أبناء الجنة 1945(مارسيل كارنيه): تشكيل واقعي سينمائي لزمن ماضي يلعب فيه الشعر والأدب دور كبير...

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 06:25
المحور: الادب والفن
    

جاك بريفير هو اعظم كاتب سيناريو عرفته السينما الفرنسية،تعاون مع المخرج مارسيل كارنيه لعدد طويل من العقود،ولكن هذا التعاون لم يثمر عن شيء أفضل من فيلم أبناء الجنة عام 1945.
الراوئع السينمائية التي كتب بريفير سيناريوهاتها واخرجها مارسيل كارنيه وآخرون تمثل العصر الذهبي للسينما الفرنسية،ولكن هل نؤمن نحن بصحة هذه الجملة...؟!
الموضوع شائك وصعب،لأننا هنا نتحدث عن فيلم هو من اشهر واهم الافلام في تاريخ السينما الفرنسية وليس تلك الفترة وحسب،وهو دائما ما يعد ضمن أفضل الأفلام في تاريخ السينما قاطبة.
فيلم أطفال الجنة يقتيس صبغة سينمائية واضحة،من ديكوراته الفخمة وقصته الخفيفة الغاية في البساطة،أو حتى في حواراته التي تجعلنا نشعر من وقت لآخر بأننا نقرأ أو نتابع شكسبير،وهذا الشيء لم يحاول أن يذكره كارنيه على الاطلاق،فهناك مشاهد في فيلمه هذا عبارة عن عروض مسرحية محضة،وهو يتعمد في النهاية أن يقدم مسرحية عطيل ضمن الرؤية الخاصة والتعريف بأحداث الفيلم...
الجزء الأول من الفيلم هو بوليفار الجريمة...لنقدم هذا الاقتباس من موقع أوكسجين للكاتب أثير محمد علي:
اعتبر بوليفار الجريمة في باريس القرن التاسع عشر برودوي مصغرة لكثرة العروض التي تحتل كل ركن من اركانه والاحتفالات الكرنفالية التي تقام فيه،إلى جانب المسارح العديدة التي كانت تقدم الأعمال،كما كان يعرف ايضا ب(بوليفار الزمن) نسبة لزمن المسرحيات التي كانت تعرض فيه،وكأن ارتياد المسرح اشبه ما يكون بر حلة وهمية في ذلك الوقت.
إذا هناك تصوير للحياة الشعبية...العروض...الأسواق المكتظة...مشترى الأدوات المستعملة...عروض المسرحيات المتجولة،مفضلا كارنيه تصوير كل ذلك من خلال بناء وديكور تام ومتكامل...هذه الواقعية مختلفة عن الواقعية الايطالية التي كانت في اوجها في هذا الزمن...
تلك الواقعية التي سيروج لها لاحقا رواد الموجة الجديدة الذين لم تكن أفلام كارنيه لتعجبهم أبدا،ولا غرابة أن تلاقي هذه القصة نقدا حادا من رواد وأنصار الموجة الجديدة،ولكن هذا لا ينفي أن فيلم أبناء الجنة تحديدا،هو فيلم من زمن الواقعية الشعرية الفرنسية والتي تقريبا أفلت وانتهت مع هذا الفيلم محققة انتصارا كبيرا على الموجة الجديدة،محققا مكانة مرموقة قد لايحتلها غيره من افلام الواقعية الشعرية الفرنسية...
العروض المسرحية لها دوركبير في هذا الفيلم كما ذكرنا،بل أن تسمية الفيلم قادمة من هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يحتلون المقاصير العلوية القريبة من السقف في عمارة المسرح والتي كانت تحتلها الطبقات الشعبية لرخص اسعارها،أما أبناء هذه الجنة...فهناك في العمق يؤدون أدوراهم فوق خشبة المسرح(اقتباس من الموقع السابق بتصرف)...كل شخصيات الفيلم تتقاطع من خلال حبها لجارنس (الممثلة آرلتي)...
فردريك الممثل القادم بحلم عمل شيء عظيم،ولاسنير المجرم الارستقراطي الذي يعتقد بأنه منطقي وليس وحشا،على الرغم من أنه اعلن حربه على البشرية منذ الزمن...
يتحدث عن هذا الشخص عن طفولته....هذا السرد غير المتوقع عن نفسه وعن طفولته البائسة هي بعد ميلودرامي في الفيلم،وعلى العموم فقصة عظمة هذا الفيلم لا تكمن في قصته أبدا..
