أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نعيم عبد مهلهل - حوار مع الروائية والكاتبة العراقية لطفية الدليمي















المزيد.....



حوار مع الروائية والكاتبة العراقية لطفية الدليمي


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1246 - 2005 / 7 / 2 - 08:15
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الروائية والكاتبة العراقية لطفية الدليمي
الوعي عندما يكون بمستوى حلم امرأة رائية

حوار / نعيم عبد مهلهل

عندما شاءت قدره الإله الواحد أن ينزل حواء وبعلها سيدنا آدم ع ، سجلت الحياة على الأرض بدء التمتع بسحر الأنثى وقيل أن حواء علمها درس المعصية الأول أن تقطر بفمها حكمة توشحت بحزن فجيعة الحجر النازل على رأس ولديها ويقال لحظتها نطق قلب السيدة الأزلية الأولى بشجن الآه الذي مزق نياط قلب بعلها وعاد ليستمع بانتباه إلى كل ما تقول وعلى هذا الإرث الروحاني : أطلقت عبارة وراء كل رجل عظيم امرأة ، ومنذ ذلك العهد وحتى هذا الآن كان إسهام المرأة في رسم شكل الحياة الأرضية فاعلا وجديا ومؤثرا رغم كل رؤى الغلق التي عوملت بها النساء عبر عصور مظلمة وسوداوية أو في ظل هيمنت الفكرة الشرقية التي تضع المرأة بعد الرجل دائما ورغم هذا كانت النصف الآخر شكلا لتحد من اجل إثبات أن ذهنية هذا الكائن الحساس يمكنه أن يتخطى ما يمتلكه الرجل من موهبة وقدرة على السبك والكشف والتفنن .
وبلاد النهرين حيث وجدت الحضارة أول دبيب خطوات البدء صوب السباحة في نعمة ضوء المعرفة وحيث شع اللوح برؤى شبعاد وسمير أميس وكاهنات الرؤى السومرية السيدوريات ومرضعات سرجون الأنخيدونيات، يتناسل هذا الضوء حد اللحظة هذه ويعطينا من وجد رائيات الأمس رائيات ليومنا هذا ، يمسكن بأصابع خضر لوح الإبداع وبحداثة ينسجن لزمنهن ثوبا يليق بفكرة أن تكون المرأة نصف المجتمع . والروائية والكتابة العراقية لطفية الدليمي هي واحدة من مبدعات العراق ويتمثل أدبها في خاصية الثراء والتنوع وشكله الحداثوي المميز ، ومن يقرا لطفية الدليمي يشعر بقدرة هذه المرأة على السير بنا بعيدا والى الداخل ولتكشف لنا عبر سرد لا يمتاز بسهولة العبارة وفطرتها بل أن العبارة القصصية أو الفكرية عندها تمتاز بالتشظي إلى غايات تفسر أزمنة مختارة بوعي المكان والحاجة وهي من القليلات من يدركن أن الرؤى تتمثل في قدرة الفكرة على طرح شكلها بالمضمون الفخم والعبارة التي تليق بما يمتلك الكاتب أو الروائي من تراث ذهني وحسي ولهذا فلطفية الدليمي تشتغل بمساحات تتسع خارج ما ينطقه عنوان النص وكأنها تردد عبارة فوكو السحرية : النص هو الساحر الذي فينا وقدرنا على سلبه موهبته وسخرناها إلى ما نريد . وما يقوله فوكو يكاد ينطبق على أذب هذه الرائية العراقية التي حين يدار الحوار معها تجد أيما صعوبة لأنه لن تقع بسهولة في شبكة السؤال بل تدحرج ذهنية محاورها إلى فهم آخر غير ما يعنيه المحاور ويعتني به كي يكون موفقا مع هكذا مبدعة ، وأعتقد أن الحوار سيس بطبيعة مغايرة لما يعتقد فهو لن يعتمد كثيرا على مدلولات نتاج هذه المرأة ربما لقناعة المحاور أن السيدة الدليمي تحدثت في هذا الاتجاه كثيرا وستكون الأسئلة هي رؤى مفترضة وتنتظر الاستفتاء عليها من قبلها ..
س 1/ عندما أتذكر كتاب ساحر دونته أصابعك يسمى أتخيل الأمر ، أن الروح الشجاعة قد عادت عند الأنثى بعد أن فقدناها منذ رابعة العدوية . أنا أتكلم على مستوى إباحية الجملة في سياحتها الذهنية والفكرية وليس عدا ذلك . قبل الشروع بالتأليف كيف كانت المشاعر عندما تتصورين أنك ترمين مشعلا في كومة ورق هائلة ؟
ج س1 / لا أوافقك على أن الروح الشجاعة قد اختفت بموت رابعه العدوية لأن نساء كثيرات من هذا الزمان يعملن على بعث هذه الروح وإظهارها في شخصياتهن ، في الأقل من خلال ( الحب ) لأن الحب ، وهو (منهج رابعه العدوية ) قوة إنسانية تبلغ حد تغيير البنى – بمعنى انه قوة ثورة عظمى أو حركة معارضه للقهر والإذعان والتسليح – ومن هنا فأن النساء الباسلات موجودات طالما لم يتوقفن عن اجترار معجزة الحب في عالم الكراهية ومشاعية المشاعر وصناعة الإعلام والتسلية المعاصرة وانهيار الأيديولوجيات .( رابعه العدوية ) حسب رأيي هي روح أنثوية أو وجود فائق الأبعاد والطاقات ولم تجد في العشق التقليدي مبتغاها لأن الرجال الذين عرفتهم تعوزهم المخيلة والتفاني .. إذ المخيلة شرط أساس لديمومة العشق وامرأة بأنوثة رابعة العدوية الفياضة – تحيا قلقة على الصراط البرزخي بين الأرضي المتاح – والمستحيل المحرم ، كان لابد لها أن تستخدم فيوض الحب – لبلوغ ( اللامتناهي في مناجاة خالقها – حيث لن تطال هذا العشق أحكام الأرض بالمقدس لتحمي جسدها من الرجم وروحها من الخذلان وعسف القوانين البشرية . لقد سورت عشقها بالمقدس لتحمي جسدها من الرجم وروحها من الخذلان .
ثانيا : موسيقى صوفية نص يطرح إشكاليات متعددة :
منها تقاطع الهويات الثقافية – تلاقي الأعراق ، أرتحالات الأنوثة المعاصرة في سريان المنجز الجمالي ( الموسيقى والشعر ) ويكشف عن تجربة سيدة عربية في موسيقى التصوف في مدينة قونية – برجل – سيمثل تراجيديا العشق المستحيلة لها ، اختياري لهذا المكان فيه دلالات كثيرة ، فالرومي هو أحد اكبر المتصوفة الذين بشروا بالعشق في صوره المختلفة ، وهو شيخ السماع ، ومن طرفين تطورت موسيقى الرقص الصوفي . اللقاء العاصف بين الرجل نصف التركي – نصف العربي ( سليل آخر ملوك بيزنطة ) . وبين هذه المرأة بدا لقاء متيما في ظلال الموسيقى والأنفاس الصوفية ، إنما عندما اكتشف اهتمام المرأة بالشعر وانصرافها لفضاءات الصوت حدث التقاطع الأول بين استغراقه في الفلسفة الغربية وجهوده المستحيلة لاستعادة أمجاد بيزنطة وترحاله في أنحاء الأرض ليجمع المرايا السحرية المسروقة من القسطنطينية ليشكل صورة ( المدينة المفقودة ) حسب أسلافه فيعود أليه المجد والسلطة ، النص ملتمس ، تتقاطع فيه خطط العشق الهشة مع شهوة السلطة ويتقاطع فيه الصمت مع الموسيقى والفلسفةالفعلية مع ميول التصوف وجموح الشعر . مثلما يتقاطع الموت مع الجمال والألم مع فوبيا الحرائق ويتزايد التقاطع والتناقص بين الثقافات والهويات ينهار العشق وتنهزم أحلام ( عودة التأريخ ) ببطلان أسطورة أو خرافه ( مرايا بيزنطة ) هذا تلخيص للنص الذي أرى فيه تجسيدا لثورة الانوثه في الشعر والموسيقى والعشق ، وهي إحدى انشغالاتي الشخصية في التعليق على عوالم المرأة ) .
إلقاء المشعل وسط كومة من الأوراق – يعني أن عملية السحر قد بدأت لدي ، وأنني سأمضي قدما في استدراج الكلمات والصور لتتشكل منها متون النصوص وأجساد الشخصيات وأهواؤها .
لم أتخيل قط أنني احمل مشعلا لسبب بسيط هو إنني لحظتها أكون الحريق والنهر والهواء وأدون على مرايا ا لوقت أوهامي عن الرجال والنساء ثم أتدفق بين دجله والفرات بأجنحة من أساطير أسلافي وأبدا في دخول مغامرة جديدة وارتاد فضاءات حريتي محملة بالأحلام والكلمات تنسج لي زوراق أو تحملني إلى الأعالي ، مثل سلفي ( آيتانا ) الذي أخذته الإسراء إلى العدم السماوي .
س2 / يوم تسكن ساحرة الشعر أو القص أو الفلسفة ذاكرة أمراة ، هل تشعر بأن عليها أن تصفع الجدار والتقاليد وأحلام أغاني الحاكي وتتعامل بنرجسية مع الآخر لأنه ربما أبتسم مستخفا بمحاولتها لتكون .
هذه عبارة للنقاش ولتكوني أنت نموذجها .؟

