الماويون في النيبال مواجهة للملكية أم للإمبريالية ؟

سمير الزغبي
كاتب و ناقد سينمائي
(Samir Zoghbi)

الحوار المتمدن-العدد: 4394 - 2014 / 3 / 15 - 11:30
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

شهدت أواخر الألفية الفارطة إنهيار المعسكر الشرقي ، أو بالأحرى الدول و الكنفدراليات التي تبنت النظرية الإشتراكية الماركسية كمنهج للإقتصاد و تجلى ذلك بالخصوص مع إنهيار الإتحاد السوفياتي ، الذي يمثل المهد الذي ترعرعت فيه الثورة الإشتراكية الماركسية ، فمع البروسترويكا التي نظّر لها غورباتشوف ، و نفّذها بوريس يالتسين ، إنهارت الثورة الإشتراكية التي أسسها لينين ، ليرفرف من جديد العلم الروسي ، ما قبل ثورة 1917 معلنا عن سقوط العرش الماركسي اللينيني ، و الذي كان يمثل ثاني قطب في العالم ، أيام الحرب الباردة .
ّ لا يتعلق الأمر في هذا المقال بالبحث في أسباب و تداعيات إنهيار المعسكر الشرقي بل يتعلق بإبراز الأسباب العميقة التي جعلت النظرية الماركسية تستعيد روحها بعد أن هدأ بال أعدائها وظنّوا أنها ولّت دون رجعة. فبقدر ما أن الحديث عن هذا الإنهيار يوحي بأن العصر قد إنتهى بالنسبة للنظرية الماركسيبة بتمفصلاتها المختلفة ، إلا أن ما حدث في النيبال ، قد يدفعنا إلى إعادة قراءة التاريخ من جديد، حيث شهد العالم و منذ سنة 2006 تنامي الحركة الماوية في النيبال ، التي أصبحت تمثل لاعبا أساسيا في المشهد السياسي ، إلى درجة صعودها إلى الحكم معلنة عن نهاية الحقبة الملكية و صعود نظام جمهوري.
فما هي دلالات هذا الحدث بالنظر إلى المشهد السياسي الدولي ؟ هل أن صعود الماويين في النيبال ، يبعث على التفاؤل لدى الماركسيين ، خاصة و أن التيار الماوي يعتبر تيارا راديكاليا ؟ أم أن ما يحدث في النيبال هو مجرد ظاهرة معزولة لا علاقة لها بتنامي الحركات الماركسية في العالم كبديل عن الللبيرالية ، و التي تأكد فشلها كمنهج إقتصادي و سياسي ؟ من هو ماو تسي تونغ و كيف يمكن تعريف الماوية كمنهج سياسي و إقتصادي ؟
ماوتسي هو من مؤسسي الحزب الشيوعى في شنغهاى .حيث تولى مناصب هامة ، إلى أن أصبح زعيمه سنة1937. إجتهد ماو تسي تونغ في تطوير مفهوم جديد للشيوعية سُمّي "بالماوية" وكان تأليفا بين تصور ماركس و لينين. وعمل على التحالف مع الإتحاد السوفييتي، ومن ثمّة الخروج إلى الجموع الصينية بالثورة الثقافية في 1947 . و في 1949 انتصرت القوات الشيوعية، ، و قد اعتمد ماو على الفلاحين ، موجهاً كل تركيزه إلى التنمية الزراعية. و اخذ على عاتقه تحويل الصين إلى أمة عصرية قوية ، حيث بدأ بالعناية بالتعليم و التصنيع و الصحة ، و تغيير النظام الاقتصادى من رأسمالية إلى إشتراكية، أشهر مؤلفاته :" تحليل طبقات المجتمع الصينى" (1926)"تقرير عن التحقيق الذى اجُري في هونان حول الحركة الفلاحية" (1927)"القضايا الاستراتيجية للحرب الثورية في الصين" (1936) "الديمقراطية الجديدة" (1940)"مقدمة و ملحق لتحقيقات في الريف" (1941)،"مداخلات في ندوات حول الادب و الفن في يينان" (1942)."حول التقارير العشرة الكبرى" (1956) فى سبيل حل عادل للتناقضات في صفوف الشعب" (1957).

