أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الجمالية في السرد القرآني ,سورة يوسف مثالا














المزيد.....

الجمالية في السرد القرآني ,سورة يوسف مثالا


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 23:10
المحور: الادب والفن
    


الجمالية في السرد القرآني ,سورة يوسف مثالا

تنفرد سورة يوسف بجمالية خاصة في البناء السردي ليس من ناحية الشكل ولكن أيضا من ناحية البناء الوصفي واستخدام الإيحاءات اللغوية المعبرة عن مفاهيم محددة دون أن تضع القارئ والمتدبر في إشكالية البلاغة وأجانسها وفنونها , لقد جاءت الصياغات فكرية عقلية بأسلوب قصصي فريد يجمع بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى مع إقصار متعمد بمفردات البناء اللفظي دون إخلال بالهدف ولا تضييع للدلالات وقد جاءت منذ بداية سرد القصة بمقدمات لا تنفصل عن القصة وترتبط بالنهاية وكأن السورة تعرض فلما سينمائيا حديثا , بدأت برمز(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) لتكون الرواية كلها رمز لصراع الخير والشر الصراع الأولي الأبدي الوجودي وتعطي عنوان يبعد النص مع حضورية الزمان والمكان لكنه أيضا يعرض الحال خارجهما ليقول لنا أن الحكاية هي خارج مدى ما تدور في أجواءه القصة كلها.
هذه الرمزية المقصودة تشير إلى أن القادم من السرد والبناء اللفظي لا يخرج عن كونه جولة في تفكير وتعقل الإنسان وهو يمارس وجوده من خلال عالمين عالم الواقع وعالم الغيب وكيف أن كل منهم له تأثير محوري على الأخر وأن على الإنسان أن يربط بين الدلالات مهما كانت صغيرة فالكون كله عبارة عن ربط أجزاء صغيرة أو مثل جبل رهيب هو في الحقيقية عبارة عن ذرات من الرمال والحجر والطين وأشياء أخرى تجمعت فصارت هذا الكيان العظيم(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)هذا الخبر سيكون كل محور السرد ومحور الدلالة أيضا للتفريق بين مفهوم الرؤية ومفهوم الحلم بين الواقع المتخيل وبين الخيال المتوقع , بين أن تكون حقيقة وعلم وبين أن تكون مجرد خيالات بأثر نفسي حسي غير منضبط(قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ).
بعد هذه المقدمة التي ساقها النص يبدأ التقديم للقصة من خلال عنوان غيبي وكأن الغيب يقرأ والحاضر يستجيب .هنا يتوهم قليل الخبرة والدراية بالنص القرآني وكيفية تعامله مع سرديات مماثلة ويقع في عشق التتابع ويبتعد عن روح وجوهر الغائية منها أصلا ليتابع القصة من خلال البطل يوسف ويتعاطف معه بالمأساة والملهاة وصور الغرام التي يعرضها النص بإيجاز شديد ولكن بعرض كامل لللواعج الإنسانية حين يقرر الإنسان أن يمنح روحه حرية التمرد على الواقع بمقابل قوة الإرادة التي تناهض التمرد وتنحاز لحدود الخلق الإنساني المراقب للغيب وليس الغيب المراقب(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
الجميل والفريد في الطراز من السرد هو حرصه على الجمع بين التفاصيل الصغيرة وبين إطار الكبريات التي تؤسس للمعنى ,فلم يهمل النص مثلا تحديد شكل المكان ولا طريقة الأداء ولا ما يشير إلى سلسلة من الأحداث التي يتتابع في المشهد وربط هذا كله بالغاية التي يريدها ان تصل(وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ)و(أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا)وأيضا(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) هذه المفردات وبالدقة والجمال في البناء توحي للقارئ أنه أمام عناصر تشويق قد لا تتناسب مع نص يمتاز بالجدية والقداسة والإحكام , لكن الذين لا يعرفوا منهج السرد في كتاب الله لا يفهمون من أن القرآن الكريم يتعامل مع عقول يراد لها التفاعل والإنتاج وليس فقط تعبئة القصة ثم تحويلها إلى مفردات عباديه .
الميزة الإبداعية في النص هنا قدرته على حمل الكثير من المعاني والدلالات بالقليل والجميل من الهيكل البنائي للنص دون إطناب أو حتى ما هو طبيعي في السرد الأدبي,يختصر النص مثلا قصة داخل القصة ويربطها بسلسلة الدلالات من خلال بعض الكلمات ليكون ما يسمى الصورة المجمعة وعبر مهارة فائقة لا يمكن أن نتلمسها في بنائيات لغوية أخرى مشابهة( وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ )كم هي مضغوطة هذه القصى وكيف لخصت محمل الحدث الذي أسس فيما بعد لأصل القصة , إنها مهارة تعميق النصر والرؤية من خلال العمق لنرى أيضا عمق الدلالات التي ستتلاحق نتيجة هذه القصة بالذات حتى نصل المفصلية التي ستكون المحور الأهم بالقصة كنتيجة للقصة المقدمة(وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) ... هذا الترابط بين الأحداث بهذا الاختصار الفني ومن ضمن حبكة درامية قليلا ما نجدها تتوفر في نصوص أدبية مقاربة لها تأريخا وحتى أيضا الكثير من النصوص التي يعتقد أنها دينية.
نعود إلى النسقية السردية التي سخرها النص لخدمة الهدف وصاغها بجمالية تساعد القارئ على الاندماج والتفاعل من خلال صيغة الجملة ذاتها فهو أعتمد الرمز ليبوح بالحقيقة وبنفس الوقت هناك جمل تبوح بالسر والحقيقة ولكنها تقصد الرمزية المتناغمة مع خلط الغيب بالحاضر والحاضر بالمستقبل لنتأمل هذه النصوص الجميلة((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ )) الرؤية هنا حقيقية وليست حلما وإلا لكان النص صرح أن يوسف كان في منام بل مؤكد الدلالة على أن يوسف وأبيه على خط واحد من الفهم بمعى الرؤيا المشاهدة الواقع المرموز بحكايات لن تلد بعد,هذه الجمالية بالتفريق بين عالم الأحلام التي لا تعدو أن تكون أضغاث وبين الرؤية التي هب خروج من عالم الزمن الآن إلى عالم الزمن الحقيقة ,تأمل أيضا نصا جماليا أخر (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) هنا النص جاء بالواقع ليرمز للحقيقة التي ستنكشف لاحقا من خلال كيفية القد , النص ثري جدا ولكنه في حروف معدودة يجعل القارئ في سياحة حقيقة في جنة الجمال البلاغي.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلم العراقي
- نظرية الطائفة الدولة ج2
- نظرية الطائفة الدولة.
- جمهورية العقل ج2
- جمهورية العقل ج1
- السلام الآن...
- العراق المستقبل وحدة أم خيار التفكيك ج1
- الفكر العربي وتحديات عالم متعدد الهويات ج1
- الفكر العربي وتحديات عالم متعدد الهويات ج2
- الموت على سرير الآلهة _ قصة قصيرة ح2
- الموت على سرير الآلهة _ قصة قصيرة ح1
- الزمن وعلم الله ج3
- الزمن وعلم الله ج2
- الزمن وعلم الله ج1
- سرك الحب
- الفلسفة الافتراضية وجه أخر لعالم جديد ح2
- الفلسفة الافتراضية وجه أخر لعالم جديد
- لك أخي الراحل _ كلمات للراحل د محمد بديوي الشمري
- غير أني لا أتذكر _ قصة قصيرة
- أشتراطات التغيير والعمل السياسي في العراق ح2


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الجمالية في السرد القرآني ,سورة يوسف مثالا