|
السعودية تُكفِّر محمود درويش!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 22:53
المحور:
الادب والفن
عصابة "اﻷ-;-مر بالمعروف.."، وهي الشرطة الدينية في السعودية، كفَّرت هوميروس فلسطين (محمود درويش) وحرَّمت أعماله الشعرية (التي طالما أغضبت دولة اﻷ-;-وهام التلمودية) وحللَّت قتله، وهو الذي يرمز إلى أول من يُقْتل، وآخر من يموت. "جريمة" درويش أنه احتل مئذنة، وأعلن في القبائل هناك أن يثرب أجرت قرآنها ليهود خيبر! درويش قلمه أعلى من قاماتهم جميعا؛ ولقد علا درويش، وعلا، حتى شقَّ عليه أن يرى إﻻ-;-َّ من يقف دون حذائه؛ فالصغار صغار، والجِمال المزركشة بالذهب اﻷ-;-صفر واﻷ-;-سود تظل جِماﻻ-;-. محمود درويش (هوميروس فلسطين) الذي أعلنت السعودية الحرب عليه، وعلى أعماله الشعرية، إنَّما جاء بآياته لغير هؤلاء الذين لا يثورون، ولا يشكون، لا يُغنُّون، ولا يبكون، لا يموتون، ولا يحبَّون. جاء إلينا عاشقاً يَحْمِل في نظراته البحار والربيع وشجر الورد النابت من أحشاء الجمر الفلسطيني. جاء إلى المثخنين بجراح الجسد، المختزنين فيها الشتاء والرعود والبروق والعاصفة.. والآلام التي منها وُلِد الكبرياء. "عاشق فلسطين"، و"عاشق بيروت"، حدَّثَنا عن معاني فلسطين على متن "سفينة نوح" المُبْحِرة من بيروت إلى حيث البقية الباقية من "القابضين على الجِمار" يموتون في عِزٍّ وسؤدد لِيَنْعَم غيرهم بعيشٍ من خزي وعار. لَمْ يَعِشْ، ولَمْ يَمُتْ، إلاَّ من أجل أشجار الزيتون الفلسطيني، ومن أجل تلك الباقة من الأنبياء الطالعة من شقوق الصخر في فلسطين. عاش ومات من أجل صُنَّاع الأسطورة.. أسطورة الدم الذي غلب السيف، وجَعَل "قوس قُزَح" عَلَماً لفلسطين. عاش ومات من أجل "آخر الطلقات، وما بقي من هواء الأرض، ومن نشيج الروح". عاش ومات من أجل الرجال الرجال، ولو كانوا أولئك الأطفال الذين بأجسادهم الطريَّة هزموا الهزيمة، وهدموا العار ليبتنوا من أنقاضه مجداً لأُمَّةٍ لم يبقَ من أمجادها غير ظلال، فغدت "الأمَةَ الذليلة" بعدما كانت "خير أُمَّةٍ أُخْرِجت للناس". من أجل توحيد قبائل العرب في قبيلة واحدة، لها رب واحد، وانتماء واحد، وقدر واحد، عاش ومات درويش. من أجل أشجار الزيتون.. أشجار الكبرياء النابتة من أحزان الأمة وجراحها.. ومن أجل تلك الباقة من الأنبياء الطالعة من شقوق الصخر في فلسطين، الذين لا يَزْنون بالكلمة، وبألسنة اللهيب يتكلمون، عاش ومات. من أجل مَنْ حلمنا بهم زمناً طويلاً.. زمناً استنفدناه ونحن نستجدي ربَّ العالمين النصر على عدوِّه وعدوُّنا، وندخل الحروب بكل ما أوتينا من مواهب الخطابة، ونُعلَف في زرائب السلاطين، نركع ونسجد.. حتى ملَّنا السجود والركوع، لا عقل لنا، ولا رأي، ولا أقْدام.. كل جمعة، نُجلَد بخطبة غراء، تتوعد اليهود ودولتهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.. وظللنا نغنِّي "إنَّنا إلى فلسطين راجعون"، فلم يبقَ لدينا من قول سوى "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"! ظللنا نحلم، ونطحن بطاحونة ما طحنت قط سوى الهواء، حتى جاء الجيل الذي لا يسامح ولا يغفر، فهزم الهزيمة المتأصلة في نفوسنا، رافضاً زماننا وعصرنا، فوُلِدَ من رفضه هذا الجمال المتوحش، الشرس، جمال الفهد الاستوائي الذي فكَّ السِحْر وقتل السَحَرَة. من أجل "أطفال الحجارة" الذين بدمهم الوردي، وليس بدم أولئك المختلفين في جنس دم الأضاحي في العيد، كتبوا الأجمل من إلياذة هوميروس وملحمة جلجامش والماهاراتا الهندية والشاهناما الفارسية. من أجل سكَّان جباليا وغزة، سكَّان القدس ونابلس والخليل ورام الله.. سكَّان المدن التي تعرف أنْ تموت، وتعرف كيف تقهر الموت، وتجبره على أن ينحني لها إجلالاً واحتراماً.. من أجل مُدُناً طمحت إلى امتلاك الشمس، فامتلكتها؛ واقتحمت البحر ولم تكتفِ باصطياد الأسماك على شواطئه؛ من أجل مُدُناً لها قناعة شجر الزيتون في القدس، وقلق المراكب في غزة، وشراسة العاصفة ووعد الفتح ووعيده في جباليا.. مُدُناً ليست من جنس تلك المدن التي تُؤْثر السلامة كالخراف والأرانب.. مُدُناً لا تسكن السفح؛ بل البرق والهاوية. من أجل أطفالِ المخيَّم ورُضَّعه، الذين قتلهم قتلة الأنبياء بدم بارد.. فعلَّمونا الأبجدية العربية..