أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اليسار الثوري في مصر - -دستورهم- بين أهداف الثورة ومناورات الثورة المضادة















المزيد.....



-دستورهم- بين أهداف الثورة ومناورات الثورة المضادة


اليسار الثوري في مصر

الحوار المتمدن-العدد: 4341 - 2014 / 1 / 21 - 13:09
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تنطوي مواد هذا الدستور على جملة رهيبة من الإخلال بالحقوق العامة للشعب، بل إنه ينطوي على جرائم حقيقية في حقه، إنه دستور الثورة المضادة بلا أدنى شك، محاولة لاستعادة الهيمنة السياسية والاقتصادية وسلب ما اكتسبه الطبقات الفقيرة من حريات وحقوق أثناء مجرى الثورة، هو خيانة لكل ما استهدفت الثورة تحقيقه، لا يقدم مكاسب سوى للرأسمالية المصرية، أما بالنسبة للشعب يقدم أكاذيب وأوهام تختفي وراء عبارات مزخرفة.
في هذا الكراس نتعرض لأوهام النصوص الدستورية، وذلك رغم اعتقادنا انه لن يكتب له الحياة وأن عمره قصير، وأن رياحاً تالية سوف تقتلعه من جذوره. فلا الطبقة الحاكمة راغبة في تقديم تنازلات، ولا الدستور يقدم حد أدنى من الإصلاحات لتسكين عوامل الغضب والتململ لدى الجماهير المترقبة. وعلى العكس فإنه يفتح أوسع الأبواب لتوحش أكبر للرأسماليين، وللفساد الحكومي، والقمع البوليسي والعسكري للجماهير.

مقدمة
في إطار صفقة سياسية بين المجلس العسكري وتنظيم الإخوان المسلمين ومباركة ورعاية الإدارة الأمريكية، وصل الإخوان إلى الحكم. وكان على الإخوان قبل أي شيء قطع الطريق أمام استمرار الثورة، وتوفير استقرار للدولة المصرية والطبقة الرأسمالية، بعد ذلك تأتي عملية توسيع النفوذ والحصص بين أجنحة الطبقة التي لا تزال حذرة تجاه محاولة استحواذ الإخوان وأنصارهم على كافة المقاليد، وإعطاء الضمانات الملائمة للامبريالية الأمريكية والاحتلال الصهيوني، هذه الأمور كان على الإخوان انجازها معاً، إلا أن العقبة الأكبر كانت طموحات وتطلعات الجماهير التي بايعت الإخوان أو حتى التي عارضت وجودهم، تلك الجماهير التي كانت على أهبة الاستعداد للانقلاب على الإخوان إذا لم يلبوا طموحاتها، إنها في حالة ترقب ثوري ولها أهداف ومطالب تصر على تحقيقها، حتى وإن اختصرت أهداف ثورتها (بسبب مشكلات الوعي والتنظيم الثوريين ) في مطالب عاجلة أبسطها استقرار الأحوال وتحقيق إصلاحات اقتصادية عاجلة، وأن تعامل بكرامة.
إلا أن الإخوان اكتفوا بتحالفهم مع الإدارة الأمريكية وما قدموه من ضمانات، وانقلبوا على أجنحة الطبقة الحاكمة في عملية استحواذ ليس فقط على مقاليد الحكم ولكن أيضاً على مفاتيح الاقتصاد والسوق، وبذلك وسعوا جبهة المتذمرين لتضم البيروقراطية القديمة في الدولة، ولم يعبئوا بمطالب الجماهير الشعبية، واستخدموا العنف في مواجهة مظاهرات الاحتجاج على حكمهم. وبكلمة زادت من الألغام الساخنة في المسرح الاقتصادي والاجتماعي بدلاً من إزالتها، هكذا زفرت الثورة بغضب بدلاً من أن تخمد أنفاسها، وتهيأ الواقع لانتفاضة ثورية تطيح بحكم الإخوان، لكن خوف الطبقة الحاكمة من أن تمتد الانتفاضة الثورية إلى حكمهم وامتيازاتهم، دفعهم إلى أن ينظموا أنفسهم ويتحالفوا مع الإصلاحيين من اليسار والقوميين ومثقفي الطبقة فيما سمي بـ"جبهة الإنقاذ"، كان المطلوب هو إنقاذ "النظام" على وجه السرعة وليس مجرد الإطاحة بحكم الإخوان، على الجانب الآخر كانت مؤسسة القوة "العسكرية" تتجهز لإدارة المشهد والمرحلة، فهي من ناحية لا تثق بقدرة الليبرالية والإصلاحيين التي تفتقد إلى سند جماهيري، ومن ناحية أخرى لها مصالحها الخاصة وامتيازاتها التي ترغب في حمايتها،فضلاً عن كونها الظهير المسلح والأهم للنظام ككل. هكذا جرت الأحداث في 30 يونيو وما تلاه، حيث خرجت الانتفاضة الشعبية من جهة، وأدار العسكريون المشهد من الجهة الأخرى.
تم إسقاط دستور 2012 الإخواني وتنصيب رئيس "شكلي" مؤقت وحكومة مؤقتة. وفي الخلف كان وزير الدفاع ومجلسه العسكري هم الحاكم الفعلي للبلاد.
لكن مهمة الإنقاذ -إنقاذ النظام – لا تزال غير محلولة حتى الآن، فالإخوان شنوا حرباً رجعية مسلحة ضد الجماهير، ثم تدخل العسكريون والأمن لردع الأخوان، وارتفعت وتيرة المواجهات المسلحة.
إلا أن الإخوان ومقاومتهم ليست الخطر الوحيد أو الأهم في طريق إنقاذ النظام، فاستعادة الاستقرار وفرض النظام يتهددهم انفجارات شعبية جديدة، وبدلاً من تقديم تنازلات حقيقية للجماهير المترقبة رفعت القوات المسلحة مستوى تسليحها وانتشارها لتأمين الجبهة "الداخلية" من الجماهير بالأساس، وبدرجة – أقل بكثير – من العصابات الإخوانية والجهاديين. بل إن محاولة فرض الصمت على الجماهير احتاجت أن تستمر فزاعة "الإرهاب" الجهادي والإخواني أمام الجماهير، قدمت أعمال العصابات الإسلامية المسلحة ذريعة مناسبة لأجهزة الدولة في فرض القيود وتوسيع حصار الجماهير، واضطرت قوى المعارضة الأخرى إلى اتخاذ وضع الترقب حتى لا تختلط أعلامهم بالإخوان أو تتحول معارضتهم إلى دعم للعصابات الإسلامية.
ولكن هذه المواجهات لم تكن تحمل أي وعد للجماهير، وغير قادرة في ذاتها على أن تمهد لاستعادة الاستقرار لقوى النظام، أو طرد شبح الثورة من مسرح الأحداث، لذلك فقد دارت عملية سياسية على التوازي من المواجهات، تشكلت لجنة الخمسين بدعم قوى من الناصريين واليسار الانتهازي، وأعدت مسودة دستور فيما يشبه السرية، وبدأ لتمهيد لانتخابات شكل حكم جديد؛ رئيس ووزارة، مثل الجنرال الدولة، ومثلت تيارات جبهة الإنقاذ دور مساعدي الجنرال.
كان على الدستور تلبية أغلب مطالب الطبقة الحاكمة وممثلي مصالحها الليبراليون وأن يقدم إصلاحات تافهة، ربما لا تتعدى الألفاظ والصياغة،إلى إصلاحيي اليسار والقوميين المشاركين في العملية، وكان عليه قبل أي شيء آخر تحصين الامتيازات الفاحشة لمؤسسات الحكم، وفي المقدمة منها امتيازات المجلس العسكري (الحاكم الفعلي والظهير العسكري للطبقة) وإطلاق يد رأس المال من كافة القيود الدستورية السابقة. بما في ذلك تحرير البرلمان البرجوازي من نسبة (50% ) عمال وفلاحين التي نصت عليها الدساتير السابقة، والاعتراف بسيادة قوانين السوق.
وتم تسويق الوهم التقليدي الكبير حول الدستور؛ دستور جديد، دستور ثورة، عقد جديد، إصلاحات دستورية، نظام دستوري جديد، استقرار دستوري، فجر جديد. هذا الخطاب موجه للشعب تحديداً لخداعه، ويحدث حول أي دستور أو تعديل دستوري، خاصة إذا تم على خلفية انتفاضات جماهيرية، ولكن الجديد في الأمر هو ضخامة تلك الجوقة الانتهازية من إصلاحيي اليسار ومثقفي الطبقة الوسطى التي انطلقت تتغنى بمزايا الدستور الجديد، وتبرره أمام كافة الانتقادات الموجهة إليه؛ إنه أفضل دستور ممكن في إطار توازنات القوى الراهنة، وكل هذا اللغو الذي ينطلق من محاولة تثبيت لقطة صغيرة عابرة في شريط كبير لدراما مليئة بالمفاجئات.
في هذا المقال نتعرض لأوهام النصوص الدستورية، وذلك رغم اعتقادنا انه لن يكتب له الحياة وأن عمره قصير، وأن رياحاً تالية سوف تقتلعه من جذوره. فلا الطبقة الحاكمة راغبة في تقديم تنازلات، ولا الدستور يقدم حد أدنى من الإصلاحات لتسكين عوامل الغضب والتململ لدى الجماهير المترقبة. وعلى العكس فإنه يفتح أوسع الأبواب لتوحش أكبر للرأسماليين، وللفساد الحكومي، والقمع البوليسي والعسكري للجماهير.