ج س 2 / تعرف أن أي بناء جديد أو تشكيل جديد أو تشكيل فكري أو ذهني إبداعي لايمكن أن يقوم في الزنازين أو وراء الأسوار وفي العتمة ، الفعل الإبداعي يحيا في النور ويشترط انفتاح الأفق وتراجع العوائق وازدهار الوعي في فضاء الحرية ، لابد من إزاحة ، الحواجز للعبور إلى ضفة الكينون الإنسانية ، حواجز التعبير بكل أشكاله ، بين الأعراق والأجناس والأديان ، والتعامل مع ( الحرية ) باعتبارها القيمة العليا التي يجسدها تعامل المرأة في الحياة والنص والفعل الإبداعي معا ، ولا يتحقق ذلك إلا لامرأة امتلكت الوعي بذاتها . المستقلة – الراثية ، والحالة معا ، شرط أن لا تنقص من الذوات الأخرى ، وتنجح في تحديد موقع ( الآخر ) بالنسبة لها بخاصة إذا اعتبرنا الإبداع والاشتغال الفكري أسلوبا لمواجهه الذات وتأكيدها أمام الآخرين ..
تجربه ( نرسيس ) هي وعي الإنسان بكينونته – وفرادته معززة بأشواق الكشف . وتؤدي التجربة إلى اليقظة ، لكن اليقظة التي تنتج عن تجربة ( نرسيس ) لاتتم بالتحديق الزاهد في انعكاس الصورة على سطح مياه النبع ، إنما في الإنصات إلى هدير الموج في أعماق النبع وأعماق الذات معا .
من جانب آخر افهم النرجسية في الإبداع – بطريقة مغايرة فهي إقرار بأهمية الذات في انكشافها وسط صيرورة الزمن والضوء ، أما الاستخفاف الذي تفترضه سلوكا يبنى عن دراية فعل ( الآخر ) إزاء امرأة تحقق كينونتها فهو ضرب من اليأس القائم على تراث من التميز التاريخي وإنكار لمكانة المرأة وقدراتها :
ورفض للمختلف المغاير على اعتبار أن سكونية التقاليد لاتقر بتحقق كينونة المرأة وتجاوزها لأغراضها التاريخية .
س 3/ بماذا تفكر الرواية التي فيك والتي تستغرق منك وقت البيت والعمل ووسادة الراحة بعد أن كبر الأولاد ، هل الرواية ذهن يكاشف العالم بخيبة ما ، هل هي أسطرة للوجود أم سيرته الذاتية ، وهل تشعرين أنها تقفز بك خارج حدود الأمة لتصل بك مثلا إلى منزل فوكنر الريفي على ضفاف الميسيسيبي ؟