هذه المرجعية الماوية لم تتنتهي بموت ماو تسي تونغ بل كان لها أثر طويل المدى وليس صعود الماويين في النيبال اليوم غير دليل على ذلك. فصعود الماويين في الصين ، إنعكس على المشهد السياسي في النيبال التي تمثل إحدى الدول الصغرى بشبه القارة الهندية، قلما يسمع عنها العالم بسبب موقعها المنعزل ووعورة تضاريس أرضها، وبعدها عن العالم الخارجي، فنيبال دولة داخلية لا سواحل لها، وتوجد بين ثنايا جبال الهملايا الوعرة، ونتيجة هذه السمات لم تندمج مملكة نيبال في الوحدات السياسية الكبرى بشبه القارة الهندية، فظلت مملكة منذ عدة قرون وخطّطت حدودها في القرن الثامن عشر الميلادي وتنقسم البلاد إلى أربعة أقاليم، الإقليم الشرقي، والإقليم الأوسط، والإقليم الغربي والإقليم الغربي الأقصي، وتشمل الأقاليم أربعة عشر مقاطعة تشمل بدورها 75 ناحية. تجاورها التبت من الشمال، وتحدها الهند من الشرق والجنوب والغرب وطول البلاد يمتد من الغرب إلى الشرق، وعرضها بين الشمال والجنوب وتبلغ مساحتها 141،000 كيلو متر مربع، وعدد سكانها 18،237،000 نسمة حسب تقدير 1988 وعاصمتها كنمندو.
تشكل الحزب الشيوعي النيبالي في أبريل 1949. ، و كان للعلاقات بين الهند والصين والاتحاد السوفياتي تأثيرا كبيرا على الأحزاب الشيوعية في النيبال، التي انشقت بشكل مستمر على خلفية العديد من القضايا الإيديولوجية والتنظيمية. فهنالك حاليا في النيبال أكثر من 20 حزب شيوعي. وبالرغم من أن أمريكا اللاتينية قد استقطبت أنظار العالم بأسره بفضل ما تشهده من ميل قوي نحو الحركات اليسارية ، فإن جنوب آسيا هو المكان الذي يمكن أن يعرف، في أية لحظة،حركات ثورية ماركسية .
إن النيبال، يشهد تحولات سياسية عميقة فهو على أعتاب ثورة ستضع حدا لنظام ملكي دام عدة قرون، كذلك كنس النظام الرأسمالي، ووضع الأسس الجديدة لبناء مجتمع اشتراكي. ذلك وفي مرحلة ما في المستقبل، بعد أن تكون الرأسمالية قد تطورت، ستكون هناك ثورة اشتراكية بقيادة البروليتاريا.
ذلك أن البرجوازية، وخاصة في ما يسمى بالعالم الثالث، عاجزة عن إنجاز مهام الثورة الوطنية الديموقراطية. فبعد أن صار النظام الرأسمالي نظاما عالميا، تم اقتسام العالم من طرف القوى الإمبريالية العظمى. لقد جاءت برجوازية ما يسمى بالعالم الثالث إلى الوجود متأخرة جدا. إن البرجوازية في بلدان مثل روسيا أوائل القرن العشرين، أو الهند والنيبال اليوم، طبقة ضعيفة جدا وتابعة للإمبريالية وملاكي الأراضي، إنها طبقة رجعية بالمطلق وعاجزة عن قيادة الحركة الثورية. ومن ثم فإن إنجاز مهام الثورة البرجوازية ملقى على كاهل البروليتاريا الثورية. لكنها بقيامها بذلك، سوف تنتقل فورا إلى إنجاز المهام الاشتراكية للثورة.
إن الانتفاضة التي عرفتها النيبال في التسعينات (والتي أطلق عليها اسم جانا أندولان)، أدت إلى تحولات سياسية في مستوى نظام الحكم الملكي ، من نظام ملكي مطلق إلى نظام ملكي برلماني ومتعدد الأحزاب. و قد كشفت البيانات المستقاة من موقع لجنة الانتخابات النيبالية على الانترنت في شهر أفريل ان الحزب الشيوعى النيبالى الماوى حصل على نصف المقاعد فى انتخابات الجمعية التأسيسية بالانتخاب المباشر.
