تامر عمر
الحوار المتمدن-العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 01:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
إفرض أن ديناً جديداً (ولنفرض أن إسمه دين "النور" مثلاً)، ظهر فى الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد تكذيب وشد وجذب وقلق ومشاحنات فى المجتمع الأمريكى، آمن الأمريكيون بهذا الدين أخيراً، وجعلته الدولة دينها الرسمى. ثم بدأت أمريكا فى تسخير أساطيلها وبوارجها وطائراتها فى نشر هذا الدين فى ربوع الأرض. ولما جاء الدور علينا هنا فى مصر، وقف رئيس أركان الحرب الأمريكى، ووجه إلى الشعب المصرى كلامه قائلاً: (إما أن تدخلوا فى دين النور، أو تدفعوا 80 % من الناتج القومى المصرى للخزينة الأمريكية، أو هى الحرب، نقلب لكم فيها بلدكم عاليها واطيها). ماذا يكون رد فعلك؟
ستقول له: نحن مسلمون، نؤمن بالإسلام، وأنه هو الدين الحق، فلا يجوز لنا أن نتركه لندخل فى دينكم الجديد. سيقول لك: كان غيرك أشطر يا خفيف!! نحن نؤمن بأن دين النور هو الدين الحق، وليس الإسلام أو غيره، فإما أن تدخلوا فيه، وإما أن تدفعوا ما ذكرناه من الأموال، وإما أن نقاتلكم. ستقول له: لن نترك ديننا. فيقول: إذن إدفعوا الــ 80 %. ستقول: ولا دى كمان .. أدفع 80 % من رزقى وقوت عيالى بأمارة إيه؟ سيقول لك: لهو أنا ما قلتلكش؟ مش إنت ح تبقى دولة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية وخاضع لسلطانها، وبالتالى سنحميك من أى بلطجى (!!) آخر؟ ستقول له: لا شكراً يا سيدى .. أنا سأحمى نفسى بنفسى .. ماحدش طلب حمايتك .. إتفضل إرجع من حيث أتيت مصحوباً بالسلامة .. لا أنا أريد الدخول فى دينك ولا أطلب حمايتك لى من أى أحد، وسيبنى فى حالى الله يرضى عليك. يقول لك: يبقى مافيش غير الحرب! تقول له: ليه بس كده يا سيادة اللواء؟ ما الطيب أحسن؟ يقول لك: هو كده .. عاجبك وللا مش عاجبك؟
ما رأيك فى الحوار السابق وما قاله الجنرال الأمريكى؟ هل تشم فيه رائحة الأخلاق؟ هذا بالضبط ما وقع من العرب الغزاة عندما خرجت قبائلهم من صحراء جزيرتهم يبتغون غزو ما يجاورهم من البلدان. كان هؤلاء العرب يؤمنون بصحة دينهم، وأنه هو الدين الحق، وما عداه من الأديان هى نسخ محرفة عن دين الله الحق. هم إعتقدوا ذلك وهذا حقهم. لكن أقباط مصر، على سبيل المثال، رأوا أنه دين باطل، وأن دينهم هو الدين الصحيح، وما عداه من الأديان باطل. وهذا أيضاً حقهم. لكن أما وقد غزا العرب مصر بالفعل، فلم يكن هذا الإنجاز بقوة المبدأ أو المرجعية الأخلاقية، وإنما كان، ببساطة، بالقوة المسلحة. كان مرجعه أن طرفاً يعتقد أن الآخر على باطل، فاستخدم قدرته واستطاعته فى قهر الآخر وإرغامه على اختيارات فرضها عليه من منطلق عقيدته، وبالقوة.
لم يأت عمرو بن العاص إلى مصر على رأس وفد من الفقهاء أو علماء الدين أو زمرة من الداعين إلى دين الله، وإنما قدم إلى مصر على رأس جيش. وألقى فى وجوه أهل مصر ثالوث الإختيارات الشهير، ومن وراءه نصال السيوف تلمع ورؤوس الرماح تتوهج تحت الشمس.