ج س 3 / الرواية إحدى وسائلي للبقاء في مركز الوجود الذي يمثله لي في حالة فوضى بلادي ( البيت ) فرغم التهديد المستمر يبقى ( البيت ) هو المنطقة الحقيقة لوجودي في هذا العالم ، فمنه انطلق إلى أحلامي ومغامراتي وفيه أجد التفوق الحقيقي للحرية ، وفيه تنمو المحبة والصداقات وتنتعش الكتابة ، وفي (البيت ) تستعاد الأزمنة السعيدة في ( نوستالجيا ) الجسد المستوحد والروح المهددة بالسعير والحذف من مركز الوجود . تسكنني الرواية فأكون لها ( الدار ) على نحو استعاري لئلا تضيع من بين أصابعي وتتبد في اللامأوى مهما تترابط الرواية ، بالمكان – ارتباطا عضويا ولكنها تعوم في الزمان وتؤدي سياحتها في العصور المختلفة دون أن تتعرض للأحكام المجحفة خارج ( بيتها ) قبل اكتمالها ونضجها .
الرواية تفكر بالمستقبل رغم إنها تعتاش على جانب من الذاكرة وتحيا في الحاضر أنها بثقلها اللغوي ومداها الرؤيوي ابعد ما تكون عن اللحظة ، لذلك تمدني بأغواءات امتلاك الزمن ، واغراء التماهي مع شخصياتي غير المكتملة والتنقل بصحبتها في أقاليم وأزمنة لم تكن لتتاح لي زيارتها أو عبورها إلا عبر اشتغال المخيلة .
لاشأن للرواية بالخيبة ، لانها وسيلة لمكاشفة العالم بمدى اعتدادنا بفكرة الزمن ولأنها عمل يتجه إلى المستقبل وكل اتجاه نحو المستقبل فيه نفي لفكرة القدم أو الخيبة ، نعم أنها تؤسطر الواقع بعد أن نقوم بتخميره قي البوتقة الفنية ونضيف أليها توابل الأسلوب وخميرة الشكل الفني ونبلوره بالرؤيا الشعرية ولهذا لايمكن للرواية بأية حال – أن تكون سيرة ذاتية للوجود أو تعبيرا عن خيبات شخصية ، لأنها عمل يقع خارج التاريخ .
نعم تأخذني الرواية إلى أماكن مختلفة واكثر ما تخطفني إلى محترف ( ياسوناري كواباتا ) قرب مدينة ( كاموكارا ) لسبب روحي أرجحه إلى إنني ذات هوى شرقي ، وإنني انسحر بالفلسفة الشرقية والإبداع الياباني وتقاليد العيش الآسيوية . ورغم أنني زرت اكثر من نصف أوربا لكنني استسلم لأحلام ورحلات رؤيوية إلى أقصى المشارق ، ولدي ( مناعة ) سرية ضد الأحلام غربا ، واعتذرت عن زيارات ودعوات إلى دول غربية ، والمفارقة هنا أنني لم ارتحل شرقا إلا عبر الرؤى وعبر ترجماتي لرواية وقصص كواباتا ورواية الهندية ( انيتا دسياي) وبعض النصوص الهندية والصينية ، صحيح أننا تلامذة مولعون بالأدب الغربي قديمه وحديثه وأننا تدربنا على النصوص العظيمة لكتاب أوربا وأمريكا إلا أن ( الشرق ) وتراثنا يواصلان سحبنا إلى الجهات ( الجوانية ) ويقودان أحلامنا إلى فراديسها اللامتناهية واللاممكنه بكل سحرها و فرادتها.
س4 / أنا من المشتغلين بوله بميثولوجيا الوطنية وأكثرها ما يمت لمدينتي أور ، وشاهدت عملك الفخم الليالي السومرية ممسرحا وكان وقتها يجلس أمامي رجل عريض وطويل وقد منعني تمام المشاهدة ولكني تخيلت ما رأيت . سؤالي : ماذا تريدين من جلجامش الجديد ؟ وهل سومر هي المجددة والتي تحتاج منا لأعادة قراءة الحاضر ؟ وهل وفقت ثقافة العراق لتكون بمستوى الحلم السومري ، أم أن المتغير لم يحتفي تماما بحداثة من أتى ، أنا أقصد الآتيان الواقع الثقافي والفكري الجديد .؟

ج س4 / فيما يتعلق بـ ( الليالي السومرية ) التي كتبتها أصلا لتقدم كعمل مسرحي – طقوس – وافترضت أن بوسع المسرح تحقيق حلمي بتقديم العمل منجزا على سبع ليالي كنوع من إعادة أحياء ( احتفالات راس السنة البابلية ) قراءتي المغايرة لملحمة ( جلجامش ) جاءت على أساس اجتماعي الدائم بهذه الملحمة وقراءتي السنوية لها بترجماتها السبع أو الثماني حتى تشبعت بروح النص ولكنني اكتشفت مستويات غير منظورة في النص يمكنني الاشتغال عليها في مجال اجتماعي المستمر ( بالتراث الرافديني ) ، كان من ضمن أحلامي أن يقدم عرض (الليالي السومرية على ضفاف الفرات في ( اور ) أو ( بابل ) غير أن استحالة هذا دفعني والأستاذ المخرج الكبير ( سامي عبد الحميد ) إلى اختزال العمل وتحويله إلى مسرحية تقدم في ليلة واحدة واعدت بناء النص اعتمادا على الملاحظات القيمة للأستاذ المخرج ورؤيته الإخراجية .
ملحمة جلجامش نص ديناميكي يبقى متجددا ومعبرا قلق الإنسان الوجودي إزاء معضلة الموت – الفناء – الخلود وعدمية الحياة التي تفضي إلى الزوال ..
لقد بدأ اهتمامي بالتراث السومري والبابلي منذ فتره مبكرة وبخاصة في مجموعتي القصصية الأولى ( ممر إلى أحزان الرجال ) ( 1970 ) ثم تداخلت شذرات من مؤثرات الأساطير الرافدينية مع أعمالي اللاحقة وكتبه نصوص ( ترانيم اينانا ) ومسرحية ( قمر اور ) وهي عمل طقوسي عنيف ، وقصتها استوحت أو استعارت ثيمات أسطورية وتاريخية أبرزها قصتي ( هو الذي أتى ) .
أعادة قراءة الإرث الرافديني . تسهم في فهم إشكاليات الحاضر وتناقضاته ، ومن لم يطلع على تراثه الأسطوري يعجز عن الإمساك بأية قيمة معاصرة في ثقافته الراهنة.
الغرباء والمحتلون والطغاة يجهلون طريقة تفكير الإنسان العراقي لانهم يتجاهلون عاداته ومعتقداته وطقوس حياته وشعائره ونذوره وأسلوب تعامله مع الزمن والطبيعة وطريقة تعاطيه مع الأرض والسماء والأنهار والتي ترقى إلى آلاف السنين ..
لم يصبح العراقي المبدع عراقيا بالجينات عبثا فوراءه ارث هائل من الأساطير العظمى والمعتقدات والكشوف والطقوس التي أنطمرت في طيات ذاكرته واستقرت في لاوعيه الجمعي وشخصية ( جلجامش ) هي التي كشفت لي عن عمق الشخصية الرافدينية وانكساراتها ، عن عدميتها واشكالاتها مع نفسها من جموحها وتطرفها وديمومتها أيضا وكان علي أن أقرا هذه الشخصية عبر خط عمودي يمتد في الزمن من الحاضر إلى ألاسلاف لاخرج بتصور خاص لي لشخصية (جلجامش ) الإشكالية ، العنيفة ، القلقة التي تلوذ بالعنف وتلجأ إلى التدمير للتعبير عن رعبها من الموت والفناء وربما عن عجز نفسي أو جنسي .
هذا العمل الذي حصل على جائزة افضل إخراج وافضل نص يستلهم التراث الرافديني – جسد في التنفيذ النهائي مشكلة ( الطاغية ) وديمومة الحاكم وتحولاته المباغتة ، وتسلطت على مصائر النساء والرجال وهو إحدى المحاولات التي قمنا بها في مسرحية ( قمر اور ) ومسرحية ( جلجامش ) ونصوص ( ترانيم اينانا ) ، والمسلسل التاريخي الكبير بثلاثين ساعة( لم ينفذ ) عن الحضارة البابلية لبناء معبر متغير بين تراثنا الرافديني وثقافتنا المعاصرة .
نعم تعيشنا قراءة موروث الرافديني على نهج حاضرنا الملتبس وبوسع إشعاعات (سومر ) أن تضيء لي بعض عتمات حاضرنا الثقافي وبوسع ثقافة العراق أن ترقى إلى مستوى الحلم السومري وتتجاوزه لأننا لا نستفيد من تقليد الماضي بل نعمل على إظهاره ودراسة معطياته وهناك كتاب وهناك شعوب تلجأ إلى اقتراع الأساطير عن تاريخها لتأسيس ركائز ثقافة معاصرة فالمستقبل الإنساني في جانبه الثقافي ليتحقق إلا إذا فهمنا ما حدث في الماضي لان هذا الماضي يبقى يحاصرنا فأذا وعينا دلالاته استطعنا تشكيل جسد ثقافتنا من عناصره المضيئة وإضافتنا المعاصرة وإلا طفونا مع ثقافتنا الوليدة في الهواء فلا جذور ولادعائم ترسخنا في المكان والزمان

س5 / أعتقد أنك مثلي ذرفت آنية من الدموع لأجل ما نهب من متحف العراق ، هذه الدعابة المهزلة على من يقع عبئها ؟ لقد حاورت الأمر في مقالة لك في الزمان ، لكن الاستجابة أشبه بحجر ، لمن نعزي ذلك ، لقدرنا أم للمحتل أم السلطة الوطنية ؟