كذلك تكشف البيانات المحدثة ان الحزب الشيوعى النيبالى الماوى تحصل علي 120 مقعدا من اجمالى المقاعد الـ240 المختارة بموجب نظام الانتخاب على أساس الدوائر، فى حين فاز حزب المؤتمر النيبالى بـ37 مقعدا وفاز الحزب الشيوعى النيبالى (الماركسى اللينينى المتحد) بـ32 مقعدا وفاز منتدى حقوق شعب مادهيسى بـ29 مقعدا.
وبالنسبة لعدّ الاصوات بموجب نظام الانتخاب بالتمثيل النسبى، حصل الحزب الشيوعى النيبالى الماوى على 30.3 فى المائة من اجمالى الاصوات، فى حين حصل حزب المؤتمر النيبالى على 21.4 فى المائة وحزب المؤتمر النيبالى على 20.7 فى المائة.
تجدر الاشارة الى انه وفقا لاتفاق تم التوصل اليه بين الاحزاب السياسية النيبالية، سينتخب 240 عضوا بالجمعية التأسيسية من خلال نظام الانتخاب على أساس الدوائر و335 عضوا وفقا لنظام الانتخاب بالتمثيل النسبى فى حين ستتم تسمية 26 عضوا اخر فى الجمعية التأسيسية المكونة من 601 عضو.
وستقرر الجمعية التأسيسية، التى سيتم تشكيلها عقب الانتخابات التى بدأت يوم 10 أبريل، مستقبل التشكيل السياسى ومصير الملكية فى النيبال.
ما يمكن إستنتاجه إنطلاقا من هذه الوقائع التي تحدث في مستوى المشهد السياسي في النيبال، هو أن المستقبل السياسي للحركات التي تتبنى المنهج الإشتراكي كأساس للبنية الإقتصادية و الآجتماعية ، لم تتفكك كليا مع إنهيار الإتحاد السوفياتي ، و مع إكتساح العولمة ، كمرحلة "متقدمة"من مراحل النظام الرأسمالي. قد تكون النتائج التي افضى إليها "النظام العالمي الجديد " الذي سيطر على كل المجالات الحيوية و بكل الوسائل المتاحة ، من أهم العوامل التي أدّت إلى تنامي الحركات المتبنية للنظرية الإشتراكية . مما لا شكّ فيه ان هنالك معارضة شعبية ، في كامل أنحاء العالم ، و بالخصوص ، داخل البلدان التي تبنّت "عولمة الإقتصاد". وهو ما يعبر عن أشكال مقاومة الإحتكار الإقتصادي التي تفاقمت مع بروز أنماط جديدة من هيمنة رأس المال. وبقدرما تنامت إستراتيجيات الهيمنة المعاصرة والتي ينحصر رهانها في تضييق رقعة رأس المال ليصبح حكرا على مجموعات بعينها ، بدأت تبرز إلى الساحة الإقتصادية والسياسية أشكال قديمة / متجدّدة من الممانعة ، فما تشهده بعض البلدان مثل النيبال ، و كذلك دول جنوب القارة الأمريكية، يكشف بوضوح أن هنالك مقاومة جذرية للنظام الرأسمالي و الليبرالي وامتداداته التي تتجلى في الحكم الملكي والذي هو مكلف برعاية وخدمة الراسمال العالمي. لقد إنكشفت عيوب هذا النظام ، خاصة في ما يتصل بعجزه عن مواجهة الأزمات التي إستفحلت بعد مدة زمنية ليست بالطويلة وذلك منذ بروز الإقتصاد العالمي و الذي كثيرا ما تمّ الترويج له على أنّه الرؤية الإقتصادية الوحيدة القادرة على حلّ مشاكل الدول الفقيرة ذات الموارد الضعيفة واستنهاضها إلى الرّفاه والرّخاء ، لكن النتائج التي تلاحظ اليوم هي العكس ، حيث أصبحت الإنسانية مهددة بالمجاعة ، في ظل أزمة في مستوى الأمن الغذائي ، وفي زمن يشهد كارثة في مستوى الطاقة.
من الضروري التفكير في بدائل ومقاربات اقتصادية وسياسية تكون أكثر جدية ، و يكون فيها التفكير منشدا إلى أبعاد كونية ، و لا إلى رؤى ضيقة ، همّها الوحيد إحتكار رأس المال ، و إستبعاد كل قيمة إنسانية في مجال الإقتصاد .

#سمير_الزغبي (هاشتاغ)       Samir_Zoghbi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات