أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - كيف نَفْهَم -خصائص- الشيء؟















المزيد.....

كيف نَفْهَم -خصائص- الشيء؟


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4409 - 2014 / 3 / 30 - 13:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



تُعْرَف الأشياء بخصائصها (خاصيَّاتها، خواصها، سماتها، صفاتها). والشيء (كلُّ شيء) له مُكوِّناته، أو عناصره التي منها يتكوَّن؛ فالماء، أو جزيء الماء، مثلاً، يتكوَّن من ثلاث ذرَّات متَّحِدة كيميائياً هي ذرَّتا هيدروجين وذرَّة أوكسجين؛ لكنَّ "ماهيَّة الشيء" ليست هي الجواب عن سؤال "ما هي مُكوِّناته؟"؛ فـ "ماهية" الشيء (أو جوهره) والتي تَتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع خصائصه الجوهرية، الأساسية، لا وجود لها في أيِّ مُكوِّن من مُكوِّناته، ولا تتأتَّى من "الجَمْع" بين خصائص مُكوِّناته؛ فالماء الذي لا يشتعل أبداً، والمُطْفئ للنار، يتكوَّن من غازيْن قابلين للاشتعال؛ ولتُقارنوا (إذا ما أردتم) في الخصائص الجوهرية، بين أيِّ شيء تريدون، وبين كلِّ مُكوِّن من مكوِّناته.
والخصائص الجوهرية للشيء (وهذا ما ينبغي لنا إدراكه، وتَمَثُّله، والتفكير فيه) ليست كلها "ظاهرة"؛ فـ "الظاهر" منها قطرةٌ في بحر "الكامِن"؛ لأنَّ الشيء، ولجهة وجوده، أو لجهة "الظاهر" من خصائصه الجوهرية، يتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع "بيئته"، بأبعادها المختلفة؛ فالشيء، بخصائصه التي تراه عليها الآن، هو ابن بيئته، هو ابن "هذا" المكان، و"هذا" الزمان"؛ وإنَّه لَمِنَ الميتافيزيقية في النَّظر والتفكير أنْ يُقال إنَّ الشيء يظل هو نفسه، أو يظل على ما هو عليه من خصائص وأحوال، مهما تغيَّرت بيئته.
ولو أردتُّ تعريف "البيئة الطبيعية" للشيء، لَقُلْتُ إنَّها البيئة التي فيها، وبها، ينشأ الشيء، ويزول؛ فلا ينشأ إلاَّ ليزول، ولا يزول إلاَّ ليَعود، ثانيةً، إلى الوجود؛ فـ "البيئة الطبيعية" التي فيها، وبها، تنمو حَبَّة الشعير، وتتكاثر، هي التي تُخْرِج النَّتَش من الحبَّة المزروعة، لتُعيد الحبَّة إلى الوجود؛ لكن على شكل سنبلة؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ "البيئة الطبيعية" للشيء هي مَسْرَح عَمَل "الثلاثية الهيجلية" الشهيره، أو القانون الجدلي المعروف باسم "نفي النَّفي".
و"البيئة"، أو "بيئة الشيء"، بمعناها "المكاني (وللمكان ثلاثة أبعاد)"، هي "ما يَقَع فيه الشيء، ويُوْجَد"؛ وهي "الظَّرْف"، الذي لجهة صلة الشيء به، يشبه "مُغَلَّفاً تَضَع فيه رسالة"؛ لكنَّ الصِّلة المتبادلة بين "الشيء" و"بيئته" ليست ميكانيكية كالصِّلة بين "الرسالة" و"المُغلَّف"؛ فإذا أنتَ أخْرَجْتَ الرسالة من مُغلَّفها، أو ظَرْفها، تظل الرسالة هي نفسها، ويظل المُغلَّف هو نفسه؛ أمَّا إذا أخْرَجْتَ (أو انْتَزَعْتَ) الشيء من بيئته، فلا يظل الشيء هو نفسه، ولا تظل بيئته هي نفسها.
