عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 22:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كان اكتشاف كروية الأرض حدثاً فارقاً في التاريخ الإنساني، أدى إلى نسف نظريات محورية قديمة كانت قد انتظمت فوق أسسها معالم دنيا الانسان ونظرته إلى الحياة والكون عامة من حوله. إذ قد ظل الإنسان طوال آلاف السنين يتصور الكون ما بين قطبين: أعلى (سامي/سماوي) وأدنى (دنيوي/وضعي) وينظم أحواله ومعيشته ونظرته لنفسه والآخرين والعالم من منطلق هذه الثنائية التمييزية. الآلهة الخالقون أعلى في السماء، والبشر المخلوقين أدنى في الأرض.
لكن كروية الأرض نفت نفياً قطعياً أن يكون هناك في الكون أبداً ’أعلى‘ أو ’أدنى‘، إنما الأمر كله نسبياً مرهون بموقع الناظر. فإذا نظر شخص من الأرض إلى القمر، رآه وظنه في الأعلى- في السماء. لكن نفس هذا الشخص إذا ما ذهب في رحلة إلى القمر سوف يتبدل حاله، ليرى ما كان أدنى (الأرض) قد أصبح أعلى (سماء) بينما الأعلى من قبل (القمر) قد أصبح بمثابة ’الأرض الجديدة‘ الدنيا التي يتطلع من فوقها إلى أرضه الأم الأصلية التي تسبح الآن كوكباً مضيئاً في السماء.
ثم برهنت قوانين الجاذبية على أن كل ما في الأرض مثبت بها بفعل قوى مغناطيسية لولاها لتبعثر كل ما على الأرض في الفضاء وتساقط هباءً منثوراً. هكذا الانسان الذي كان يعتقد نفسه واقفاً في الأسفل مناجياً آلهته والقوى المغيثة المتربعة على عروشها بالأعلى قد تبين له بما لا يدع مجالاً للشك أو الدحض أنه هو في الحقيقة الذي يقف في المكان الأعلى، مشدوداً بجاذبية تناسبية إلى ثقل وزن جسمه بسطح الأرض، وإذا ما زالت هذه الجاذبية سوف يسقط فوراً من موقعه هذا الأعلى على سطح الأرض ليضيع في فضاء واسع لا قاع له. كما ثبت بالأدلة العلمية القاطعة، في حين يعتقد الإنسان أنه يرفع يديه متضرعاً ومتوسلاً إلى السماء في الأعلى، هو في الحقيقة ينظر جهة الأسفل، إلى فضاء بلا قاع.
هكذا، وعكس اعتقاد الإنسان الراسخ منذ الآلاف السنين، قد تأكد بلا منازع أن الأعلى (أو السماء) الحقيقي للإنسان هو ما يقع مباشرة تحت قدمه، لا فوق رأسه.
منذ اكتشف الانسان الحديث هذه الحقائق العلمية قد تحول ببصره وتركيزه وجهده إلى حيث ينبغي أن تكون، في خدمة هذه الأرض بكل ما تحوي من جماد ونبات وحيوان. لأن الأرض هي الأعلى (السماء) الحقيقي والوحيد بالنسبة للإنسان الذي يحيا عليها، لهذا كان طبيعياً أن تتحول طاقة الإنسان كلها لخدمة هذا الكوكب وما عليه، وصون حقوق الأجيال القادمة فيه.
في العصر نفسه، ورغم أنف هذه الحقائق الموثقة، لا تزال شعوب وثقافات بأكملها تتصور أن ما فوق الرأس هو الأعلى وما تحت القدم الأدنى، وتنظم شؤون حياتها وفق هذه الثنائية الأسطورية التي لا وجود لها على الإطلاق في حقيقة الكون.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