محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4428 - 2014 / 4 / 18 - 02:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مدخل :
عندما قرأ لينين في إحدى أدبيات الحزب الشيوعي الألماني مانصه " هناك ديكتاتورية الزعماء ، وهناك ديكتاتورية الجماهير ، هذا هو شعارنا " ، علق على هذا الكلام بقوله " ياله من هراء قديم ، ومعروف من زمان ، يالها من صبيانية يسارية " . إن مثل هذ ا التقسيم للشعب ،إلى زعماء وجماهير ، يذكر ( مع الفارق بطبيعة الحال ) بتقسيم حزب البعث ، ولا سيما بعد 1963، الشعب إلى نخبة / طليعة ( هي هنا حزب البعث ) ، وجماهير ( بقية أفراد الشعب )عليها ( أي الجماهير)أن تتبع هذه النخبة التي ستقودها إلى السعادة . وبعد تحويل حافظ الأسد الصبيانية اليسارية ، التي كانت تتعايش في إطارها سلبيات وإيجابيات هذا الحزب إلى صبيانية يمينية ، باتت مسيرة الحزب خالية من أية إيجابيات .
نعم ، صبيانيتان ، يسارية ويمينية ،أوصلتانا إلى هذا الدرك المؤلم والمؤسف ، درك البراميل المتفجرة ، الذي نحن عليه الآن ، تلك هي الحقيقة .
ومن جهة ثانية ، لابد من الإشارة ، إلى أن ماسنورده في الفقرات التالية ،من بعض الحوادث السلبية ، التي ينطبق عليها الوصف اللينيني السابق ( الطفولة اليسارية ) إن هو إلاّ من قبيل استعادة الحدث على مستوى الذاكرة . وبما أن هذه الأحداث تبعد عني قرابة نصف قرن من الزمن ، فإنني أخشى ألاّ تكون" موضوعيتي " التي أعتز بها ، كافية لكي تعصمني من الخطأ والخلل ، وفي هذه الحال لاأملك إلاّ أن أسأل الله أن يلهمني الصواب ، وأسأل من يمكن أن أكون قد أخطأت بحقهم ، أحياء كانوا أم أموات قبول اعتذاري .
الحادثة الأولى :
من المعروف أن عدداً من الطائرات الإسرائيلية قد اخترقت الأجواء السورية في أفريل عام 1967 ، وصرح رئيس الأركان السوري يومها ، أن الطيران السوري قد أسقط أربعاً من هذه الطائرات . من جهتي صدقت ماأعلنه رئيس الأركان ( وقد كان واقعياً مخالفاً للحقيقة )، وسارعت إلى الإدلاء بتصريح صحافي ( كوزير إعلام ) استشهدت، فيه بمقولة ماوتسيتونج المشهورة " إن الإمبريالية نمر من ورق " ، بل إنني قلت في حينها " إن الإمبريالية أقل من نمر من ورق !! " .
وعند زيارتنا لموسكو( الدكتور نور الين الأتاسي ، ابراهيم ماخوس ، محمد الزعبي ) في أواخر شهر ماي 1967 ( قبيل حرب حزيران وفي إطار حوارنا مع الاتحاد السوفياتي حول نذر هذه الحرب )، أشار السيد كوسيجين ( رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي آنذاك ) في حديثه معنا ، بأن الإمبريالية ليست نمراً من ورق ، كما يعتقد البعض ( وكان يشير بذلك إلى تصريحي الصحفي السابق ) والذي أعترف اليوم انه كان يدخل في إطار مفهوم " الطفولة اليسارية " ، الذي جلب لشعبنا العربي عامة ، والسوري خاصة ، كل السلبيات التي أوصلتنا إلى مانحن فيه وعليه اليوم ، والتي
من المطلوب من شباب ثورة آذار 2011 ، وقادتها العسكريين والمدنيين أن يتلافوها ،
فالصبيانية بشكليها اليساري واليميني ، هي نوع من " التطرف "، والتطرف مرض ، والمريض لايحق له قيادة الأمة لاإلى اليمين ولا إلى الشمال .
ومن جهة أخرى، فإن كلا من بريجنيف وكوسوجين قد طلب منا ، ألاّ نستعجل الحرب ، لأن عاصمتنا دمشق بحاجة إلى حماية جوية ، وأنهم سيزودونا بهذه الحماية خلال شهر ( صواريخ نوعية جديدة مضادة للطائرات ) ، وطلبوا أن نرسل إلى موسكو فوراً وزير الدفاع ( حافظ الأسد ) للاتفاق معه على تفاصيل هذه الصفقة . وعند خروجنا من الجلسة مع القادة السوفييت ، قال واحد منا منزعجاً من الموقف السوفييتي الذي طالبنا بالتعقل وعدم استعجال الحرب مع إسرائيل " إنهم لايريدوننا أن نحرر أرضنا "
ويمكن إدخال مثل هذا الرأي – حسب تقديري – الذي قاله واحد منّا أيضاً في إطار عقلية " الطفولة اليسارية " ، إن لم يكن أكثر ، لأن الاتحاد السوفييتي – على مايبدو – كان يعرف الطبيعة الحقيقية للنظام السوري في تلك الفترة ، عندما طالبنا بالتعقل وعدم استعجال الحرب .
