أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - اقتلاع جذور التفرقة














المزيد.....

اقتلاع جذور التفرقة


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 09:16
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



جاءتنى الطفلة غاضبة من المدرس الذى قال إن الله سيحرق زميلتها القبطية فى نار جهنم وأمرها ألا تأكل من طعامها، لم يقتنع عقل الطفلة الطبيعى بأن الله يمكن أن يحرق طفلة بريئة لأنها ولدت فى أسرة قبطية، لكنها أطاعت الأمر لأن الطاعة فضيلة.
تذكرت طفولتى وأنا بالمدرسة الابتدائية، قضيت أياما من عمرى أطرد من خيالى صورة صديقتى القبطية وهى تشوى فى النار كالخروف، حتى أنقذنى أبى وقال لى: شغلى عقلك ولا تطيعى كل شيء كالخروف، ثم رافقنى أبى للمدرسة، سمعته يقول للمدرسين إن الله لا يحرق الأبرياء الصغار لكنه يحرق الكبار الذين يخربون عقول الأطفال ويغرسون فيها بذرة التفرقة التى يصعب اقتلاعها بعد أن يكبروا، التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر لا يزول.
فى التاسعة من عمرى قرأت فى كتاب المدرسة أول عبارات التفرقة بين البنت والولد (سعاد تكنس وأحمد يقرأ، زينب تطبخ وسعد يكتب) وأصبحت أكافح طول حياتى لأتحرر من عبودية الكنس والطبخ وأنتزع لنفسى حق القراءة والكتابة. وجاء فى كتاب القراءة الرشيدة أن الذكاء والقامة الطويلة ميزة الرجولة، والقامة القصيرة والطاعة ميزة الأنوثة، كنت طويلة القامة فأصبحت أحنى ظهرى لأبدو قصيرة، كما أصبحت أخفى ذكائى لأبدو مطيعة، لكن سرعان ما أنقذتنى أمى وأعطتنى كتبا (خارج الكتب المدرسية) تؤكد المساواة الكاملة بين الناس.
كنت طفلة محظوظة لتكون لى هذه الأم وهذا الأب، وليكون فى بيتنا مكتبة كبيرة تضم كتبا أخرى غير المدرسية المقررة علينا التى تقضى على ذكائنا الفطري. كنا أكثر من ثلاثين طفلا وطفلة فى الفصل، تحتوى بيوتهم على صالون للضيوف ورفوف فوقها تحف ثمينة، ليس من بينها رف واحد للكتب. المرأة المصرية القديمة هى التى اكتشفت الحروف والكتابة منذ أكثر من سبعة آلاف عام، وعرف العقل المصرى الطب والفلك والفلسفة والرياضة والهندسة والفن قبل أى عقل فى البشرية، فكيف تدهورت عقولنا ومدارسنا وتعليمنا وأصبحنا فى المؤخرة؟
وهل يضع الدستور الجديد بعد كل هذه الثورات الأساس لبناء العقل المصرى الجديد؟ هل ينجح فى تحقيق مباديء الثورة فعلا وليس مجرد نصوص عامة لا تطبق؟ هل يمكن التخلص من الرؤية الجزئية للأمور والمصالح الآنية الحزبية والمهنية؟.
يدور الاهتمام حاليا بالسطح الخارجي، بالاصلاح الظاهرى أو بالتعديل فلجزئى، ولا يدخل الى صميم التغيير الشامل والتجديد المطلوب الذى نادت به الثورات المتكررة، فمرجعية الدولة المدنية هو الدستور المدنى الكامل دون بنود دينية، والقوانين المدنية مصدرها العقل وليس الشريعة.
العقل لا يعنى العقلانية الأكاديمية التى تفصل بين فروع المعرفة، بل يعنى العقل الكلى أو النظرة الكلية للحياة والانسان والكون والمجتمع، والربط بين العلم والفن وبين الجسد والعقل والروح والتفكير والشعور والخيال والوجدان.
الدستور المدنى الجديد لا بد أن ينص على مفهوم جديد للتعليم والقيم التربوية والاجتماعية ويربطها بالقيم الثقافية والاعلامية؟.
التعليم الحالى ينتج أتباعا مطيعين (أى منافقين) للسلطة فى الدولة والعائلة، يتسم التعليم المصرى بالتفرقة الجنسية والدينية والطبقية، تسوده المفاهيم الذكورية والأحكام المسبقة والقيم المزدوجة المتناقضة، لم تكن فى مدرستى الابتدائية طفلة واحدة ترتدى الحجاب عام 1942، وحين كنت فى كلية الطب عام 1954 لم تكن هناك طالبة محجبة، منذ السبعينيات فى عصر الرئيس (المؤمن) انتشر الحجاب بين التلميذات رأس الطفلة عورة. فقد أصبحت الطفلة أداة لإغراء الرجل، وزادت حوادث اغتصاب الأطفال والبنات وانتشرت ظاهرة زواج القاصرات، وتضاعف الفساد الأخلاقى مع تصاعد التيارات الدينية السياسية، وزاد التعليم تدهورا وتخلفا عن القرن الماضى، وأصبحت التفرقة الدينية والجنسية هى الأساس. وانخفضت قيمة الثقافة والعلم ودخل الفن ضمن المحرضات على الفساد.
وانخفضت قيمة التفكير العميق ودخلت الفلسفة ضمن المحرمات المشجعة على الكفر، زادت غرف الصالونات الفاخرة فى البيوت والرفوف المزخرفة بالكتب الدينية المغلفة بالذهب، واختفت الكتب العلمية والفنية والأدبية وإذا لم يشمل الدستور الجديد على مفاهيم جديدة للتربية والتعليم والثقافة والاعلام فقد تم اجهاض الثورات كلها.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لجنة الخمسين والسقف المحرم!
- الجمال والإبداع والنرويج
- ذكرى ثورات كانت ولا تكون
- مكياج الوجوه القديمة
- إقناع أنفسنا قبل إقناع الآخرين
- بناء عقل مصر فى دستور جديد
- الثورة والحسم وسقوط الكذب
- هل تتشابه الملامح مع إدمان الكذب؟
- الصوت الباقى فى الوجدان
- ألم تستوعبى الدرس يا مصر؟
- أهناك علاقة بين السعادة والإرهاق؟
- الدولة الحرة. والمرأة الحرة
- وزارة النساء؟
- غياب العدل عن مؤتمر العدل
- الثورة وبناء عقل مصر المبدع
- ثورة شعبية وليست انقلاباً
- ميزان العدالة يا أمى هل يعتدل؟
- تمرد النساء المصريات والشباب
- البنات والأبناء يقودون آباءهم وأجدادهم للتمرد
- الشرخ العميق فى الشخصية


المزيد.....




- شاهد.. أرجنتينية بالغة من العمر 60 عاما تتوج ملكة جمال بوينس ...
- إلغاء حكم يدين هارفي واينستين في قضايا اغتصاب
- تشييع جنازة امرأة وطفلة عمرها 10 سنوات في جنوب لبنان بعد مقت ...
- محكمة في نيويورك تسقط حكما يدين المنتج السينمائي هارفي واينس ...
- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - اقتلاع جذور التفرقة