أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 3 (من وحي الأخ الراهب غي كرم)















المزيد.....

قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 3 (من وحي الأخ الراهب غي كرم)


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 22:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 3 (من وحي الأخ الراهب غي كرم)

يصب ُّ نقد أي نص، سواء ً ديني أو أدبي مجرد، في محورين أساسين:

- المحور الأول: نقد ذات النص Textual Criticism
- المحور الثاني: قيمة النص Proposition of Value

في المحور الأول، أي محور نقد ذات النص، تتساوى النصوص الدينية المختلفة أو تتفاوت بدرجات، إلا أنها جميعا ً تعاني من مشكلة التزوير، بشقيها: المتعمد المقصود و الخطأ غير المقصود، و سقوط أجزاء، و إضافة أجزاء، و تشويه أجزاء، و صعوبة تأريخ أجزاء، وصعوبه تحديد المصدرالحقيقي لأجزاء. و يحتاج البحث في هذا المحور إلى العودة إلى اللغة الأصلية التي كتب فيها النص، و إلى الغوص في ظروف نشأته و نسخه و تناقله، و التعمق في أساليب نقد النص لتميز المواضع التي تحتوي نصا ً أصليا ً من تلك التي تحتوي نصا ً مُزوَّرا ً، و هي عملية شاقَّـة بقدر ما هي مُمتعة بقدر ما توفر رضى ً للباحث حين يستطيع ُ الوصول إلى قناعة ٍ مدعومة ٍ بأدلة بقدر ما تسبب اليأس و الإحباط حين تختفي القرائن في التاريخ المجهول و تنعدم َ الطرُق للولوج إلى قلب الحقيقة.

لكن النتيجة بالنسبة للنصوص الإبراهيمية و على قدر الأدلة و البراهين العلمية الموجودة و باستخدام المعاير السابقة توصل الباحث إلى نتيجة واحدة، هي: بشرية منشأها، و بشرية تناقلها، و بشرية استدامتها، و تُلغي منها أي تأثير ٍ إلهي أو فوق طبيعي، و يُصبح من الواضح أمام الباحث أن صناعة الدين هي استجابة لظروف نفسية عصفت بالنبي المُبلغ نقلها كما أحسها، و عجز عن إدراك مصدرها الداخلي، فنسبها -و تناقلها الناس كذلك فيما بعد- إلى قوة ٍ إلهية، خارجة عن الطبيعة، لكن مؤثرة فيها.

أما في المحور الثاني، أي محور قيمة النص، فبينما تتشابه كلها في إفساد الفطرة الإنسانية القائمة على الإنسجام مع مُلبـِّيات الحاجة و الجامع البشري العام لصالح انتكاس ٍ نحو هوية إيمانية اصطناعية و غير أصيلة، و في تحميل العابد ِ نجاسات ٍ وهمية يحتاج ُ إلى إله ٍ غير مرئي و لا دليل عليه لتطهيره منها، و في إدخاله في حالة تشويه ٍ فظيعٍ في إدراك واقع العالم الذي يعيش فيه لصالح عالم ٍ غيبي ٍ بعد الموت يتوق إليه، إلا أن تأثيرها على المؤمنين يختلف من حيث الرسالة التي توصلها للمتلقي، و الأفكار التي تزرعها في وعيه، و المنهج الذي تربيه عليه، و رؤية المستقبل التي تنشأ منها، و شكل علاقاته و تفاعلاته مع محيطه الناتجة عنها.

أرغب اليوم أن أتكلم في الجزئية الخاصة بالرسالة التي تصل للمتلقي و الأفكار المزروعة في الوعي و المنهج و الرؤية و شكل العلاقات و تفاعلاتها في المسيحية. و أرغب أن أستكمل َ سلسلة "لماذا المسيحية كخيار؟" في هذا المقال الثالث.

ما يدفعني هو هذه الخاصية الفردية التي يمتلكها اللادينيون أو الملحدون من أصل مسيحي، أو المسيحيون غير العقائدين. فملاحظتي الشخصية و للأمانة في نقل المشهد تجعلني أنقل ُ لكم حقيقة خلوهم من الحقد على شخص المسيح أو نحو الإنجيل المكتوب، على الرغم من إدراكهم الكامل للامنطقية الطروحات واصطدامها مع العقل و تعارضها مع المنطق، و الدلائل و البراهين على حدوث التغير و التزوير في النصوص، شأنها شأن نصوص كل الديانات الأخرى بدون استثناء.

لماذا يحمل اللاديني أو الملحد من أصل مسيحي احتراما ً كبيرا ً و حبا ً لشخص يسوع الناصري، و إنجيله؟ لماذا لا يكرهه و لا يسبه و لا يحقد عليه؟ لماذا يتحرر من قيد الدين لكنه يقبل أن يحتل المسيح في قلبه مكانا ً حتى لو كان في اللاوعي؟

سأجيب بقصة شخصية حدثت معي: في العشرينات من عمري، اخترت ُ و ضد إرادة أهلي و نصيحة أصدقائي أن أسلك في التعليم، كمعلم لمادة "الحاسوب" في مدرسة خاصة ٍ لرهبان القديس يوحنا دولاسال (الفرير)، مع أن الفرص الأفضل من ناحية ٍ مادية كانت متوفرة، إلا أنني كنت وقتها مُؤمنا ً برسالة التغير في الجيل الأصغر، قبل أن تجبرني تسع سنوات ٍ من مُعاركة الإدارات بعقليتي الشرسة غير القابلة للمساواة على الفرد على هجر التعليم نحو شركات القطاع الخاص، لكن تلك قصة ٌ لوقت ٍ آخر. في تلك السنين كانت تجمعني بالأخ الراهب "غي كرم" علاقة صداقة و مودة، و كنتُ أقصد ُ مكتبه ُ المتواضع في المدرسة لأتناقش معه في محتوى مجلدات: "المجموع اللاهوتي" La Somme Théologique و هو الكتاب الشهير لمعلم الكنيسة توما الإكويني.

