أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - موجز تاريخ المحنة - 2 -














المزيد.....

موجز تاريخ المحنة - 2 -


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4437 - 2014 / 4 / 28 - 16:32
المحور: الادب والفن
    


موجز تاريخ المحنة - 2 -


( 1 )

في عام 1969 كنتُ أعملُ ، بعدَ الظُهْر ، كاتباً لبريد المشتركين في مجلة ( التربية الأسلاميّة ) . يقع مقر المجلّة في الطابق الثاني من بناية جمعيّة ومدرسة التربية الأسلامية في الكرخ القديمة ( مابين سوق الجديد ، وجسر الشهداء .. قرب إعدادية الكرخ ) .
عندما يحين موعد صلاتَيّ العصرِ والمغرب ، كان رئيس تحرير المجلة ، ومدير المدرسة ، المربي الفاضل الأستاذ عبد الوهاب السامرائي ( الذي يعرفُ جيداً إنّني لا أُصَلّي ) ، يقف عند أسفل السلّمِ المفضي إلى غرفة صغيرةٍ في الطابق الثاني ( حيثُ كنتُ اعمل ) ، ويناديني بصوتٍ خفيض : عماد ، يا إبني ، حان موعدُ الصلاة .. باركَ اللهُ فيك ْ .
كانتْ صَلاتانِ فقط ، أُصلّيهُما وراءه .. هو بالذات ، ولا أحدَ غيره . العصرُ والمغرب . وعندما لا يكون موجوداً .. لا أحد كان يُناديني .. ولم أكنْ أُصَلّي . وأستمَرَّ الحالُ على هذا المنوال ، إلى أنْ تركتُ العملَ في المجلّة بعد مدّةٍ قصيرة .
بعدها قالَ لي الكثيرون : " باركَ اللهُ فيك " ، لأسبابٍ عديدةٍ ، ليستْ الدعوةُ إلى الصلاةُ من بينها . غير أنّ " باركَ اللهُ فيك " ، تلكَ التي كان يقولها لي عبد الوهاب السامرائي ، هي الوحيدةُ التي لا يزالُ صداها يترَدّدُ في أُذُني .. حتّى هذه اللحظة .

( 2 )

ذهبتُ صباح هذا اليوم إلى أمّي .. وصرختُ في وجهِها وانا أبتسِمْ ( بتقاسيمِ وَجهٍ كان يبدو وكأنّهُ أُصيبَ على التَوِّ بشَلَلٍ نِصْفيّ ) :
عيدُ أُمٍّ سعيدٍ .. يا أُمّي .
لمْ تَجْفَلْ أُمّي . ولمْ تُكَلّفْ نفسَها عناءَ السؤالَ عن معنى عيدٍ كهذا ، في هذا الوقت .. بلْ رفَعَتْ فقط عينيها الكَليلتَين ِ نحوي ، وقالتْ بصوتٍ مكسور :
يابَهْ ذَنّي الأُمَّهاتْ الخايباتْ .. والنسوان الخايباتْ .. إللّي وِلِدْهِنْ ، ورْجالْهِنْ .. لو بعدْهُمْ عايشين عطّالَة بطّالَةْ .. لو مسجونين .. لو مفقودين .. لو مَيْتينْ ، ونِدْري مَدْفونين وَين .. لو مَيْتين ، ومَحّدْ يدري مدفونين وين .. لو راح يموتون مدري وين ، ويمكن مَيرْجَعون لبيوتْهُم ..
أَكَلّكْ يابَه عماد .. ذَنِّي هَمْ عِدْهِنْ .. عيد ؟؟

( 3 )

أحلامُ الأطفال الفقراء .
آمالهُمْ .. وأفراحَهُم .. وأساهُم .
هذه أشياءُ .. لا وجوهَ لها لديهِمْ .
كُلُّ شيءٍ بالنسبةِ لَهُمْ .. يبدأُ مِنَ الجِلْد .
مِنَ الجِلْدِ .. إلى الجِلْدِ .. على الجِلْدْ .
لاشيءَ مثلُ الجِلْدْ ..
يتحدثُ عن ذلك .
( 4 )