ج س5 / أتدري ، اشعر أننا مسؤولون كلنا بطريقة أو بأخرى مثلما لايمكن أن يكون أحد منا بريئا من دم هذا الوطن ... مهما كان من آخر فأن ( ذبح الذاكرة الثقافية ) قد حصل وقد التقينا – هنا في بغداد مع بعض المثقفين والمعنيين وعرضنا أفكارنا ومقترحاتنا حول مشاريع إجرائية لاستعادة المنهوبات والبحث عن المسروقات . إلا أن ما حدث كان إشارة ضمنية أل( لامبالاة ) السلطة الثقافية بهذه الكارثة .
هناك (أنشطة ) بقت في مجال الجهد الإعلامي وهناك صفقات مريبة عقدت بين من استولى على المسروقات مع النهابين وبدءوا يساومون السلطة على بيعها لهم وهناك مؤتمرات ولقاءات أنفقت عليها ملايين الدولارات للتباحث في شأن ملاحقة السارقين إلا أن ما حدث هو استعادة جزء يسير من المسروقات بينما كانت التماثيل والمنحوتات التي لا تقدر بثمن قد وصلت إلى لندن وباريس ونيويورك وكل أنحاء الدنيا وتوزعت بين أيدي تجار التحف والأسر الثرية العراقية التي استقرت بعض هذه المسروقات في مواطن أقامتها في لندن والأردن وبعض دول الخليج ورفضت أعادتها للدولة أو الذين حاولوا شرائها وأعادتها إلى العراق ووجد بعض الأختام الأسطوانية والرقم الطينية معروضة على أرصفة مدينة عمان تباع مع علب السجائر والتعويذات الزائفة ومناديل الورق .
تبدو المسألة لمن يتأملها جيدا عملية منظمة لمحو ذاكرة بلاد لها دورها التأسيسي في الحضارة الإنسانية فما معنى أن يترافق تدمير المتحف ونهبه مع حرق المكتبات العامة وسرقة المخطوطات الثمينة ونهب وحرق المكتبات الجامعات وبيع الكتب المرموقة على أرصفة شارع المتنبي شارع الكتبة والوراقين والمؤسسة الثقافية وتبدي اسفها لأنها لاتملك من المال ما يكفي بشراء المعروض من المسروقات من أرصفة الخراب الروحي والثقافي الذي يسود البلاد .
في كل بلاد الدنيا هناك أثرياء عظماء يرعون الثقافة ويسهمون في تأسيس المتاحف والمكتبات والجوائز الكبرى للفن والإبداع ، هناك ( رعاة حضارة ) أما أثرياء العراق فانهم ( رعاة خسارة ) يهربون أموالهم إلى الدول المجاورة ويتاجرون بالثمين والنادر من ذاكرة البلاد ولا يأبهون بشيء والسلطة المؤقتة معنية بالأنشطة الزائلة والاحتفاليات التي تؤشر اهتماما بانتماءات معينة على حساب النوعية والكفاءة فيكرم أناس لم يؤسسوا شيئا في مسرح الثقافة العراقية وتقام لهم الاحتفالات التي كان الأجدر بالمؤسسة الثقافية أنفاق تكاليفها على مشروع ثقافي منتج أو شراء بعض المسروقات من المتاحف والتي يعرفون بوجودها ربما السماسرة المعروفين في بغداد ..
لقد زرت المتحف قبل الحرب ودخول القوات المحتلة إلى بلادي بأسبوعين وكآلاتي كنت أودي زيارة الوداع لبيت ذاكرتنا ومركز مدينتنا ( معبد الأبدية ) الذي دمره النهابون والمحتلون ووقفوا يتفرجون عند انتفاضة الحزينة ويكشون من الأسلاك الشائكة حول أرواحنا ما جدوى أن تحدد المسؤولية أو نحاول عزو الأمر إلى إقرارنا أو الاحتلال أو السلطة الهشة ؟
أن الذي حدث هو جزء من منظومة تدميرية لمحو الذاكرة وتحويل العراق إلى ميدان للمجازر والظلمات فلا شيء ينمو الآن في العراق قدر نمو واتساع المقابر ولاطوفان يحدث في دجله والفرات قدر طوفان الدم والدموع في مدينتنا .
أحد الشعراء المشردين قال ( عندما ابكي جوار زهرة فأنها تتفتح بسرعة مذهلة ) .. لكن انهارا من الدموع وبحارا من الدم لم ترجع لنا لحظة سلام ولم تفاجئنا بعودة منحوتة لمعبودة سومرية مسروقة ولم تنهض مكتبه فوق تلال الرماد ولا رأينا رصيفا بلا أسلاك شائكة تسير علية البنات السعيدات والعشاق الفرحون في الأمسيات لاشيء يحدث في بغداد غير الموت أما سوى ذلك فانه في طور التأجيل إلى إشعار آخر .
س 6/ أنت من الذين عالجوا مصائب الحرب بحذر ، وأعتقد أنك وفي أكثر من مقالة وقصة ظللت ترسمين التصور عن خرابها حتى بعد سقوط بغداد وأراك في ما مضى من سني الحرب والحصار تستنجدين برموز بابل وسومر كي ينهوا المأساة بشرف وأحتفظ لهذه الرؤى بجمل كنت قد أذعتيها على مسامعي قبل خمس سنوات وكنت مرتعبا من قوة طروحاتك . الآن هل تمضيئن بذات الرسالة وأنت ترين عنف الإرهاب ومجنزرات المحتل ؟

