي ضخم يروج أعمال الترهيب ويهول منها، لم يكن هذا العمل الضخم منظماً وإن كان موجهاً ومدعوماً، كانت قوته في حجم غموضه وفوضوية أدائه، ولكن كان انتهاءً سر ضعفه، أمكن حصار آثاره في اللحظات الحرجة، ثم استمر بعد ذلك كجماعات إجرامية ولصوص أكثر من كونها شيء آخر، فالمدينة المنزوعة الحماية كانت أكثر إغراءً لفرق البلطجية واللصوص الهاربين، ومن ثم انطلقوا يسرقون ويعبثون دون ضابط أو موجه على الكباري والطرق السريعة والمدن وغيرها، صاروا عبئاً على من أطلقهم، وكان المسرح يتهيأ لجو ترهيب ثاني أكثر تسييساً وتنظيماً تلك المرة، ومن ثم أكثر فائدة لمخطط الثورة المضادة بامتياز، فرق السلفيين، حازمون، شباب الإخوان، والفقاعات المندفعة التي طفحت على السطح تبحث عن دور في الهيمنة والحكم، لن نكرر كيف وصل الإخوان إلى الحكم، لكن نشير إلى أن فوزهم بأغلبية البرلمان كان نهاية الممارسة السلمية في الميادين تجاه باقي المعارضة، وتصاعدت المواجهات التي استعين فيها بالسلفيين وغيرهم، وبتولي كرسي الرئاسة كان السيناريو قد اكتمل، فالمواجهات بين صنوف الإسلاميين (سلف / إخوان / جهاد / جماعه / جماعات إقليمية متعددة) والمعارضة ستمتد إلى مواجهات مع الجمهور، كانت أخطاء الإخوان وفيرة، وأطماع واندفاع حلفائهم الأكثر تطرفاً لا شيء يكبحها، وكل ذلك على أرضية خدمات وأوضاع تزداد سوءً، هكذا بدء ما يشبه حرب أهلية محدودة أرهقت أطرافها، وأشاعت معها أجواء ترهيب كان يتم تجهيز الجو لتحويلها (في موجة ثالثة) إلى (إرهاب) وفي هذا المناخ بدأ استقطاب حاد في صفوف الجماهير، ليس على أرضية أهداف الثورة، حول كل إسلامي إلى عدو إرهابي مشبوه لدى الجماهير، رعب أكبر تنقله الميديا والصور عن تونس وسوريا والعراق، جعل الجماهير مستعدة لتقبل أي شيء آخر عدا حكم الإخوان وحلفائهم، لم تكن الميديا الرسمية وآلات الدعاية تحتاج سوى بعض أخطاء الإسلاميين، وكانت كثيرة بالفعل ومنفرة وعنيفة، وعندما تدخل الجيش في صورة مخلص الجماهير، تنفس الاثنان الصعداء، الجيش الذي طرد بهتافات معادية ومظاهرات من صدارة المشهد، يعود إلى الصدارة مجدداً وعلى أعناق الجماهير، والجماهير التي فقدت البوصلة وصارت لا تفكر سوى في الأمان رحبت بالجيش، القوة الأكثر تسليحاً، على أمل حمايتها وتوفير الأمان مجدداً.

لا يمكن عزو هذا التطور المتناقض للأحداث إلى مجرد مخطط بسيط وضعته أحد الأجهزة، ولا يمكن في ذات الوقت اعتباره مجرد تطور تلقائي للأحداث، ثمة تناقضات عميقة في المصالح تحرك عدة قوى في مسارات تتراوح بين الصدام أحياناً والتوافق العرضي أحياناً، ولا يمكن اختصار قواها الدافعة إلى عنصر بسيط. من أراد الإشارة إلى مؤامرات وتخطيط سيجد عشرات المؤشرات، لكنه سيصطدم أيضاً في كل خطوة بتناقضات أعمق بكثير، 30 يونيو يمثل أكبر عرض بانورامي لتلك التناقضات من أول التآمر حتى الألغام السياسية. وما دامت القطاعات الجماهيرية الأهم محرومة من تنظيم سياسي أو جماهيري ملائم، فالقطاعات الجماهيرية الأخرى ستكون أكثر عرضة لصراعات واندفاعات عفوية قد تؤدي لهزائم أعمق للحركة الجماهيرية.

