وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4350 - 2014 / 1 / 30 - 13:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(1 ) :
(اللغة ليست بريئة ولامحايدة )
جاك داريدا
(2 ) :
ان ظهور الكلام عند الانسان والذي يمثل اللغة الشفاهية,استلزم وجود ال(انا )مقابل (الاخر ) في نسق صوتي , رمزي مثلت ابسط صور الاجتماع الانساني والتي اخذت في التعقيد والتشابك حتى صارت مانطلق عليه اليوم مصطلح ( المجتمع ).
(د. محمد فكري الجزار – فقه الاختلاف – مقدمة تاسيسية في نظرية الادب ).
يؤكد الباحث ايمن عبد الرسول في كتابه (في نقد الاسلام الوضعي – دراسات في الخروج على النص الديني ) – 2010 – الناشر كنوز للنشر التوزيع – القاهرة ) على اهمية التمييز بين الخطاب الشفاهي والنص المكتوب , ففي المجتمع الشفاهي تصبح الكلمة فاعلة وخلاقة , فهذا ليس فقط ذا اهمية لغوية السنية بحتة , وانما ذو اهمية انثروبولوجية ايضا .فممارسة الذاكرة والفعل في المجتمعات الشفاهية تختلف بشكل جذري عن نفس الممارسة في المجتمعات التي تعرف الكتابة .
ان علامات الربط التقليدية الكثيرة مثل (و ) مثلا تجدها متكررة كثيرا (بحسب الباحث ايمن عبد الرسول ) .في الشفاهية انت تعرف مايمكنك تذكره فقط , فهي تعتمد اساسا على الذاكرة , عطف الجمل بدلا من تداخلها , الاسلوب التجميعي مقابل الاسلوب التحليلي , الاسلوب الاطنابي او الغزير مقابل الاسلوب التكراري , حيث ليس ثمة نص يحفظ ماسبق وان قيل عدا قوة الذاكرة .
استخدام مفردات الحياة الانسانية التقليدية ,فالعالم في الحالة الشفاهية حروف لكلمات ونغمات صوتية دالة , او غير دالة , لهجة المخاصمة ,التحدي والتناظر الذي يدخل الكلمة في بنية الجدل العنيف , واخيرا الميل الى المشاركة الوجدانية مقابل الحياد الموضوعي .هذه الملامح الاولية لم تصبح حتى الان جزءا من بنية منهج علمي لدراسة القران بشكل متكامل .لنتخيل محاولة علمية لتفهم عملية تحول الذهني والتجريدي الى كلمات منطوقة في البدء , ثم تحول هذا الخطاب المنطوق والحر , حيث الكلمة قوة فاعلة الى مجرد نص مدون يحتاج الى شروح عليه , تسقط التراكمات الدلالية والسيميائية على التشكل الذهني الاول السابق لعملية النطق . ثم لنتخيل مرة اخرى , هذا المصحف المكون من مواد طبيعية وصناعية , هذا الكتاب وهو مدون دون نقط او علامات ضبط وتشكيل , فكل ماانتجته اللغة العربية عبر تاريخها التدويني هوحفاظ على برائتها الشفاهية , مع ملاحظة ان جملة الشهادتين مثلا لاتحتوي اية نقاط على الحروف , ولاتحتاج لضبط نحوي معقد .فعلامات الضبط هي في النهاية اعادة تثبيت النطق .يبين الباحث ايمن عبدالرسول كيف اندهش احد اصدقائه عندما قال له الباحث :تخيل كلمة (المؤمنين ) بلا همز او نقط فلم يجروء على النطق بها .
(3):القران كخطاب نبوي
انشغل الباحث ايمن عبد الرسول بالطريقة التي تم دمج الاحاديث القدسية بها داخل السنة النبوية , واهمال هذا الشق من الكلام في الخطاب الديني المعاصر .
القران لغة ومعنى ووحيا من عند الله , بحسب التصور الديني ,والحديث القدسي هو وحي من الله ومعنى ايضا , ولكن اللغة والتلفظ من عند رسوله النبي محمد .واشكالية الحديث القدسي هذه تضعنا وجها لوجه امام التمييز بين التصور الذهني للمراد الدلالة عليه ( المعنى )وبين اللفظ الذي يغلق هذا المعنى في شكل منطوق يمثل علامة دالة بين متكلمين ! .
