أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - غطرسة البُندقية .. ورحابة المسرحية















المزيد.....

غطرسة البُندقية .. ورحابة المسرحية


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014 / 2 / 17 - 20:44
المحور: الادب والفن
    


غطرسة البندقية..ورحابة المسرحية
د. أماني فؤاد

متي يأتي علي رأس السلطة السياسية المصرية من يدرك أن الإنفاق علي الثقافة والفنون بشكل لائق ، ونشرهما علي نطاق واسع ، يجنبه الكثير من الملايين والمليارات من الإنفاق علي صفقات السلاح ومكافحة الإرهابيين ذوي الفكر الأحادي ؟ متي لا يتحسس السياسي مسدسه وهو يتفاعل مع الثقافة ، ويعي أن في عالم الفنون تلن وتضمحل غطرسة ودموية السلاح ، وينتعش فكر الحرية ، والتعدد ، والتجاور دون صدام ؟
عُرِضَ علي مسرح الهناجر منذ أيام "أوبريت الدرافيل" تأليف "خالد الصاوي" ، و إخراج "شادي الدالي" ، مؤسس "فرقة الممثل" المكونة من ثلاثين من شباب خريجي كلية الفنون الجميلة ، كيانات مسرحية قادرة علي تقديم مسرح متجدد هادف بأقل التكاليف المادية ، يقدمون فنا يعبر عن الواقع المصري ، مثيرا للأسئلة ، مبلورا لأفكار متناثرة في تتابع المراحل التاريخية المصرية ، وينقل رؤيتهم للوطن من حولهم .
يقدم النص قراءة لتاريخ الثورات المصرية وتشابهها ، وكيف تسرق كل مرة ، ويطاح بأهدافها ، وتظل السلطات التي تتابع علي المصريين ترسخ لمكاسبها هي فقط ، وللحاشية المحيطة بها ، وللطبقة الرأسمالية التي تساندها ، دون التفات لمطالب وحقوق الطبقات المسحوقة في المجتمع المصري ، هذه السلطة التي تظل تابعة علي مر التاريخ لقوي الاستعمار الخارجي منذ الأسكندر الأكبر وما قبله ، ومرورا بالمماليك ، والترك ، ونابليون ، ثم الإنجليز، وما تبعهم من استعمار مقنع بصوره الاقتصادية ، والثقافية الدينية ، والعسكرية .
وانطلاقا من أن المسرح ليس خطابا عقليا بالكامل ، بقدر ما هو خطاب متعدد المحاور : عقلي حواري ، جسدي وجداني ، بصري سمعي ، فيه يمكن أن ينوب كيان الممثل و صدق أداؤه عن الكثير من المحاور التي يفرضها وقع المسرح الفقير.
تميزت تشكيلات الممثلين وحركتهم علي المسرح بحيوية وفنية عالية ، مكنت من شَغل فضاء الروح وإعادة ترتيب العقل ، وإثارة الأسئلة المتعددة المتعلقة بالنص وجوهر رسالته ، ولقد استطاع "الدالي" أن يعوض فقر إمكانات مسرحه من حيث الديكور والملابس بعناصره التمثيلية ذات المواهب الواعدة ، وحضورهم اللافت من حيث الأداء الجسدي والنفسي والفكري ، كما يشعر المتلقي معهم وكأنهم كتلة جسدية واحدة ، رغم تعدد شخوصهم الذي تجاوز عشرة ممثلين ، نتيجة للتجانس المتناغم فيما بينهم ، ورغبة صادقة في النجاح والتحقق ، وإيمانا برسالتهم المسرحية ، كان من أبرزهم "فهد إبراهيم" في دور "البولدوج" وهو من الوجوة المبشرة بنجومية عريضة ؛ لما يتمتع به من قدره علي التحول السريع في طريقة الأداء ، وإمكانات ملامحه التي تستوعب الكثير من الانفعالات المتباينة ، وهو ما ظهر جليا في العرض السابق لهم " حلم بلاستيك " ، كما وظف المخرج قدرة "محمود ماهر" في الغناء والموسيقي بطريقة ثرية ، عوضت مع غناء باقي الممثلين فقر العناصر الأخري ، بمصاحبة فرقة "جازاجا" عمدان النور .
واستند العرض علي لوحات مختلفة لكنها متداخلة ، لمجموعة من الطلبة المشاغبين في أحد الفصول ، يفتتن أحدهم بالسلطة والخلود فيتقمص دور الأسكندر الأكبر ، ويبدأون محاكاة تصورهم لتتابع السلطات الاستعمارية علي المصريين ، وصور المقاومة التي كانت دائما ما تقمع بوسائل متعددة ، غافلة لمطالب من قاموا بهذه الثورات .
كان من المفترض لو توفرت إمكانات انتاج مناسبة للعرض ، أن تصبح عناصر السينوجرافيا من الغني الفني والإنتاجي بحيث تعد جسورا معبرة ، وذات دلالة واضحة علي هذه العصور ، بطريقة تعبير الملابس عن كل مرحلة تاريخية ، ودلالتها أيضا علي التنوع الطبقي لشخصيات المسرحية ، ذات النقص الذي طال الديكور والإضاءة اللذين لم يتغيرا وفقا للمشاهد التي تصور كل مرحلة تاريخية ، ولقد استعاض المخرج عن محدودية الإمكانات بديكور ما بعد حداثي يميل إلي التجريد ، يعتمد علي مجموعة من الشرائط الملونة التي تمثل بوابة القطر المصري ، الذي ظل مفتوحا علي مصرعيه طيلة التاريخ الموغل في القدم لكل مستعمر ، وإضاءة تشكيلية تشبه المربعات المتداخلة بألوان مختلفة .
ربما قد يري المتلقي أن ادماج "الساكس فون" في موسيقي هذا العرض المغرق في مصريته نوعا من التغريب غير المناسب ، وكان يمكن استبداله بنغمات الناي أو العود ، لكنني ارجعته لاحتمالية رغبة المخرج لكسر الإيهام اتساقا مع مسرح بريخت ، كما أنه أعطي حيوية للمشاهد الانتقالية المحورية بالمسرحية ، انتقالات تدفع إلي التفكير والربط ين المتباعدات زمنيا ، المتشابهات مكانيا وسلطويا ، في لحظات يجب أن تتسم بالتوتر والمغايرة للنسقي .
حين خرجت من العرض ترحمت علي "رفاعة الطهطاوي" و"علي مبارك" فلقد أدركا منذ بداية عصر النهضة خطورة الرسالة المقدمة علي خشبة المسرح ، وكونه من أفضل المنابر التي يمكن استخدامها لتثقيف الشعوب ، والإرتقاء بإدراكها ووعيها ؛ للصلة الحية ، الجسور ، المباشرة ، التي توفرها مع الجمهور .
متي يمكن أن توفر الدولة الميزانية المناسبة لتفعيل دور المسرح والرسائل المقدمة عليه ، وتثريها بغنى وابتكار متجدد لتشمل كل عناصر العمل المسرحي ؛ من أجل تقديم الرسالة في أفضل صورها، والارتقاء بعناصر السينوجرافيا متكاملة ؛ لتحقيق صفة المصداقية وإبهار المتلقي ومعايشته للعرض كأنه واقع ، وإدخاله في هذا العالم الوهمي الحقيقي المقدَّم له ؟
لعلنا نلتفت أن رسالة المثقف والفنان باتت من الخطورة بمكان في ظل السياق الثقافي الذي تعيشه مصر الأن ، لنصحح الكثير من المفاهيم التي نشرتها التيارات الدينية المتطرفة في عقول فئات كثيرة من المصريين ، الذين لم تتح لهم البدائل الفكرية ، ولا الحزبية السياسية ، ولا الثقافية الفكرية والفنية ، واستكانوا إلي فكر وحيد ، رغم تهافته العقلي وخضوعه لمصالحه السياسية والاقتصادية المحدودة ، الخاضعة لجماعات دينية أو تيارات أصولية .
إن ثقافة المسرح : العقلية الحوارية ، فكرة الصراع والتعايش ، التعدد وتداول الأراء ، المواجهة وخلق آفاق التوقع ، الخيال والتفاعل مع العالم بموجوداته وعناصره المتباينة ، يخلق ثقافة الديمقراطية ، والبرلمان ، وتمثيل التعدد ، وقبول الآخر ، يساهم في تشكيل الإنسان الذي يستوعب ويناقش بدلا من أن يكفَّر ويقتل .



