سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 4345 - 2014 / 1 / 25 - 14:58
المحور:
الادب والفن
بانتظار عوده ابو يوسف الفران !
(الحلقه الاخيره)
سليم نزال
الاهداء.الى اهالى فلسطين الناطرين الامل .للى بيحلموا يرجعوا لبيوتهن العتيقه.ولتاريخهم المغروس الموزع بين سهول و تلال و شطان البلاد.و المحفور فى اغانيهن و احلامهن .و المزروع فى قلوبهن مثل السرو و السنديان , و مثل الحنون و الزعتر و زهر ليمون نيسان .
بعد وقت قصير من نهوضه المفاجىء بعدما كان مقعدا لخمسين عاما, توفى ابو ضرغام اخر شخص فى القريه التقى بابى يوسف .جرت لابو يوسف جنازه مهيبه شارك فيها كل اهالى القريه .فقد كان الرجل الوحيد الذى كان يخبر الاجيال الجديده قصصا عن ابو يوسف شاهدها بنفسه.و توقفت القريه عن تناول الحلويات لمده اربعين يوما حدادا عليه .فى تلك الازمان كان اهالى القريه
يدفنون موتاهم فى مقبره واحده. جاء حكام البلاد الجدد و قالوا لاهل القريه ان عليهم تغيير عادتهم الطبيعيه لعادات تتماشى مع العصر. كيف ذلك؟ رد مختار القريه, و هو لقب استحدثه العثمانيون . قال حكام البلاد الجدد انه لا يجوز ان يدفن المسلمون و المسيحييون و الدروز فى مقبره واحده.رد المختار لكننا نعيش معا و من الطبيعى ان ندفن معا !!! و من حينها بدا حكام البلاد الجدد يفرضون شيئا فشيئا انماط اجتماعيه جديده على الاهالى و لكن ليس دوما بلا مقاومه .
و فى احد الايام كان احد مكارى القريه فى رحله الى نابلس.و فى الطريق قابل جندا من العسكر العثمانى . نادى عليه الضابط, و قال له.لما لا تستبدل الحطه بالطربوش التركى؟ .رد المكارى. و هل وضع اجدادنا الطربوش التركى على روؤسهم لكى نضعه على روؤسنا ؟
رد الضابط: ايها الاحمق هل تظن ان اجدادك مرجعيه الدوله العليه !
رد المكارى, اجدادنا ليسوا مرجعيه الدوله العليه , لكنهم قطعا مرجعيه لاهالى البلاد !
قال الضابط بغضب . فلاح عفارم يوك !
و فى ازمان لاحقه عندما بدا يستفحل ظلم الاتراك , ثار الاهالى يقودهم ظاهر العمر, هاجم العسكر العثمانى القريه و حاصروها , وقفت ام عبدالله على التله المقابله لبيت ابو يوسف, التى بات اسمها تله ابو يوسف, و راحت تغنى لتثير حميه الثوار
اويها يا رجال قريتنا
اويها
نخسر الذهب بنجيب مثلو
اويها
نخسر الجمل بنجيب مثلو
اويها
نخسر الوطن ما يظل شى!
و فى ذلك الزمن ساد القريه شعور عام بالضياع , و بدا الياس يتسسل شيئا فشيئا الى قلوب الاهالى بسبب تبدد امالهم بعوده ابو يوسف الفران الى قريته. فمنذ حوالى المائة عام عاش الاهالى على امل عودته , و فى كل فتره كانوا يسمعون اخبارا جديده عنه فيتجدد الامل . سمعوا مره ان ابو يوسف موجود فى الهند , لكى يتحدث مع حكماؤها حول حكمه الدهور. و قيل انه يعتكف فى كوخ صغير اعده له اصدقاءه فى الهند, على سفح جبال الهيمالايا.