دستور مسخرة وفُجر كاذب
بعبارات إنشائية سخيفة ورطانة مملة، جاءت ديباجة الدستور؛ مصر مهد الأديان، وطن خالد للمصريين، اتحدت إرادة الأجداد الخيرة، راية مجد الأديان السماوية … ليس هذا درس إنشاء في مدرسة ابتدائية بل نصوص ديباجة دستور إنه الهذيان يطل من المقدمة.
من تلك الديباجة تبدأ مصادرة الحقوق الثقافية لقطاعات من المصريين، رغم التبجح بأنهم "متساوون في الحقوق" فاللغة النوبية واللغة الأمازيغية مجهلين تماماً، فقط اللغة العربية "لغة رسمية" ولا غير، وليست بدعة في الدساتير النص على أكثر من لغة كلغات رسمية، أو حتى الاعتراف بوجودها وحق أبنائها في تعلمها وتعليمها واستخدامها مع الدولة.
هذا الإنكار وغيره يكشف كذبة "التساوي في الحقوق"، نترك رطانة الديباجة التفاهة لنرى النصوص.

القضايا الاجتماعية في دستور"هم"
لا يعبأ أغلب المواطنون من الطبقات الفقيرة والكادحة بالشأن السياسي المباشر؛ شكل الحكم، سلطات الرئيس، اختصاصات الوزارة … الخ. إنهم يهتمون مباشرة بما سيقدم لهم في المجال الاقتصادي والاجتماعي؛ العمل، العلاج، السكن، والكرامة. ورغم أهمية المجال السياسي،إلا أنه في الجزء منه المتعلق بالسلطة وتفاصيلها ليس هاماً في ذاته لدى الجماهير، ويمثل انشغالات نخبوية، إنه مهم فقط إن نزل من سماءه المجردة على أرض الواقع والتقطته الجماهير في أشكال سلطة يمارسونها هم، عدا ذلك يكون المهم هو الإصلاحات الملموسة في أوضاعهم، طالما لم تقرر الجماهير بعد أن تستولي على السلطة بنفسها، ومن فهي تنتظر فقط إصلاحات مناسبة لأوضاعها، لنرى إذا ما يقدمه دستور"هم" من إصلاحات تهم القطاعات الشعبية.
1. الحق في السكن:
قضية السكن في مصر هي قضية الطبقات الفقيرة على وجه الحصر، هؤلاء الذين يسكنون في أكواخ أو عشش، مناطق فقيرة تتكدس فيها القمامة، غرف أو شقق صغيرة يتكدس فيها البشر، مناطق عشوائية محرومة من المرافق والخدمات، الارتفاع الجنوني في الإيجار، عقد السكن المؤقت الذي يحرم الأسرة من وضع استقرار في مكان الحيازة الصغيرة المهددة دائماً، الورش التي تزاحم السكان، المناطق الهامشية أو الريف، والنتيجة في أبسط صورها عجز أبناء الفقراء عن تكوين أسرة، زيادة العنوسة، زيادة التشرد وسكن الأرصفة أو المقابر.
أزمة السكن مرتبطة عضوياً بالدخول المحدودة، وقلة أو انعدام فرص العمل، فماذا يقدم دستور المساومات الفوقية للطبقات الفقيرة في هذا الشأن؟
انه يقدم مادة في الدستور من ثلاث فقرات؛
المادة (78):
الفقرة الأولى:
"تكفل الدولة للمواطنين "الحق" في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية."
في تلك الفقرة لا "تلتزم" الدولة بتسكين المواطنين ولا حتى بخطه محددة لتسكينهم، إنها تلتزم فقط بأن يكون لهم "الحق" في السكن، مثل الحق في السفر والحق في الحياة، لكن ممارسة هذا "الحق" مرهونة بقدرة المواطنين على استعماله، قدرتهم المالية على تأجير سكن ملائم، ولن يمنعك أحد مادمت قادراً، هذا هو التزام الدولة، لك حق واذهب لاستعماله حسب قدرتك، وإن كنت غير قادر مالياً فتلك مشكلتك أنت لا مشكلة الدولة، هذه الفقرة باختصار لا تقدم أي شيء ملموس لحل مشكلة السكن.
الفقرة الثانية:
"تلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم أرض الدولة ومدها بالمرافق الأساسية، في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتيجيه لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة."
خطة وطنية للإسكان، ما هي أهداف تلك الخطة التي يقتصر التزام الدولة على مجرد وضعها، ومن سينفذها، وبأي موارد؟ هذه الأسئلة كلها غير هامة لأن تلك، الخطة الوطنية، ليست سوى مجرد تشجيع للقطاع الخاص وشركات المقاولات. لنرى …
1. "مراعاة الخصوصية البيئية"؛ الفارق مثلاً بين المناطق الحارة وغيرها، الأحياء القديمة وطرزها المعمارية، البيئة الصحراوية، ….. الخ، مراعاة تصلح لجلب السياحة وليس لحل مشكلة إسكان الفقراء، تلك هي أولى أهداف الخطة.
2. "إسهام المبادرات الذاتية والتعاونيات في التنفيذ"؛ الدستور يخاطب القادرون على البناء العقاري، مقاولون أو أشخاص أثرياء، مشروعات تعاونية بين أبناء القادرين من الطبقة الوسطى لبناء أبراج سكنية لهم، لا مكان للفقراء في تلك الخطة"الوطنية" سوى ربما العمل كعمال بناء ودهان، وليس أبداً السكن في تلك الأبراج أو غيرها.
3. "تنظيم استخدام أراضي الدولة"؛أي تنظيم؟ وما أهدافه؟ مشروعات أو عمارات أو قرى سياحية، هل ثمة نص لم نلاحظه يقدم سكناً للفقراء أو محدودي الدخل؟ الدولة فعلاً مسئولة عن تنظيم أراضيها، ولكنها أيضاً تطرد منها فلاحو الإصلاح الزراعي مثلاً، وتساعد المستثمرين على إجلاء المزارعين من الجزر النيلية لتحويلها إلى منتجعات، جزر الوراق والقرصاية مؤشر على السياسة الفعلية للدولة، هذا هو تنظيم الدولة الحقيقي في ظل سياسات السوق والليبرالية الجديدة.
4. "تخطيط عمراني شامل وإعادة توزيع السكان"؛ هذه العبارة الفخيمة لا تعني أبداً تقديم سكن ملائم وصحي لغير القادرين مالياً. ثمة تخطيط فعلاً لديهم لتسليع الأرض ورفع ثمنها وإعادة التقسيم الأحياء بحيث لا يزاحم الفقراء الأثرياء، محطة مترو الزمالك نموذجاً، التخلص من البيوت الفقيرة وسكانها لبناء عمارات ومشاريع …….
5. والعبارة الأخيرة "تحسين نوعية الحياة للمواطنين"؛ مثيرة للسخرية، فالمواطن المحروم من عمل بأجر مناسب، يمكنه من استئجار سكن ملائم، فضلاً عن العلاج والتعليم، ها هو السكن الملائم يتبخر ولا وجود له في التزامات الدولة، وسنرى لاحقاً العمل والأجر والعلاج، ثم نتحدث بعد ذلك عن "تحسين نوعية الحياة".
الفقرة الثالثة:
"تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط، وتوفير بنية أساسية ومرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، وتكفل توفير الموارد اللازمة خلال مدة زمنيه محددة."
بغض النظر عن تكرار الجملة الكوميدية "تحسين نوعية الحياة" فهذه الفقرة شديدة الخطورة، ما يسمى بالعشوائيات هي غالباً مناطق سكن الطبقات الفقيرة في المدن، وهى مطمع كبير للمستثمرين، أزيلوا تلك الأكواخ لنبنِ مكانها فنادق وأبراج كبيرة ومجمعات تجارية، تلك هي حرب المستثمرين وبتواطؤ ومشاركة من الدولة ضد الفقراء، المثال البارز هنا هو منطقة مثلث ماسبيرو، حي بولاق أبو العلا، اعتباره عشوائياً وتحت شعار "التطوير"أو "إعادة التخطيط" يقتلع الفقراء من بيوتهم وهدمها لبناء مشروعات استثمارية بالقرب من النيل ووسط العاصمة، وهنا فقط أعلنت الدولة أنها "تلتزم"، لإحكام الخناق على الفقراء، فلا التزام مثلاً باستمرار سكانها فيها أو توفر لهم ما يلزم للتطوير، التطوير يستهدف الحي وليس السكان، وستحل الدولة مشكلة السكان بطرق مثل مساكن النهضة، وتقدم المنطقة على طبق من فضة للمستثمرين في إطار"إعادة تخطيط" المدينة والعشوائيات.
والكارثة الوشيكة ما تردد عن أن الجيش سيتولى هذه العملية المشبوهة، ففي تلك الحالة لو رفض السكان تهجيرهم أو إخلائهم من بيوتهم، سيقدمون للمحاكمة أمام محاكم عسكرية فضلاً عن ما سيتعرضون له من قمع عسكري.ولا يجب أن نفصل النصوص عن سياسات النظام وتوجهاته، ولا يجب أن نتغافل عن أنه يضع النصوص التي ينفذ بها مصالحه وسياساته.
تلك هي الخطة الوطنية، والخطة القومية، ونصوص الدستور حول قضية من أخطر قضايا عشرات الملايين من الفقراء في مصر، على الأقل 9 مليون عانس وعانسة، 3 مليون متشرد …… والباقي أشد.
2. الحق في الغذاء:
المادة (79):
"لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال."
إنها نفس الصياغات التافهة التي تطلق يد الدولة من أي التزام حقيقي أو ملموس، "لك الحق في الغذاء الصحي"، اللحم أو السمك مثلاً ثمن الكيلو كذا، لن يمنعك أحد من شرائه، لم تقل الدولة أنها ستقدمه مجاناً أو بسعر بخس، أو أنها سوف تدعمه بأي طريقة، عذراً فهذا مناقض للسياسة الاقتصادية، وتشجيع المستثمرين، هذا "الحق" هو لا شيء على الإطلاق، فالمشكلة تكمن في القدرة الشرائية، في أجور ومرتبات تتيح لك ذلك، يقررها السوق والمستثمرين وليس نصوص الدستور، ولذلك فهذا النص رطانة سخيفة،إنه مجرد ديكور دستوري وليس حق فعلي، تلك العبارة، تكفل الدولة الحق في، لا تكلف الميزانية قرش واحد، ولا تأخذ قرش واحد من أموال رجال الأعمال، ولأنها عبارة خادعة ومزخرفة، يمكن أن تمتد للأجيال القادمة، الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، شكراً للدستور من الأجيال التي لم تأتى بعد فقد حفظ لها حقها من الرطانة الدستورية.
أيها الفقراء .. الدستور لا يضمن لكم سكن ولا يوفر لكم طعام.
3. الحق في العمل:
المادة (12):
"العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل.
مرة أخرى العمل "حق" ، حسنا ولكن الدولة لا تلتزم بتوفير فرص عمل للخريجين أو العاطلين، والشركات الخاصة لا قيد عليها في توظيف أو تعيين من تشاء، فلا تكافؤ في الفرص أمام القطاع الخاص، لا إلزام عليه بنسبة عمالة معينة، أو بشروط توظيف محددة، ومن ثم لا قيمة لهذا النص لا في القطاع العام ولا الخاص، وعلى محكه تحديداً تنهار أكذوبة تكافؤ الفرص، يبقى لنا أن"العمل حق"، عُلم.
المادة (13):
"تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، … ويحظر فصلهم تعسفياً، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون."
يحيل الدستور إلى القانون، وقانون العمل الموحد المعمول به يعد كارثة على حقوق العمال، وله مجال نقاش آخر، المهم هنا أن الفصل التعسفي يحظره الدستور، هذا أمر رائع، و لكن إن لم يعبأ صاحب العمل بنصوص الدستور ما هي العقوبة التي ستوقع عليه؟ .. عقوبة!! من ذكر عقوبة، لا توجد أي عقوبة على صاحب العمل، كل ما يملكه العامل هو رفع دعوى تعويض عن الفصل ، ولا يمكن أن يفرض على صاحب العمل إعادته للعمل ، سيتشرد، لا بأس، لن نخيف أصحاب العمل، فليذهب العامل إلى الجحيم وليجري في المحاكم خلف دعوى التعويض، فعلاً … إنه شرف تكفله الدولة.
4. الحق في الصحة
مادة (18):
"لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.
وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم.
ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي.
وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون."
نحن مجدداً أمام تلك العبارة المراوغة التي لا تحمل التزاماً بأي شيء، لكلٍ مواطن "الحق"، اذهب واستعمل هذا الحق إن كنت تقدر ..، المرافق العلاجية الحكومية رديئة إلى حد الفضيحة، ولا تقدم أدوية للمرضى بالمجان، ولا يتوفر فيها أجهزة علاجية حديثة، و يضطر المريض فيها أن ينفق على كل شيء تقريباً،، فالعلاج ليس بالمجان ، هذا هو الحق في الصحة، فيما عدا ثمن كشف الطبيب والذي حتى هنا يحتاج إلى فحوص وأشعات تجرى على نفقة المريض، إن كثيراً من المرضى الفقراء يموتون بسهولة لأنهم لا يملكون ثمن الفحوص أو العلاج.
ثم ماذا …
الدولة ستحافظ على مرافق الصحة الحكومية، وستخصص3% من الناتج القومي للصحة. هذه الـ 3% من الناتج القومي – والتي لن تصل إليها الميزانية مرة واحدة، بل على مدى 3 سنوات حسب المادة الانتقالية – لا تكفى لمجرد صيانة المباني العلاجية وشراء أسرة وملايات نظيفة، لا تكفى لشراء أجهزة أو معدات، وذلك أمام طوفان من الأمراض المستوطنة والموسمية والبيئية والخطيرة والدائمة، إنها أقل بكثير من نسبة دعم الطاقة الذي تدعم به الدولة أصحاب الشركات والمستثمرين.أما التأمين الصحي المشار إليه فهو لمن يقدر على دفع اشتراكه وليس مجانياً، وإن شئت الإعفاء من اشتراكه أمامك إجراءات مهينة معقدة.إن التزام الدولة في تلك المادة محصور فقط في تحسين أوضاع الأطباء – وهو أمر هام – ولكنه بمثابة تنازل أمام ضغوط الأطباء وليس تقديم علاج حقيقي يتاح للفقراء.
5. الحق في التعليم:
هل نحتاج للحديث عن التعليم، عن المدارس والجامعات الخاصة والأجنبية التي تقدم تعليم متطور وأماكن دراسة لائقة، والتي لا يستطيع الفقراء مجرد الاقتراب منها، والتي توفر فرص حقيقية للعمل لخريجيها.رب العائلة الفقير سيرسل ابنه للعمل في ورشة للمساعدة في نفقات الأسرة، أي تعليم ولمن إن كانت فرص توظيف الخريجين شبه معدومة إلا أمام أبناء الطبقة الوسطى وكبار رجال الدولة خريجي المدارس والجامعات الخاصة.
إن سياسة الدولة منذ أكثر من 20 عاماً هي عدم الالتزام بتعيين الخريجين، خفض الاهتمام بالتعليم النظري، حيث لا دخل مناسب للأسرة، ولا حافز أو قدرة على تعليم الأبناء، وحيث يوجد نوعان من التعليم، حكومي متدني، وخاص متميز، لا عزاء ولا فرص لأبناء الطبقات الدنيا، التعليم والعمل والسكن منظومة واحدة متكاملة الأركان،إن اختل أحدها اختلت جميعاً …..
لكن الدولة تعطيك "الحق" فيها جميعاً، هكذا يقول الدستور، ما سكت عنه الدستور هو أن الحق في كل منها مرتبط بإمكانيات مادية معينة، والدستور لا يعطيك تلك الإمكانيات، والدولة ليست فقط لا تلتزم بشيء فيها، لكنها تمشى في الاتجاه المعاكس، بيع المرافق، رفع الدعم، تنفيذ كل رغبات المستثمرين، وكلها على حساب الطبقات الشعبية والعمال، وذلك حتى تدور العجلة اللعينة، ولا يهم الأجساد التي ستسحقها أثناء دورانها.
6. الحق في التأمين الاجتماعي:
مادة (17):
"تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي، ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي، إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة."
التأمين الاجتماعي خدمة مقابل اشتراك، ومتاحة للعاملين فقط، ومن ثم فالعاطلين لن ينتفعوا بها، فضلاً عن أنها لا تحمل الدولة أي أعباء تقريباً، وشروط الضمان الاجتماعي، أن تثبتك عجزك أو عدم قدرتك على العمل أو على إعالة أسرتك ونفسك ..الخ، يصعب إثباتها، باستثناء الشيخوخة، ونعرف جميعا المبلغ التافه الذي يصرف بعد كل ذلك، إن النص بحالته هذه لا يقدم منفعة ملموسة وإن كان يقدم زخارف لفظية.
7. الضرائب:
مادة (38):
"يهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية … ويراعى في فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر. وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية..."
النص يقرر بسفور عدم وضع ضرائب "تصاعدية" على الأرباح فمن يكسب 10 مليون سيدفع في نفس الشريحة التي يدفع فيها من يكسب 10 آلاف. الضرائب التصاعدية مقررة على الدخول فقط، أي العاملين والموظفين، هؤلاء من ستسحق الدولة الزيادة فيدخلهم عن طريق الضرائب التصاعدية، أما السادة أصحاب الشركات والمستثمرين، هؤلاء لن تقترب الضريبة التصاعدية من أرباحهم أو مضارباتهم أو عوائد استثماراتهم، لا زيادة في"نسبة الضريبة" مهما ارتفعت الأرباح.هذا هو المؤشر على السياسة الاقتصادية الحقيقية للدولة، حسبما يقرر دستور"هم"، تلك هي عدالتـ"هم".
هكذا لا يقدم الدستور شيئا في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سوى رطانة وجمل فارغة وعبارات مراوغة، في السكن والعمل والعلاج والتعليم، لدينا حقوق غير ملزمة لأحد ، وعلينا أن نبتهج إن الدستور قرر أن لنا حقوق.