الإنقاذ – أو التحالف المدني
--------------------------
في مواجهة تحالف الإسلاميين الساعين إلى الاستحواذ على مراكز صنع القرار (الرئاسة وأغلبية البرلمان) وتنفيذه (الحافظات والمقاعد الوزارية والهيئات العامة) كان ثمة قسم من السلطة محجوز للقوات المسلحة دون مزاحم، وفي خارج السلطة تجمعت كتل الفلول والإصلاحيين واليسار المحافظ، داخل تشكيل جبهوي صنع على عجل للتصدي لمحاولات الاستحواذ الإخواني، وسرعان ما تحالف مع بيروقراطية الدولة التي تخشى الزحف الإخواني على امتيازاتها، تطور هذا التحالف الانتهازي واستنر غطاء دعم قوي لحركة استمارة تمرد التي أنفق عليها بسخاء بالغ لحصار سلطة الإخوان.

لم تطرح جبهة الإنقاذ قضايا تمس الجماهير، لكنها ضخمت بقوة من عوامل الخوف من الإخوان, شكلت الجبهة أفضل غطاء ممكن للأجهزة التي استهدفت الإطاحة بالإخوان، ثم إضراب سلع وخدمات شنته الأجهزة ضد سلطة الإخوان بهدف إضعافها، حين تقدم العسكر كان المشهد مهيئاً تماماً، وكل رموز الإنقاذ أقل من التقدم لقيادة المشهد والاستيلاء باسم الإنقاذ على السلطة، ومن ثم كان المسرح ملائماً تماماً لظهور المخلص العسكري دون منازعة. وأنجز دستوراً أسوأ من سابقه تمهيداً مباشراً لفرض حرية حركة البزنس وسحب الدولة من الخدمات والحياة الاقتصادية معاً. الإضرابات الاحتجاجية اتسعت بقوة لكنها ظلت مجزأة وقاصرة عن مواجهة غول الدولة والتحالف المدني الذي أضعف قوة اليسار والحركة الاجتماعية بقوة.

بعد انجاز دستورهم طرحت قضية الانتخابات، دفع الجيش برجله بعد سلسلة مناورات سياسية، وأمام المرشح العسكري بدأ إخلاء المشهد من أي منافسة جادة أو منافسين محتملين، المرشح الإصلاحي الوحيد (خالد علي) الذي كان يمكن أن يستهل صراعاً سياسياً جدياً ضد الجنرال، تعرض لضغوط شديدة من حلفاءه وحزبه الوليد أدت إلى انسحابه. وبالمقابل تم الدفع بحمدين – الحليف الناصري – لخوض الانتخابات ضد الجنرال، حمدين الذي قرر رفض أي هجوم سياسي على المجلس العسكري وشكل فعلياً هكذا صمام أمن ضد النقد في صفوف المعارضة، صمت هو ورجاله أمام تجاوزات الشرطة والجيش، وتحولت المعركة الانتخابية لطقس تافه خالي تماماً من أي صراع في انتظار إعلان النتيجة لا غير.

