أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تامر عمر - هل الدين هو مصدر الأخلاق؟















المزيد.....

هل الدين هو مصدر الأخلاق؟


تامر عمر

الحوار المتمدن-العدد: 4425 - 2014 / 4 / 15 - 03:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل الدين هو مصدر الأخلاق؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
تستقر فى وجدان وضمائر أبناء الديانات السماوية (يهودية ومسيحية وإسلام) أن الأخلاق مصدرها إلهى سماوى، وأن الله الذى أمرنا بالتحلى بالأخلاق القويمة فى شرائعه هو نفسه الذى سوف يعاقبنا ويحاسبنا إذا ما تجاهلنا وصاياه الأخلاقية، وأنه بغير الدين والشريعة لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها إلتفاتاً.
والحقيقة أن الديانات الإبراهيمية (يهودية ومسيحية وإسلام)، تلعب فعلاً دوراً مهماً وفعالاً فى ضبط السلوك الإنسانى فى تلك المجتمعات، إذ يؤمن أبناء الديانات الثلاثة بأن الله رقيب على أفعال عباده، وأنه يثيب ويعاقب على تلك الأفعال. ويتصور أبناء تلك المجتمعات أن بدون الدين تنهدم الأخلاق، ولا يعود للفرد فى المجتمع من ضابط ولا رادع، ويتصورون المجتمع بلا دين باعتباره مجرد جبلاية قرود. لكن هذا التصور، فى الواقع غير صحيح. كيف؟
إذا سألت يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً: (هل البوذية دين، بمعنى أنها رسالة سماوية أنزلها الله على نبى؟) سيجيب على الفور: (بالطبع لا). فإذا سألته: (المجتمع اليابانى يدين فى أغلبيته بالديانة البوذية، التى هى ليس لها أصل سماوى، فإذا كان الدين هو مصدر الأخلاق، وكانت الأخلاق ذات أصل سماوى، فبماذا تفسر أن المجتمع اليابانى أكثر تهذيباً من مجتمعات الشرق الأوسط التى يدين معظم شعوبها بالإسلام ثم المسيحية ثم اليهودية على التوالى؟). لأنه مبرمج على الإجابة بلا إعمال عقل، سيقفز محدثك إلى الإجابة التالية: (مشكلة سوء الأخلاق ليست مشكلة الدين، فالدين يحض على الأخلاق لكن الناس لا يستجيبون. إنها مشكلة الناس وليست مشكلة الدين). ولهذا الأخ أقول: آسف، الإجابة من خارج المقرر! أنا أسألك عن ديانة أخرى وكيف وهى غير سماوية حملت مجتمعاً على أن تكون أخلاقه أفضل من أخلاق مجتمعك. أنا لم أسألك عن مشكلة إتباع أو عدم إتباع الناس لوصايا وتعاليم الإسلام أو المسيحية أو اليهودية! أنا أسألك تحديداً: إذا كان مصدر الأخلاق هو الدين (الذى هو يجب أن يكون سماوياً فى نظر حضرتك، وإلا يكون ديناً مزيفاً)، فكيف تكون النتيجة أن اليابانيين أكثر تهذيباً منا نحن أبناء الديانات السماوية؟
فى عز جاهلية العرب قبل الإسلام، كان هؤلاء "الجهلة" أصحاب مكارم أخلاق. وقد أمّن النبى على تلك الحقيقة بأن قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. والكلام واضح: لقد كانت هناك مكارم أخلاق، وبعث النبى لا ليرسيها ويزرعها، وإنما فقط ليتممها ويكملها.
نفس المنطق ينطبق على كافة المجتمعات الإنسانية فى الماضى، وحتى قبل ظهور الأديان السماوية. حيث يطالعنا التاريخ المصرى القديم والحضارة السومرية والصينية والهندية، قبل ظهور الديانات السماوية بآلاف السنين، يطالعنا هذا التاريخ بنصوص واضحة لا لبس فيها تمتدح وتحض على الأخلاق القويمة، وتذم وتقدح فى الأخلاق الوضيعة. ليس ذلك فحسب، وإنما تطالعك فى هذا التاريخ نصوص "قانونية" تستند إلى منظومة أخلاقية لا يرقى إليها الشك، وطالع كما تحب التاريخ المصرى القديم وتاريخ منطقة وادى الرافدين لتتأكد من ذلك.
الآن: إن لم يكن الدين هو مصدر الأخلاق، فما هو إذن هذا المصدر؟ هذا سؤال غويط عميق حيّر الفلاسفة ودوخهم منذ فجر الإنسانية، ومن شدة تواضعهم، لا يزالون يناقشونه حتى وقتنا هذا. بينما هذا السؤال نفسه، بسطه وسطحه واختزله وخففه واستخف به رجال الدين، بأنانية مفرطة ونرجسية فاقعة وانحياز متعصب أعور، مدعين أن مصدر الأخلاق هو الدين الذى هم رجاله وكهنته. والمسألة يا أصدقائى، كما علمنا من الفقرات السابقة، ليست أبداً كذلك.