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - هذا أنتَ .. - قصيدة نثر
- المقيم والعابر ..في حياة المرأة والرجل
- النَزَعات الانتقامية .. والعدالة الناجزة
- - حلم بلاستيك - مقاربة نقدية لعرض مسرحي
- اللغغة العربية .. وبعض الأنين
- تشظي الحبكة في الرواية المعاصرة - سيرتها الأولي - نموذجا للر ...
- اللغة العربية .. وبعض الأنين
- الذوات الافتراضية والبنية في رواية ما بعد الحداثة للروائي -م ...
- كأنها الحياة .. أو هو الموت ..؟ قصة قصيرة
- الفن مهر الحياة الحقيقية
- المشهد الشعري في ديوان - كأنني أريد - لغادة نبيل
- خضروات نصف مطهية قصيدة نثر
- خضروات نصف مطهوة قصيدة نثرية
- -المفتون- لفؤاد قنديل بين السيرة الذاتية والرواية
- -خضروات نصف مطهوة- قصيدة نثرية
- حرية الإبداع في -أين الله-
- بين شيوخ الإبداع الروائي وشبابه
- -سلمان والببغاء - قصيدة نثر
- حكومة بلا خيال
- مقعد لا يمتلئ .. -قصيدة نثر-


المزيد.....




- يجتمعان في فيلم -Avengers: Doomsday-.. روبرت داوني جونيور يش ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - غطرسة البُندقية .. ورحابة المسرحية