الحادثة الثانية :
عندما كنت وزيراً للإعلام في وزارة الدكتور يوسف زعين ( 1966 – 1967 )
زارني في مكتبي وفد من رجال الدين بمعية أستاذ سابق لي في دار المعلمين بدمشق
هو المرحوم عبد الرحمن الباني ( إن لم أكن مخطئاً في تذكر الإسم )، وقد كان طلب هذا الوفد مني بسيطاً وممكناً ، ألا وهو ترحيل تلاوة القرآن الكريم عند افتتاح تلفزيون دمشق ، ساعة نحو الأمام لكي يستمع إليها أكبر عدد من الناس . اعتذرت يومها لأستاذي الكبير والمحترم عن تلبية هذا الطلب البسيط ، وهو مالم يكن يتوقعه مني بالتأكيد . إنني أشعر الآن بالأسف الشديد ، بل بالخجل الشديد ، لعدم تلبيتي طلب ذلك الأستاذ والشيخ المحترم ، وللوفد الكريم الذي كان معه ، ولا أملك الآن إلاّ الاعتذار ، والاعتراف بأن الذي كان يقف وراء مثل هذا السلوك ، هو بدون شك ، " الطفولة اليسارية " التي كنت عليها أنذاك رحم الله أستاذي الكبير عبد الرحمن الباني .
الحادثة الثالثة :
جرت العادة في سوريا ، أن يقام في محافظة السويداء ( مقر قائد ثورة ال1925 السورية ضد الفرنسيين ، سلطان باشا الأطرش ) احتفالاً كبيراً ومهيباً في كل عيد جلاء ( 17 نيسان من كل عام ) ، حيث يشارك في هذا الاحتفال كل من الباشا و ممثل عن رئيس الجمهورية يحضر من دمشق . وجرت العادة أيضاً أن يأتي الباشا من قريته ( القريّا ) إلى بيت أخيه في السويداء ، وأن يذهب ممثل الحكومة السورية القادم من دمشق للتسليم على الباشا في بيت أخيه ، ثم يأتي الإثنان معاً ( الرئيس أو من يمثله والباشا ) إلى مقر الاحتفال . لقد وقع الاختيار على محمد الزعبي ليكون ممثلاً للرئيس ( نور الدين الأتاسي ) في احتفالات الجلاء عام 1966 . لقد حضرت إلى مدينة السويداء في الوقت المحدد ، وكان بصحبتي أحد أعضاء القيادة القطرية من أبناء جبل العرب . ولما هممت بتنفيذ الإجراءات المعتادة في زيارة الباشا في بيت أخيه للتسليم عليه ومن ثم الحضور معه إلى ساحة الاحتفال ، ثارت ثائرة ( الرفيق ) عضو القيادة القطرية ، في أنه لايجوز أن نعير هؤلاء الإقطاعيين والزعماء القبليين أي اهتمام ، ومن المفروض أن يأتي وحده لحضور الاحتفال. و كانت النتيجة أن الباشا ( قائد الثورة السورية ) غاب لأول مرة عن احتفالات عيد الجلاء .
إنها واحدة من ثمار ( الصبيانية اليسارية ) المؤسفة التي لاينفع معها حتى الاعتذار.
الحادثة الرابعة :
زارني في بيتي ذات يوم عدد من مشايخ الزعبية ( كوني أنتمي إلى نفس العائلة ) وكان كبيرهم هو السيد عبد المجيد الزعبي ، ابن السيد محمد المفلح الزعبي ، زعيم عشيرة الزعبية ، والنائب في البرلمانات السورية المنتخبة . لقد كان السبب الذي أتى بهم إلى بيتي ،هو أن أمين فرع حزب البعث بدرعا آنذاك ، قد أوعز لعدد من فلاحي قرية اليادودة ( قرية محمد المفلح ) أن يستولوا على القسم من الأرض الذي تركه لمحمد المفلح قانون الإصلاح الزراعي ، بطبعته البعثية ، أي التي جعلت الحد الأعلى للملكية الزراعية 55 هكتاراً في الأراضي المروية و300 هكتار في الأراضي البعلية وكانت حجتهم المشروعة يومها ، هو قولهم لي : أنتم من حدد سقف الملكية ، وأنتم من ترك لنا هذه الهكتارات ، فلماذا أوعز( رفيقكم ) أمين فرع درعا للفلاحين بالاستيلاء على هذه الأرض . لم أكن يومها في وضع يسمح لي أن أقول لهم " إنها الصبيانية اليسارية " المؤسفة .
وبعد استقالتي من المهام الحزبية والسياسية وعودتي إلى بيتي في درعا ، التقيت صدفة بالسيد محمد المفلح الزعبي ( أبو عبد المجيد ) في مكتب أحد المسؤولين هناك ، وبيده ( محمد المفلح ) ورقة ، قدمها لي وقال لي انظر ياأستاذ محمد ، لقد كانت ورقة تنازل الفلاحين عن الأرض التي استولوا عليها بطلب وحماية من أمين فرع الحزب بدرعا !! .
مرة أخرى: قاتل الله " التطرف "، وقاتل هذه " الصبيانية " بكل ألوانهما وأشكالهما التي فتكت وما تزال تفتك بشعبنا العربي السوري تحت العديد من الأباطيل والأكاذيب والتسميات ، والتي يمكن إحالتها دون عناء ، إلى ضعف الوازع الأخلاقي و / أو العمى الأيديولوجي ، و / أو ضحالة الثقافة السياسية ، و/ او مرض الطفولة بشقيه اليميني واليساري ، و/ أو الانحراف الوطني ، و/أو كلها مجتمعة .
ــــــــ انتهى ـــــــــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