ماذا يعني ان الكلام الالهي ينقسم الى قران وكلام قدسي ؟, هل يعني فقط وساطة النبي المباشرة في الحديث القدسي , ووساطته المحايدة في النص القراني ؟, فالحديث القدسي ان يقول النبي ( مثلا )فيما يرويه عن رب العزة ولم تبين لنا الادبيات المنتجة حول هذا النوع من الكلام الالهي ,بحسب الباحث ايمن عبد الرسول ,مدى دقة التصنيف الموضح للفرق بين القران والحديث القدسي الا في تنظير لاحق على تشكل كليهما .ولم يحظ بالتالي الحديث القدسي بشروحات موازية لتلك التي دارت حول الحديث النبوي ( المحمدي ). فالوحي الخفي ( جبريل )الذي ينقل كلام الله من الاعالي الى محمد غير منظور بالنسبة لجمهور المؤمنين الذين ينقلون الكلام من فم النبي ,فالقران والحيث القدسي , والحديث المحمدي ينطق بهم جميعا شخص واحد هو النبي محمد ,ومع ذلك ليس هنالك تاريخ كامل للحديث القدسي مقابل ماحظي به كل من القران والسنة القولية المحمدية من محاجات لغوية وتاريخية مشهورة .
ان صناعة المقدس في الاساس صناعة بشرية . فالمقدس لغة هو الطاهر , وبالتالي فاضفاء القداسة على شيء ما هو في النهاية تحديد معرفي يعبر عن موقف الانسان من هذاالشيء . ان القران , هذه الكلمة مشحونة الى اقصى حد بالفعل اللاهوتي والممارسة الطقسية – الشعائرية الاسلامية المستمرة منذ مئات السنين , والى درجة انه يصعب استخدامها كما هي , فهي تحتاج الى تفكيك مسبق من اجل الكشف عن مستويات من المعنى والدلالة كانت قد طمست ونسيت من قبل التراث التقليدي التقوي والورع , كما من قبل المنهجية الفيلولوجية النصانية والمغرقة في التزامها بحرفية النص . وهذه الحالة لاتزال مستمرة الى اليوم . اي منذ تم الانتقال من المرحلة الشفاهية الى المرحلة الكتابية النصية .ونشر مخطوطة المصحف بنساخة اليد ثم طباعة الكتاب طباعة ثابتة .
هذه العمليات ادت الى صعود طبقة رجال الدين وازدياد اهميتهم على مستوى السلطة الفكرية والسياسية. وهذه الحالة تتناقض مع الظروف الاجتماعية والثقافية الاولية لانبثاق وترسيع مايدعوه الخطاب القراني الاولي بالقران او الكتاب السماوي , او الكتاب بكل بساطة .وهو القران المتلو بكل دقة وامانة وبصوت عال امام مستمعين .
اتسم هذا القران بالخطاب النبوي ,اي ذلك الخطاب الذي يقيم فضاء من التواصل بين ثلاثة :
ضمير المتكلم الذي الف الكتاب المحفوظ في الكتاب السماوي ,ثم الناقل بكل اخلاص وامانةلهذا الخطاب والذي يتلفظ به لاول مرة ( اي ضمير المخاطب الاول = النبي )ثم ضمير المخاطب الثاني الذي يتوجه اليه الخطاب ,اي الناس . والمقصود بالناس هي الجماعة الاولى التي كانت تحيط بالنبي والتي سمعت القران من فمه لاول مرة . وكان اعضاء الجماعة كلهم متساوين واحرارا فيما يخص عملية استقبال الخطاب الصادر عن فم النبي , لانهم كانوا يتشاركون في نفس الحالة الاستقبالية للخطاب النبوي .كانوا يتساوون في نفس الفهم للغة الشفاهية المستخدمة , وكانوا احرارا بمعنى قيامهم برد فعل عفوي ومباشر وفوري على هذا الخطابي عن طريق الموافقة والتصديق ,او الفهم , او الرفض , او الدحض , اوطلب الايضاح .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