|
قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت
وليد الحلبي
الحوار المتمدن-العدد: 4407 - 2014 / 3 / 28 - 01:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مناسبات عدة، دأبت على تشبيه الوطن العربي العظيم! بالثقب الأسود، ذاك اللا مكان في الفضاء البعيد، ذو الجاذبية المذهلة، التي تسحق حتى الصوت والضوء إن هما تجرءا على الاقتراب منه. ذلك أن تكميم الأفواه، ورفض الآخر، والتشبث بالرأي، هي من سمات الحياة الثقافية والسياسية في هذا العالم البائس من الكرة الأرضية، فأنت متهم بالتحيز ربما قبل أن تفتح فمك، لذا وجب عليك في كل مرة تتجرأ فيها على الكتابة أو الكلام، أن تبادر بالاعتذار عن خطأ حتى ولو لم ترتكبه، وبشرح ما أصبح واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، حتى أن استخدامك مثلاً كلمة (رابعة) هنا، يمكن أن يجر عليك في مصر تهمة الإرهاب، ومن ثم الحكم بالإعدام، هذا إن لم تستطع تبرير استخدامه. رغم ذلك سأتوكل على الله وأقول كل ما في نفسي. ربما لم ولن يسجل التاريخ السياسي في جميع الأنظمة الديمقراطية، أن رئيساً لدولة تعداد سكانها فاق التسعين مليون نسمة، قد انتخب قبل إجراء الانتخابات، بل وحتى قبل بدء حملته الانتخابية، فبراعة المجلس العسكري، الذي خلف حسني مبارك بعد تخليه عن عرش مصر يوم 11 فبراير 2011، بقبوله ترشح العسكري أحمد شفيق، وهرب الناس منه إلى الإخوان المسلمين، ثم الانقلاب عليهم وطردهم من الحكم، قد دفعت معظم المصريين للعودة إلى التمسك بحكم العسكر، حتى أولئك العروبيون والناصريون، الذين كانوا يشتكون بمرارة من ذلك الحكم، قد أصبحوا أول المؤيدين لعودته، وهم الذين بأنانيتهم المفرطة، وتفرق كلمتهم، وأطماعهم الشخصية، قد مهدوا الطريق أمام الإخوان المسلمين لتسلم حكم مصر لعام واحد، ومن ثم الوصول إلى حالة التململ التي قادت إلى انقلاب عبد الفتاح السيسي على سيده وولي نعمته محمد مرسي، ذلك الانقلاب الذي لم يجد من يؤيده حتى الآن سوى أربع دول خليجية (السعودية، البحرين، الإمارات، الكويت) والأردن، غير ناسين أن دولتين خليجيتين من تلك الدول الأربع، كانت من بين ثلاثٍ اعترفت بدولة طالبان في أفغانستان، (السعودية، والإمارات) إضافة إلى الباكستان. بعد عام 1970، ولي أنور السادات أمر حكم مصر، ومن الأمور المسلم بها اليوم، والتي يعرفها الجميع، أنه كان لديه – عندما كان نائباً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر - خط ساخن مع كمال أدهم، مدير المخابرات السعودية، وعبر هذا الخط دبر السادات ما دبر من أجل النكوص عن الخط الناصري، ثم بيع سيناء والقضية العربية إلى إسرائيل في معاهدة كامب ديفيد. أما الذي يعرفه البعض، وليس الجميع، فهو أن حسني مبارك، وقبل أن يتولى الحكم، كان يتدرب على الطيران الأمريكي في قاعدة الظهران الجوية في المنطقة الشرقية من السعودية، وكان أيامها يتلقى الهدايا الرخيصة، كساعات رولكس أو نظارات ريبان أو ولاعة رونسون، من آمر القاعدة الجوية المذكورة، لذا كان مبارك، بعد وصوله إلى الحكم، هو الأمين الوحيد على سنة أنور السادات في الخضوع لأوامر دول الخليج، فكما أرسل السادات جنود الجيش المصري لكي يقتلوا في إقليم كاتنغا في الكونغو عام 1971، بينما سيناء محتلة حتى قناة السويس، كذلك أرسل حسني مبارك الجنود المصريين إلى الكويت لكي يحاربوا العراق تحت راية شوارزكوف الأمريكي عام 1990، ولكي يقتلوا عرباً ويموتوا بأيد عربية، بينما سيناء قد خرجت من السيادة المصرية لكي تتوسطها قاعدة عسكرية أمريكية أممية. لكن الذي لا يعرفه غالبية الناس، بل القلة منهم فقط، أن عبد الفتاح السيسي كان يشغل منصب الملحق العسكري في السفارة المصرية في السعودية، ولا ندري هل كانت الهدايا التي تقدم إليه أنفس من تلك التي كان يتلقاها مبارك، أم من نوعية أردأ، لذا ليس غريباً أن نرى الإعلام الخليجي، وفي مقدمته السعودي، يكرس جل جهده واهتمامه لدعم انقلاب السيسي منذ أول يوم وحتى الآن، بهدف إيصاله إلى حكم مصر. والأبرز في دعم السعودية للسيسي أن حزب النور السلفي، والذي يمتاز بتعصبه المقيت، وتكفيره الآخرين الذين لا يماشونه في نظرته الضيقة إلى الإسلام، والذي قام بعض أعضائه أثناء حكم الإخوان بنبش بعض القبور في مصر – الأمر الذي هو جزء من الفكر الوهابي في محاربة قبور الأولياء – والحزب الذي لا ينكرعلاقته الوطيدة بالسعودية، هذا الحزب المتخلف هو أول الداعمين لترشيح السيسي لرئاسة مصر، لكن النكتة الأعظم هي أن أنصار السيسي يشبهونه بجمال عبد الناصر، فأين الثرى من الثريا؟