، علَّمونا أنْ نكون عرباً، فحتى نكون عرباً لا يكفي أنْ تكون عيوننا سوداء، وأنْ نرتدي كوفية وعقالاً وعباءة مصنوعة من وبر الجمل.. لا يكفي أن نتمنطق بالخناجر المعقوفة، ونرقص بالسيف مع بوش، ونحفظ ألفية ابن مالك، وكتاب الأغاني، ومقامات بديع الزمان الهمذاني.. ونشرب القهوة المرَّة. من أجل أولئك الذين حيَّاهم درويش إذ قال: إنَّ من أحذيتهم خلقوا أُفقاً لأمَّة ابتلاها الله بذوي آفاق تَسَع كل شيء ولا يسعها شيء! لقد كانوا صنَّاع الأسطورة.. أسطورة الدم الذي غلب السيف.. وأنهى عهد ممتهني حراسة القبور والنعوش والليل.. عهد كُتَّابٍ على رصيف الفكر يتسكعون.. عن التفكير عاطلون، في مطبخ الباب العالي يأكلون، وفي زريبته يُعلفون، وبسيفه الطويل يضربون.. منذ قرون وقرون كفُّوا عن التفكير، وفي خارج التاريخ ظلَّوا يسكنون. كسَّروا أقلامهم، وهدموا معبدهم، ومزقوا شريعتهم، وأدمنوا الركوع والسجود، وقضوا العمر في حراسة السواد والسود. لقد احترق المسرح وما مات الممثلون.. ظلوا على قيد الحياة، ولكن.. مخصيو اللسان والفكر، أحصنة من خشب يركبون، وأشباحا وسراباً يقاتلون، وبلا كلل في جثة القتيل يبحثون.. عن الحقيقة يبحثون. عندهم استوى الفكر والحذاء. فبئس الفكر ونعم الحذاء. لَمْ يَعِشْ، ولَمْ يَمُتْ، من أجل بَشَرٍ، أو عَرَبٍ، من حَطَبٍ وخَشَبٍ، في "وادي الدموع" يُصلُّون ويتعبَّدون، وعن "ورود الوهم" يبحثون، لعلَّهم غير أصفادهم يَجِدون.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-سيسي مصر- و-بشار سورية- و-بوتين روسيا-!
-
انفجار الغضب السعودي!
-
ما معنى -النَّفي-؟
-
اسْتَعِدُّوا.. -المهدي المُنْتَظَر- يوشك أنْ يَظْهَر!
-
الرؤية الكونية بعَيْنَيِّ -الساعة- و-المتر-!
-
كيف نَجْعَل إلغاء الرأسمالية هَدَفاً قابلاً للتَّحْقيق؟
-
الأزمة أُوكرانيَّة.. لكنَّ النَّكْهة سوريَّة!
-
المأساة والمهزلة في -معركة السيادة على الأقصى-!
-
-اللاَّحَجْم- و-اللاَّمادة-
-
في فلسفة -التَّغَيُّر-
-
اللوحة التي رسمها ديمقريطس للكون.. معدَّلةً!
-
مصر.. من العقل إلى الإيمان فالجنون!
-
دكتاتور قَيْد الصُّنْع!
-
هذا -الجديد- في قضية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن
-
هل يمكن الانتقال عَبْر -الثقب الأسود- إلى -كَوْنٍ آخر-؟
-
إذا الكون انكمش..!
-
في -يوم الحُبِّ-..
-
الزمن يتوقَّف ولا يزول!
-
في -الثقب الأسود- يَبْلُغ التناقض بين -المادة- و-الفضاء- وحد
...
-
-العمل- شَرٌّ لا بدَّ منه!
المزيد.....
-
ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق
...
-
دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
-
جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي
...
-
أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس
...
-
-جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
-
ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
-
روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
-
تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
-
عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
-
درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|