والعِلْم يَدْرُس الأشياء، ويتعرَّف خصائصها الجوهرية، من طريق وَضْعِها في بيئات مختلفة، أو من طريق تغييرات معيَّنة يُحْدِثها العلماء في بيئة الشيء؛ فـ "التغيير البيئي"، أو "التغيير في البيئة"، هو الذي من طريقه نتعرَّف ونكتشف خصائص جديدة للشيء.
ونحن لو أَمْعنَّا النَّظَر في خاصيَّة ما لشيء ما، لتبيَّن لنا أنَّ هذه الخاصيَّة، ولجهة ظهورها بعد كمون، لا تعدو كونها نُتاج، أو ثمرة، صِلَة، قامت، أو أقيمت، بين هذا الشيء وبين شيء آخر (وهذا الشيء الآخر هو جزء من مفهوم بيئة الشيء).
إنَّنا نَعْرِف أنَّ من خصائص الماء، مثلاً، أنَّه مُذيب للسُكَّر (والذي هو مادة صلبة) فيه؛ فلو أنَّ كائنات عاقلة موجودة في كوكب آخر، فيه ماء، لكنَّه يخلو تماماً من مادة السُكَّر؛ فكيف لهم أنْ يكتشفوا هذه الخاصية في الماء؟!
الخاصية تلك كانت "كامنة" في الماء الموجود في ذاك الكوكب الافتراضي، الذي لو وُجِدَت فيه مادة السُكَّر، وأُقيمَت صِلَة محدَّدة بينها وبين الماء، لـ "ظَهَرَت" تلك الخاصية؛ وإنَّه لَمِنَ الخلل الميتافيزيقي في النَّظر والتفكير أنْ يُقال إنَّ مادة السُكَّر، ومن طريق تلك الصِّلة التي أُقيمت بينها وبين الماء، هي التي "خَلَقَت" في الماء تلك الخاصيَّة؛ فالأمر كله لا يتعدَّى أنَّ خاصيَّة إذابة السُكَّر كانت كامنة في الماء (أيْ موجودة وجوداً كامناً، غير ظاهر) فظَهَرَت إذْ اُقيمت صلة محدَّدة بينه وبينه السُكَّر؛ وعلى هذا النحو فحسب يمكننا، وينبغي لنا، أنْ نَنْظُر إلى كل خاصيَّة جديدة نكتشفها في شيء ما.
والبيئات، لجهة صلتها بشيء ما، ومهما كَثُرَت، على نوعين اثنين: نوع إذا وُضِع الشيء فيه، يزول هذا الشيء من الوجود، ونوع تتغيَّر فيه، وبه، أحوال وخصائص الشيء؛ فلا وجود لشيء يُوْجَد في كل بيئة؛ كما لا وجود لشيء لا تتغيَّر أحواله وخصائصه بتغيُّر بيئته، أو بوضعه في بيئة مختلفة.
كل خاصيَّة "ظاهرة"، أو "جديدة"، أو "مُكتَشَفَة"، هي، في الأصل، خاصيَّة "كامنة" في الشيء، تهيَّأت لها أسباب الظهور، فظَهَرَت؛ والشيء، في تطوُّره، إنَّما هو الشيء الذي "ظَهَرَت" بعض خصائصة "الكامنة"، و"كَمنت"، في الوقت نفسه، بعض خصائصه "الظاهرة".
وحتى لا يلتبس الأمر، ويُساء الفهم، نقول إنَّ الصِّفة "المُكْتَسَبة"، في الإنسان، وفي الحيوان على وجه العموم، ليست بالصفة التي خلقتها البيئة في الإنسان (أو الحيوان) من العدم؛ فكل ما "يكتسبه" الإنسان من صفات (وخصائص) ما كان له أنْ "يكتسبه" لو لم يكن موجوداً فيه على شكل "قابلية"، أو "استعداد"، أو "مَيْل".
وأنتَ لا تستطيع أنْ تتعرَّف بعضاً من خصائص (وقوى) إنسانٍ ما إلاَّ إذا وَضَعْتَه في بيئة مختلفة؛ فعندئّذٍ، تَعْمَل هذه البيئة، التي لم يألَفْها، ولم يَعْتَدْها، من قَبْل، عَمَل "القابلة القانونية" التي تَسْتَوْلِد منه "إنساناً آخر"، يَظْهَر فيه من الخصائص ما يجعله مختلفاً عمَّا كان.
