أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - موناليزا














المزيد.....

موناليزا


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4409 - 2014 / 3 / 30 - 22:29
المحور: الادب والفن
    


موناليزا

قالت لي بأنّها لا تملك القرار وعليّ مساعدتها. حمّلتني مسؤولية عشقي وارتباطها غير المشروط بحياتي وتبعات رجولتي. أخبرتني بأنّها على استعداد لتنفيذ كافّة رغباتي على أن أتحمّل مسؤولية حبّها وجنونها إذا تخطّت الخطوط الحمراء، وأنا أعرف جيّدًا مدى حساسيتها واندفاعها وجموحها. عانقتني وتركت شفتاها رهن فمي، ثمّ رسمت على وجهها ابتسامة غامضة كأنّها الموناليزا. لم أخابرها في اليوم التالي وبعد يومين وحتّى نهاية الأسبوع. هاتفتني وطلبت لقائي على الفور، وكانت تعرف بأنّني مشغول في العمل ولا يمكنني التحرّر من القيود اليومية قبل الخامسة مساءً. تنهّدت ووافقت على تأجيل اللقاء حتّى الخامسة والنصف.

جلسنا في المقهى المألوف بالقرب من المتنّزه الشعبي، طلبنا القهوة سوداء راغية. وكالعادة، رشفت من فنجاني الجرعة الأولى، كي تبقي أثر روحها في جوفي. تحدّثنا طويلا ثمّ مضينا إلى المتنّزه. يدُها بيدي، رأسُها على صدري، كأنّه موطنُها الأخير، وعيناها تحدّق بي، وما تزال كلماتها تتردّد في مسامعي "أنت المسؤول".

كان بإمكاني نيل رحيقها، وهي ترغب بالانقضاض عليّ بأنوثتها المتفجّرة، على أن أتحمل تبعات تعلّقها وهيامها وحبّها. ماذا يعني هذا يا موناليزا! تمكّنتْ هي من خطف وعدًا بذلك، أقسمت لها بأن أتحمّل كافّة التبعات المترتبة على قصّة الحبّ الغريبة هذه، وكنّا ما نزال عند حدود القبلة، أنا الذي لا أرحم النساء. أصابني تردّد غير مسبوق، منعتُها من المضيّ أبعد من حدود القبلة، بالرغم من الحماية التي يوفّرها المساء وإمكانية المضيّ حتّى النهاية.

قابلتها قبل أن أسافر في رحلة تستغرق قرابة الشهر خارج البلاد، صمتت وكانت حزينة على غير عادتها. بعد لحظات، أمسكتْ يدي وقبّلت أطرافَ أصابعي وهمست "خذني معك!". قرأت تلك الابتسامة الغامضة مجدّدًا، وأجبتُ دون النظر في عينيها، "ليكن في المرّة القادمة". كانت هي آخرَ من تحدّثتُ معه في صالة الانتظار قبل أن أصعد إلى الطائرة. قالت لي عبر الخلايا الإلكترونية الناقلة للصوت، "أحضرْ فورًا إذا دعوتني لمرافقتك". لكنّي رفضت ذلك ووعدتها بأن ترافقني خلال سفراتي التالية.

قال لي أحدُ الأصدقاء بأنّ على جبيني مكتوبٌ "زيرُ نساء". غضبت من توصيفه وصراحته، ثمّ تسلّل الحزن لخلايا روحي، لو كنتُ كذلك لطلبت منها مرافقتي. نظرت إلى داخلي لمعرفة ردود فعل زير النساء الكامن في أعماقي، قال لي بأنّه غاضب من الوعد الذي قدّمته، أضاف بأنّه لا يوجد رجل في هذه الدنيا قادر على حماية أنثى من رجولته. "لماذا فعلتها؟". أنهت ذاتي الداخلية الذكورية هذا السؤال قبل أن تغلق المنافذ المؤدّية إليّ، ليصبح الحوار الداخلي مستحيلا.

عدتُ بعد ثلاثة أشهر، كان عليّ إنهاء الكثير من المعاملات والأشغال خارج البلاد، لاحظتُ بالطبع تغيّبها عن كافّة وسائل التواصل الإلكتروني. غير متواجدة معظم الوقت في شبكة الفيسبوك والتويتر وبرامج المحادثة للجيميل والهوتميل وغيرها. اختفت هذه المرأة بالكامل، أدركت بأنّ أمرًا ما قد حدث وليس في صالحي بالطبع. بعثت لها برسالة قصيرة وردّت باقتضاب شديد، "دائمًا تردّ على رسائلي إلا ما ندر." طلبتُ لقاءَها، لم ترفض لكنّها أجّلت اللقاء لأسبوع متحجّجة بالمرض. اتصلتُ بها مع مطلع الأسبوع التالي، لم ترد على مكالمتي، بعثت لي برسالة قصيرة خاصّة في موقعي في الفيسبوك. حدّدت موعد اللقاء في الساعة الرابعة بعد الظهر بالقرب من مكان عملها.