ج س 6 / نعم ، أنني اعي اكثر من أي وقت معنى مسؤولياتي في جعل الألم فعالا ، وفي تحويل الرعب اليومي من الإرهاب والاحتلال إلى عمل فني والتوتر الذي لاتشفية الحبوب المهدئة إلى عمل خلاق ، دون أن احمل المؤثرات الرافدينية أو اخذ بنظر الاعتبار النصوص العظمى في الثقافات السومرية والبابلية والإسلامية لأنها تشكل مرجعياتي الأساسية التي شكلت كياني الأدبي والإنساني وذاكرتي ، لهذا ، لهذا كله لم ( أغادر ) بلدي ، لهذا كله تحملت من العذابات الكثير ومن أول العذابات كان حرق الكتب التي أشعلتها في حديقة المنزل الخلفية بمعونة جدتي حين اعتقلوا زوجي المخرج السينمائي وأستاذ الاجتماع ( كامل العزاوي ) وتسبب الاعتقال المتكرر بسبب أفكاره المناهضة – في أصابته بالسكري وعجز القلب الذي قضى عليه في منتصف التسعينات لم أغادر لان دموعي امتزجت بتراب الساحات المحيطة بالمعتقلات ولانهم سرقوا اجمل سنين حياتي وجعلوا حياتنا سلسلة من النكبات فقد غادرني ابني الأكبر ( أياد ) الذي درس الموسيقى في كونسوفاتوار لينينغراد قبل تغير اسمها إلى اللجوء في الدينمارك مثلما غادرني الأصغر (مروان ) الذي درس الإخراج في كلية الفنون إلى اللجوء في ألمانيا وهكذا تبعثرت عائلتي بين الموت واللجوء والتهديدات المستمرة .
لم أغادر لأكتب عن كل هذا ولم أغادر لأنني موقنة من وجود صله سرية بيني وبين ذبذبات هذه الأرض وروائحها ولهذا ـ ورغم إنني لاأملك ( سنتمترا ) واحدا من هذه المدينة وهذا الوطن ، ألا أنني املك كل شيء في بلادي – هواءه واشذاء زهوره وطلع نخيله وطقوس أناسه وطمي أنهاره وكثبان صحاراه وكل مالا يستطيع المحتلون والطغاة والإرهابيون تدميره أو الاستيلاء عليه .
لم أغادر كما تعرف ، وقد أتيحت لي فرص ذهبية للعمل في العيش في بلاد عربية وأوربية ولكن قلت لأصدقائي ما معنى أن أكون هناك ؟ وان أغدو شبيهة ذرة رمل ضائعة في المتاهات ؟.. ما معنى أن أنجو بجسدي – وادع الروح تجول في أزقة بغداد مثل طائر ذبيح ؟.. كيف سأكتب كل هذه المشاريع اعتمادا على الذاكرة ؟ .. أن لي في كل زاوية من بيتي حكاية وفي كل جدار قصة وعند كل شجرة في حديقتي حدث ورواية ، كل نافذة مشهدا لايمكن نسيانه ،ولهذا يبرز من بين أهم مشاريعي لتدوين الحياة العراقية خلال أربعين سنة كتابي الأهم الذي لن يكون كتاب مذكرات أو سيرة أو شهادة إنما هو ( مدونه الزمان والمكان العراقيين ) لن اكتب الحنين لأنني سأدون ما شهدته ، لن اشهر الأحزان لأنني قاومتها وتجاوزتها
نعم سأمضي في هذا المنحى وأقاوم الموت والإرهاب والاحتلال بهذا كله ولن تشخص عيناي بعد لغير بزوغ الملاك أو شروق من وراء نافذتي الواسعة كل صباح ومساء.

س 7/ في كتابك المفتوح والصادر عن بيت الشعر في رام الله / منشورات الزاهرة تأويل صعب للفكرة البورخسية القائلة الكلمات الواضحة تقودنا إلى عمى جديد . هل وفق التراث معك ، هل أصبت بلعنة البحث عن المخطوط ومدلوله وهل أردت أن تعالجي شجن الدكتاتور وقسوته المتغطرسة .؟

ج س7 / قصة هذا الكتاب مدرجة في متنه ، فهو كتاب يروي قصة ( قصة ) بازاء الشخصية الأساسية التي اروي حكايتها مرتين ، مرة في متن قصتي الأولى التي منعت من النشر في ( مجلة الأقلام العراقية ) ومرة في الإطار الحكائي الذي نشأ بعد نهاية ( القصة ) ورويت فيه مكابدات ( برهان الكتبي ) وزوجته ( دليله العرفاني ) في مواجه الحروب والحصار الذي آتى على كل شيء في حياتها وفي آخر الأمر التهم ذاكرة الرجل الذي كان يمتلك ذاكرة أسطورية بإمكانها استعادة أحداث التاريخ وسرد مشاهد غابرة .. ومواقف عصور مخيفة .. انفجار قنبلة في خندق حربي منحه هذه البصيرة وشذ ذاكرته ليمتلئ بآلام عصور وأوجاع رجال ونساء قضوا في العذاب لكنه بدأ يفقد ذاكرته في التدريج كلما باع جزء من مكتبته ومقتنياته التي أبرزها تمثال الملك ( السومري شو لكي ) حتى فقد الذاكرة وضاع في بغداد المتهاوية ..
القصة لا تعتمد البحث البورخيسي عن المخطوط ومدلوله لأنها حدثت لي فعلا لم استعر الفكرة بل قادتني التجربة المعاشة إلى تدوينها مستعين بالمخيلة والذاكرة والمعلومات المتكدسة بين يدي عن أشخاص الذين اعرفهم جمعت شخصياتهم في ( برهان الكتبي ) الذي يشير اسمه في مدلوله السيمائي إلى ( انحسار قيمة الكتب وبراهينها ) في عهد التجهيل وتدمير الثقافة أي أن الواقعة السردية تمتلك وجود نصاً أخر خارجياً وداخل نصي في آن معا ، فالاسم ( خسوف برهان الكتبي ) المنطوي على برهان المعطى الثقافي المعروف للخسوف والزوال – هو اختزال للمتن الروائي باعتباره عتبة مركزية من عتبات الخطاب كما يصفة الناقد ( د. محمد صابر عبيد ) في دراسته السينمائية عن الرواية لم أعالج غطرسة الديكتاتور بل أوجاع برهان متماهيا مع ( الفيلسوف الكندي الذي أمر المأمون بجلده مائة جلده ) لسوء تأويل نصوصه أو لسوء تلقي مواقفه من الوشاة وامتزاج الحالتين : المثقف المعاصر الذي انسحق تحت وطأ الاكراهات والسلطة الآخر والعارف الفيلسوف الذي دفع ثمن المعرفة سجنا وجلدا وحرق مؤلفاته من قبل الخليفة العباسي الذي لا يجيد القراءة .
س 8/ العولمة طقس تتمدد فيه الأفكار ولا تنكمش ، وهي صانعة حداثات لم تتبين ملامحها جيدا هكذا أرى الأمر . أنت تسافرين لمنتديات خارج حدودنا الأطلسية كيف تشعرين بما أشعر وعلى شتى مستويات مذاهب الفكر ؟