ومفهوم "البيئة" يشمل، أيضاً، "البيئة الاصطناعية"، التي عَبْرها يتفاعَل الإنسان مع "بيئته الطبيعية"؛ وفي "البيئة الاصطناعية"، التي تَتَّسِم دائماً بطابع اجتماعي وتاريخي، "تَكْتَسِب" حتى الأشياء صفات اجتماعية وتاريخية؛ وينبغي لنا النَّظَر إلى كل صفة اجتماعية وتاريخية "مُكْتَسَبَة" على أنَّها صفة كانت موجودة، أصلاً، في الشيء؛ لكن على شكل "قابلية"؛ فمعدن الذَّهَب مثلاً "اكْتَسَب"، في "الاقتصاد البضاعي"، صفة "النَّقْد"؛ لأنَّ هذا المعدن هو في الأصل لديه القابلية للصَّهْر، وللتجزئة إلى أجزاء صغيرة، وللنقل بسهولة، وللتخزين الآمِن، ولعدم التَّلَف؛ أمَّا ندرته في الطبيعة، فاستلزمت عملاً أكثر للحصول عليه، فترتَّب على ذلك أنْ اخْتُزِنَت قيمة كبيرة في كمية ضئيلة منه.
الشيء وبيئته يتغيَّران في استمرار؛ وكل تغيُّر كبير في بيئة الشيء لا بدَّ له من أنْ يُحْدِث تغييراً في الشيء نفسه (لجهة وجوده، أو لجهة أحواله وخصائصه). والشيء لا يمكنه أنْ يتغيَّر من غير أنْ يُحْدِث تغييراً ما في بيئته؛ فلَمَّا تغيَّرت البيئة الطبيعية (الأرضية في المقام الأوَّل) تغيُّراً كبيراً، ظَهَر وتطوَّر النوع الإنساني؛ ومع (أو بسبب من أسباب) ظهوره وتطوُّره، شرعت هذه البيئة نفسها تتغيَّر؛ ولو أنَّ بيئة الشيء، بأبعادها كافة، قد انعدم وجودها (على سبيل التَّخَيُّل) لانعدم وجود الشيء نفسه؛ فلا وجود للشيء نفسه إلاَّ في بيئة محدَّدة.
إنَّ معرفة الشيء هي، بمعنى ما، معرفة خصائصه الجوهرية؛ ولَمَّا كان "الظاهر" من خصائصه يَعْدِل قطرة في بحر "الكامِن" منها؛ ولَمَّا كانت خصائص الشيء تَظْهَر وتَكْمُن بحسب البيئة الموجود فيها الشيء؛ ولَمَّا كانت البيئات التي يمكن أنْ نَضَع فيها الشيء نفسه لا عَدَّ لها، ولا حَصْر، تَعيَّن علينا التوصُّل إلى الاستنتاج الآتي: إنَّ معرفة الشيء (أيُّ شيء) لا يمكن أبداً استنفادها.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واشنطن وموسكو.. صراعٌ لتبادُل المصالح!
- تاجِر الإعلام عبد الباري عطوان!
- في التسميات والأوصاف الطائفية
- عندما يحامي بيكر عن -الدولة اليهودية-!
- إذا ما احتفظت المعارَضَة السورية بسيطرتها على كسب!
- هل هذا -نوع آخر- من -المادة-؟
- مِنَ -القرم- إلى -أُوراسيا-!
- دَرْسٌ من الثورة السورية!
- السعودية تُكفِّر محمود درويش!
- -سيسي مصر- و-بشار سورية- و-بوتين روسيا-!
- انفجار الغضب السعودي!
- ما معنى -النَّفي-؟
- اسْتَعِدُّوا.. -المهدي المُنْتَظَر- يوشك أنْ يَظْهَر!
- الرؤية الكونية بعَيْنَيِّ -الساعة- و-المتر-!
- كيف نَجْعَل إلغاء الرأسمالية هَدَفاً قابلاً للتَّحْقيق؟
- الأزمة أُوكرانيَّة.. لكنَّ النَّكْهة سوريَّة!
- المأساة والمهزلة في -معركة السيادة على الأقصى-!
- -اللاَّحَجْم- و-اللاَّمادة-
- في فلسفة -التَّغَيُّر-
- اللوحة التي رسمها ديمقريطس للكون.. معدَّلةً!


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - كيف نَفْهَم -خصائص- الشيء؟