أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية نميلي (أم عائشة) - قراءة في نص (إشباع) لنجية نميلي /إنجاز: المصطفى سلام















المزيد.....

قراءة في نص (إشباع) لنجية نميلي /إنجاز: المصطفى سلام


نجية نميلي (أم عائشة)

الحوار المتمدن-العدد: 4447 - 2014 / 5 / 8 - 22:42
المحور: الادب والفن
    


أثبتت القصة القصيرة جدا قيمتها الفنية و الجمالية و التدليلية أيضا كنوع أدبي متميز الخصائص ، و حددت لها سيادة فنية من خلال رسم حدود جغرافية تفصلها و تصلها بغيرها من الأنواع الأدبية الأخرى . و من بين ما يميزها أنها بناء سردي يحكمه التكثيف و الاختزال ، لا التمطيط و التفصيل ، حيث تتناول الموضوعات عموديا و ليس أفقيا ؛ لأن التناول الأفقي يسمح بالامتداد و التوسع و التفصيل ، بينما التناول الرأسي يحكمه التكثيف و التجذير ، أي تكثيف و جمع و ضم ما يقبل التفريق و التفريع و التنويع ...
إن القصة القصيرة جدا تجربة إبداع الموقف الواحد و تجذير اللحظة النموذج ، حيث يمثلان نسخة للعديد من الحالات و المواقف المتشابهة . أي أنها تماثل تلك التي تحدث في الواقع الإنساني بأشكال مختلفة... عبر التكثيف اللغوي و الاقتصاد السردي . في هذا السياق ، سننظر في ممكنات نص( إشباع) الدلالية .

أولا في المتن :

من فرط ما احترف الرحيل لم تعد تنتظر .... كان قلبها يئن من الداخل ، متلهفا للحنان الذي عودها عليه فقررت أن تتطوع في الهلال الأحمر .

ثانيا في البناء السردي :
إذا كانت الكتابة السردية التقليدية و المعاصرة ، قد عودتنا في تجريب أبنية سردية يحكمها التنوع و التوسع انطلاقا من نواة سردية أو ثيمة محورية ، تقبل التوسع في التزمين و التفضية و بناء الشخصيات و الأحداث ، في العلاقات و الأفعال و ردود الأفعال ...فإن القصة القصيرة جدا اكتفت بالنواة السردية فقط . مما جعل قراءة مثل هذه الأنماط من الكتابة تجربة موسعة في التأويل و التقاط التفاصيل و اقتناص المعاني و الغوص في أعماق النص.
بني هذا النص وفق الثنائية التالية :
الاستقرار--------------- الرحيل
حيث الاستقرار المادي وضعية مهمة بالنسبة للكائن البشري ، و كلما كان متحققا كانت حياته مستقرة و متوازنة . و لما كان الإنسان كائنا متعدد الأبعاد، أي لا تحكمه المادة فقط، بل هناك جوانب أخرى مثل الوجدان و الروح و الدين و الفكر ... إذن قد يعرف استقرارا ماديا، و اعتبارا اجتماعيا مهما، لكن الجوانب الأخرى بها خلل، و لا تعرف استقرارا أو بتعبير النص تتميز بالترحال أو الرحيل.
و النص هنا يضمر أو يوحي بهذا النمط من اللاتوازن العاطفي عند المرأة ، ليس لأنها لا تعرف استقرارا ، بل لأن الجهة أو الطرف الثاني في العلاقة أي مصدر اللاتوازن العاطفي : الزوج قد امتهن الرحيل إلى درجة الإفراط ، فكان الاختلال العاطفي عند المرأة.
هكذا هي بنية النص السردية :
الاستقرار --------------- إشباع عاطفي .
الرحيل ----------------- نقص عاطفي .
إذ ما يترتب عن الاستقرار عاطفيا اتزان وجداني، و دليله إشباع الحاجة العاطفية في العلاقة و في الرؤية و في الإحساس بالطرف الثاني حاضرا و فاعلا، إيجابيا و ليس سلبيا،
ممتعا و ليس منغصا، فكثير من الأطراف قريبون من بعضهم البعض، لكن الإحساس ببعدهم هو الغالب. و تكشف هذه الوضعية عن طبيعة العلاقات العاطفية التي تنمو بشكل غريب . و كما تعرف الاستقرار تعرف الاختلال، و كأن العاطفة نبتة تحتاج لرعاية طرفين، و لا يمكن أن تنمو برعاية طرف واحد، ذاك هو الاختلال نفسه. و متى رعى الطرفان تلك العلاقة كما و كيفا، شكلا و مضمونا، أثمرت ألوانا من الحب و أشكالا من الاستجابة العاطفية. لكن عندما يكون الرحيل ديدن أحد الأطراف ، فإن نبتة العاطفة تذبل و حرارتها تخبو و إيقاعها يفتر .... و هذا ما يؤكده النص :
1 – الإفراط في احتراف الرحيل
2 _ إلغاء الانتظار
3 _ تجريب نمط أو شكل جديد من العلاقة ( التطوع )
4 _ إشباع النقص العاطفي....
يلاحظ هنا أن البناء السردي بناء تقليدي ، لم يفارق الأبنية السردية التقليدية ، و كأن الأمر يرجع إلى سلطة الحكي و نمطية السرد نفسيهما .
في المدار الدلالي :
يؤكد علماء الدلالة أن المعاني أو الدلالات متضمنة في الأشكال ، و القصة القصيرة جدا شكل فني ، و بالتالي تتضمن دلالات ، يمكن للتفاعل مع النص أن يكشف عنها . بمعنى أنها ممكنات دلالية و ليست حقائق ثابتة ، من خلال تجاوز منطوقها إلى مضمراتها . و عدم الوقوف عند عتبة التقرير فيها ، بل محاولة الغوص في بحر إيحاءاتها ؛ حيث قوة النص و غوايته .
و من بين علامات النص المركزية :