ج س 8 / نعم العولمة فضاء شاسع تتفتح فيه الأفكار في عالم أحادي القطب ، لكن تفتح الأفكار وتمددها كما نرى لم يقم على أسس متينة بل حدث في ظروف ملتبسة وصياغات هشه متنوعة ومتضاربة مما أدى إلى ظهور انبعاث لتعصب والهويات . لقد كان القرن العشرون حتى نهاية الخمسينات في الأقل بالنسبة لبلادنا قرن تنوير وتحرر وانفتاح فكري على ثقافات العالم لكنه كان بالمقابل قرن الحروب الدموية والثورات والانقلابات والديكتاتورية والطغيان والاحتلال . ومنذ نهاية الخمسينات بدأ الخلل السياسي ينعم عن الفقر ( المنظومة النظرية السياسية ) في بلادنا فنِشأت أزمان عنيفة بين الأيدلوجيات وتشابكت في نزاعات دموية الدعاوى القومية والأممية واغفل العراقيون دور الثقافة في تشكيل مزاوجة بين ( الشعب بمكوناته المختلفة وبين معطيات هذا التنوع ) كان هناك دوما هيمنة ( طرح ) ما أو جماعة ما على الوجه المعلن للسياسة وبالتالي تصبح الثقافة تابعا لتلك السياسة وليست تعبيرا عن المجتمع . العولمة في معطياتها التقنية والعلمية هي مثيل نعمة كونية تشمل بخيرها الإنسانية جمعاء ( أما إذا افترضنا أن الإنسانية – حسب النظام العالمي الجديد هي الدول المهيمنة وان الشعوب المهيمن عليها تمثل ساحات تجارب وحقول لاختبار بالأسلحة والسياسيات الاقتصادية والسياسية ولاتدرج ضمن فهارس الإنسانية ) فأن خبرات العولمه والانفتاح الثقافي والاقتصادي لن من يكون نصيبها بل ستنال من مالكي التقنية منها من التفتيت الجغرافي والاجتماعي وتحجب عنها معطيات إيجابية إلا أن تحقق ( الديمقراطية ) التي تقترح عن طريق حروب واحتلال أدى بالتالي إلى ازدهار الإرهاب والعنف والتشرذم السياسي والاجتماعي والفقر والبطالة وخراب المدن وتفشي الفساد الإداري في مؤسسات الدولة القلقة وتراجع مكانة المرأة وفقدان حريتها وقدرتها على الإسهام في بناء مجتمعها تحت ضغوط القوى الدينية المستفيقة اثر ( صدمة الحرية ) الصاعقة مفارقة مروعة للعولمة التي هي ( منهج ) النظام العلمي الجديد وتطبيقاته ( العنفية ) لترويج الديمقراطيات والحريات في العالم وتجربتنا في العراق مع ظاهرة العولمة تفصح عن هذه التناقضات ومدى فشل العلومة في التطبيق الميداني ..
لقاءاتي بمثقفي عرب واسبان ومن أمريكا اللاتينية وأفريقيا وفرنسا والبرتغال – أوصلني إلى خلاصة محددة وواضحة : معظم مثقفي العالم يخشون العولمة الثقافية أو يرفضونها أو يجاهرون بالعمل ضدها روائيون ومسرحيون مخرجون من كل الأنحاء يعبرون ثقافة وقيمة ووسائل قمعه ( الشهية ) لإزاحة ظهور ( تكتلات ) قومية ودينية بحجة الدفاع عن الهويات المحلية مما أدى إلى استقطابات خطيرة اجتاحت الشعوب وسعت إلى تفتيتها وتذرية مكوناتها إلى كتل صغيرة ونتيجة هذا الاستقطاب الحاد ستبرز هيمنة كتل تملك ( الإمكان العددي ) أو قوة السلاح لقهر التوعية الثقافية أو الفكرية فتفرض سيطرتها على الكتل والكيانات الأخرى المتشظية وتدور دائرة العنف هذا ما يحدث لنا الآن في بلادنا .
العولمة الأنيقة الباهرة التي فتت بعض المثقفين بإمكانات جعل العالم قرية صغيرة واحدة عبر وسائل الاتصال المتقدم حطمت آخر آمال الشعوب في الانضمام إلى نادي الدول السعيدة المتقدمة وهذا كان وهما آخر مخدرا بعد وهم الاشتراكية والأممية التي اقترحها يجرجرنا وراء سرابات خادعه ، وهم سياسي آخر يسرق الزمن ويحللنا بالانتظارات العقيم ويحول بيننا وبين إمكانات العيش في سلام أو العمل على تطوير بلادنا المخربة بعد أن فشلت الأيدلوجيات كلها ( القومية والاشتراكية العربية والدينية ) في التوصل إلى صيغة أو منهج فكري سياسي يدمج الثقافة في مسعاه بل أن إهمال الثقافة وإغفالها هو الذي يجعل الصيغ السياسية مفرغة من المعنى وغير صالحه للصمود بوجه التغيرات .
س9 / لو كنت واحدة من سكنة أور أيام مجدها في سلالتها الثالثة وتمتلكين ذات وعي الحاضر ولكنك محاصرة بين جدران الزقورة هل تسعين الوصول إلى مسكن الأمير أور ـ نمو وتعلميه ما كسبت من رؤى القرن الحادي والعشرين . هذا ليس من عندي أنا أصيغ ذات الخاطرة التي سكنت رأس كاثرين وولي التي رافقت زوجها ليوناردو وولي في حملته التنقيبية في أور ..؟