، وكيف فات هؤلاء العباقرة أن اسم عبد الناصر ممقوت حتى الآن عند معظم حكام دول الخليج؟. عندما سقط نظام كنز إسرائيل الاستراتيجي في فبراير 2011، كنت أعتقد أنه ليس من مصلحة الإخوان المسلمين تلقف جمرة الحكم في ظروف غير طبيعية، بل كنت أتمنى عليهم البقاء في صفوف المعارضة، والذي منه كان يمكن لهم أن يسيطروا على النظام السياسي دون المخاطرة بتحمل المسؤولية كاملة، لكن شهوة السلطة وبريقها دفعهما لاستلامها والاكتواء بنارها حتى طردوا منها، ومع أنني لا أقلل من ذكاء السيسي، بل ومكره ودهائه، إلا أنني لا أفهم كيف يتنازل طواعية عن وزارة الدفاع لكي يصبح تحت رحمة وزير دفاعه الجديد، ولا أدري هل سمع السيسي بالمثل القائل: أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض؟، لذا كنت أتمنى عليه البقاء في وزارة الدفاع، لأنها المكان الوحيد – ليس في مصر فقط، بل في دول العالم الثالث – الذي منه تتم السيطرة على مقاليد الأمور، ولكنها، مرة ثانية، شهوة السلطة التي تعمي أبصار طالبيها، فيقعون في ما وقع فيه أسلافهم من الطامعين، ولنا أن نتخيل ما يدور في خلد الرجلين عندما سيقف وزير الدفاع الجديد لكي يؤدي القسم أمام رئيس البلاد، فهل سيثق الرئيس السيسي بوزير دفاعه؟، وهل سيفكر وزير دفاعه بتجريعه من نفس الكأس التي أجبر السيسي رئيسه مرسي على تجرعها؟، لكن يبدو أن المخرج الوحيد للسيسي من هذا المأزق، هو أن يتولى إلى جانب رئاسة الدولة، وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والتصنيع الحربي والبترول، كي يضمن عرشه، وأن يترك باقي الوزارات للقطط السمان. هي فعلاً قصة تافهة، تصلح لفيلم سينمائي رديء الإخراج. ما هو واقع اليوم أن انقلاب السيسي قد قسم المجتمع المصري، الذي تميز بجدارة عن باقي شعوب الأرض بتماسكه وتجانسه الاجتماعي، قسمه إلى نصفين: إرهابيون، ومؤيدون، ويكفي أن يتبنى إعلامه التافه الأغنية المقيتة ( إحنا شعب وإنتو شعب، رغم إن الرب واحد، لينا رب وليكو رب) لكي ندرك بذاءة وصبيانية الإعلام الداعم لعبد الفتاح السيسي، والتي تنبيء بالمصير الأسود الذي ينتظر أم الدنيا، على أيدي طغمة لا ترى في مصر العظيمة سوى مشروع تجاري رابح. 27 مارس 2014
#وليد_الحلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أشراف، ومرتزقة
-
العيش،،، والجبن
-
في مصر: هل يمكن تفادي الكارثة قبل وقوعها؟
-
هل كذب من قال (الدين لله والوطن للجميع)؟
-
ف ، ح ، و (فلسطينيون، حملة، وثائق)
-
من المسؤول، مرسي أم السيسي
-
(شرم الجنيف)
-
ثواب وعذاب
-
أمة العبقريات
-
وكر الشيخ
-
نظارة من فييتنام
-
وزراء الدفاع،،، عن مصالحهم
-
وداعاً يا عرب
-
القداسة المزيفة
-
كفٌّ حنون
-
اعرف عدوك
-
بغل أبي فيصل
-
استنتاجات خنفشارية، من المظاهرات المليونية
-
حصاد اسبوع من الحقل المصري
-
قطرات الزمن المهتريء (شتتت النكبة الفلسطينية الأسرة الواحدة
...
المزيد.....
-
تحذير سوري من انهيار سد تشرين في ريف منبج بعد استهدافه خلال
...
-
أولمرت: لم ألتزم قط قبل المفاوضات بالانسحاب من الجولان وعلين
...
-
الإعلام العبري يطرح سيناريوهين -مثيرين- لمستقبل سوريا لما بع
...
-
فلكي يلتقط مشاهد فريدة تُظهر -كرات نارية- تسقط على سطح القمر
...
-
بلينكن يعلن عن حزمة مساعدات عسكرية أمريكية جديدة بقيمة 500 م
...
-
السفارة الروسية لدى اليونان: الغرب يشهد مرة أخرى ولادة الفاش
...
-
إعلامي مصري: إذا سقطت دمشق فعلى القاهرة أن تستعد لمعركة المص
...
-
خبيرة روسية: سيكون هناك حوالي 41 مليون متقاعد عام 2025
-
سوريا : صرافة العملات الأجنبية من السر إلى العلن وتخبط التجا
...
-
ترامب يفوز بلقب شخصية العام 2024 من مجلة -تايم-
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|