ما من شك أن الانتخابات الرئاسية، في الأحوال العادية، يمكن أن توفر فرص شن معركة سياسية بدعاية مضادة للنظام ككل، وشعارات تمثل هجوماً على الرأسمالية كنظام، ومن ثم تساعد في إعادة التعبئة السياسية للجماهير على أصعدة إستراتيجية، وفي توسيع نطاق التشهير السياسي العام بما لا يقارن بانتخابات أخرى، وذلك على الرغم من أن مقعد الرئاسة يظل ريشة في مهب ريح الصراعات والمؤامرات التي غالباً ما تطيح بالإصلاحيين بعد أن تقربهم أشد ما يكون إلى مقاعد الحكم، فكل خطوة يخطوها هؤلاء تتحول إلى حقل ألغام ومعارك سرية بهدف إرباكهم وتأزيمهم وما لم يتم اللجوء للجماهير لبناء سلطتها باستيلاء من أسفل على مراكز الثقل وصنع القرار، ما لم توضع المؤسسات تحت رقابة جماهيرية مباشرة، ما لم يتم تسليح الجماهير لفرض رقابتها تحت شعار الدفاع الثوري، لا يكون لسلطة إصلاحية أي حظ في البقاء. ومن ثم فمن الخطأ – في الأحوال العادية – مقاطعة انتخابات الرئاسة، وبنفس القدر من الخطأ إقامة أي تحالفات انتهازية أو عبر طبقية خلالها، والخطأ الأكبر هو اعتقاد أن انتقال انتخابي للسلطة الرئاسية يرتب أي تغيير حقيقي في البنية الاجتماعية أو التوازنات الطبقية. قد تفتح انتخابات الرئاسة الباب لتجذير وتوسيع الصراع الطبقي السياسي، هذا أقصى ما تتيحه من فرص ثورية، وبعد ذلك كل شيء يتوقف على مجرى الصراع نفسه.

ولمكن هل تتيح الانتخابات الكاريكاتورية الجارية أي نوع من المعارك الحقيقية الممكنة ضد النظام؟

لقد جرت انتخابات 2012 في ذرة صعود للصراع السياسي والاستقطابات الاجتماعية، قدم اليسار منفرداً 3 مرشحين على الأقل، رغم ارتباكه وضعفه، أقربهم لشن هجوم سياسي وهو خالد علي أحدث تأثيراً سياسياً قوياً، ودعمت أجنحة من الطبقة الحاكمة المرشح القومي الناصري واضعة إياه في المجموعة المتقدمة في السبق، استقطابات شفيق / مرسي مثلت مسرحاً لمخاوف الجماهير من كليهما، تقدما السبق كل بسبب الخوف من الآخر، وفي ظل مناخ دعاية مفتوح وجماهير داخل حلبة المشاهدة بالملايين، لم تكن قوى الثورة جاهزة لحس هذا الصراع الانتخابي لصالحها، لكنه مثل لها فرص لشن دعايتها وسط جمهور واسع. السير وراء أبو الفتوح أو مرسي أو حتى حمدين فتت فعلياً فرص استقطابات ثورية، وانحصرت الإعادة بين أقطاب الثورة المضادة.

الانتخابات الراهنة لا تشبه سابقتها في شيء جوهري، فهي تجري على خلفية استقطابات رجعية ابتداءً، وتراجع شديد في الصراع الاجتماعي وفي قدرة الجماهير على إجراء أي تعديل في المسار من واقع 13 مرشح لا يوجد سوى 2 فقط تقدموا للترشيح، أحدهما مدعوماً من أغلب الطبقة الحاكمة ومن جميع أجهزة الدولة والإعلام ومن قطاعات كبيرة من الجماهير. وتمهد له إجراءات بوليسية تفرض الرعب على خصومه، وتحصي مسبق لنتيجة الانتخابات من أي طعن، وفي مواجهته خصم هو حليف أصيل للعسكريين وأحد اللاعبين الرئيسيين في جبهة الإنقاذ البورجوازية التي سهلت مهمة التعديلات الدستورية للعسكريين واتشحت بصمت ذليل أمام ديكتاتوريتهم وقمعهم، وقد أعلن – في مواجهة المرشح العسكري – أنه لا يقبل أي هجوم على العسكريين في حملته، ومن ثم فقد – قبل أن يبدأ – ميزة شن أي هجوم جدي على النظام، ويدخل المعركة بأعلام منكسة وشعارات عامة فارغة لا تمثل أي تميز في مواجهة رجل الدولة القوي، الإجراءات الديكتاتورية والسياسة الاقتصادية هما نقطة ضعف السلطة والعسكريين، وتعهد خصمهم بعدم الاقتراب منهما، أي تعهد بتحصين الجبهة التي يمكن أن يشن هجومه عليها، ومن ثم حكم على حملته بالعقم التام.