كان الفرير Frere(و هو لقب الراهب و يعني: الأخ) يفتح مجلده الفرنسي، بينما أفتح أنا مجلدي العربي، فيقرأ أحدنا في مجلده و يتتبع الآخر في المجلد الثاني ذات النص في اللغة الأخرى، ثم نتطارح الآراء و نتناقش ُ في المحتوى، بكل جدية و صراحة و بمودة و حب كبيرين، كان الأخ غي مُدهشا ً في فرنسيته و في عقله و في اهتمامه و جديته، لكنه كان مُدهشا ً أكثر حينما كان يقتحم علينا الغرفة َ فجأة أحد الطلاب الصغار و يقصده بسرعة ليحدثه بدون مقدمات عن أمر ٍ ما حدث له في الصف مع صديق ٍ أو معلمة أو أبويه و يطلب مشورته، أو ينقل إليه رسالة من معلم أو معلمه.

كان الفرير غي، و بمجرد دخول أي طالب، يغلق الكتاب و يسمع بكل اهتمام و إنصات ٍ شديدين، و كأن المتكلم هو ملك الأردن نفسه، قل كأن المتكلم هو إمبراطور الكون أو المجرة، و إني أنقل لكم الصورة كما كانت بالضبط، و كنت أسأله بعد خروج الطالب قائلا ً أنني مندهش من الإهتمام الخاص الذي يوليه للطلاب، فكانت دوما ً إجابته الساحرة: "نضال أنا بخاف يكون يسوع باعتو إلي"، أي أنه يخاف أن يكون هذا الطلاب هو رسول يسوع إليه ليقول له أمرا ً ما.

غيرت ُ كثيرا ً من أسلوبي في التعامل مع الطلاب بسببه، و بتأثير حديثه، و أدركت بواسطة ِ مثله ِ الفعلي الصالح أن المسيحية تعلمنا أن نهتم بالصغار قبل الكبار، أن نفهم أن براءتهم الفطرية "إلهية"، و هنا اللفظ يُقصد منه بالمعنى اللاديني "إنسانية بحتة صافية غير مشوهة"، تُعلمنا أن نُحب الآخر، أن نرى فيه أسمى الوجود، كل الوجود، أن نتعلم الحب، أن نتعلم الإنتاج، أن نتعلم أن نعيش سويا ً. لقد كان موقفه مُلهما ً بحق أكثر من أي عقيدة أو نص أو طقس، و كلُّها تتضاءل ُ أمام قسمات ِ وجهه النبيله و هو يُنصت للطالب ِ الصغير و كأنه هو أي الفرير غي هو الطالب، و كأن الطالب هو الرئيس و السيد.

لا تهتم المسيحية كثيرا ً بالتشريعات، فهذا عبثيات، و على الرغم من طقوس الكنيسة إلا أن المسيحين يستطيعون أن يجدوا ألف سبب و سبب ليتجاوزوها نحو الحب، و هذه ثمرة غريبة عجيبة لكنها حُلوة المذاق عظيمة ُ الفائدة، تجعل من المسيحي سواء ً بقي مؤمنا ً أو ذهب نحو اللادينية أو الإلحاد شخصا ً يقف ُ على أساس ٍ إنساني ٍ متين، لا يهزه أي شئ.

تُعطي المسيحية لأبنائها أجنحة، فهناك تعلمنا أن نسأل و أن نفكر، و أن نتمرد، فيسوع الناصري كان المُتمرد الأول. تعلمنا أن نصرخ:لا في وجه الظلم، فذاك الجليلي كان كثير الصراخ في وجه السلطة الدينية: لا. تعلمنا أن نُحب و أن نمشي ميلين بدل الميل، و أن نُعطي، و أن نغفرَ، و أن نُعاتِب، و أن نُعاشر كل الناس، فذاك الصارخ كان يُعاشر كل الناس.

لا أُقيم وزنا ً للعقائد و لا للطقوس، و لا للنصوص، فلا أؤمن بأي منها، لكنني مسيحي، كيف ذلك؟ لا تسألني: في المسيح تستطيع ذلك.

قديما ً قال ابن العربي:

لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ .. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
ِوبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ .. وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ .. ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني

و لقد صدق.

معا ً نحو الحب، نحو الإنسان!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يُقتل رائد زعيتر؟
- قراءة في تحريم الخنزير
- في تحرير المرأة – مُمارساتٌ عملية للتمكين 2
- في تحرير المرأة – مُمارساتٌ عملية للتمكين
- قراءة في الإنسان.
- لما ضحكت موناليزا
- في تحرير المرأة – انتفضي سيدتي الآن
- داعش – فرض الجزية على المسيحين في الرقة السورية
- قراءة في القداسة – بين الجذر الديني و الاستحقاق الإنساني
- في نفي النبوءة - رؤية في الجذر النفسي للنبوءة و نقد آليات ال ...
- في اللاوعي الإدراكي و تأثيره على الإنسان – الحنين، و الجنة و ...
- في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة
- في نفي دونية المرأة – بين داروين و العلم الحديث
- بين الإله الحُلولي و الإله الشخصي.
- من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب
- الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب
- قراءة في شكل الاستعباد الحديث.
- قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 2
- من سفر التطور – في النظام داخل العشوائية.
- في الحب بين الذكر و الأنثى – نبؤات ٌ تتحقق


المزيد.....




- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 3 (من وحي الأخ الراهب غي كرم)