الحريات الديمقراطية
ننتقل الآن إلى السر المقدس لدى الإصلاحيين وأصحاب نظرية "مراحل الثورة" ورفاقهم من الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، بعد أن بيننا "وهم" الإصلاح الاقتصادي، نلج باب السر "الحريات" التي شكلت نصيبهم من الدستور "التوافقي".لنرى هل ربحوا فعلاً الحريات التي يحلمون بها من السلطة البرجوازية.
مادة (53) :
هذه المادة تقدم – في فقرتها الأولى- وجبة دسمة للبرجوازي الصغير، إنها حتى تصيب معدته بالتلبك، فهي تقرر؛
"المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر."
إنها المواطنة كاملة غير منقوصة، بل إنها حتى مطلقة، عدم التمييز لأي سبب أيا كان.نحن نعذر البرجوازي الصغير حين يسيل لعابه أمام تلك الفقرة، إنه ينتشي إلى حد أنه لا يرى باقي نصوص الدستور جيداً.
فثمة تمييز – بين المواطنين – على أساس الدين، تقرره الديباجة والمادة (2) حين تنص على شريعة الإسلام وحده "المصدر الرئيسي للتشريع" وتقرره حين تنص على أن الإسلام "وحده" دين الدولة .وكذلك يوجد تمييز على أساس اللغة بين مواطني الدولة، في الديباجة التي هي جزء من صلب الدستور والمادة (2)، حين تقرر اللغة العربية وحدها لغة رسمية وتتجاهل لغات مواطنين آخرين مثل (النوبية، الأمازيغية).
و كذلك يقرر البرجوازي الصغير، وقد صعق من فتنة المادة (53)، أن يغض البصر عن المادة (64)، حيث حرية الاعتقاد ليست مطلقة سوى في داخل الجهاز النفسي، في خبايا العقل والفكر، فإن أحداً من غير أتباع الأديان "السماوية" الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، لا يحق له أن يمارس علناً شعائر معتقده أو يبنى له معابد، حتى وإن كان مواطناً مصرياً تسرى عليه المادة (53) المثيرة، وذلك رغم أن المادة (64) تبدأ بعبارة "حرية الاعتقاد مطلقة" … نعم ولكن داخل عقلك فقط، لان الفقرة التالية في نفس المادة تقرر "حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون". ولا عزاء لمواطنين مصريين يتبنون عقيدة أخرى (مثل البهائيين) رغم مبدأ المساواة القانونية المطلقة بين المواطنين ، وعدم التمييز على أساس العقيدة، أليس هذا تمييزاً، بين المواطنين، ويهدم المبدأ من أساسه؟
إلا أن حرية الفكر والرأي مكفولة،مادة (65)، وكذلك حرية الإبداع والبحث العلمي،المواد(66) و(67)،
تم حظر الجنح المباشرة في قضايا النشر، لكنها تظل سلاحاً تملكه الدولة إذا كانت الجنحة غير مباشرة (عن طريق بلاغ للنيابة)، وستقدر النيابة، المستقلة كما نعلم،إن كانت تقيم الدعوى أو تحفظ البلاغ، لقد انتقل سيف ملاحقة المبدعين والمفكرين من يد الأفراد، إلى يد الدولة، لكنه لا يزال مشهراً فوق رقابهم، ومع ذلك فـ"حرية الرأي" مكفولة.
لكن مهلاً، يصرخ البرجوازي الصغير مسلوب اللب، لن توقع عقوبة سالبة للحرية على الكتاب، حسناً لكن تبقى الغرامة أو التعويضات، التي قد يخسر بها الكاتب كل ما يملك، وقد يظل بسببها مديناً مدى الحياة، والتي لا سقف لها، وقد تكون أشد أثراً في بعض الأحيان، على حرية الإبداع والنشر، من العقوبة السالبة للحرية.
إن العقوبة السالبة للحرية لم تختفِ تماماً أيضاً، تم منع توقيعها فقط "في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري"، أما "الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها".
أغلب جرائم النشر هي المتعلقة بالطعن في أعراض الأفراد، إنها كما هي تجلب الحبس والغرامة والتعويض لصاحبها، وتفسير القانون لما يعد "طعناً في الأعراض" واسع للغاية، أضيف أيضاً صور تجريم جديدة؛"التحريض على العنف"، هذه الجريمة التي يقررها الدستور يمكن أن تطول أي شخص يدعو لثورة، أو لمواجهة البلطجية المأجورين، أو التصدي لعنف غير مبرر من رجال أمن،فهي تتسع لتفسيرات عريضة جداً، وتهدد أعمال الاحتجاج بوجه عام،وليس فقط جماعات العنف المنظم، والتمييز بين المواطنين أيضاً يمكن استخدامه ضد من يحارب "الطبقة الحاكمة"أو يدعو حتى لمقاطعة بضائع شركة خاصة بعينها، والمفارقة أن الدستور نفسه هو أول من ضبط بـ"التمييز بين المواطنين" فيما أوضحناه وما سنوضحه أيضاً، بل إن جريمته أشد، إنه يدستر التمييز الذي يدعى أنه يمنعه. ولكن ألا يعتبر تفضيل صاحب عمل لمواطن دون آخر تمييزاً، لا يسرى النص على سادة الأعمال بالطبع.
لكن الدستور يترك، للقادرين بالطبع، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي، مادة (70)، لقد كان حلماً من أحلام الطبقة الوسطى والمثقفين البرجوازيين، أخيراً يمنحهم الدستور الفرصة ليكونوا أصحاب قنوات ومحطات تلفزيونية وصحف، لكنهم يملكونها ضمن شروط الحرية التي حددها الدستور، والسوق الذي سيوجه دفتها، إنها بمثابة صفقة للبزنس الإعلامي والإعلاني قبل أي شيء، وقد يشاركهم في ذلك بيروقراطية النقابات بجوار الشركات الخاصة، يمكن للطبقة الوسطى أن تحتفل بذلك، وهذا قبل أن تكتشف أنها هدية للاستثمار الكبير فقط، وأنهم سيظلون خدماً متميزين لهذا الاستثمار.

