أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - كأنه مخضَّبٌ بالنوارس














المزيد.....

كأنه مخضَّبٌ بالنوارس


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4441 - 2014 / 5 / 2 - 19:13
المحور: الادب والفن
    


كأنهُ مخضَّبٌ بالنوارس
الى ماركيز

نمر سعدي/ فلسطين


لا أحتاجُ إلى أكثر من ربيعٍ عاشقٍ هادئ والى أكثر من روايةٍ جميلةٍ لماركيز.. منذ سنوات وأنا أردِّدُ هذا الكلامَ الخفيَّ بيني وبينَ نفسي.. أعترف أنني لم أقرأ كلَّ مؤلفات الروائي الكولومبي المدهش غابرييل غارسيا ماركيز.. ولكنني شغفتُ بعالمهِ ولغتهِ أيَّما شغف.. قرأت له خمسة أو ستة روايات من معجزهِ الفذ.. منها ملحمته مئة عام من العزلة وذاكرة غانياتي الحزينات وقصة موت معلن.. لكني لا أستطيع التعبير عن الجماليات السامية واللذَّات الروحية المتأتية عبر قراءتهِ.. الذي قرأ ماركيز بقلبهِ الحيِّ المتفتِّح كزهرةِ صبَّار في العاصفة لا يقوى على نسيانهِ أبدا..هو أحد السحرة الرائعين القادرين على اخراجك من دوامةِ حياتكَ بخفَّةِ غيمةٍ وادخالكَ عوالمَ خيالية سحرية وخالية أيضا من الهمِّ والقلقِ الحقيقين.. أعترف بكل حب أن من امتصَّ بوعيهِ رذاذ ماركيز الضوئيَّ لا يقوى على الحلمِ الآن.. ليسَ أمامه سوى أن يصمت.. أو يتأمَّل الفراشات الصفراء التى فاضت من سماءِ ماكوندو الذهبيةِ.. ماذا سأفعلُ من دونِ ماركيز؟ ماذا سأقرأ؟ ماذا سأقول؟ أما كانَ في العمرِ متسَّعٌ كي أتمَّ قراءته؟ أو أعيد قراءة مئة عام من العزلةِ من جديد في أوج هذا الربيع..؟ أرختُ لحياتي مرَّة بقراءةِ كتبهِ.. السنة التي قرأتهُ فيها ليست كبقيَّة السنوات.. كانَ لها طعم خاص.. ملمس خاص.. عبير خاص.. دفق يشبهُ وسوسة الندى الصيفي في زهرةِ عبَّادِ الشمس.
في الاسبانية هناك إثنان.. سرفانتس وماركيز.. هما بالنسبة لشعبيهما أكثر من كاتبين. خالطني مرَّة شعورٌ أن ماركيز خلطَ عوالمَ ألف ليلة وليلة وأساطيرَ أميركا اللاتينية بمهارة أدبية خارقة.. أو حاولَ بحذقٍ ماهرٍ أيضاً إتمامَ ما توَّقف عندهُ سرفانتس من سرد غرائبي يحلِّقُ بجناحي الواقعيَّة السحرية.
قرائتي لماركيز فيها نوعٌ خاصٌ من الرهبنةِ والانقطاع شبهُ التامِ عن المشاغل المحيطة.. قليلٌ من الكتَّاب من يفعلُ فعلهُ في ذهنيَّةِ قارئهِ المتلقِّي.. أو يضربُ سوراً من الحميميةِ بينهُ وبينَ عالمهِ المحيط.. لا أعرفُ.. هذا الكاتب خيمياؤهُ غريبةٌ.. تقولُ الفتاةُ البرازيليَّةُ لزميلها العربيِّ في محطَّةِ القطارِ.. كيفَ لو قرأتهُ بالإسبانية؟! لا تتقصَّدي تعذيبي.. يجيبها.. هل لو قرأتهُ بالإسبانيةِ كنتُ سأحصلُ على أكثر من هذا السحرِ في ترجمةِ صالح علماني؟!
لا أستطيعُ نسيانهُ.. فمنذُ أن حملني في ذاكرةِ غانياتهِ الحزينات وقبلها في مئةِ عامٍ من العزلةِ إلى أعلى قمةٍ للكثافة التعبيرية والإيحائيةِ.. منذ أن أبحرَ بي في بحر بلا ماء وأنا لا أستطيعُ الهبوطَ ثانيةً من الأولمب التصويري الخارق, لا أستطيعُ حتى المحاولة أو التفكير في النزول الصعب والمرهق.
أنجز ماركيز ملحمته العظيمة مئة عام من العزلة في ثلاثةِ شهور بعدما اختزن بكلِّ عوالمها وتجلياتها وأحداثها وأظنها كانت مدة كافية بعدما عاش التجربة الروحية لروايتهِ الخالدة وتمثَّل شخوصها.. وأظنه كان يكتبُ بلا انقطاع واصلا الليل بالنهارِ ذلكَ النص الحقيقي العميق الشبيه بالوثيقة السرِّية.. النص المشتعل بأوار الشوقِ الى البساطة والحريَّة وصراخِ كلمة لا في وجه الظلم والعبودية.
كل نص عظيم هو الذي يأتي من حنايا الطفولةِ.. أو شغاف الحلم.. أو أقصى الحنينِ إلى الغيابِ الضروري لاستشعار الخسران.. كأنهُ مخضَّبٌ بزرقةِ النوارسِ البعيدة تماما كنص مئة عام من العزلة.. وماركيز الذي سحرَ بلغتهِ هو ذلك الطفل الأبدي المبقَّع بنور الحبر السماوي.. والذي يعيشُ في طفولتهِ مخضبَّاً بالأوهام والأحلامِ والعبثِ الضعيفِ الهشِّ.. وبوجعِ مستقبلهِ الإنساني.



