سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 4443 - 2014 / 5 / 4 - 15:32
المحور:
الادب والفن
هناك قصة ما (؟) .. فكرة ما (؟) .. تلوح في الأفق البعيد .. أفق مخيلتي .. كل فترة وكل مرة .. وتلوّح لي بكلتا يديها في شوق وحنين .. إنها تريدني أن أخرجها من عالم الخيال وسحابات الأفكار إلى حيز الحس والواقع المنظور لتصبح قصة مكتوبة يقرأها القراء وعشاق المطالعة! .
نعم هناك قصة ما (؟) منذ زمن بعيد تلوح في خاطري وتلح علىّ في السؤال !! .. أبطالها موجودون في ذهني ويقطنون دهاليز عقلي منذ زمن بعيد ! .. أعرفهم ويعرفونني .. وكل فترة من الزمان يأتون إلىّ متسائلين في إرتباك وأمل : ( يا أستاذ .. متى سنبدأ العمل ؟؟!! ) .. فأحس بالإنزعاج وأحك فروة رأسي في إحراج وأجيبهم بشئ من الضيق وبشئ من الخجل : (( ليس اﻵ-;-ن !.. ليس اﻵ-;-ن ! .. فالفكرة لم تختمر في عقلي بعد ! )) .. فأرى ملامح خيبة الأمل وقد إرتسمت على وجوههم فيطأطأون رؤوسهم ويرجعون من حيث آتوا يجرون أذيال الخيبة ! ... يغيبون فترة من الزمان حتى أخالهم بأنهم قد شدوا الرحال إلى عقل آخر وإلى مخيلة أخرى بحثا ً عن مُخرج ومؤلف آخر يصنع لهم قصة وأدوار تمثيلية في عالم القصص ! ... ولكنهم ما يلبثون أن يعودوا إليّ ليكرروا على مسمعي سؤالهم الأول القديم : (( متى نبدأ العمل يا أستاذ !؟)).
كل فترة .. وكل مرة .. يأتون الى ويحضرون لدي ويسألون بلهفة وأمل : (( متى نبدأ ؟)) وأجيبهم كالعادة بضيق وحرج : (( ليس بعد ! )) .
منذ كنت في المدرسة في الصف الاعدادي وهم يلحون علي ّ في السؤال ويذهبون ثم يعودون ولا يسأمون وﻻ-;- ييأسون ! .. وفي كل مرة كانت أسئلتهم تزداد إلحاحا ً وإصراراً وتزداد أصواتهم إرتفاعا ً وإجهارا ً ! .. كل مرة كانوا يكررون مطالبهم ويطالبون بحقهم في الظهور على مسرح الحياة ! .. وذات مرة فاجئني أحدهم وسألني بضيق وتبرم واضح : (( إلى متى يظل هكذا حالنا ؟ إلى متى نظل عاطلين عن العمل ؟؟ .. وإلى متى نظل في هذا الهامش المظلم البعيد ؟ ... إننا نكاد أن نفقد الأمل !.. نكاد ننفجر من شدة الضيق والملل !) .. وأتذكر أنني قد شعرت حينها بشئ من الضجر بالفعل وقلت له في ضيق وغضب : (( إنني مشغول هذه الأيام يا أخي ! .. مشغول جدا ً !)) .. فبادر يسألني : ( بمَّّ انت مشغول؟؟) فأجبته : (( أنا مشغول بالسياسة وهموم الوطن والمواطن وأشياء أخرى فدعوني وشأني !.. دعوني وشأني !.. أف ..أف !! )) فقال : (( ولكن يمكنك أن تقحم هذه الهموم في قصتنا ونحن مستعدون أن نشاركك إياها ونمثلها بشكل قصصي أدبي فني رفيع خير تمثيل ! )) فقلت في تردد : (( سأحاول ! )) .. فعاد يسألني بإصرار : (( متى ؟)) ثم أردف يقول بطريقة بدا لي أن فيها شيئا ً من التهديد المبطن : (( فلقد بدأ الجميع يشعر بالضيق والإحباط وفقدان الأمل فالأمر كما تعلم قد طال أكثر مما نبغي بل أكثر مما يـُطاق !!)) .. فنظرت إليه وركزت نظراتي على قسمات وملامح وجهه وشعرت بأنه صادق وجاد فيما يقول وقلت في نفسي : (( لعل معهم كل الحق ! .. فالأمر قد طال .. بل طال أكثر مما ينبغي .. فمنذ أن كنت في الصف الإعدادي وأنا أعدهم وأمنيهم بتلك القصة التي سيكونون هم أبطالها ! .. ولكن ماذا بوسعي أن أفعل لهم ؟؟ ... هموم السياسة ومشاغلي العائلية وغربتي عن وطني .. والإلهام الغائب ! ... كلها أسباب موضوعية تعيق عملية صناعة تلك القصة المنشودة او المفقودة ! )) ونظرت إلى ذلك (البطل) العاطل عن العمل من جديد ووجدته يرمقني بنظرات كليلة إمتزج فيها الضيق بالأمل حاله حال من كان ينتظر أن أبشره بقدوم الغيث ! .. فحككت فروة رأسي مرة أخرى بضيق وتبرم وقلت له على عجل : (( حسنا ً سأحاول .. سأبذل جهدي ... سأعتصر ذهني ... سأناشد الإلهام أن يزورني ذات يوم ! .. سأحاول في الأيام المقبلة .. فهذه الأيام أنا مشغول جدا ً بكتابة مقالة سياسيه عن الديكتاتورية الحاكمة في بلادي ليبيا .. أنا مشغول ... مشغول جدا ً .. صدقني ! )) .. وأدرت ظهري له وسارعت بمغادرة المكان هربا ً من أسئلته الملحة والمحرجة حتى وقد بدا لي لحظتها أن أطلق ساقي للريح فرارا بجلدي كي ﻻ-;- يحاصرني بأسئلته المزعجة من جديد !.
ثم مرت بضعة أشهر على هذا الحوار الذي دار بيني وبين أحد أبطال مخيلتي المساكين العاطلين عن العمل ! .. عصفت فيها الرياح وجاء الخريف بعد الربيع ... وذات ليلة وصلت إليّ أنباء مفادها أن أبطال مخيلتي قد بلغ بهم الضيق والملل مبلغا ًً لا يمكن معه الصبر والإنتظار والإحتمال والسكوت !! .. وقيل لي أنهم قد دعوا إلى إجتماع عاجل وسري في غرفة من غرف الفص الأيسر من دماغي وأنهم باتوا يخططون لأمر ما (؟) .. وبت ُ في حيرة ٍ من أمرهم وأمري وسألت نفسي في إرتباك وتوجس : (( ماذا بإمكانهم أن يفعلوا ؟؟)) (( هل تراهم سيقومون بإضراب عام ؟ ولكن إضرابا ً عن ماذا !!؟؟ فهم عاطلون عن العمل أصلا ً ؟؟)) (( هل تراهم سيخرجون في مظاهرات وإعتصامات عامة يحتجون فيها على البطالة والإهمال والحياة في الهامش المعتم في سراديب دماغي وذكرياتي القديمة ؟؟)) (( هل سيقتحمون عليّ عالمي الحقيقي بصورة سريالية غير طبيعية وغير معقولة وغير متوقعة ويحاولون فرض أنفسهم على قلمي وحياتي الخاصة ويرغمونني على كتابة تلك القصة المنشودة التي طال إنتظارهم لها منذ عقود من عمري !!؟؟ ))... بصراحة فإن كل الأشياء وكل الإحتمالات واردة .. إنهم يريدون قصة ! .. قصة تخرجهم من الهامش المعتم إلى نور الوجود ! .. تعطيهم دورا ً منظورا ً .. وتجعل منهم أبطالا ً مشهورين بعد أن ظلوا مغمورين كل هذه السنين ! .. تجعلهم معروفين بأسمائهم وصفاتهم وتصرفاتهم من خلال تلك القصة المنشودة والمنشورة والتي سيصبح لها وجود عندما سيقرأها القراء !!؟؟... ولكن يبقى السؤال الكبير والحائر هو كالتالي : ماهي تلك القصة المنشودة والموعودة؟.. تلك القصة المفقودة ؟ .. ما بدايتها وما نهايتها وما حكايتها ؟؟ وماذا سيجري فيها من أحداث دارماتيكية ؟...... هذا هو السؤال الذي بات يشغل بالي هذه الأيام .. فالوقت لم يعد يحتمل أي تأخير ولا أية أعذار !! .. وليس لدي من خيار مع هؤلاء القوم – أعني أبطال مخيلتي العاطلين عن العمل – سوى أن أصنع لهم بمحض إرادتي قصة .. قصة تجعل لهم ( دورا ) في الحياة القصصية الخيالية وتنقلهم من عالم التصورات المشعور إلى عالم الحكايات المسطور ! .. إما هذا أو إنهم قد يتمردون على ّ ويثورون ثورة لا أعرف ما مداها وما هي عُـقباها ! .. ومن يدري ؟ .. فقد يقتحمون على ّ – بصورة غريبة غير متوقعة وغير طبيعية - حياتي الحقيقية الخاصة وعالمي المنظور ليصنعون بي أو لي أو معي قصة !.. وعندها ستكون تلك قصة أخرى ولكن اية قصة !؟؟.
سليم الرقعي
شفيلد/بريطانيا 2000 م
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