جارنيس تعامل الجميع بود ومن غير تحفظ،حتى تتعرف على بابتيست ممثل هزلي يعتمد الايماء ويعود بنا إلى زمن السينما الصامتة...هذا التعبير الهزلي الكوميدي الذي يقدمه بابتيست...هذا العالم العبق بالفن...بالمسرح...كل هذه المعطيات تشير الى تشكيل واقعي سينمائي لزمن ماضي يلعب فيه الشعر والأدب دور كبير...
على الرغم من كل هذه التشكيلات الادبية فالقصة تبدو خالية من الهموم الكبرى،بل نراها أحيانا تنزع نحو الفردية .
هي سينما تتسم بالفخامة ...بالتنوع الأدبي...بالشخصيات السلسة والعلاقات غير المعقدة في اداء مبالغ به في احيان كثيرة.
هذه العلاقات التي تميز الفيلم تؤكد ان فيلم ابناء الجنة يحلق احيانا نحو عالم فنتازي وشخصياته احيانا تبدو قريبة من فليني،وهنا تتضح الفكرة،فالفيلم لايناقش ابدا من ناحية واحدة،ولا من ناحية القصة ايضا،فبناء الشخصيات غير منطقي يسير نحو صدف غير معقولة من الممكن التنبأ بها في سهولة تامة...
بعد التشكيل الايمائي الرائع لبابتيست الذي ينقذ جارنيس من اتهام بجريمة سرقة،تبدأ علاقة حب بينهما بينما الظروف تخدم فردريك لينقذ عرضا مسرحيا من الانهيار وبذلك يحصل على الوظيفة وهذا تقلب ميلودرامي واضح.
مقياس جودة الفيلم وشهرته ليس في القصة،ولا في العنصر السردي،ولكن العوالم المتنوعة ذات الأبعاد الأدبية والشعرية التي هي عبارة عن فن ممزوج بالواقع المفترض وليس الحاصل هوالاساس للحكم،فالفيلم يعطي درسا واضحا في جماليات الفيلم،فلايوجد حدث مركزي حقيقي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ،بل هو يسرد مسارات متعددة قد يكون مقصود كارنيه عدم سردها اصلا مقارنة مع هذا التنوع الهائل في الاشكال الفنية...
مارسيل كارنيه يبدو احيانا يقص خرافة او قصة شعبية...شيء ما يشبه حكايات الف ليلة وليلة أو ديكاميرون أو خيميائي بوبلو كوبلو مع شخصيات متداخلة المصير بعيدة عن شيء اسمه بطولة أو ملحمة،وربما وبلغة ابسط (شخصية مركزية)...
بابتيس مختلف...ممثل ايمائي شاعري ومفلس يحب التجوال في الليل،وهو الشخصية الأبرز حتى الآن في الفيلم من حيث الحضور وليس من حيث زمن الحضور....
ولكن الشخصية الملفتة للنظر هي شخصية لاسنير...يقول:
الفلاسفة دائما يفكرون بالموت،والنساء دائما تذكر بالحب...كلام وكأنه مستقى من الأم والعاهرة
هناك شيء من الانكفاء على الذات في هذا الرجل،ولكن هذا الكلام غير مجدي في هذا الفيلم،ولا يجوز لنا أصلا التعمق بأي فكرة لأن فيلم ابناء الجنة فيلم مشهدي بامتياز،ومجريات القصة سوف تتحول إلى شيء يشبه صراع شكسبيري خالد،والنتيجة ففيلم أبطال الجنة لايؤرخ...هو فيلم يمجد الفن...يمجد الحياة...يمجد الجمال...عن الابداع الفني في القرون الوسطى...
الفيلم بحد ذاته يبدو معضلة لكل من أحب أنتونيوني أو تاركوفسكي أو كيسلوفسكي أو الموجة الجديدة،فنحن نصل
إلى نتيجة أن فيلم أبناء الجنة هو فيلم للمتعة ليس إلا...
كل شخصيات الفيلم تحلق في عالم فني متكامل...هذه الصيغة –ولا نريد التعميم-ابتعد عنها تروفو عندما خلق مايدعى بالبطل الأوحد في ال400 ضربة أو اطلق النار على عازف البيانو...
حقق كارنيه معجزة بكل المقاييس عندما حقق هذا الفيلم في زمن الاحتلال النازي،ويبقى الأفضل في مسيرته الفنية بالرغم من كل شيء..
يقول أحد النقاد الغرب:فيلم ابناء الجنة هو افضل فيلم حققته السينما الفرنسية،الأمر الذي يشبه تماما في السينما الأمريكية هذا عندما نقول أن افضل فيلم في تاريخ السينما الأمريكية هو ذهب مع الريح أو كازابلانكا،ولكن إذا توجهت إلى النقاد فسوف يقولون على الفور بأنه فيلم (المواطن كين).
بلال سمير الصدّر2013/10/24

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل