أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الزغبي - المشهد وتعبيرية الجسد في السينما التونسية















المزيد.....

المشهد وتعبيرية الجسد في السينما التونسية


سمير الزغبي
كاتب و ناقد سينمائي

(Samir Zoghbi)


الحوار المتمدن-العدد: 4337 - 2014 / 1 / 18 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


إن المتتبع لتاريخ السينما التونسية ، يلحظ مباشرة قلة إنتاجها ، مقارنة بعديد من السينمائيات في العالم ، فهي تقتصر على بضع أفلام يمكن تعدادها بسهولة – و إن شهدت ضمن الفترة الأخيرة نوعا من التزايد في مستوى الإنتاج-إلا أن هذا الأمر لا يمكنه أن يحجب عنا بأية حال ، القيمة الجمالية و الإبداعية للسينما التونسية ، خاصة في ما يتصل ، بالنمطية الجمالية ، و التي دعمت حضورها على مستوى كوني .
كل نظر نقدي في مجال جماليات السينما ، لا بد أن يعود إلى البدايات ، حيث تشكلت النمطية ، وبالفعل فإن السينما التونسية و منذ ما يقارب الربع قرن ، انطلقت بنمط من التقنية السينماتوغرافية ، هو الأقرب إلى ما يسمى ب " الموجة الجديدة " التي شهدتها السينما الفرنسية ، مع النقد الذي أنجزه مؤسسو " كراسات السينما " و خاصة مع المخرج جان لوك قودار ، و المنظر اندري بازان .