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء الشاعر
- هل تفرغُ الروحُ من الذكريات؟
- طيرانٌ عمودي
- قصائد كرائحة الذكريات
- تنويعات على قيثار تشرين/ قصائد
- رفرفات الروح للمطلق/ في الهم الثقافي
- إمرأة من قزح
- أمطار مبللة بالقصائد/ أيلوليات
- مجموعة قصائد/ تموزيات
- مجرَّة راح يهفو حولها قمرُ
- معلَّقةُ نون
- قصائد عطشى لرذاذِ الشمس
- مدائح لمائيَّةِ ميم
- قصائد تُزهرُ في الظهيرة
- نهرٌ تعرَّى من الماءِ
- مثلَ عشبٍ عاشقٍ
- ما حاجتي للأسئلة؟
- القصيدة بيضاء
- قصائد مختارة2013
- هل هنالكَ من يحتفي بالألمْ


المزيد.....




- المُخرج الكوري كيم كي دوك: ???????بيوتنا خالية ومغلقة تنتظر ...
- فيلم روسي يشارك في مهرجان -مومباي- الدولي للأفلام الوثائقية ...
- -لأول مرة-.. مصر تقرر تعليم أعضاء النيابة اللغة الروسية
- مغردون: كمين النابلسي فيلم هوليودي من إنتاج القسام
- طلاب من المغرب يزورون مقر RT العربية في موسكو (صور)
- لولو في العيد.. تردد قناة وناسة الجديد 2024 وتابع أفضل الأفل ...
- فيلم -قلباً وقالباً 2- يحطّم الأرقام القياسية في شباك التذاك ...
- أول تعليق من مصر على مشاركة ممثل مصري في مسلسل إسرائيلي
- مستقبل السعودية..فنانة تتخيل بصور الذكاء الاصطناعي شكل الممل ...
- عمرو دياب في ضيافة ميقاتي.. ما كواليس اللقاء؟


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - كأنه مخضَّبٌ بالنوارس