الحريات الجماهيرية
ونقصد بها الحرية التي تمارسها كتل جماهيرية مثل الحريات النقابية، حرية التنظيم السياسي والنقابي، حرية الإضراب والاعتصام والتظاهر والاجتماعات العامة.
1. الحق في الإضراب:
مادة (15):
"الإضراب السلمي حق ينظمه القانون."
الإحالة إلى القانون، هذا يعني التضييق على حق الإضراب، فالقانون يحدد عدة شروط للإضراب، الإخطار قبله بمدة، ثم إعطاء مهلة معينة لإجراء مفاوضات، كما أنه يحظر على العاملين في مرافق الخدمة العامة حقهم في الإضراب، بكلمة، هو حق، ولكن لن تستطيع أن تمارسه بسهولة ولا في التوقيت الذي تقرره وليس متاحاً لكل العاملين.
2. الحق في الاجتماعات العامة والاحتجاجات:
المادة (73):
"للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحاً من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون.وحق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت."
هذا الحق إذا ليس متاحاً مباشرة، عليك إتباع خطوات معينة يحددها القانون مثل إخطار الشرطة، ويمكن للشرطة التدخل في هذا التنظيم أو رفضه، و لك أن تذهب إلى المحكمة لتشكو الشرطة، وللحدث أن يكون قد انتهى أو مررته الدولة قبل أن تحصل على حكم يتيح لك مجرد الاحتجاج.ويشمل ذلك عقد مؤتمرات جماهيرية وجميع أشكال الاحتجاج، فإذا انتزعت عنصر المفاجأة، أو مررت الوقت الذي يكون فيه المواطنين في حالة غضب واستعداد للاحتجاج، تكون قد أخصيت هذا الحق وفرغته تماماً، هكذا يفعل الدستور.
3. حق تكوين الأحزاب:
مادة (74):
"للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري.ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي."
في الخلف توجد لجنة شئون الأحزاب الشهيرة التي تقع تحت هيمنة الدولة، ثمة شروط يجب استيفائها. واللجنة هي من سيقرر قيام الحزب أو صحة نشاطه، أرسل الإخطار، وستتكفل اللجنة ببقية الأمر، لازال سيف الدولة مشهراً في هذا الأمر. وفى المحظورات عبارة مطاطة أخرى تركت لاستخدامها ضد أحزاب المعارضة حسب الأحوال، مثل ممارسة نشاط معادى لمبادئ الديموقراطية!!
4. النقابات العمالية:
مادة (76):
"إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم.
وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية."
لم تحظر هذه المادة التعدد النقابي للنقابات العمالية، فقد صارت واقعاً يصعب تجاهله أو التصادم معه في الظروف الراهنة، لكن الدستور منع العاملين المدنيين في الهيئات النظامية مثل الشرطة أو الجيش، من الحق في تكوين نقابة تطالب بحقوقهم (هذا تمييز آخر بين المواطنين في حق دستوري) .
5. النقابات المهنية:
السيطرة على النقابات المهنية أمر شديد الأهمية بالنسبة للدولة، فالمهنيون قطاع متقدم، وأعدادهم تقدر بالملايين، ولا يمكن المخاطرة بإتاحة التعدد النقابي فيهم؛
المادة (77):
"ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقاً لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.
ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة. ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية في شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بها."
هذه المادة تقرر حظر قيام أكثر من نقابة واحدة لكل مهنة (ها هو تمييز جديد في الدستور) رغم أن المهنة الواحدة تضم عاملين وأصحاب عمل، والمنطقي أن تكون نقابة العاملين مستقلة عن أصحاب العمل فهي تنشأ لمواجهة تعسفهم، إلا أن جماعات الضغط من أصحاب الأعمال في المهنة، ورغبة الدولة في السيطرة على النقابات المهنية من جهة أخرى، حظرت وجود أكثر من نقابة، وأهدرت كلياً حق العاملين في إنشاء نقابة مستقلة لهم.
هذه هي الحريات في المجال النقابي، وسيكون أولى ضحاياها النقابة المستقلة التي أنشأها "العاملون" في الصحافة.إنه حقاً دستور ديموقراطي يليق ببرجوازي صغير ضيق الأفق.

المشاركة
هو تعبير تروج له عقلية البرجوازي الصغير، وتعززه الأيديولوجيا البرجوازية، والمقصود منه الإيحاء بإمكانية التعايش بين الطبقات والتشارك في السلطات العامة والإدارات، فالصراع يدور حول حصص ونسبة المشاركة ولا يوجد استحواذ أو احتكار برجوازي للسلطة سواء في الدولة أو المشروعات، هذه الكذبة التي تغفل المركز الاجتماعي للمالك في مواجهة العامل، أو المدير في مواجهة الموظف أو العامل، أو الوزير في مواجهة من يعملون في وزارته، والتي تجعلها دائماً-إن حدثت – شراكة غير متكافئة، وبسبب الموقع الطبقي بالذات الذي يريدون إخفائه.
ابتداءً حذف الدستور من مواده نسبة المشاركة الخاصة بالعمال والفلاحين 50%.
وفي المادة (42)، يقرر مشاركة العاملين في إدارة القطاع العام بنسبة 50 %، ولا يحدد نسبة في قطاع الأعمال تاركاً القانون يحددها، ويتجاهل كلياً، وعمداً، وجود أي نسبة ، أو حتى مجرد حق مشاركة، للعاملين في القطاع الخاص والاستثماري حيث يعمل القسم الأكبر من الطبقة العاملة، وحيث توجد النسبة الأكبر من المشروعات والشركات، هؤلاء محرومون طبعاً من المشاركة في مجالس إدارة الشركات، أو من نسبة يحددها لهم الدستور أسوة بغيرهم من العاملين، هؤلاء يظلون مجرد عبيد تحت إدارة كاملة من البرجوازيين،هذه المادة ضربة قوية للعمال، وهدية الدستور للمستثمرين ورجال الأعمال.
ثم تأتي المادة (14):
"الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون."
لا يوجد نفس الحق في غير الوظائف العامة، رجال الأعمال والمستثمرين لا يوجد قيد عليهم في الوساطة أو المحاباة، فضلاً عن أن المادة لا تقرر أي عقاب على وجود وساطة في تولى الوظائف العامة، بنفس المنطق في حقوق العمال، الفصل التعسفي محظور، لكن لا توجد أي عقوبة على صاحب العمل إذا فصل عماله فصلاً تعسفياً …إنه حقاً دستور"هم".