ج س 9 / ها قد منحتني يا نعيم مشروع قصة قصيرة دونت أولا هيكلها الابتدائي فشكرا لك . كما انك هيأت لي فرصة الالتقاء الافتراضي برجل سومري تتكامل معه حضورات الأنوثة وأحلامها في حصول التقابل الإيجابي بين الرجل والمرأة مما نتج عنه انبثاق ثقافة مخصبة تلاقحت فيها ثقافة سومر وقوانين اورنمو الإنسانية مع بعض ما املكه من رؤى معاصرة هذا منجز ادين لك به يا نعيم ..
س10 / نهاية المطاف ، هل الجرأة حرج أم العكس وأين كنا أنا وأنت من الاثنين وماذا تحلمين لقادم امرأة مثلك تسكن أي مكان في العالم .؟

ج 10 س / الجرأة هي شجاعة التعاطي مع الفكرة والإفصاح مما يقلقني أو يمثلني فليس فيها من حرج لأنها سبيلنا إلى التغير فعندما أعاين أفكاري ومواقفي سوف اكتشف مالا أجده صائبا فأنفيه واخضع نفسي للمسائلة الدائمة وانجح في أجراء تعديلات على كل ما يخصني وعندئذ أستطيع الإسهام في تغيير عالمنا في التبشير الدائم بنبذ الكراهية والحقد والتعصب واقرار الحب صيغة لإنقاذ عصرنا لم نكن كلانا بريئين إلى الحد الذي يستدرج غضب الأضداد علينا فلا نزال نغذي ( شرطتنا على دمنا ) ارث عقود من الخوف.
احلم انه أوجد في مكان خيالي يدعى اكزانادو وهو فردوس يوتيبي زاخر بالموسيقى والفن والزهور والحب والسلام والمطر واحلم أن ازور بلاد أحلامي ( اليابان ) واركع عند نصب ضحايا هيروشيما أو احتسي الشاي الأخضر في ( اوكيناوا ) مع مثيل لكاواباتا أو مع (اور- نمو ) الذي أهربه في حقيبتي
مثل عاشقة إرهابية سلاحها ( الحب ) تخدع رجال الأمن وأجهزة الكشف في المطارات وتسافر على متن طائرة خطوط ( J,I ) اليابانية وهي تهرب صوت الملك السومري وظله اللامرئي في صوتها الحي وظلها وتخبئ رائحته في عطرها ، ثم عندما تبلغ منتهى الرحلة تتلو تعويذه التحولات لتعيده إلى إطلالته الملكية عند شرفة بيت الشاي على إيقاع أجراس معبد ديانة ( الزن ) ويؤديان طقوس السلام مع امرأة يابانية تقدم لهما الشاي الأخضر بطقوسه التقليدية وتضع زهور الرمان بين أيديهما .. اليابانيون كالسومريين يجدون ثمرة الزمان ويرسمونها بديل شمس في رايتهم الوطنية وعندما أعود سأحدثك بما اخبرني به اورنمو في ظهوره الأخير عن مستقبل بلادنا أليست هذه الصورة تحقيقا لعولمة ثقافية إيجابية تمتد من سومر وبغداد إلى طوكيو وهيروشيما ومن الألف الثالث قبل الميلاد إلى القرن الحادي والعشرين ؟

هاهو الحوار يضع أوزار شجنه الوطني مع واحدة من مبدعات هذا العراق الكبير وهي قد أفضت بمساحات شاسعة شجنا أسطوريا وأقامت أمام عتمة أسئلتي ممالك من ضوء أزرق ذكرني بدفء قراءاتي الأولى لموسيقاها الصوفية فيما كانت فرحتي من كل هذا اللقاء هو قدرتي على زرع مشروع قصة في ذاكرة هذه المرأة الشجاعة التي تدعى لطفية الدليمي .

أور السومرية 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تحولت خديجة الى أولتيكا برودسكي..؟
- رسالة من القاص العراقي محسن الخفاجي الى الرئيس الأمريكي جورج ...
- عشق وحرب وطفولة
- حوار مع الشاعر البحريني قاسم حداد ..دلمون القصيدة بمعطف القر ...
- خريف المدن الجنوبية
- خريف المدن الشمالية
- واقع وليس خيال ...طشت الخردة
- اسبوع التضامن من أجل أطلاق سراح القاص العراقي محسن الخفاجي
- ليل وطني أغنية للعشق وإناءاً للبن الرائب
- قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل
- الميثولوجيا من نارام سين حتى بول بريمر
- بهجة الورد ثوباً ازرقاً لمراة
- رسالة انترنيت الى دراويش تكية 11 سبتمبر
- المندائية انباء جاوي وقبعة الملكة اليزابيث
- الثقافة بين التأويل والتدويل
- تواشيح مندائية تناشد الأب الروحي للطائفة
- متصوفة الورود الحمر .قلوبهم أثرية ودموعهم قيثارات
- الكتابة في حدود الرغبة والتحرر من الصفر المطلق
- المهاتما يقرأ في كتاب الغروب البابلي
- الشعر والثمالة ورامسفيلد ومايحدث الآن


المزيد.....




- قيادي بحماس لـCNN: وفد الحركة يتوجه إلى القاهرة الاثنين لهذا ...
- مصر.. النائب العام يأمر بالتحقيق العاجل في بلاغ ضد إحدى شركا ...
- زيارة متوقعة لبلينكن إلى غلاف غزة
- شاهد: -منازل سويت بالأرض-.. أعاصير تضرب الغرب الأوسط الأمريك ...
- الدوري الألماني ـ كين يتطلع لتحطيم الرقم القياسي لليفاندوفسك ...
- غرفة صلاة للمسلمين بمشفى ألماني ـ مكان للسَّكينة فما خصوصيته ...
- محور أفدييفكا.. تحرير المزيد من البلدات
- خبير ألماني: بوتين كان على حق
- فولودين: واشنطن تضحّي بالآخرين للحفاظ على القطب والواحد
- فرنسا تتهم زوجة -داعشي- سابقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نعيم عبد مهلهل - حوار مع الروائية والكاتبة العراقية لطفية الدليمي