تعال على نفسك وفكر: ما علاقة الدين والدعوة بالجيوش والفلوس والدم؟ ألا يمكن للدعوة الإسلامية أن تنتشر مثلاً عن طريق دعاة لطفاء ودعاء يخرجون من الجزيرة العربية حاملين دينهم فى قلوبهم وصحائفهم، يخاطبون فى الناس عقولهم ومشاعرهم، ويحثونهم على التفكر فى الدين الجديد؟ هل نشر الدين مسألة سياسية؟ لماذا تصدت لها (دولة) المدينة، بمؤسسة الخلافة فيها، وبمؤسسة قواتها المسلحة المتمثلة فى القبائل العربية؟ لماذا سخّرت دولةٌ قدراتها القتالية وجيوشها وآلياتها العسكرية فى نشر دين هو فى الأصل قيمة وفكرة ومبدأ ومكارم أخلاق؟
إذا كان اختيار العرب نشر دينهم بالقوة كان اختياراً عقائدياً، فهو أبعد ما يكون عن أن يكون خياراً أخلاقياً. فالعقيدة أمر إيمانى، وهى شىء لا يمكن إثباته. وإذا كنت ترى الغزو العربى أمراً أخلاقياً لا غبار عليه، فلا تغضب من (الفتح) الأمريكى لمصر بعد أن يظهر فيها دين النور!!
لا تجرؤ دولة فى عصرنا الحالى، مهما علا شأنها وتعملقت قوتها على أن تقدم على ما أقدمت عليه دولة المدينة من فرض شروط تغيير العقيدة، أو دفع أموال، أو فرض قتال على دولة أخرى. فالقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة لا يسمحان بممارسة هذه البلطجة الدولية، برغم أن كل شعب يرى فى عقيدته الكمال، ويرى فى عقائد الشعوب المخالفة له فى الإعتقاد كل النقائص. لكن هذه نقرة وتلك أخرى، فلا يحكم القانون الدولى الذى ارتضيناه لأنفسنا أى عقائد، وإنما يحكمه الضمير الإنسانى والأخلاق الإنسانية، التى يقف شعوب العالم أمامها سواء، فلا مؤمن بينها ولا كافر، ولا دار سلم فيها ولا دار حرب. ومهما قيل عن أخلاق العرب فى الحرب، والمأثور عنهم أنهم لا يقطعون شجرة ولا يحرقون معبداً ولا يقتلون شيخاً أو إمرأة، فكل تلك تفاصيل تحاول تجميل الصورة القبيحة لأصل قبيح وهو الغزو بالجيوش وبالقوة المسلحة.
ذاكر التاريخ وراجعه جيداً، ثم تعال على نفسك وفكر: دلنى على دولة واحدة .. واحدة فقط، ارتضى أهلها الدخول فى الإسلام، فارتدت عنها جيوش العرب المسلمين وتركوها بلا غزو، عائدين إلى جزيرتهم. بلاش دى .. دلنى على دولة واحدة .. واحدة فقط، بعد أن غزاها العرب المسلمون وأصبح أهلها مسلمين، كفَّ العرب الغزاة عن جمع الجزية والخراج منها؟!
استمر العرب الغزاة فى جمع الخراج من المسلمين وجمع الجزية من الذميين فى الأمصار التى فتحوها. طيب الفلوس دى كلها كانت بتروح فين؟ كانت بتروح لعاصمة الخلافة (يثرب أو دمشق أو بغداد)، التى غرقت فى الأموال حتى أذنيها، والتى أُترف خلفاؤها وأهلها، حتى أصبحت طريقة الحياة المترفة فى بغداد مضرباً للمثل فى الغرق فى الترف والمتعة والــ (البغددة).
يقال أنه فى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، ومن شدة عدله، لم يكن هناك شخص محتاج للزكاة، فبحثوا عن الشباب الراغب فى الزواج ليمولوا زيجاته من بيت المال. هل علمت أين كانت هذه الممارسة اليوتوبية أيها الصديق الإسلامجى الحالم بيوتوبيا إسلامية جديدة؟ لقد كانت، يا صديقى الساذج، فى عاصمة الخلافة بدمشق، بينما كان جدك بيومى فى مصر لا يجد لقمة جافة ليأكلها هو وعياله، إذ مص الغزو العربى دمه وهبر قوته وقوت أسرته ليرسلها إلى عاصمة الخلافة فى قوافل (أولها عندى وآخرها عندك). (هل تعلم من قائل هذه العبارة وما المناسبة؟)
يا صديقى الإسلامجى الحالم: تحامل على نفسك وإقرأ .. تعال على نفسك وفكر ..
#تامر_عمر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.