إشباع :
تعود هذه العلامة إلى المادة اللغوية ( شبع ) و الشبع ضد الجوع . و الجوع نقص أو عرض من أعراض الحاجة إلى الطعام أو الزاد، أي ما يمنح الجسم الطاقة و ما يحفظ صلب المرء.
و الإشباع هنا نوعان : مادي و معنوي روحي ، أو عاطفي وجداني ، و هما متأسسان على النقص في الطاقة التي يمنحانها للإنسان عامة . فما يشبع يمنح طاقة، قد تكون روحية عاطفية أو مادية، فتنتج عن ذلك الحركة و الفعل. و بهذه الصورة يكون الإشباع الإفاضة و الزيادة عن الحد الأدنى .
و كل شيء توفره فقد أشبعته. و من أسرار الدلالة أن هذه العلامة تتضمن دلالة نقيض الأولى؛ نقول تشبع الرجل بما ليس عنده أي ادعى .. و في المجال العاطفي أو الحقل الوجداني ، الذي يتخذه النص سياقا سرديا ، نلاحظ أن المرأة لم تحقق إشباعها العاطفي في علاقتها بزوجها أو بمن كان طرفا في علاقتها به ( أم بابنها مثلا ) بسبب كثرة الارتحال . الشيء الذي يبرر البحث في مجال آخر عما يمكن أن يعوض النقص الحاصل، فتطوعت المرأة في الخدمة الاجتماعية أو الإنسانية ( الهلال الأحمر ) كما ورد في النص.

انتظار
أو التَنَظّرٌ ، أي توقع الشيء ، و ارتقابه ، و ذلك لقيمته و أهميته ، فالمرأة عاشت تجربة انتظار ، و هي تجربة تتباين فيها الأحاسيس : في البداية يسطع إحساس جميل ، و ينتاب شخصية المنتظِر شعور أخاذ و حالم ، تغمره غبطة غريبة فرح المنتظٌر و باللقاء ، لكن في مرحلة الوسط ، و بعد طول انتظار ، تنقلب الأحاسيس السابقة إلى نقيضها ، حيث يعيش المنتظر القلق و التوتر و الاضطراب و الحيرة ...إنه يعيش تجربة أو لعبة الاقتراب من الموت ، إن لم يكن الموت عينه . بمعنى أنه يبدأ في طرح أسئلة و التفكير في احتمالات يتساوى فيها السيء بالحسن . و في النهاية يصل المنتظر مرحلة اليقين بالفشل و سوء الحظ و لعنة القدر. و الإحساس المهيمن في نهاية الانتظار هو الخيبة و التذمر و الإحباط... ليبدأ المنتظر مسارا جديدا أو بداية مغايرة، من خلال خوض مغامرة جديدة تعويضا عن الـأولى: التطوع في الهلال الأحمر.

الرحيل :
خلق الرحيل كانتقال في المكان و الزمان ، نقصا في الوجدان عند من رحل عنه ، أو من كان الرحيل ضده ، ( فرق ين رحل عن و رحل إلى ) أي أن النقص و حاجة المرأة إلى العاطفة أو ما يساعد وجدانها على النمو و القوة ، و استجابة لذلك بحثت عن بديل لإشباعها . هذا الرحيل قد تكون له أسبابه الوجيهة أو غير الوجيهة ، الذاتية و الموضوعية ، بحيث هناك ما يبرر الرحيل كإجراء أو سياسة ضد الطرف الآخر ، لكي يحس بقيمته و مكانته ، كأن يكون مهملا له أو مقصرا في واجباته اتجاهه ، أو أن يكون الرحيل انحرافا في الطبيعة و سلوكا غير مناسب للعلاقة التي تجمع الطرفين معا . و المعتاد في العلاقات الزوجية أن الرجل يرحل لأكثر من غرض : تجاري مهني معرفي سياحي علاجي .....لكن أن يرحل من أجل الرحيل فقط فذاك وجه الخطأ فيه . و ما تحتاجه العلاقة الزوجية مثلا كنموذج لأشكال مختلفة من العلاقات الإنسانية ، الاستقرار للطرفين معا . فما يترتب عن الاستقرار التوازن العاطفي و الانسجام الوجداني . و الأقسى في تجربة العلاقات الزوجية الرحيل النفسي أو هجرة الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها. ظاهريا يعلنان ارتباطهما و استقرار علاقتهما ، و باطنيا يعانيان من هجرتهما لبعضهما البعض ، و الشكل الذي تتخذه الهجرة النفسية الطلاق العاطفي أو جمود العاطفة بين الطرفين ، و كأنهما غريبان عن بعضهما البعض إن لم يصلا درجة العداوة بعد . فيشعر الطرفان بأن بينهما مسافات يصعب قطعها. و نلاحظ أن النص هنا لم يكشف عن أسباب الرحيل ، بقدر ما ترك الأمر للقارئ أن يفترض أسبابا مختلفة لذلك . و أسوأ الأسباب أن يكون الرحيل مرضا يجب علاجه أو نزوة طارئة أو انحرافا في فهم العلاقة و الخصوصية : الزواج كعلاقة له تمثلات مختلفة عند الأطراف ، و الخصوصية تقترن بتمثلات الرجل لرجولته و فحولته .
و من غرائب اللغة أن الارتحال يحمل في ذاته نقيضه مثل الإشباع، حيث الرحل هو منزل الرجل و مسكنه و بيته، و أهله أيضا، أو ما يملكه من أثاث، ...و بالعودة إلى ثقافة العلاقات الإنسانية ( الزواج نموذجا ) أنها تقوم على الامتلاك و الحيازة، حيث يصح و يجوز لكل طرف امتلك ما للآخر و الانتفاع به ، و خاصة ما هو ووجداني عاطفي ، أي ما يناقش تحث شعار الإخلاص العاطفي . و النص قيد التحليل ، جعل الرحيل سببا للانتظار و مبررا لإشباع بديل :
الرحيل ---------- الانتظار --------التطوع ----------- الإشباع .
و السؤال هنا هل هذا النمط من الإشباع كاف أم هو بديل فقط و بالتالي لا يمكن تعويض الأصل ؟
كما أن الإشباع كاستجابة لمتطلبات الجسد النفسية و الفكرية و الروحية و الاعتبارية و المادية ...لا يمكن أن تتحقق من طرف واحد ، بل هي إنجاز من فاعلين هما طرفا العلاقة ، و في حالة الإخلال بمسؤولية طرف لا يمكن أن يتحقق الإشباع و بالتالي الرضى عن نعمة الاستقرار . لكن هناك حالة تستحق النقاش هي وضعية التضحية ، و هي وضعية لها مبرراتها و خصوصياتها ، قد تحقق إشباعا من نوع خاص . ( في حالة مرض أحد الطرفين مثلا أو الحب العذري إن كان فعلا ) .

خاتمة :
هكذا اقتربنا مما أضمرت قصة إشباع ، بعد أن ضبطنا بنيتها السردية و التي تصلح مشروعا لنص سردي بحجم الرواية مثلا ، كما قصر النص ليس نقصا أو عيبا فيه يمنعه من التلميح و التكثيف الدلالي و التمثيل لظواهر و قضايا إنسانية تستحق التحليل و المقاربة ، و النص الفني يقارب ذلك من وجهة نظره و بإمكانياته الفنية و الجمالية .



















#نجية_نميلي_(أم_عائشة) (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم أكبُر
- النظم المفقود
- الصوت المشاكس
- صلاة عاشقة
- قصة قصيرة جدا للقاص :عبد الرحيم التدلاوي تحت مجهر الأستاذة:س ...
- قراءة في نص -بطل- لنجية نميلي /إنجاز :المصطفى سلام
- قراءة في نص المصطفى سكَم / إنجاز محسن حزيران لفقيهي
- قراءة في نص -زيارة- لنجية نميلي /إنجاز :حيدر لطيف الوائلي
- لقاء مفتوح مع الناقدة الجزائرية : هداية مرزق
- جينات ...تحليق ...لولا...نسبية...العورة...الحل.(من بعض قصصي ...
- بفحولة النار أكتبك قصيدة
- اللحمة الطرية (قصة زجلية مستوحاة من واقع تلميذتي)
- سلطة السرد :تجليات اللفظ ومستويات المعنى /قراءة في نص أحمد إ ...
- -الأنثى -في قصصي القصيرة جدا
- قرءاة في قصيصة رحلة/ إنجاز :إسماعيل البويحياوي __( رحلة :من ...
- عتبات البناء السردي في القصة القصيرة جدا -ناقد- لمبارك السعد ...
- قراءة في نص - سفور- للسعدية بلكارح / إنجاز أمينة حسين
- الفصل الثاني من مسرحية (لا...أيها الآباء)
- مسرحية (لا...أيها الآباء )
- قراءة في نص -خطوبة- لعبد الله الواحدي


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية نميلي (أم عائشة) - قراءة في نص (إشباع) لنجية نميلي /إنجاز: المصطفى سلام