يا كبارَ السِنِّ الرائعون .
إفرَحوا .. وتفاءَلوا .. وأبتَسِموا .
لماذا لا تفرحون .. وتتفائلونَ .. وتبتسمون .
إنَ الشبابَ والشابّات .. وكلُّ من هم أصغرُ منكُم عُمْراً .. لا يريدون منكم شيئاً أكثر من ذلك .
لايريدون منكم شيئاً غير ذلك .
إنّهُم يقولونَ لكُم : إبتسموا .. وأفرحوا .. وتفاءَلوا .. وتبادلوا معنا أنخابّ الحكمة .. وأتركوا لنا كلّ شيءٍ عدا ذلك .
لابأس من أن تغضبوا علينا في هذه .. وتعاتبوننا في تلك .. وتعضّون على ماتبقى من أسنانكم من أجل هذه .. ويرتفع ضغط دمكم من أجل تلك .
فنحنُ جديرون بأن نحيا رغم ذلك .
اليسَ كذلك ؟
جَرّبونا .. وتفرَجوا علينا .. وسنصنعُ الأعاجيب .
نعم . سنخطيءُ حتماً .. وستَضَعونَ أحياناً أكُفَكُّم فوق قلوبكم الكليلة خوفا من كبواتنا ، وتهورنا ، وحماقاتنا ، هُنا ، وهُناك . غير أنّتا نستَحّقُ ذلك . نستحِّقُ أن نُخْطيْ . أليس كذلك ؟
أنتم أيضاً كنتم صبياناً .. وحمقى .. وأخطأتم كثيراً طيلة هذا العُمر الطويل .
مَنْ لمْ يكن يوماً كذلك ؟ُ
لقد كان لكم في هذا البلد نصيبُ من الرفاه وبعضُ السعادةِ .. ونصيب من البؤس أيضاً .
فلماذا يكونُ لنا نصيبان من البؤس الآن : بؤسكُم المُزمِن .. وبؤسنا حديثُ الولادة.
هيا أفرَحوا .. وتفاءَلوا .. وأبتسِموا .
وإنْ لمْ تفعلوا ذلك .. سنُجْبِرُكُم على ذلك .
نحنُ لا نريدُ أن تموتوا .. والأبتسامة لا تعلو شفاهَكم المتغضنّة .
وسنلتمسُ منكُم أخيراً .. أنْ لا تشترطوا ذلك الشرط الذي فرضَهُ أستاذٌ على طلابهِ قائلاً :
" سأفرحُ .. وأتفائلُ .. وأضحكُ من كلّ قلبي .. بشرط : أنْ تَمُرَّ ثلاثة أيامٍ علينا .. دون أخبارٍ سيّئَة . " .
هذا شَرْطٌ مُجْحِفٌ في العراق .
فأحياناً لايُمْكِنُ أنْ يَمُرَّ يومٌ واحدٌ هُنا .. دون أخبارٍ سيئّة .
وقليلٌ من الأخبار السيّئةِ يومياً .. لاتحولُ أبداً بيننا وبينَ الفَرَح والضوء .
لاشيء في نهاية المطاف .. يُمكنُ إنتاجُهُ دون كُلْفَة .
أليسَ كذلك ؟
( 5 )
كعادتي في هذا الوقت من كلّ عام .. أقومُ بتوزيع زهور الكَاردينيا على طُلّابي .
زهرة لكل طالب .. وزهرة لكل طالبة .
كان طلبتي يحتفلون بذلك سنوياً .. في موسم الكَاردينيا .
الآن أوشك موسم الكَاردينيا على الأنقضاء .. وانا احمل ورودي التي تنطفيءُ ، ويقلُّ عددها ، يوماً بعد يوم ، وأذهبُ بها إلى قاعاتِ الدَرْسِ منذُ أسبوع .. ولا أجد أحدا .
هذا غيابٌ مُبَكِّرٌ جداً .
الكَاردينيا لا تنتظرُ الغائبين .
آخرُ باقةٍ كنتُ أنوي توزيعها يوم غَدٍ الأحد .
الآن تم الأعلان عن أن عطلة الأنتخابات ستبدأُ يوم الأحد .
الغائبونَ لن يعرفوا أبداً مامعنى رائحة الكَاردينيا .
لن تكون الكَاردينيا أبداً .. جزءاً من ذاكرتهم .

( 6 )
زمنُ الأعاجيبِ ولّى .
ولكن كثيرينَ يقولونَ .. أنّهُم شاهدوا السمكَ " يلبُطُ " على إسفلت الشارعِ الرابطِ مابين " أبو غريب " والفلوجة .
ويومياً نشاهدُ الناسَ " يلبطون " على أرصفة بغداد ، وفي مقاهيها ، وشوارعها .. التي لا تربطُ أحداً بأحد .
يبدوا أنّنا نجَوْنا من كلّ الحروب .. لِنَشْهدَ ظهورَ مُعجزاتٍ كهذه .
رائعون هُمْ .. من بيَدِهِمْ الأمرُ الآن .
أولئكَ الذين يجعلونكَ ترى كُلَّ يومٍ .. وأنتَ نصفُ حيٍّ ، ونصفُ ميّت ،
الكثيرَ من علاماتِ يوم القيامة .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق : - هوسات - .. و إنتخابات
- الأشياءُ تأتي وحدَها
- ميليشيا اليمام الأعزل
- العراقُ .. بخير
- مُختارات .. من قِصَصِ الأنتخاباتِ .. القصيرةِ جداً .
- فلمُ حياتي الطويل
- تاريخ كئيب .. للكآبة .. في العراق
- هذا الكَهَف الجميل
- نُريدُ لغُصْنٍ واحدٍ أنْ يُورِقْ
- موجَز تاريخ المِحنة
- الطلبةُ ، والعشائرُ .. وسَخامِ الحروب السخيفة
- مثلُ بنتٍ وحيدة .. في شجرة العائلة
- هذا .. الذي يحدثُ ُالآن
- لماذا لاتحدثُ أشياءٌ كهذه ؟
- نحنُ نَنْقُصُ .. والليالي تزيدْ .
- كنتُ أحبّكِ كالريح .. لم أكنْ أحبّكِ كالبيت
- 3 - صفر
- مثلُ مَوْقِدٍ بارِدِ اللون
- لا يحدثُ هذا دون سبب
- قلب الحوت الأزرق


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - موجز تاريخ المحنة - 2 -