الأخلاق أسبق وأعمق كثيراً من الدين. الأخلاق هى الإستجابة السلوكية الطبيعية لشىء موجود لدينا جميعاً، وعلى اختلاف الأديان والأمكنة والأزمان، هذا الشىء إسمه: الضمير. أنت تعلم أن أى جهاز حاسب آلى تشتريه يكون محمّلاً عليه ما يسمى بالــ (Disk Operating System "D.O.S."). هذا النظام الأساسى يمكنّك أن تحمّل عليه فيما بعد ما تحب من أنظمة التشغيل: (Windows 8, 7, XP)، ولكن بدون هذا الـــ "D.O.S."، لا قيمة لأى نظام تختاره لأنه لن يعمل من الأساس، أليس كذلك؟ كذلك الضمير، فهو بمثابة الـــ "D.O.S." لدينا جميعاً، وعلى اختلاف دياناتنا (أو غير دياناتنا بالمناسبة !!). وكل ما فى الأمر أنك إذا اخترت الإسلام مثلاً فهو بمثابة (Windows 8)، ولو اخترت المسيحية مثلاً، فهى بمثابة (Windows 7)، وهكذا (الواقع أنك لا تختار، ولكن يُحمّل داخلك الـــ System بواسطة أسرتك، بلا إرادة منك، ولكن تلك مسألة أخرى!!). وكل نظام من هؤلاء يعمل تحت مظلة، ويتضافر مع النظام الأصلى الموجود فينا جميعاً، الذى هو الـــ "D.O.S." .. أقصد الضمير! وهكذا، يتساوى المسلم مع البوذى مع الملحد مع المسيحى مع الكونفوشى مع اللادينى مع اليهودى مع الزرادشتى مع المجوسى فى امتلاك الضمير، وهذا الضمير وحده هو ما تُبنى عليه الديانات والمعتقدات، سواء السماوية منها أو الوضعية أو الفكرية، وهو ما يفسر اتفاق الناس - على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم - على الأخلاق ومبادئها، فى تطابق مذهل عبر المكان والزمان.
بل دعنى أدهشك بما هو أبعد. هل تعتقد أن الضمير حكرٌ على الإنسان فقط؟ أبداً! هل للحيوان عقل؟ بالطبع لا، أو على الأقل، ليس لديه عقل بالمعنى الذى يجعله مؤهلاً لأن يُكلف ويحاسب على أفعاله بالمفهوم الدينى. لكن، لدهشتك، هذا الحيوان الذى بلا عقل لديه ضمير! عندما تعطى بإرادتك لقِطّةٍ لقمة لتأكلها، فإنها ستأكلها تحت قدميك منتظرة المزيد. أما إذا خطفت القطة اللقمة من على مائدتك، فإنها لن تنتظر منك المزيد، وستجرى باللقمة تأكلها بعيداً عنك ولن تورّيك وشّها مرة أخرى، ذلك لأنها تعلم أنها قد "سرقت"، ولأنها تعلم أن السرقة خطأ! وبما أننا نعلم أن القطة لم يبعث إليها نبى بتعاليم أو شريعة تحلل الحلال وتحرم الحرام، فمن الواجب أن نتصور أنه حتى الحيوان، وإن لم يكن ذا عقل، فهو بالتأكيد ذو ضمير، وهذا الضمير هو منبع الأخلاق ومصدرها، بصرف النظر عن ديانة أو شريعة أو لا ديانة ولا شريعة، وحتى بصرف النظر عن نوع الكائن: إنسان أو حيوان.
لماذا نصر نحن أبناء الديانات السماوية على اعتبار أن الدين، ودياناتنا السماوية تحديداً، هى مصدر الأخلاق، فى نرجسية متعالية على باقى أهل الأرض من المتعوسين ذوى الحظ النكد بدياناتهم الوضعية؟ بذمتك يا مؤمن: أيهما أكثر تهذيباً وتحضراً ورقياً، الشعب اليابانى البوذى، أم الشعب المصرى المسلم / المسيحى؟
تعال على نفسك وفكر ...



#تامر_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل إختار المعاق عقلياً إعاقته؟
- ما هى الحالة التى يقتل فيها الإنسان إنساناً بدون تأنيب ضمير؟
- لماذا لم تحرم الشريعة الإسلامية الرق؟
- لماذا لم تدون شعوب العالم القديم معجزات الأنبياء؟
- لماذا لم يظهر الأنبياء إلا فى منطقة الشرق الأوسط؟
- لماذا إختار الله أن يعذب العصاة عذاباً جسدياً؟
- فرعون .. المجنى عليه!!
- قبل الإختلاف على حكمها .. ما هو معنى -الردّة-؟
- ألغاز سفينة نوح
- أين يختبىء يأجوج ومأجوج؟
- أخلاق آدم والعصر الحجرى
- دخول العرب مصر .. فتح أم غزو؟
- مشاهد من رحلة الإسراء والعروج
- بأى جيش طارد فرعون موسى؟
- الإسلام أو الجزية أو الحرب .. ثالوث الإختيار الشهير بين العق ...


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تامر عمر - هل الدين هو مصدر الأخلاق؟