بعد ذلك انتشرت اشاعه اخرى فى القريه ان ابو يوسف يقوم بوساطه لمنع الحرب بين السلطان العثمانى سليم الاول, و الشاه اسماعيل الفارسى .ووصلت القريه اخبارا ان ابو يوسف موجود فى سهل جالديران فى بلاد اذريبجان, حيث تدور المعركه , فى محاوله لوقف الحرب التى كانت تحصل هناك بين الجيشين العثمانى و الفارسى.
.كما وصلت الى القريه اخبارا عن طريق تاجر القريه العبد ابو سراج ان ابا يوسف حلم حلما مقلقا اثار فزع الاهالى ؟
ففى ذلك الحلم راى ابو يوسف رياحا عاتيه تهب, و تكسر سنديانه القريه العتيقه . و لما نهض من نومه اصابته نوع من القشعريه التى لم يشعر بها من قبل . اخبر صديقه الحكيم الهندى بالحلم . بدا الحكيم الهندى يجهش بالبكاء . فوجىء ابو يوسف بذلك و ساله عن سبب بكاؤه ؟ قال الحكيم الهندى , انى ابكى على اهل قريتكم , لان حلم تكسر سنديانه قريتكم, التى اخبرتنى ان تحتها مقبره اجدادكم , تؤشر لاحداثا خطيره فى بلادكم قد تاتى بعد زمن , و لا اعرف متى ياتى هذا الزمن لكنه سيكون مثل زلزال يبعثر قبور اجدادكم الاوائل !
هذا بعض من الاخبار التى كان يتناقلها اهالى القريه فى تلك الازمان .بعد ذلك بدات القريه تتغير شيئا فشيئا .بدا الجيل القديم يموت واحدا تلو الاخر. و مع موت كل واحد منهم كان ينهار بعض من حكايات الازمنه القديمه عندما كانت الحياه لم تزل كما هى منذ عهود الاجداد الاوائل ..كان اولهم برهوم الاهبل الذى داسته عربه خيل عسكريه عثمانيه, لم تتوقف العربه, و ظل برهوم ممددا على الارض, و الدماء تسيل فوق وجهه , حتى جاء الاهالى و دفنوه وسط حزن كبير. كان برهوم الاهبل محبوبا من الجميع. .
قالت عنه الحاجه نفيسه انه احد اعمده القريه .و لما سالوها لماذا ؟ قالت لانه رمزا لنقاء القريه الفطرى! . كان برهوم يمضى يومه يتمشى فى حارات القريه, و لا يترك احدا رجلا كان ام امراه ام طفل الا و يتحدث معه , و كان الاهالى يفتقدونه عندما لا يروه يعبر طرقات القريه . و فى يوم وفاته كان الوقت صيفا.لكن ما ان ساروا نحو المقبره, حتى بدات الامطار تنهمر بغزاره شديده.تلا ذلك برق و رعد شديدين . غمرت مياه الامطار الناس و التابوت و تبللت الارض بماء السماء.
بعد ذلك توفيت ام جميل القراره التى كانت لا ترتاح قبل ان تعرف اسرار القريه. كانت تمضى الساعات تلو الساعات فى عين القريه لكى تعرف اسرار القريه .و كانت معروفه بابتسامتها التى كانت لا تفارقها .كما لم تكن تتوانى عن تقديم الارشاد لبنات القريه المقدمات على الزواج, و كن يستمعن لارشادات ام جميل و هن فى خجل شديد .
بعد ذلك سمع الاهالى خبر وفاة التاجر المخلص العبد ابو سراج , و هو فى رحله تجاره الى الشام ..و قبيل وفاته اوصى من كان معه ان يحملوه لكى يدفن فى القريه .لكن من سوء حظه ان لصوصا هاجموا القافله فى ذات يوم وفاته . و تم دفن العبد ابو سراج غريبا بعيدا عن ارض قريته . و من حينها لم يعد يسمع الاهالى اصوات اجراس جماله العبد ابو سراج , و هى تتهادى فى امسيات الغروب الجميله صاعده باتجاه طلعة العوينى, متجهة الى ساحة القريه حاملة معها البضائع الشاميه.
