أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الحلبي - كفٌّ حنون














المزيد.....

كفٌّ حنون


وليد الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4164 - 2013 / 7 / 25 - 09:37
المحور: الادب والفن
    


منذ سنتين، يوم أن فقدت والديها في حادث سير ونجت هي بأعجوبة، ما زالت "سلوى" تعيش مع عمتها التي لم تتزوج، بل اختارت العمل التطوعي مع عدد من الجمعيات الخيرية التي تكثر في المنطقة. العطلة الصيفية بدأت منذ أسبوع، ومعها بدأت سلوى تقضي أوقاتاً طويلة في فترة ما بعد الظهيرة على هذه الشرفة التي تطل على الشارع العام. شجرة باسقة تسكن في الرصيف المقابل للشرفة، والذي يفصلها عن الشارع، عليها اكتظت مئات أعشاش العصافير،،، بعضها، وعندما تميل الشمس باتجاه الغرب، تبدأ بالتحليق على شكل أسراب، مالئة الجو بأصوات زقزقاتها ورفرفة أجنحتها التي تملأ المكان، وبعضها يحط على حافة الشرفة، تحك مناقيرها بسطحها الخرساني، أو تلتقط عنها حبوباً قد تكون تناثرت عليها.
اعتادت سلوى أن تجلس على كرسيها وقد أمسكت بيدها اليسرى كتاباً تقرأ فيه، بينما أسندت ذراعها اليمنى على الشرفة وكفها متجهة إلى الأعلى. مع مرور الأسبوع الثاني من الإجازة، ونظراً لثبات سلوى على كرسيها مدة طويلة كل يوم، وثبات ذراعها على حالها نفس تلك المدة، فقد أنِسَتْ العصافير إليها، وبدأت تقترب منها رويداً رويداً، لكن بحذر حسب عادتها المعروفة. فكرت سلوى أن تتودد إلى العصافير وتهديء من روعها، فاشترت كمية من الحبوب التي تحبها تلك المخلوقات الجميلة، وفي كل يوم، وقبل فتح الكتاب والبدء بالقراءة، كانت الفتاة تشرع في ملء كفها، المتجهة إلى الأعلى دائماً، بالحبوب، بينما تنصرف بكليتها إلى القراءة، دون أن تحرك يدها على الإطلاق، حرصاً منها على سكينة العصافير وهدوئها.
بمرور الأيام، وثقت العصافير بصاحبة الكف المفتوحة المليئة بالحبوب، فأصبحت تقترب منها أكثر فأكثر، لكن بتردد ووجل، باستثناء عصفورة صغيرة كانت أجرأ من الجميع، إذ بدأت تتقافز على كف سلوى، تنقر الحب على عجل، ثم تتوقف على نهاية حافة الشرفة لكي تراقب حركة صاحبة الكف،،، تطير مبتعدة، ثم تعود لكي تستأنف نقر الحب من جديد، وسلوى مستغرقة في القراءة، متظاهرة بتجاهل العصفورة الجريئة، تاركة كفها مرتعاً لها.
بعيد ظهيرة أحد الأيام، شهد الشارع جلبة وضوضاء، فقد قدمت إليه شاحنة ضخمة ترافقها آلية ثقيلة تستخدمها بلدية المنطقة في خلع الأشجار المتهالكة، أو تلك التي ينبغي إزالتها لأغراض تجميلية وتحسينية للمنطقة. كانت جذور الشجرة قد امتدت تحت إسفلت الشارع فشققته، وأصبح لا بد من إزالتها حتى يمكن تسوية الشارع وسفلتته من جديد، وما أن بدأ العمال باستخدام منشار ضخم لقطع الشجرة، وبمجرد أن مالت بحدة على جانبها، وقبل أن تسقط على الأرض، انطلقت مئات العصافير في الجو، تاركة أعشاشها لكي تسقط مع الشجرة، وتتهشم على إسفلت الشارع. فزعت جميع العصافير، فحلقت في الجو هاربة، باستثناء تلك العصفورة الجريئة، فقد طارت عن الشجرة وحطت على شرفة سلوى. نظرت سلوى في عيني العصفورة، فقرأت فيهما توسلاً ورجاء أن تبقي الفتاة كفها مبسوطة كي تتخذ منها مرتعاً لها بعد أن ضاعت الشجرة وانفض الصحاب. في اليوم التالي جاءت العصفورة وقد أحضرت معها صديقاً أكبر منها حجماً، وبدأ الاثنان بنقر الحب عن الكف المفتوحة أمام ناظري صاحبتها، والتي ملأ قلبها سرور فياض أن كفها قد أصبحت مرتعاً حميمياً لهذين الصديقين الصغيرين، بعد أن فقدا موطنهما على الشجرة.
ذات بعيد ظهيرة، غاب العصفوران عن كفها ولم يظهرا في موعدهما، فاعتقدت أنهما قد وجدا لهما ملجأ بديلاً عن كفها وعن الشجرة، وقبل أن تدخل سلوى إلى غرفتها، فوجئت بالعصفورة وقد حطت على كفها حاملة قشة طويلة، وبعد ثوان حطَّ صديقها العصفور وهو يحمل قشة أيضاً، وأمام ناظري الفتاة المندهشة بما ترى، بدأ العصفوران في ترتيب القشتين على شكل دائري،، طارا مرة ثانية ثم عادا بقشتين أخرتين ثبتاها، مع القشتين السابقتين، في كف الفتاة، فأيقنت أنهما ينويان بناء عش لهما في كفها بديلاً عن العش الذي تهشم مع الشجرة، وكي لا تزعج العصفورين، فيفرا عن كفها، انسحبت بهدوء تاركة لهما يدها كي يبنيا فيها عشهما بسلام، ودخلت غرفتها.
في صباح اليوم التالي، كانت سلوى عند فني صُنْعِ الأطراف الصناعية، طالبة منه أن يصنع لها ذراعاً جديدة، غير تلك التي تركتها على الشرفة مسكناً للعصافير الصغيرة.
24/7/2013



#وليد_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعرف عدوك
- بغل أبي فيصل
- استنتاجات خنفشارية، من المظاهرات المليونية
- حصاد اسبوع من الحقل المصري
- قطرات الزمن المهتريء (شتتت النكبة الفلسطينية الأسرة الواحدة ...
- المعارضة المصرية: ما لها، وما عليها
- هل في الحزبية والأحلاف ديمقراطية؟
- الدفاتر القديمة
- لكل أمة طباع
- نهاية جميلة
- الرقدة الأخيرة
- عندما تمنيت أن يأكلني الدب القطبي
- عمى الاتجاهات
- خدعونا ورب الكعبة
- آيات الذكر الحكيم بين التفسير والتنبؤ
- هل هي عبقريتهم؟، أم هي سذاجتنا؟
- سيناء، وعصمة الزعيم
- (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
- هل نحن مقبلون على كارثة أخلاقية؟
- يتلاعبون حتى في أحكام الله


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الحلبي - كفٌّ حنون