الحريات مرة أخرى
1. الحرية الشخصية
المادة (54) :
"الحرية الشخصية حق طبيعي، مصونة لا تمس، وفيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق …"
لا يوجد جديد في هذا المبدأ.لكن الدستور، وكذلك القانون، أغفل عمداً حماية المواطنين من أخطر إجراء يتيحه القانون للموظف العام في المساس بحرية المواطنين، وهو "الاستيقاف" ذلك المشهد المهين الذي نراه يومياً في شوارع القاهرة وغيرها، حيث يتجمع رجال الشرطة حول شخص مار يفتشونه ويقيدون حريته في التنقل، انه إجراء يمس الحرية ويجيز نوعا من التفتيش يسمى التفتيش "الإداري"، هذا الإجراء الخطير هو مصدر أغلب القضايا الملفقة، فبدون تلبس بجريمة أو أمر قضائي يوقف الشخص ويتم تفتيشه وتلفق له القضايا إن لم يدفع شيئاً لرجال الشرطة، أو إن فكر في الاعتراض عليهم، فضلاً عن أنه مصدر ترهيب دائم للمواطن من أن تلفق له قضايا أثناء سيره، أو أن تهان كرامته بالتوقيف والتفتيش دون اتهام أو جريمة، وبقاء هذا الإجراء يهدر تماماً هذا المبدأ الخاص بالحرية الشخصية، الدستور يتركه قائماً.
2. الحبس الاحتياطي
لم يقترب الدستور من أحكام الحبس الاحتياطي، تركه للقانون يحدد مدده وإجراءاته، المواطن المحبوس احتياطياً لا ضمانة له في الدستور بأي شكل وتحت رحمة الأغلبية القادمة في البرلمان، أو قانون الإجراءات الجنائية الحالية، والحبس الاحتياطي من أشد الإجراءات تعسفاً وتقييداً للحريات، ويساوى عقوبة دون حكم بالإدانة.
3. المحاكمات العسكرية
هل نتحدث عن بقاء المحاكمات العسكرية
مادة (204)
القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة.
ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.
ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى.
وأعضاء القضاء العسكري مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية."
هل تتخيل، أنه بموجب هذه المادة، إن احتجاجك على مجرد إهمال طبيب في مستشفى عسكري، أو بائع في محطة بنزين مملوكة للجيش، يعرضك فوراً لمحاكمة عسكرية، بإجراءات القانون العسكري، وليس فيها ضمانات القضاء الجنائي العادي، وبقوة هذا الدستور بالذات، ومع توسع إمبراطورية الجيش ومشروعاته الاقتصادية يصبح هذا الخطر أكبر وعلى مساحة أوسع، وذلك فضلاً عن حظر الإضراب داخل هذه المشاريع، إنه يهدم فكرة القاضي الطبيعي ويوسع نطاق تطبيق المحاكمة أمام القاضي العسكري، وكذلك إن قلت أي نقد يمس الجيش أو أي عسكري، إنها دسترة المحاكمات العسكرية للمدنين ، ومع ذلك فالحكومة .. مدنية .؟
4. الطوارئ
المادة (154) :
"يعلن رئيس الجمهورية، بعد اخذ رأى مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه.
وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه.
وفى جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. وإذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ."
الدستور الملغى كان قد قرر إشراك الشعب عن طريق الاستفتاء في استمرار الطوارئ من عدمه، أما الدستور الجديد يلغى الشعب من المعادلة، إنها حصراً بيد الرئيس ووزراءه والسلطة البرلمانية، ولا عزاء أو رأى للشعب في إجراء يقيد الحريات العامة والشخصية لأمة بكاملها.
5. التعذيب
المادة (52):
"التعذيب بجميع صوره و أشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم."
التعذيب هو أكثر جرائم الدولة انتشارا ضد المواطنين وأحد القضايا الحرجة، النص يجرم التعذيب ولا جديد في ذلك فهو مبدأ مقر دستورياً في دستور 1971 ودستور 2012، المشكلة الحقيقية هي في تعريف التعذيب، وفي الفرق في القانون الجنائي بين ما يعد تعذيباً وما يعد "استعمال قسوة" من رجال الشرطة ومن في حكمهم، فأغلب قضايا التعذيب تكيف باعتبارها "استعمال قسوة" و ليس "تعذيب"، رغم أنها تتضمن اعتداء نفسي وبدني وإكراه ….. الخ.
حتى التعذيب،فهو ما يقع على متهم حسب القانون الجنائي،أما غير المتهم رسمياً؛ مثل الأقارب أو مواطنين يُحتجزون دون تهمة، لا يعد العدوان عليهم تعذيباً قانوناً ولكن مجرد استعمال قسوة، رغم وحدة الفعل، فالتعذيب هكذا جريمة تلحق بصفة الشخص "متهم" أو "غير متهم"، وليس بكونه مواطن يجب توفير الحماية والاحترام له في كل الأحوال.
والفرق كبير، في الجريمة والعقوبة، بين مجرد "استعمال قسوة" و"التعذيب" هكذا يترك الدستور، والقانون معاً، باب واسع لحماية الشرطة والإفلات من جريمة التعذيب، وقصر اعتبارها والحماية منها – إن وجدت – على الموجه إليه اتهام.
وحتى المتهم …. لا يعتبر عدوان الموظف عليه "تعذيباً" إلا إذا كان بقصد إجباره على تقديم اعتراف،أما لو كان هذا القصد غير قائم، اعتبر الفعل "استعمال قسوة، هكذا يسهل دستور"هم" وقانونهم اقتراف تلك الجريمة للموظف العام والإفلات من عقوبتها.

باب الفساد الكبير
الدرس الرئيسي في الفساد نستخلصه من أبناء الرئيس المخلوع "حسنى مبارك"، جمال وعلاء، وأبناء الوزراء والمسئولين بجوارهم، الذين استغلوا نفوذ الأب في الإثراء والتعامل على أموال الدولة وجلب إتاوات لتسهيل أعمال المستثمرين بمليارات الجنيهات، وكانت أحد مسودات دستور 2012 قد تنبهت لهذه البوابة السوداء للفساد، فنصت على أن يشمل تقرير الذمة المالية، وحظر التعامل على أموال الدولةظن أبناء المسئولين وزوجاتهم، وأن يقدموا تقرير ذمة مالية منذ تولى الأب المنصب حتى خروجه منه، إلا أن بزنس الإخوان استشعر خطورةً عليه في هذه المادة، فتم سحبها في المسودة النهائية ليقتصر الحظر على المسئول دون الأبناء والزوجة والزوج.
ويسير الدستور الجديد على نفس الدرب، إذ يطالب المسئول وحده – دون زوجته وأبناءه – بتقديم تقرير ذمة مالية، ويحظر عليه وحده التعامل على أموال الدولة، ولا يشمل الحظر أبناءه أو زوجته، و لنا أن نتخيل سلطة الأب و نفوذه إن أراد الابن شيئاً من أي وزارة أو مرفق عام، أو إن دخل ابن الرئيس أو ابن الوزير شريكاً في مشروع ومدى التسهيلات التي ستقدم له، ولا حظر عليهم في ذلك، فدستور"هم" متعاون، بل متواطئ، معهم في ذلك، هكذا يحارب دستور"هم" الفساد، بفتح أبوابه على مصارعيها للأبناء.
ويسرى نفس الحكم على الهدايا التي يتلقاها الرئيس، أو الوزير بسبب منصبه أو مناسبته، يردها الرئيس أو الوزير للخزانة العامة، أما لو ذهبت تلك الهدية، نقدية أو عينية،لابنه أو زوجته، لا تثريب عليهم ويحتفظون بها كاملة، من إذا سيهادى الرئيس أو الوزير،أو يرشوه في شكل هدية، طالما تذهب الهدية،أو الرشوة، شرعية تماماً عن طريق الابن أو الزوجة، وطبعاً لم يحرم الدستور أعضاء البرلمان من تلك الميزة، فمن جاور السعيد يسعد، و يجعله عامر يا دستور.