اهم سمات الموجة الجديدة هي رفض التوظيف الجمالي للإضاءة و إستخدام كاميرات أقل وزنا وأسهل تنقلا، والتصوير شبه الدائم خارج الأستديوهات ضمن الإطار الطبيعي للأحداث، و رفض فكرة البناء السردي التقليدي ، وإحباط شغف المتفرج بالحكاية عن طريق منعه من التوحد والإستسلام للحبكة القصصية والإنقياد لها. وكذلك منع المشاهد من الإندماج في الحدث، و في مقابل كل ذلك تنحو الموجة الجديدة في السينما نحو بناء عالم إرتجالي، تلقائي، وتغيير فكرة ضرورة التوافق بين الصوت والصورة.
هذه النمطية الجمالية في تقنية السينما ، يمكن أن نلحضها في السينما التونسية ، حيث تعودنا على مشاهد من الواقع ، و تغييب كلي لتقنية السرد ، فالأحداث تتواتر ، بشكل تلقائي ، في غياب كامل لبنية نصية صارمة . إن السينما التونسية هي سينما المشهد ، سينما نبصرها أكثر مما نسمعها ، تؤثر جمال الصورة، على ثرثرة الصوت . حضور الصورة هو التعبير، الكلام الصامت، بل الكلام المعبر، بواسطة الصورة المعبرة، حيث تغيب المؤثرات التقنية و ضوضاء الألوان و تشعب الضوء.
هذه النمطية نلحظها في اغلب افلام السينما التونسية ، مثل " حلفاوين" أو ما يعرف" بعصفور السطح "لفريد بوغدير ، حيث الأحداث تدور داخل الواقع المعيش ، هنالك تغييب كلي لمؤثرات المونتاج ، والخدع السينمائية ، المخرج يؤثر أن يعبّر بواسطة الكاميرا عن الواقعة الإجتماعية والنفسية ضمن وجود محدّد ، مع إضفاء مسحة جمالية تعبيرية ، حيث إنكشاف عن تعبيرية الجسد ، والتي كانت المحرك الأساسي للمشهد و الحوار. مثل هكذا توجه سينمائي ، يوحي بالأصالة ، فالسينما التونسية لم تكن تقليدا مباشرا لرؤى و سيناريوهات سابقة. بل هي سينما تحاصر السيناريو ، لتترك فضاءا رحبا للإرتجال ، الذي تنكشف ضمنها القدرات المبدعة و الخلاقة للممثل.
سينما الواقع والجسد و الإنفعالات ، حيث يغيب التسلسل الزمني ، الكرونولوجي ، بل الأحداث تنساب داخل ديمومة سيكولوجية ، تعيشها مفردات الفيلم، كل على طريقته.
هذه النمطية ، و هذا التوجه السينمائي ، لا يختزل في ما أبدعه المخرج فريد بوغدير في مستوى حلفوين" و إنما هو منتشر ضمن أغلب الإبداعات السينمائية التونسية ، مثل "صمت القصور" و سلطان المدينة" و" ريح السد""و آخر فيلم "للنوري بوزيد .....كلها سينما لواقع كوني ، و معالجة لظاهرة إنسانية ، بإتباع نهج إبداعي متحرر من أسلوب توقع سرد الأحداث. هي سينما للصورة و الحركة ، وليس للصوت ، و الفضاء المغلق داخل الإستيديو المؤثث--الكادر المشبع- . إنها سينما الفضاء ، خارج الأستديوهات المغلقة ، هي سينما تتخاطب و تتجاوب مع مفردات الطبيعة . سينما بلا بطولة ، حيث كل الشخصيات ، تكون أساسية و ثانوية في نفس الوقت ، و أي أساسي لسينما خرقت حدود السيناريو وإنفتحت على التعبير الجسدي في أبهى مظاهره ؟ هي سينما تحتفل دوما ، في كل مشهد من مشاهدها بتعبيرية الجسد ، وبكل ماهو دوينيزوسي ، سينما تحيي و تعيد في ذاكر ة جمهورها فلسفة نيتشة ، و أدب محمود المسعدي .
"إني بأسري جسد ولاشيء سوى جسد " الجسد " هكذا يقول نيتشة في" هكذا تكلم زرادشت" عن الجسد وأهميته في وجود الإنسان . يضيف الفيلسوف – في نفس المرجع - قائلا "الأنا "ليس شيئا آخر غير الجسد الذي يمثل "عقلا عظيما"، وهو أكثر حكمة من العقل بل هو العقل الحقيقي"إنك تقول"أنا" وأنت فخور بهذه الكلمة، بل هناك ما هو أعظم منها،وهو ما ترفض تصديقه، ألا وهو جسدك وعقلك العظيم". وهذا الجسد ليس ذلك الأنا الذي يشير إلى نفسه في اللغة فيقول "أنا" وإنما هو هذا الذي يفعل ويتجسد عبر إبداعاته المختلفة "هذا الجسد هو الذي يحس ويفكر، فيفرح ويتألم، يتخيل ويفكر. مع نيتشة تنفتح مرحلة جديدة للجسد حيث تنكشف قواه الإبداعية ويتخلص من كل التشويهات التي مورست عليه خلال التاريخ، وأهمّ أمر تمثل في إجلاء قدراته الجمالية، عبر إعادة الاعتبار للظاهر والإحساس فيصبح كل ما هو جمالي وإبداعي منبعه الجسد، فعبر إنفعالات الجسد تنجلي معاني الحياة وتدفق الأحاسيس التي تكشف عن الصيرورة.
هكذا تستمد السينما مشروعية إبداعها من نصوص فلسفية تميّزت بفرادتها ، فما أبدعته هذه السينما ، ليس مجرد تعبير عن واقع مباشر ، و إنما النص السينمائي إرتقى إلى مستوى الإبداع الذي بشرت به فلسفة نيتشة ، و الذي بشر به كذلك الأدب الوجودي لمحمود المسعدي ، الذي نستعيد ذاكرة مؤلفاته ، عبر إبداعات السينما التونسية ، فالمشهد في مسرحية " حدّث أبو هريرة قال " غير منفصل ، عن المشهد السينمائي ، لدى فريد بوغدير ، ولا النوري بوزيد ، و فاضل الجعايبي . و بقية مخرجي السينما التونسية . هنالك وحدة في مستوى الشكل و كذلك المضمون . تنطلق مسرحية " حدث أبو هريرة قال " بمشهد درامي ، لجسدين يتناجيان ، في ىالصحراء ، عند الغروب . هذا المشهد المعبر للجسد ، إعتبره محمود المسعدي ، البعث الأول ، حيث ستنطلق بوادر الحيرة الوجودية ، و مسيرة البحث عن الذات ، و تأصيل الكيان " وهو أمر لايتحقق إلا في ظل مسيرة و جودية ، بدايتها ، تجربة اللذة , و التي قيمة الجسد كمبعث لممارسة الوجود . المراة و الجسد كانت من أهم لحظات المسرح الذهني ، حيث يغيب التسلسل الزمني ، فتتحدث ريحانة عن أبي هريرة ،الذي يتراوح ما بين الكون – أي كان ، يكون – و الإستحالة – الإنتقال من حال إلى أخرى- داخل مسيرة الوجود في زفرة البحث عن الذات .
بهذا المعنى تكون مقاصد سيناريو السينما التونسية مقاصد ذات أبعاد فكرية ، وجودية . فالسينما تتحول بهذا المعنى إلى لغة و تعبيرية ، ما يعبر عنه ب"سينما المؤلف " و التي تتمثل في اعتبار المؤلف الفعلي هو القوة الدافعة الخلاقة الرئيسية للفيلم. إنها سينما تدعو المتفرج لتأمل المشهد و التفكير فيه.



#سمير_الزغبي (هاشتاغ)       Samir_Zoghbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معقولية الصورة في الجماليات المعاصرة
- دراما الصراع بين الموت و الحرية في فيلم - ما نموتش Mill Feui ...
- أحداث يوم 9 أفريل 2012: دعوة إلى المؤامرة أم إستراتيجية للهي ...
- سيميولوجيا الصورة الإشهارية
- مدخل إلى تقنيات السينما-السينما ذاته
- إشكالية الهوية و الاختلاف في السينما العربية
- بداية النهاية و دكتاتور جديد يحذف من التاريخ نهاية القذافي
- ساحة للشهيد محمد البوعزيزي في باريس.كيف نفهم هذا الحدث؟
- الإستهلاك و إستراتيجية الهيمنة الليبرالية
- الثورة التونسية : صعود البروليتاريا الجديدة و تأزم البورجواز ...
- مشهد الثورة و إيتيقا الصورة


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الزغبي - المشهد وتعبيرية الجسد في السينما التونسية