كانت على علاقة مع رجل آخر، قرأت آثاره في عينيها، وكانت باردة، منغلقة على نفسها، شاردة ومتردّدة. تحدثنا في بعض القضايا العابرة، لكنّي قطعت اللقاء متعذّرًا بأشغالي الكثيرة. لم تردْ بكلمة واحدة، طبعت على خدّي قبلة ومضى كلّ في سبيله. هذه المرأة، لم تطلب منّي يومًا ما الزواج أو مالا أو مساعدة مادّية، طلبت منّي فقط تحمّل عبء حبّها ورفضتُ هذا العرضْ!

بعد سنوات وكانت قد تزوجت، قابلتها صدفة في المتنزّه العام تجرّ عربة أطفال وإلى جانبها ابنتها الصغيرة. ابتسمت وأشارت قائلة "ابنتي مونا". قبّلت مونا، حملتُها بين ذراعي، بعد قليل ظهر رجل وسيم، قدّمتني قائلة لزوجها "صديق قديم"، صافحته بحرارة. هي الحياة تسير قدمًا بالرغم من تقلّبات القلب، شربنا القهوة ومضى كلّ في سبيله.

في عطلة الأسبوع التالي، ذهبت لحديقة أخرى، بعيدة عن مركز المدينة، لأتجنّب لقاءها، لكنّ العائلة نفسها كانت هناك. ضحكت مونا حين رأتني، حملتها واشتريت لها شوكولا وبوظة، اعترضت هي بدورها قائلة بأنّني أدلّلها كثيرًا وهذا مضرّ بالصغيرة مونا. كان زوجها قد ابتعد لإحضار القهوة وبعض الساندويتشات، "لو شاءت الأقدار لكانت مونا ابنتي"، قلت لها بعد تردّد، وسرعان ما أجابت بأنّ الأقدار لم تشأ ذلك، قالت لي موجّهة إصبع الاتهام "لقد رفضت تحمّل المسؤولية".

انقطعت عن المضيّ للحدائق العامة بعد ذلك، وقررت أن أتزوج من إحدى النساء اللواتي يدرن في فلكي في الآونة الأخيرة. حملت زوجتي بعد بضعة أشهر، كنّا نعرف بأنّ الجنين أنثى، لا بأس، البنات حنونات وطيّعات وقادرات على خلق جوّ من الألفة والمحبّة في المنزل. تفاجأت حين علمت بأنّ زوجتي أصيبت بمضاعفات خطرة، حاول الطاقم الطبّي إنقاذ حياتها ووقف نزيف الدم، لكنّها وفي نهاية المطاف توفّيت، بعد أن أنقذوا الجنين. ولدت الصغيرة يتيمة. لم أتردّد كثيرًا حين رأيت تلك الابتسامة الغامضة مرتسمة على وجه طفلتي وأسميتها ليزا. بالرغم من المأساة التي ألمّت بي، كان لا بدّ من الحياة أن تستمرّ بحلوها ومرّها. لم أحرم صغيرتي الشمس والهواء الطلق، وحين التقيتها ثانية في المتنزّه العام، فرحت لرؤية صغيرتي، أخبرتها بأنّها فقدت أمّها خلال ولادتها. اقتربن مونا من ابنتي وسألتني ببراءة ما اسمها، اسمها "ليزا". اقتربت مونا من ليزا وقبّلت وجنتها بحنان. ما أجمل هاتين الصغيرتين، كانتا أجمل لوحة موناليزا في الأنحاء.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمبراطورية الرعب
- حجرةٌ للحياةِ والموت
- عشاءٌ برفقة الأنبياء
- الحلزون الحكيم
- مجنون حتّى إشعار آخر.
- الزمن المفقود
- أنا أبله - هي تملك ثديين كبيرين
- أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي
- ذاكرة متلبّسة بالدهشة
- الكيلومتر الثلاثون
- سارقو الحيوات
- لا مبرّر
- قطارٌ آبق
- المطارُ المغدور
- ساقا المتوفّى طويلة – أتسمحين بنشرهما؟
- حوارٌ بنّاءٌ موثّقٌ بأعيرةٍ ناريّة
- ذاكرة معطوبة
- الخطاب ما قبل الأخير
- البصطار
- يوم قُتلت كارولينا


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - موناليزا