أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوي - ذكرى ثورات كانت ولا تكون














المزيد.....

ذكرى ثورات كانت ولا تكون


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4205 - 2013 / 9 / 4 - 09:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


كنت أقف في الشرفة أتطلع الي الأنوار المتحركة في السماء، تقول جدتي: كشافات جيش الملك تبحث عن طائرات الانجليز لتضربها، كان الملك يملك البلد والجيش والجنة والنار.
تكتب الصحف: العبودية والولاء والحب والطاعة منقوشة علي شغاف قلوب المصريين لصاحب الجلالة المعظم، ويقول أبي: صاحب الجلالة يملك الصحف أيضا وأقلام الأدباء الكبار وكل ما يخرج من العقول وما يدخل البطون؟ وأسمع هديرا تقول جدتي: صوت مدافع الملك المضادة للطائرات، أحملق في السماء لأري طائرة تسقط دون جدوي، وتقول أمي: المدافع تطرد طائرات العدو من سماء الوطن لتعود الي سماء العدو، تصورت أن سماء مصر ليست سماء الانجليز التي يسكنها اله انجليزي بشرته حمراء يرتدي قبعة وليس طربوشا، وقال أبي: المدافع فاسدة مثل الملك لا تطلق إلا فقاعات هواء، رغم ذلك حذرني أبي من الوقوف في الشرفة تفاديا للموت.
كان للموت صورة ساحرة في خيالي، يشجعنا علي الموت الأدباء الحائزون علي جوائز الدولة تحمل اسم الملك ومن بعده اسم الرئيس، يتحصن الأدباء الكبار في قصورهم المنيعة يحرضون الشعب علي الموت من أجل الله والملك والوطن، كنا نؤمن بالثلاثة معا "دون فاصل" وسوف نذهب الي الجنة بعد موتنا حتما. أما الكفر بالملك فهو كفر ثلاثي "بالله والوطن والملك" وسوف يذهب الكفار الي النار ومعهم الأطفال الذين لا يطيعون آباءهم. وما إن يختفي أبي خارج البيت حتي أعصي أوامره وأجري الي الشرفة أبحث عن الموت الساحر في جنة الأفق المظلم. هناك شيء يجذبنا الي الموت، مثل مياه النهر تجري نحو المصب، أو صفوف الجنود يسيرون الي الموت، ويمكن تغيير مجري النهر فلا تضيع المياه في البحر، كما قال أبي، ويمكن أن يسقط الملك عن العرش كما قالت أمي، وتراودني الذكري كلما سعيت بقدمي الي الفناء فداء الوطن، وأولي الخطوات في الطفولة، إن كان لنا طفولة، نحن شعوب لا تعرف الطفولة، خاصة الجنس المؤنث المصاب بلعنة الآلهة الذكور منذ رع وآمون.
أشرفت علي الموت ونجوت بالصدفة، ألم يأت الكون بالصدفة؟ كاد رأسي يطير بقذيفة إسرائيلية بمدينة الإسماعيلية، حين تطوعت بمستشفي الطوارئ بعد هزيمة 1967، وانقلبت بي السيارة في الأغوار بالأردن حين سافرت لعلاج الفدائيين بمنظمة التحرير عام 1968 وتوالت الأحداث الخطرة طوال العمر، نحن شعوب لا تعرف الأمان رغم تضخم أجهزة الأمن، واليوم أول سبتمبر 2013، واقفة في الشرفة أطل علي القاهرة مدينتي، كم ثورة مضت منذ ماتت جدتي وأمي وأبي؟ كم ثورة أجهضت منذ أنجبت بناتي وأبنائي؟
هذه الثورات لا نعرفها إلا بعد زوالها واختفاء الشعب في البيوت، وظهور الوجوه القديمة وان تجددت، والدستور الجديد وإن تخلف نصف قرن. لا ثورة دون اسقاط القديم ووضع دستور يبني مؤسسات جديدة تبدأ من مؤسسة الأسرة الي مؤسسة الرئاسة مرورا بالتعليم والسياسة والاقتصاد والقانون والاجتماع والثقافة والإعلام والتاريخ والفنون والابداع. والثورات في التاريخ الطبقي الأبوي لا تحقق أهدافها إلا بقوة الشعب، وقوة الشعب لا تكون إلا في الشارع، لكن الناس تعيش معزولة داخل الجدران الأربعة، هل كان اختراع العائلة أحد مضادات الثورات؟ وأيام الحرب تنطلق صفارة الانذار بصوتها الساحر لينطلق الناس خارج بيوتهم أجمل اللحظات وأنا ألعب مع أطفال الجيران في المساحة حيث تتلاشي الفواصل بين العائلات، وسرعان ما تنطلق صفارة الأمان ونعود الي السجن الانفرادي داخل بيوتنا الكئيبة وعائلاتنا الكريمة.
أحداث الثورات الأخيرة (2011 الي 2013) تبدو ثورة واحدة ممدودة من الولادة حتي الموت، أحاول تذكر طفولتي وما قاله أبي وأمي وجدتي، والمشكلة ليست في تذكر الثورة بل في الوعي بها، يتأخر العقل البشري دائما عن الحدث ولا يدركه إلا بعد وقوعه.
وتفلت منا الأحداث الجارية، حتي تتوقف وتثبت، وتحدث الثورة لتغيير الثابت، مثل الفن والابداع والخيال والحرب والحب، كلها مفردات لشيء واحد لا يقبل المساومات أو التنازلات أو الخيانات والكذب تحت اسم الواقعية أو الديمقراطية أو الشرعية أو السوق الحرة وأرباح الرأسمالية.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكياج الوجوه القديمة
- إقناع أنفسنا قبل إقناع الآخرين
- بناء عقل مصر فى دستور جديد
- الثورة والحسم وسقوط الكذب
- هل تتشابه الملامح مع إدمان الكذب؟
- الصوت الباقى فى الوجدان
- ألم تستوعبى الدرس يا مصر؟
- أهناك علاقة بين السعادة والإرهاق؟
- الدولة الحرة. والمرأة الحرة
- وزارة النساء؟
- غياب العدل عن مؤتمر العدل
- الثورة وبناء عقل مصر المبدع
- ثورة شعبية وليست انقلاباً
- ميزان العدالة يا أمى هل يعتدل؟
- تمرد النساء المصريات والشباب
- البنات والأبناء يقودون آباءهم وأجدادهم للتمرد
- الشرخ العميق فى الشخصية
- الإبداع والتمرد والأسئلة البديهية
- النخب المصرية وإجهاض الثورة
- الثورة والإبداع وحرية العقيدة


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوي - ذكرى ثورات كانت ولا تكون