أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوي - لو أن كل وزير كان مثقفا؟














المزيد.....

لو أن كل وزير كان مثقفا؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 09:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


فى طفولتى سمعت أبى يقول أنه يفضل أن يكون كاتبا مبدعا عن أن يكون وزيرا، وأسأله لماذا؟ فيقول هذه العبارة التى انحفرت فى ذاكرتى: الوزير يعين بقرار ويخلع بقرار لكن المبدع لا أحد يعينه ولا أحد يخلعه.
كلمة الوزير تحتل مكانة مرموقة فى الوجدان المصرى العميق، ومهما بلغ الشخص درجة عالية من الجاه والمال، فإن خياله يهتز وقلبه يرتج لسماع لقب الوزير وقد عرفت عددا من وزراء الصحة بحكم كونى طبيبة، ومنهم أطباء بارعون فى مجال تخصصهم، الا أن الواحد منهم يتلعثم مرتعشا أمام رئيس الوزراء فما بال أمام رئيس الدولة وينتفض قلبه رعبا من أى تغير وزارى قد يخلعه عن الكرسى، كما أن بعضهم كان يرسل تقارير للدعاية عن إنجازات خيالية وكان الصراع يدور بينى وبين بعض هؤلاء حتى تمت إقالتى أو الأصح استقالتى لأحصل على حريتى مثل طائر ينطلق من القفص. وكان أبى يقول انه رهين المحبسين، الوظيفة الحكومية وقفص الزوجية، وقد مات قبل الأوان مثل الجواد المربوط من عنقه بالحبل وكان من عادة حكام مصر السابقين توزيع المنح والجوائز على الكتاب والصحفيين وما يسمونهم المثقفين، مقابل الطاعة والولاء، وتدبيج المقالات وقصائد المدح، أو على الأقل الصمت على ما يحدث من القمع والبطش، وكان الحاكم منهم يعقد الاجتماعات الدورية مع هؤلاء المثقفين تحت اسم الحوار الديموقراطى فى أمور الثقافة والإبداع.
وقد حدث أن أدعيت (مرة واحدة لم تتكرر) لاجتماع من هذه الاجتماعات، وراعنى ما رأيت، فقد كانت الصفوف الأمامية مقاعد وثيرة ذهبية وكلها محجوزة للوزراء والموظفين الكبار فى الدولة وأجهزة الإعلام والصحافة والقنوات الفضائية، أما الأدباء والمبدعون فقد خصصت لهم المقاعد الخلفية وكلها من الخيرزان أو القش الهش، وكادت الدنيا تنقلب رأسا على عقب حين جلست فى مقعد الوزير الذهبى فى الصف الأمامي، وطلبت منه أن يجلس فى المقعد الخلفى من القش وقلت له: هذا اجتماع للحوار مع الأدباء وليس للحوار مع الوزراء، وحذف اسمى بالطبع من سجل الأديبات بوزارات الثقافة المتعاقبة، لكنها كانت لحظة فارقة فى حياتى أخرجتنى من حظيرة المثقفين إلى الحرية والإبداع.
المهمة الأولى لوزارة الثقافة كانت ترويض المثقفين والمبدعين ليكونوا موظفين مطيعين بالوزارة والمؤسسات الثقافية التابعة لها ومنها المجلس الأعلى للثقافة ولجانه وشعابه ومؤتمراته داخل الوطن وخارجه، ومراكز الترجمة ولجانها وفروعها التى تصدر الموافقات على ترجمة أى كتاب من العربية إلى اللغات الأخرى خاصة الفرنسية والانجليزية، وأصبح من الصعب على كاتب مبدع أن يحصل على جائزة تقديرية أو تشجيعية وإن لم يكن على علاقة طيبة بوزير الثقافة أو من يمثله.
والسؤال الوارد هو: من هو المثقف؟ هل وزير الثقافة مثقف لمجرد أنه وزير؟ هل الطبيب مثقف لمجرد أنه طبيب أو جراح ماهر؟ هل رئيس الحزب السياسى مثقف لمجرد أنه رئيس حزب؟ هل الأديب مثقف لمجرد أنه يكتب القصص والروايات؟ هل الرسام مثقف لأنه يرسم اللوحات؟ هل أستاذة الجامعة مثقفة لمجرد أنها درست القانون أو التاريخ أو الجغرافيا أو الكيمياء أو غيرها من العلوم؟ هل المحامى الدارس لغرات القانون ويستطيع تبرئة المجرم هل هو مثقف؟
تقودنا هذه الأسئلة إلى الاقتراب من معنى الثقافة، فالثقافة تعنى التهذيب الأخلاقى وامتلاك القيم الإنسانية العليا، ومنها الصدق والشجاعة والعدالة والكرامة والحرية والعمل الفردى والجماعى المبدع، وهى القيم والأهداف ذاتها التى تنشدها أى ثورة شعبية ضد الظلم والقهر والفساد والازدواجية والكيل بمكيالين والتفرقة بين البشر بسبب النوع أو الجنس أو الدين أو الطبقة أو القبيلة أو العشيرة هذه القيم الثقافية تنغرس فى الطفولة المبكرة عن طريق التربية والتعليم لهذا تلعب الأم المثقفة والأب المثقف الدور فى تثقيف أطفالهما، أو غرس بذرة العدل والمساواة بين البنات والأولاد والأم والأب وإعلاء قيمة الكرامة والصدق والشجاعة على الخضوع والنفاق والجبن.
الثقافة ليست صفة خاصة بوزير الثقافة أو أى مهنة أو حرفة، لابد لكل إنسان أن يكون مثقفا، أى يكون متمسكا بقيم العدالة والشجاعة والصدق والكرامة، وقد كانت جدتى الفلاحة أكثر ثقافة من العمدة بهذا المعنى الجوهرى للثقافة ولو أن كل وزير كان مثقفا لتحققت أهداف ثورة يناير ويونيو ويوليو وأى ثورة أخري.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشارات القراء والقارئات
- لحظات فارقة فى حياتى ( ١)
- وهل تنال الكاتبة الثائرة حقها؟
- يدفعونها للأمام لتكون كبش الفداء
- لا كرامة لوطن تهان فيه الأمهات
- محنة الأساتذة علماء السياسة
- الدم المراق وكبش الفداء
- الإعلامى الثورى وعبقرية الكذب
- عبقرية البنات. والطب. والثقافة
- إحياء التراث والروحانيات ونبذ الماديات
- تحرير العقل والعودة للبدهيات
- لماذا لا أحب الأعياد؟
- الحياة المكشوفة فى مواجهة التجسس
- الجبل وشابات لبنان
- هل تتغير المهن مع تغير النظام؟
- المنطق الغائب والصدق
- التناقضات الصارخة فى الدستور
- هل هو فيروس مجهول ؟
- الثورة تبدأ فى العقل
- الأسرة الدينية فى الدولة المدنية


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوي - لو أن كل وزير كان مثقفا؟