محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4253 - 2013 / 10 / 22 - 18:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرة أخرى : دفاعاً عن نظرية المؤامرة 21.10.2013
د. محمد أحمد الزعبي
1. تعود جذور هذه المقالة إلى عام 2002 ، أي إلى ماقبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، وماقبل ثورة الشعب السوري على الحكم الوراثي الديكتاتوري الطائفي في سورية عام 2011 (تحديداً 18 آذار 2011 ) ، ولذلك فقد تمحورت الأمثلة آنذاك على القضية الفلسطينية ( تم نشرها آنذاك بجريدة القدس العربي ، بتاريخ 21.04.2002 ) . أما الآن فقد أضيفت إلى القضية الفلسطينية قضيتان جديدتان هما القضية العراقية والقضية السورية . ولذلك فإن دفاعنا عن نظرية المؤامرة ،في هذه المقالة الجديدة ، سوف يتضمن شواهد تتعلق بمجمل هذه القضياالقومية الرئيسية الثلاث .
2. درج بعض المثقفين العرب ، والذين عادة مايوصفون بالمحللين الاستراتيجيين (!) ،على التوكيد على أنهم لايؤمنون بنظرية المؤامرة وتراهم على شاشات الفضئيات ، يحركون رؤوسهم ذات اليمين وذات الشمال ، حركة غالباً ما تكون مشفوعة بابتسامة خفيفة ساخرة تشير إلى أنهم ينؤون بأنفسهم عن مثل هذه النظريات غيرالعلمية الساذجة (كذا!) ، التي يغلب (بضم الياء وتشديد اللام ) فيها المرغوب على المطلوب .إن القبول بنظرية المؤامرة ، يعني بنظرهم إعفاء " الداخل" (البلدان النامية) من مسؤولية تخلفهم الاجتماعي والاقتصادي ، ووضعها على عاتق "الخارج" (البلدان المتطورة ) ، والتي هي عمليا البلدان الرأسمالية الكبرى التي تمتلك ناصية العلم والتقانة وبالتالي الحداثة ،والتي تمثل بنظرهم النموذج المثالي الذي على الدول النامية أن تقرأ مستقبلها فيه ، لاأن تحملها مسؤولية تخلفها .
3. إن الحوار العلمي والموضوعي مع مثقفي نفي نظرية المؤامرة ، يقتضي ، من الناحية المنهجية ، التوكيد على أمرين اثنين ، أولهما ، هو حق ومشروعية الاختلاف في الرأي ، وثانيهما ، هو أ ن تحديد مضمون المفاهيم المستخدمة بين المختلفين في الرأي بصورة دقيقة ، ووضع هذه المفاهيم على محك الممارسة ، ينبغي أن يكون هوالفيصل في الحكم على صحة أو عدم صحة هذا الرأي أو ذاك ، وهو العاصم من ألاَّ يكون الحوار بين المختلفين في الرأي ، نوعاً من حوار الطرشان .
4.. إننا نعرًّف نظرية المؤامرة ـ كتعريف إجرائي ـ بأنها ، لجوء الطرف المتآمر ، من أجل تنفيذ مخططه التآمري ( المسكوت عنه عنده ) ، إلى أشكال متعددة ومتباينة ومتناقضة ، من المواقف النظرية والعملية ، التي يختلف ظاهرها عن باطنها ، وغدها عن أمسها ، وحاضرها عن مستقبلها ، حيال الطرف الآخر الذي يقع عليه التآمر .
5. وإذا ماتوقفنا عند موقف بعض الدول الكبرى المعروفة ، من بعض قضايا العرب القومية ، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم ، وأيضاً عند موقف بعض المثقفين العرب من موقف هذه الدول الكبرى ، فإنه يمكننا أن نلحظ ، أن مواقف هؤلاء المثقفين من منتقدي نظرية المؤامرة ، إنما ينطوي ـ واقع الحال ـ على ثلاث هنات أساسية ، تتعلق بالوطن العربي ككل ، وبالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص هي :
أولاً، التعتيم على دور النظام الرأسمالي العالمي والصهيونية العالمية ، في خلق ورعاية وتكريس الحالة المأساوية الراهنة ، في الوطن العربي عامة وفي فلسطين والعراق وسورية خاصة ، والتي ترتبت على المرحلة الاستعمارية في القرن الماضي ، والتي كان طرد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ، وتسليمها لقمة سائغة لـ" إسرائيل " عام 1948 ، والغزو الإنجلو أمريكي للعراق عام 2003 ، وتسليم سوريا لعائلة الأسد عام 1970 ، من أبرز نتائجها المأساوية التي مازلنا نعاني منها حتى اليوم .
ثانياً ، اعتبار الطريق الأوروـ أمريكي ( الطريق الرأسمالي ) في التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وحتى الثقافي ، هو
النموذج المثالي ، بل والممر الإجباري ،الذي على كافة شعوب العالم أن تسلكه ، كيما تستطيع الوصول إلى أهدافها الوطنية والقومية.
ثالثاً ، ازدواجية المعايير عند الكثيرمن هؤلاء المثقفين ، من حيث إعجابهم في آن واحد ، من جهة بديموقراطية الغرب وبالتالي إسرائيل ، ومن جهة ثانية ، بديكتاتورية الأنظمة العميلة لهما في الوطن العربي ، والتي وصل حكامها إلى السلطة على ظهر دباباتهم كما هو معروف .
6. وقد تمثلت في الماضي ، وتتمثل اليوم ، أبرز هذه المواقف النظرية والعملية التي تدخل ـ من وجهة نظرنا الخاصة ـ في إطار نظرية المؤامرة المتواصلة على الأمة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى هذه اللحظة ، بصورة أساسية ، بـ :
+ إخفاء خارطة تقاسم الوطن العربي بين انجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية عام 1916 ، والتي كشفها لينين عام 1917 ،وأطلع العرب عليها ، والتي أخذت لاحقاً اسم وزيري خارجية إنكلترا مارك سايكس ، وفرنسا فرانسوا جورج بيكو ( سايكس ـ بيكو) ،
+ المسافة المدروسة والمقصودة والواسعة بين القول والعمل ، وهو مانلمسه لمس اليد هذه الأيام في موقف أمريكا وأوروبا من الصراع في سورية بين غالبية الشعب السوري ، وديكتاتورية الأقلية العلوية الحاكمة ،ولا سيما بعد استخدام النظام ( بشار الأسد) للسلاح الكيماوي في غوطتي دمشق ، يوم 21.08.2013 وقتله لأكثر من 1400 إنسان معظمهم من الأطفال والنساء ، وتقاسم الأدوار بينهما وبين روسيا وإيران وإسرائيل ، بما يطيل أمد هذا الصراع ،ويحول سورية إلى بلد فاشل أو شبه فاشل ، الأمرالذي سيريح إسرائيل من عقدتي فلسين والجولان ، لعدة عقود قادمة ، ويسمح لإيران بمزيد من القوة ، ومن الهيمنة على المنطقة العربية المحيطة بها كلها ، ولا سيما في العراق والخليج العربي ،
+ ويدخل في إطار هذا الطلاق بين القول والفعل ، حث الدول الغربية المتواصل ، دول العالم الثالث على الالتزام بالديموقراطية وبصندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، وعندما تأتي نتيجة هذا الاقتراع مخالفة لرغبتهم وتوقعاتهم ، ينقلبون على هذه الديموقراطية ، وعلى هذاالصندوق دون أن يرف لهم جفن ، وهو ماشاهدناه في فلسطين وفي بعض بلدان الربيع العربي ، حين أوصلت الديموقراطية إلى سدة الحكم في هذه البلدان ، من لايرغبونه ولا يثقون به ،
+ ويمكن رصد هذه المسافة أيضاً من خلال التصريحات الزئبقية الأمريكية والإسرائيلية والعربية حول " القضية الفلسطينية " ، على قاعدة " كلمة حق يراد بها باطل " ، فمن جهة التطمينات التي لاتعد ولا تحصى على مستوى القول ، ومن جهة أخرى النعمات
والسكوت على الممارسات المعاكسة ، التي بدورها لاتعد ولاتحصى على مستوى التطبيق ،
+ تقاسم الأدوار بين أطراف العملية التآمرية ، من أجل تمرير وتبرير" المؤامرة " ، وهو ماتمثله المسرحية السوداء التي شاهدناها
قبل ستة عقود في فلسطن ، وقبل عقد واحد في العراق ، ومنذ ثلاثين شهراً في سورية ، على مسرح مجلس الأمن الدولي ، ومسرح
جامعة الدول العربية ، وأحياناً باشتراك خجول وغير مباشر من بعض الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ،
+ ممارسة الكذب والتزوير لإخفاء هذا التقاسم ، ذلك أن أحد الطرفين يتظاهر بالانحياز إلى هذا الطرف قولاً، في حين يمارس الطرف الآخر سلوكاً معاكساً على المستويين النظري والعملي .( والشاهد هنا هو ، تقاسم الأدوار والموقف بين أمريكا وروسيا وأوروبا ،حول ثورة آذار 2011 ، حيث يرفعون جميعاً شعارالتعاون المشترك في مكافحة الإرهاب والعصابات المسلحة في سورية (!) ، في الوقت الذي يسكتون فيه عن تدخل كل من إيران وحزب الله اللبناني و ميليشيات نوري المالكي، بصورة معلنة ومكشوفة، إلى جانب قوات بشا رالأسد في القتال ضدالثورة السورية ، وذلك لإخفاء الموقف الحقيقي لهم (المسكوت عنه) المتمثل بخوفهم المشترك على حليفتهم وحامية مصالحهم ، إسرائيل ، من الربيع العربي ، ومن أبعاده الديموقراطية ،
+ توظيف مقولة " كلمة حق يراد بها باطل " في تنفيذ بعض المؤامرات ، وذلك بالتوكيد المتواصل في بياناتهم وتصريحاتهم حول ثورات الربيع العربي ،على مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة ، وحماية الطفولة ، ...الخ ، والسكوت الفعلي عما جرى ويجري من انتهاك لهذه الحريات الإنسانية في كل من إسرائيل نتنياهو ، وعراق المالكي ، وسورية الأسد صباح مساء ،
+ استخدام الدول القوية والغنية عنصري ( العصا والجزرة )، في تعاملها مع الدول الضعيفة والفقيرة ( تسليح إسرايل بالقنبلة الذرية والغواصات النووية ، ورشوة العرب بالبترودولار وبالماكدونالد والهمبورغر وأحياناً بالسلاح المنتهية صلاحيته عندهم ) ،
+ الكيل بمكيالين في التعامل مع الآخر ،( موقف مجلس الأمن الدولي ، من تنفيذ كل من صدام حسين وبشار الأسد وإسرائيل للقرارات الدولية ) ، فمن نفذ كل القرارات الدولية تم شنقه ، ومن لم ينفذ منها سوى قرار واحد تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام ، أما من لم ينفذ أبداً أيًّا من هذه القررات ، فقد تم منحه هذه الجائزة فعلاً !!،
+ اللعب المتعمد والمدروس بورقة العلاقة الجدلية بين السبب والنتيجة ( النظر إلى العمليات الاستشهادية،بوصفها سبباً للاحتلال والاستبداد وليس نتيجة لهما ) ،وشيطنة منفذي هذه العمليات وربطهم بتنظيم القاعدة المشيطن أصلاً،
+ اللعب المتعمد والمدروس بورقة العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون ( السكوت على تحول بعض الأنظمة من أنظمة جمهورية إلى أنظمة وراثية ، شبه ملكية / جملكية ، وبطرق التفافية لاعلاقة لها لابالديموقراطية ولا بحقوق الإنسان ، ولا حتى بالدساتير والقوانين السارية المفعول في تلك الدول العربية نفسها ) ،
+ اللعب المتعمد والمدروس بورقة الألفاظ والمفاهيم ، حيث تم استبدال الاستسلام بالسلام ، والأنظمة التابعة بالأنظمة المعتدلة ، والحكم الذاتي بالاستقلال ، والإرهاب بالمقاومة المشروعة ...الخ ( مابعد الباء هو المستبعد ) .
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه هنا ، ألا يدخل كل هذا تحت اسم " المؤامرة " ؟ ،
نعم إنها لمؤامرة ، لابل مؤامرات على شعوبنا الفقيرة التي يحكمها الطغاة المستبدون والفاسدون من مختلف الملل والنحل ، وهم من فتح ويفتح أبواب أوطاننا مشرعة أمام هذه المؤامرات ، ويفتحون بذات الوقت أفواههم بالكلام الكاذب المعسول ، وجيوبهم للدولار ولليورو ، وكراجاتهم وبيوتهم لأحدث السيارات ولأغلى أنواع الأجهزة التكنولوجية ، التي لايحسن التعامل معها إلاَّ القليلون ، حتى في البلدان التي صنعتها .
ويحضرني في ختام هذه المقالة بيتان من الشعر ، قالهما المرحوم نديم محمد ( وليسمح لي القارئ الكريم أن أصفه ـ وللضرورة ـ بالشاعر العلوي )، في ختام مشاهدته لقصر " فخم حتى العظم "، لأحد الضباط السوريين من كبار الحرامية ، وبالتالي من كبار الطغاة والمستبدين والفاسدين ، فيما يسمى الجيش النظامي ، المسؤول عن تدمير بلده سوريا وذبحها من الوريد إلى الوريد :
ياصاحب القصر هل شيء يضاهيه على الزمان ، وهل شيء يدانيه
لو أنصف الدهر يوماً وهو فاعلـها فسوف يخرى على أشلائكم فيه ( بضم ياء يخرى )
ـ انتهى ـ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