أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - هل هو فيروس مجهول ؟














المزيد.....

هل هو فيروس مجهول ؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 12:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الأستاذة فوقية المصرى تقوم بتدريس الفن المسرحى فى جامعة نيويورك منذ عام ١٩٩١، بعد أن هجرت مصر، إثر محاولة فاشلة لاغتيالها، اشترك فيها تنظيم دولى مع الحكومة المحلية ومنظمات دينية، أدت إلى ابتعاد زميلاتها وزملائها عنها حرصا على حياتهم ومناصبهم، وابتعاد أفراد أسرتها عنها خوفا على مصالحهم أيضا.

كانت الأستاذة تعيش حياة هادئة رتيبة، ثم وقع لها هذا الحادث، فبينما هى تسير كعادتها إلى الجامعة لمحت أحد طلابها واقفا يتأمل المياه الجارية تحت الكوبرى، لم تكن تحرص على إقامة علاقات وثيقة بالطلاب والطالبات، فهى تميل إلى الانطواء، وأغلبهم من الشباب الأمريكى فى العشرينات من عمرهم، يغلبهم المرح والحيوية والصخب الزائد، وهى امرأة من قارة أخرى تجاوزت مرحلة الشباب وتميل للوحدة والهدوء، لكن هذا الطالب كان يلفت انتباهها، فهو حساس للفن عميق التفكير.

توقفت الأستاذة عنده وهو واقف فى منتصف الكوبرى ظهره ناحيتها.. لم يلتفت إليها، ظلت يداه تقبضان على السور الحديدى وعيناه ثابتتان فوق المياه الجارية تحت الكوبرى، فوق كتفه جاكيت جينز رمادى.

مدت يدها ولمست يده الممسكة بالحديد، كانت باردة مثلجة مع أن الشمس ساطعة حارة فى صيف نيويورك، كأنما أيقظته اللمسة من الغيبوبة أو النوم فانتفض فجأة وقفز إلى الماء، أطلقت صرخة لم ينتبه لها أحد من راكبى السيارات الطويلة السريعة فوق الكوبرى.. فى مدينة نيويورك لا يسمع أحد صرخة أحد.

لم يترك وراءه إلا الجاكيت الجينز الذى انزلق عن كتفه وهو يقفز وسقط إلى الأرض قرب قدميها، انحنى جسمها النحيف وأمسكت الجاكيت بأصابع مرتعشة، كأنما تمسك قطعة من جسمه سقطت عنه، أرادت أن تلقيه وراءه فى الماء وتمضى قبل أن تلمحها عين، لكنها فتحت حقيبتها وخبأت الجاكيت داخلها. فى بيتها علقته فوق شماعة بالصالة، ثم جلست ترمقه من بعيد فى وجل كأنما داخله إنسان ميت.

لم يكن لها أن تستبقيه معها فى البيت أثناء الليل، جدتها المصرية عيوشة كانت تقول إن روح الميت تبقى فى ملابسه وتخرج فى الليل على شكل عفريت.

قررت أن تلقى الجاكت فى صندوق القمامة خارج البيت، بينما هى تلفه فى كيس نايلون أسود أحست شيئا فى الجيب العلوى، غلبها الفضول فوضعت يدها داخل الجيب، أخرجت ورقة مطوية، فتحتها، وقرأت سطورا مكتوبة بالإنجليزية بقلم رصاص :

حبيبتى مارجو ..

أعتذر لتخلفى عن موعدى بالأمس معك، شعرت بصداع مفاجئ فى نصف رأسى، ودوخة شديدة كأنما الأرض تدور بى، رقدت فوق السرير ربما أستعيد توازنى بعد قليل، غفوت لحظة، رأيت فيها نفسى واقفا عند الكوبرى أفكر فى التخلص من حياتى، لا أعرف سبب عزوفى عن الحياة هذه الأيام الأخيرة، هل لأنى أحبك كل هذا الحب وأخشى أن أفقدك، أم لأننى لم أحبك أبدا وأتمنى التخلص منك؟

أنا لا أومن باليقين المطلق الخالى من الشك، كل شىء مشكوك فيه حتى الحب، تصورت أن الحب هو الاستثناء الوحيد القادر على هزيمة الشك، لكنى اكتشفت أن الحب مثل كل شىء، عادى جدا، هذه الحقيقة أصبحت تعذبنى وتؤلمنى إلى حد الرغبة فى الموت، فالحب كان الشىء الوحيد الذى يعطى للحياة معنى.

كنت على يقين أننى أحبك ولا أستطيع الحياة دونك، لكن هذا اليقين لم يستمر طويلا، ثم بدأ يتسرب إلىّ الشك، مثل فيروس مجهول يسرى خلسة فى دمى، حاولت التخلص منه دون جدوى، فهل تغفرين لى ؟



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة تبدأ فى العقل
- الأسرة الدينية فى الدولة المدنية
- قوارير ذكورية والجوهرة المصونة
- واحدة من النساء تكفي
- أيضحكون على دقون النساء؟
- القمة والحضيض.. عودة الوعى وغيابه!
- فقط لأنها ليست ولداً؟
- لماذا أصبحت المعرفة خطيئة؟
- الأسئلة البديهية الطفولية
- هل نتعلم مما يحدث فى أمريكا؟
- الشيوعية. والإسلام. وجدتى
- الطفلة والشيخ العجوز
- قانون العيب المزدوج
- اقتلاع جذور التفرقة
- لجنة الخمسين والسقف المحرم!
- الجمال والإبداع والنرويج
- ذكرى ثورات كانت ولا تكون
- مكياج الوجوه القديمة
- إقناع أنفسنا قبل إقناع الآخرين
- بناء عقل مصر فى دستور جديد


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - هل هو فيروس مجهول ؟