صفقات مؤسسية وامتيازات طبقية
1. أعضاء المجلس التشريعي؛
تستمر حصانتهم، وفي غير حالة التلبس بجريمة لا يستطيع أحد ولا جهة محاكمة عضو منهم جنائياً بغير موافقة المجلس، حتى لو كان في قضية شيك بدون رصيد، وذلك فضلاً عن امتيازات أخرى عديدة غير منصوص عليها، كتأشيرات الحج و العمرة وفرص العمل والسكن التي غالباً يتاجر فيها، والتخليص والتسهيلات التي يقدمها خدمات مدفوعة الأجر لرجال الأعمال، هذا الفساد هو الذي يغرى أغلبية المرشحين لصرف ملايين الجنيهات في الدعاية والترشح، إنه استثمار سياسي يحقق ثروات ضخمة.
2. الأزهر؛
حيث أضفى سلطات واسعة وحصانة على إدارته، وحصن شيخه الأكبر من العزل وأعطى رشوة لشخوصه الكبار؛ كبار العلماء،أن لا يخرج عنهم وظيفة شيخ الأزهر.
ما حاجة هذا الشيخ للتحصين من العزل؟ وما الداعي في تلك الوظيفة لهذه الحصانة؟ إنه منطق الرشوة وضمان الولاء للطبقة الحاكمة ومصالحها وخلق فقه خاص هو "فقه مصالح الدولة / الرأسمالية" ضد الشعب وضد فرق المعارضة الأخرى، ومن ثم يحدد الدستور مكانة الأزهر، كسلطة أعلى ومرجعية رسمية في شئون الدين، هذا هو الحكم المدني، فمع المادة 2 الشهيرة في الدستور، يكون دور الأزهر شديد الأهمية لنظام الحكم، إنه واسطة تزاوج الحكم المدني والدولة الدينية معاً.
3. القضاء؛
تم تحصينه من العزل، وتحصين أفراده من المحاكمة، وتوسع الدستور في التحصين حتى لمحاميين الحكومة؛ هيئة قضايا الدولة، الذين لا يتعدى دورهم دور المحامي العادي أمام المحاكم، نيابة عن الأجهزة الحكومية، اعتبرهم "هيئة قضائية" ذات حصانة ولا يجوز عزلها.
هؤلاء سيجلسون في قاعات الانتخاب العام باعتبارهم قضاة، وهم موظفون صغار في الواقع، ومن ثم يسهل استخدامهم في أمور أبسطها تزوير الانتخابات.
4. المجالس العليا والقومية:
المجلس الأعلى للصحافة ومثله المجالس القومية المتخصصة، هؤلاء يتم اختيارهم بالتعيين، وسواء كان ذلك معلناً أم لا يجب أن توافق عليهم الأجهزة الأمنية، وهم السلطة الأعلى في المهنة، ومن ثم هم أذرع الدولة في السيطرة على المهنة مهما استخدمت كلمة مستقلين أو جهة مستقلة.
5. رجال الأعمال والمستثمرين:
ضمن لهم الدستور حرية الاستثمار، تشجيع الاستثمار، تشجيع المنافسة، عدم التدخل في تشكيل مجالس إدارات شركاتهم، وضمنياً انفراد كبير بالسوق دون منافسة الدولة لهم، عدم مصادرة أموالهم، المصادرة إن حدثت فبتعويض "عادل" يأخذونه نقداً، وتشجيع التصدير والاستيراد بشروط تخدمهم، وكذلك عدم تحديد ضريبة تصاعدية على الأرباح، وعدم تحديد أي عقوبة على فصلهم للعمال، وحماية مطلقة للملكية الخاصة وامتيازات واسعة لأعمال رأس المال.
الرأسماليون هم الفائز الرئيسي بالضمانات والقواعد الدستورية، ومن بينهم ستتشكل أغلبية البرلمان، خاصة بعد حذف نسبة الـ 50% عمال وفلاحين، رغم أنها نص لم يكن له معنى عملي في ظل تكاليف عملية الانتخاب والدعاية الانتخابية شديدة التكلفة، والتي تمنع العامل وفقراء الفلاحين من تلك المغامرة.
6. الجيش:
حافظ العسكريون على جميع امتيازاتهم التي تبدأ من استيلاء الأحرار على الحكم في 1952 حتى الآن، حيث تضاعفت الامتيازات عشرات المرات وحيث يتحكم كبار الجنرالات العسكريين فيما يقارب ثلث اقتصاد مصر، بما في ذلك أراضي شاسعة وشركات ومصانع ومشروعات هائلة، وكل ذلك دون أي رقابة عليه من أي جهة، ليس معروفاً حجمها أو أرباحها، أو كيف توزع، أو إلى أين تذهب، ولا يدخل منها قرش واحد إلى الخزانة العامة للدولة.
إن البرلمان ممنوع من الاطلاع على ميزانية القوات المسلحة،أو معرفة بنودها أو مناقشتها، وسيتم مناقشة تلك الميزانية كرقم واحد مجمع بدون تفاصيل حيث لا معنى مطلقاً للنقاش.
إضافة إلى ذلك حصن وزير الدفاع نفسه "لا يجوز عزله لمدة 8 سنوات قادمة على الأقل، واقتصر تحديد المنصب لكبار الجنرالات "المجلس الأعلى"، ويستقل الجيش بجميع شئونه كدولة داخل الدولة.
وقد يكون مبرراً – من الناحية العسكرية – عدم إعلان مصادر السلاح أو أنواعه، ولكنه يتم تمويله من الضرائب والرسوم والشركات العسكرية واقتطاع الأراضي، من الفائض الكلي للمجتمع، ومن ثم لابد من إعلان تكلفته، والأهم من ذلك حصر الأراضي التي يضع الجيش يده عليها، دخول ومكافئات اللواءات وكبار الضباط، الهدايا التي يحصلون عليها ومصادرها، ومصادرة تلك الهدايا أسوة بمناصب الرئيس والوزراء، بل هي أخطر، وأوجه الإنفاق الأخرى التي تتعلق بالتسليح والعمليات العسكرية، ودخول الشركات والمنشآت العسكرية التي تقدم سلع وخدمات، وأوجه إنفاقها.

الانتخابات، دولة الاستبداد مجدداً
إن مبدأ الانتخاب العام المباشر هو الحد الأدنى الذي له معنى من التراث الثوري للثورات البرجوازية، رغم أنه في الواقع المصري لا يعكس إرادة شعبية حرة، فمن سماسرة الانتخابات إلى رشوة الناخبين، مروراً بالبلطجة والتزوير والدعاية باهظة التكلفة، كل ذلك يحول الانتخابات إلى لعبة قذرة أو تجارة فاسدة، وطبعاً بتواطؤ ومشاركة من أجهزة الدولة، رغم كل هذا الفساد تظل عملية يناضل فيها الثوريون ضد الطبقة الحاكمة وضد الأيديولوجيا البرجوازية وسياسات السلطة.
هذا المبدأ، الانتخاب العام، يجب أن يشمل كل الأجهزة الخاصة بالسلطة حتى تكون، نظريا على الأقل، سلطة اختارتها الجماهير، لكن الدساتير السابقة كلها قلصت عملية الانتخاب العام، فحكام المحافظات والمدن الذين يتولون سلطة إدارتها لا يتم انتخابهم وإنما يعينهم رئيس الجمهورية، ومن ثم يكون ولائهم للسلطة التي أتت بهم وليس إلى جمهور قام بانتخابهم، ويحتفظ الجيش لرجاله دائماً بحصة من مقاعد المحافظات.
والبنك المركزي الذي يدير العملية المالية في المجتمع برمته لا ينتخب رئيسه "محافظ البنك المركزي" وإنما يتم تعينه، وكذلك النائب العام الذي يتولى منصباً يمثل فيه المجتمع في كل المجال الجنائي، لا يجري انتخابه من القضاة، وإنما يتم تعينه من الرئيس من بين مجلس هو نفسه غير منتخب من القضاة،"المجلس الأعلى للقضاء"، وهو ما يجعل النائب والمجلس أداة في يد السلطة وليس سيفاً للعدالة، وأيضاً العمد والمشايخ في القرى والمدن، تختارهم السلطة من بين الأسر والعشائر الموالية للنظام.
المادة (79) تنص على:
"ينظم القانون شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين، ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، ويحدد اختصاصاتهم."
هكذا يمكن للقانون أن يقرر تعيين جميع المحافظين، أو نسبة من يتم تعينه إلى من يتم انتخابه، هذه المادة المطاطة قدمت للقطاع الإصلاحي الذي طالب بانتخاب المحافظين، دون أدنى تحديد، وربما أعطى القانون نسبة تافهة لكن الدستور أقر وحافظ على مبدأ التعيين.
سكت الدستور عن العمد والمشايخ ولم يشر إليهم، ولكنه قرر في المادة (224) استمرار العمل بالقوانين واللوائح التي كان معمولاً بها من قبل، أي استمرار ذات أوضاع وشروط العمد والمشايخ، وأيضاً يغيب كلياً مبدأ الانتخاب في الهيئات النظامية، لا يشاركون في اختيار قادتهم، إنما يفرضون عليهم من قبل الدولة، ويظل الولاء للسلطة هو الهدف من إغفال الانتخاب، حتى شيخ الأزهر والمحليات ليسا بالانتخاب.
فقط السلطة التشريعية – وحتى ليس جميعها – وسلطة الرئيس هي ما يتم بالانتخاب، عدا ذلك فإن ما ينتصب في مواجهة الشعب دولة الاستبداد التي يختارها الحاكم لتكون أداة طيعة في يده ولو ضد إرادة الشعب.
كل ما ربحه الإصلاحيون و الديموقراطيون في هذا الشأن هو المادة (179) المطاطة والمراوغة والتي لا تحدد شيء، ربحوا لغزاً ستحله الدولة كما يحلو لها.

حول التمييز وقضايا المرأة
مادة (11) :
"تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور.
وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها.
وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجاً."
المساواة ، أو عدم التمييز، كذبة، وذلك لأن التمييز قائم وموجود فعلاً في عدة مواضع في الدستور، كما أن التمييز القائم في المجتمع هو تمييز طبقي، وثقافي، وديني، ولا يمكن إزالته إلا بإزالة أسبابه، وفي الجذر منها النظام الطبقي نفسه، أيضاً الثقافة الذكورية السائدة مصدرها أيضاً الطبقية والنظام الطبقي، وكون أغلب النساء فقيرات، سواء في المدن أو الريف، وتستخدم المرأة – خاصة في القطاع الخاص – بسبب أنها عمالة رخيصة، ولا يمس الدستور حرية أصحاب الأعمال في تحديد الأجور أو المساواة فيها بين النساء والرجال، فالمساواة الاقتصادية، في ظل نظام طبقي/ذكوري، وهم، وانعكاساً لذلك المساواة الثقافية أيضاً، والاتجاه الديني المهيمن يحتقر المرأة ويعاملها ككائن أدنى، ثمة سؤال يطرح نفسه، لماذا لم تشمل المساواة الجانب الديني، لماذا لم تشمل المساواة المزعومة المناصب العليا أيضاً في المؤسسات الدينية طالما يتوفر فيها معيار الكفاءة؟إنه التزاوج بين السلطة الدينية وسلطة الدولة، التحالف النفعي، عدم المساواة أيضاً.

خاتمة؛ المقومات الاقتصادية وكشف الطبيعة الطبقية لدستورهم
هذا الفصل من الدستور هو جوهره، أن ما يكمله هو نظام الحكم ولكنه تابع له، في هذا الفصل تظهر سياسات الدولة البرجوازية، ومصالح الرأسماليين، لكن لا بأس من الزخارف وورق الحائط لإخفاء قبحها وثقوبها، أن تتحدث مثلا عن هدف "تحقيق الرخاء في البلاد" وعن العدالة ورفع مستوى المعيشة و"القضاء على الفقر".
يقرر الدستور دعم التنافسية وتشجيع الاستثمار، ومنع الاحتكار، والشفافية، هذا منطق سوق قد يفيد البرجوازيين، فلا مكان هنا لعدالة أو جماهير، لكن نلاحظ أنه ليجذب مستثمرين لن يضع قيد عليهم، بل إن بعضهم شروطه هي عدم السماح بشركات تمارس نفس النشاط خلال مدة معينة، إنه يعلن نفسه نشاط احتكاري (مثال عقد موبينيل الأول)، ولا عزاء للتنافسية فللسوق قانونه وللاستثمار شروطه، السوق وحده من سيقرر نيابة عن الدستور، وعبارات الدستور صالحة للركوب، وقد رأينا "النظام الضريبي العادل" ونوع عدالته.
فضلا عن الدستور ألغى فكرة التخطيط القومي التي وجدت في دستور ٧-;-١-;-، وترك حركة السوق للعرض والطلب، تماشياً مع توسيع حريته وانسحاب دور الدولة، وكذلك قيد حق الأمة في التأميم، وعند وجوده يتحول إلى شراء .. بثمن عادل، يدفع مقدماً، كما انه ألغى وجود حد أقصى للملكية الزراعية ممهداً لعودة كبار الملاك للسيطرة على الزراعة وعلى الفلاحين الفقراء، بدعم دستوري كامل، اهتمام الدستور الحقيقي هو مصالح المستثمرين وكبار الملاك وليس مصالح الشعب.
وكذلك الحديث عن الشفافية أيضاً هو رطانة وزخرفة لا قيمة لها، خاصةً حين يقرر الدستور حجب ميزانية المؤسسة العسكرية بوجه عام ، رغم أنها تدير إمبراطورية اقتصادية كبيرة / لا صلة لها بالجانب العسكري، ولا أحد يعلم حجمها أو أين تذهب عوائدها، وحجب ميزانية القضاء عن الجماهير، ونشرها فقط كرقم واحد مبهم خالي من التفاصيل، السر العسكري والسر القضائي معاً، وفي الخلفية السر الصناعي والتجاري والقدرة على عمل ميزانيات كاذبة، أو بدعة ميزانية الرقم الواحد التي تهدم كليا مبدأ الشفافية أو الرقابة الشعبية أو حق الرأي العام في المعرفة.
انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي بالخصخصة وبيع الشركات العامة للرأسماليين يعني أن فكرة "ضبط السوق" أو "تحقيق قدر من التوازن" لا معنى لها، فالدولة تتحول إلى مصدر تراخيص، وجابي ضرائب، والرأسماليون سيحكمون الاقتصاد والسوق وفق مصالحهم، وقدرات المشروعات وحدها هي التي ستقرر القدرة على المنافسة، أو الاحتكار.
موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، لكن الشعب لا يملك شيء، فالشعب يدفع رسوم لدخول حديقة، أو متحف، أو دورة مياه … كما يدفع للماء والكهرباء وكل شيء، الشعب لا يملك، و الدولة تتصرف في المرافق والشركات العامة.
هذه النصوص من 27 إلى 46 في جزء كبير منها أكاذيب، وتناقض بعضها البعض أو تناقض مواد أخرى، واضعو هذا الدستور اضطروا للعمل كبهلوانات والتأرجح يميناً ويساراً طوال الوقت ليخرجوا لنا هذا المسخ الدستوري، جمل فخيمة لا قيمة لها، ومصالح برجوازية تتأكد وتتوسع.
حسناً خرجت الرأسمالية المصرية بنصيب الأسد في الدستور؛ تأكيد سياسة السوق، إزاحة نسبة العمال والفلاحين، تحصين الأرباح من الضرائب التصاعدية، الاستثمار والمنافسة، إزاحة شبح تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.
وحصلت المرافق القوية في الدولة على حصتها، تحصين مشيخة الأزهر، ووزارة الدفاع، الاقتصاد العسكري، ميزانية القضاء، وحصلت بيروقراطية النقابات المهنية على جزء صغير، حظر التعدد النقابي الذي قد يهدد نفوذهم ومصالحهم، حصل الإصلاحيون على جمل فخمه وعبارات بليغة وديباجه أدبية متوسطة القيمة، ابتهج الليبراليون لإطلاق آليات السوق وحرية الاستثمار، ولم يعبئوا بالمناورات والحصار للحريات الجماهيرية ، شيء مقابل شيء. وحصلت الجماهير على دعاية مرعبة تصور هذا الكراس المسخ على أنه رسالة الخلاص، كتاب الحرية المجيدة، الرقية السحرية، التي ستطرد أشباح الإخوان من المشهد السياسي.
وفى الخلفية استيقظت كل الأحلام الانتهازية، اليسار الإصلاحي والقوميين الذين صاروا شركاء للبرجوازيين والعسكريين في الحكم، يحلمون بعدم إزاحتهم وبحصص أكبر في حكومة ما بعد الدستور، والليبراليون يحلمون بالسيادة المطلقة، وخلفهم جميعا يمسك الجنرالات بكل خيوط عرائس المسرح السياسي، ويحركونها كما يحبون.
وعلى الجانب المقابل تترقب الجماهير النتائج، هل ستقدم نصوصكم الخبز والعلاج والسكن؟ نريد خبزاً وليس نصوصاً، وهنا يكمن اللغم الشديد الانفجار، لا أحد في ساحة الحكم وسادة الاقتصاد الرأسمالي يفكر فعلاً في إعطاء الشعب الخبز والعلاج، ينتظر الشعب حلولاً وتجهز الدولة سجون جديدة وقيود بوليسية، تجهيزات لقمع المظاهرات والانتفاضات، ومن ثم يجهز الواقع نفسه لصدام وشيك يمر عبر بوابة الاستقرار بالذات؛ الدستور المقر والانتخابات، حيث تتبخر الأوهام ويجبر كل الأطراف على مجابهة الحقيقة.
ماذا تبقى بعد وضوح اتجاه الدستور، وانحيازه التام للرأسماليين، وخلوه من أي إصلاحات حقيقية، بل وإهداره لمبادئ عدم التمييز، الشفافية، تقييده للحريات، تهميشه للدور الشعبي. الحقيقة هيأنه لم يبقى شيء سوى الدعاية والأكاذيب وأوهام البرجوازي الصغير وخيانة اليسار الإصلاحي.
هل يستطيع هذا المسخ الدستوري تسكين الأوضاع وتمكين النظام من استعادة الهيمنة؟ الإجابة هي لا بالقطع، حتى لو نجحوا في تمريره بتلك الأكاذيب والخيانات السياسية، سرعان ما سيواجه اختباره الأشد، أمام شعب لم تعد الوعود والنصوص كافية بالنسبة له،أو قادرة على إشباع حاجاته، إنه دستور يحمل داخله كل أسباب الإطاحة به، ثمة صعود سريع في اتجاه السقوط يخوضه تحالف الإنقاذ الانتهازي، ويعرض معه هيمنة الجنرالات أيضا للسقوط.



#اليسار_الثوري_في_مصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اليسار الثوري في مصر - -دستورهم- بين أهداف الثورة ومناورات الثورة المضادة