لسنا إذن أمام أي معركة سياسية في الانتخابات القائمة، لا هجوم ولا هجوم مضاد ولا تعبئة ثورية من أي نوع، ومن ثم فالسؤال الخاص بالمشاركة أو المقاطعة، سؤال خاطئ من أساسه، نحن نشارك في معارك نحشد فيها الجماهير أو نصل من خلالها للجماهير بهدف تنظيمها وتعبئتها، الانتخابات هامة بقدر ما توفر فرص لهذا، مهما كان النظام رجعياً أو التشريعات معادية، لكن الانتخابات الراهنة لا تنطوي على صراع، أو فرص صراع سياسي، إنها أقرب إلى التذكية منها للاختيار التنافسي، ودعاية أطرافها التعسة تمثل بوقين للنظام، أحدهما في السلطة فعلاً والآخر لا يسعى لتهديدها بأي درجة، بل ومستعد لإحراج من يحاول مهاجمة سياسة العسكريين وسلطتهم الفعلية. المعركة إذن ديكورية صرف، ولا يوجد فيها فرص لممارسة دعاية ثورية، إلا أن بعض الأطراف تدعونا – رغم هذا المشهد الساخر – أن نتصرف وكأن صراعاً فعلياً يدور، أن نصوت لحمدين في مواجهة السيسي، على الأقل لإنقاص تأييد السيسي إن لم يكن لهزيمته، ولكن أي هزيمة للسيسي في التصويت لحمدين؟ وبمعنى آخر .. أي مكسب تحققه الثورة بزيادة أصوات حمدين؟

أحد السبل التي تتقدم بها الثورة هي أن تختبر حدود الإصلاحيين والقيادات الانتهازية التي تعمل على كبحها، وأن تضعهم خلفها حتى تستطيع التقدم للأمام، ويلعب الثوريون دوراً خاصاً في تعزيز تلك العملية بالضغط على الإصلاحيين والانتهازيين حتى تضعهم أمام مطالب أكثر جذرية وتكشف حدودهم، ولكن ذلك مشروط بأن يخوض الإصلاحيون صراعاً حقيقياً يجذب الجماهير خلفهم إلى شرك الإصلاحية، ومن ثم يتعين المشاركة – من موقع مستقل – في هذا الصراع لقطع الطريق على هذا الشرك وتسريع تحرر الجماهير منه. الحال أننا لسنا نواجه استقطاب إصلاحي أو معارك يخوضها إصلاحيين، لسنا أمام كرينسكي أو يسار حزبه الإصلاحي، اليسار القومي بأغلبه انحاز في الصراع للعسكريين بدلاً من الضغط عليهم لتحقيق مكاسب، وانقسموا بكتلتهم التاريخية إلى أغلبية في معسكر الجنرال، وجزء مع المنافس الخجول وليس ضد خارطة طريق العسكريين واقتصاد السوق، وحتى لم يتخذوا موقفاً واحداً ذا شأن ضد فرض الديكتاتورية والقمع.

لقد ابتز الجنرال الأمة بخطر (الإرهاب) ولعب منافسه الكاريكاتوري دوراً – ولو بالصمت – في ترويج الابتزاز. فأي معركة تتبقى له ليخوضها. إنها معركة الدعاية المجردة، معركة الحديث العام عن العدالة والسمن والعسل، وليس حتى سجالاً أو تشهيراً باتجاهات النظام، إنه يرفض في الهواء الطلق إشراك الفلول في السلطة، عنترية في الفراغ، ويتغافل عن مشاركته إياهم في جبهة الإنقاذسواء مقاعد الوزارة أو تحديد السياسات، ويرفض إشراك فلول الإخوان بينما يتحدث ليل نهار عن المصالحة الوطنية، أي أكاذيب تلك تشكل معركته.

هل يساعد الثورة دفع الجماهير للاقتناع بأكاذيب فارغة؟ خداعها وحتى دون ثمن؟ يمكن أن نخدع أنفسنا وأن نخدع الجماهير ونوجد ممن جديد موطئ قدم جديد لخيانات الإصلاحيين، لكن ليس باسم الثورة التي سنغرقها أكثر فأكثر في الوحل بهذا الخداع. لقد سهل الحليف الضعيف – صباحي – مهمة الجنرال منذ المشاركة في جبهة الإنقاذ، وتسليم دفة القيادة له ليحارب الإرهاب، والصمت حين استطالت حربه لتمس حريات الجماهير ومسار الثورة نفسها، إن الجماهير تنتظر الرجل القوي وليس الحليف التافه، هذا ما جناه الحليف بتواطئه الانتهازي، فضلاً عن أنه حتى معركة الدعاية المجردة يخوضها الحليف بشكل مذري، حديث أجوف عن مشروعات وكأنها ستنفذ بعيداً عن السياسات الاقتصادية التي قرر هو نفسه عدم المساس بها.

لن نساعد في ترويج الأكاذيب أو خداع الجماهير، المباراة الجارية عبث صرف، وتكمل بعضها البعض دون صراع حقيقي بين توجهات وسياسات.

ومن ثم لا يجب أن نكافئ خيانة الانتهازيين بدعمهم، بل بكشفهم فعلاً وكشف خيانتهم أمام الجماهير، تحن مضطرون فعلياً إلى الاعتراف بأن أطراف المشهد الانتخابي كليهما تآمر على الثورة، وأن لا أحد منهم يسعى لدعمها أو دفعها للأمام، وأن نجعل مشاركتنا في المشهد هجوماً على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فضحاً للديكتاتورية المضادة للثورة برمتها، تحفيزاً للجماهير أن تستعد من الآن لمواجهة الهجوم على الدعم وعلى الأجور الفعلية وعلى حق التنظيم والتظاهر والإضراب، باسم الدفاع عن حقوق الجماهير علينا تجهيز الجماهير نفسها لخوض معركتها الطبقية رداً على هجوم الرجعية والعسكريين.

إن شعور الجماهير بالغبن وبالهجوم على خبزها وشغلها، هو ما يسهل مهمة الإرهابيين، ليست دولتنا بعد، لم ينتهي الظلم بعد، هكذا سيفكر الفقراء أمام هجوم الإرهابيين، الفقر والظلم يساعد الإرهاب الرجعي والعسكريون يريدون استمرار الإرهاب ليبرروا استمرار الديكتاتورية والقمع. علينا توجيه دفة المعركة ضد الرأسمالية نفسها التي لا تتوانى عن الدفع في اتجاهات أكثر دموية وفوضوية لتغطي جشعها وأرباحها، وليس علينا أبداً تغطية خيانة الانتهازيين أو الصمت أمام الديكتاتورية العسكرية.



#اليسار_الثوري_في_مصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات الرئاسية .. مسار التناقضات - كراس
- المبادئ الماركسية والتكتيكات الانتخابية - الرابطة الشيوعية ا ...
- الماركسيون والانتخابات - بول داماتو - مقال مترجم
- توحش الرأسمالية وضرورة الاشتراكية - كراس - من أرشيف اليسار ا ...
- فبراير شهر الإضرابات العمالية ... - مقال
- قدري دميان وزيراً للمالية .. حكومة محلب تكشف انحيازاتها مبكر ...
- تأملات أولية في المسألة الرئاسية ومسار الثورة المصرية - كراس ...
- نضال الطلاب بين فبراير 46 واليوم - مقال
- دولة دستورية أم دولة قمعية؟ -
- الحد الأدنى للأجور .. مكسب للحركة أم مناورة من السلطة - مقال
- الثورة المصرية وسياسة عصر الليمون .. أزمة البديل الغائب - مق ...
- حول ما حدث في ذكري 25 يناير - مقال
- عودة الدولة البوليسية والسيطرة على قوى الثورة
- الثورة المصرية .. حدود وآفاق - من أرشيف مواقف اليسار الثوري
- في معايير الحكم على الأوهام الدستورية … قراءة ماركسية في مسأ ...
- علامات على طريق الثورة المصرية في ذكرى شهداء يناير
- -دستورهم- بين أهداف الثورة ومناورات الثورة المضادة


المزيد.....




- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - اليسار الثوري في مصر - بيان سياسي حول موقفنا من الانتخابات الرئاسية الجارية