.كان اخر الذين توفوا من ذلك الجيل الحاجه نفيسه . و فى اليوم السابق لوفاتها قامت بتظيف و ترتيب منزلها كانها تنتظر زائرين . ثم خرجت من بيتها و قامت بزياره صديقاتها فى حارات القريه الثلاث.سالت النسوه الحاجه نفيسه عن زمن عوده ابو يوسف .اجابت قائله: سيعود ابو يوسف ان بقيتم تعتقدون انه سيعود , اما اذا فقدتم الامل بعودته فانه لن يعود !!!
.و قد سمعت من احد احفاد المراه التى زارتها الحاجه نفيسه فى ذلك اليوم, ان وجه الحاجه نفيسه كان صافيا مثل صباح ربيعى مشمس .فى صباح اليوم التالى توفيت الحاجه نفيسه بصمت .سارت القريه كلها فى جنازتها و قد خيم حزن شديد على الاهالى.و فى ذلك اليوم حل سكون غريب على القريه!
بعد وقت انقطعت اخبار ابو يوسف .و صار من النادر ان يسمع الاهالى اى خبر عنه . لكن رغم تغير الازمنه و الاجيال, ظلت الاجيال الجديده تتساءل عن عوده ابو يوسف. لكن كان هناك من الجيل الجديد من بدا يظن ان ابو يوسف , لم يكن شخصا حقيقيا عاش فى القريه ,بل حكايه يرويها الاهالى لبعضهم من حين لاخر . لكن الغالبيه من الجيل الجديد كانوا يعتقدون ان ابا يوسف شخص حقيقى , عاش فى القريه فى الازمنه السابقه , و كانوا يقولون ان مكان بيته بات يدعى خربه ابا يوسف . اما الامهات فى القريه فظللن يروين لاطفالهن فى الامسيات حكايات عن ابو يوسف و عن عودته الاكيده فى ازمان لاحقه .
. تغير الزمن و صار ابناء القريه يدخلون الجيش العثمانى, و يسافرون الى بلاد ابعد كثيرا من قريتهم و بلادهم. و كانوا يعودون الى القريه و يفتخرون انهم كانوا فى بلاد الاناضول, و انهم يتحدثون التركيه. .و ذات يوم عاد ابن ابو مهنا ممن كانوا فى الجيش العثمانى الى القريه, و قد تزوج فتاه شقراء قيل انها من بلاد البوشناق.الهب الامرحماس شباب القريه الذين تمنوا ان يصبحوا جنودا فى الجيش العثمانى, لكى يذهبوا الى تلك البلاد التى فيها نساء شقراوات . و فى ذلك الوقت بدات تحصل تغيرات كبيره فى البلاد . فقد بدا يستقر فى مدن البلاد عائلات جنود الجيش العثمانى , من ارناوؤط الى البان و يونان و ارمن و قبارصه و شركس و اتراك و اكراد و مغاربه و بوسنيون .كما بدات الدول الاوربيه تفتح لها قنصليات فى مدينه عكا مثل بروسيا و النمسا و انكلتره و فرنسا.
و بدات تنتشر فى مدن البلاد مثل حيفا و يافا و عكا و سواها عادات جديده على الاهالى مثل لبس الطربوش و تدخين الارجيله, التى بدات اول ما بدات مع الجنود الذين جاوؤا مع العثمانيين ثم بدات تنتشر بين اهالى المدن . كما بدات تنتشر فى البلاد لعبه الطاوله , و بدا السكان فى المدن يتوقفون عن لعبة المنقله التى ورثوها عن اجداد اجدادهم . لكن التغير كان بطيئا فى القريه , التى بقيت كما هى تحافظ على روحها التى حملتها لالاف السنين ..ظل سكان القريه يضعون الحطه على روؤسهم, و ينهضون مع نجمه الصبح لكى يحرثون ارضهم, و ينتظرون حلول المواسم لكى ياكلون من زرعهم . و عندما كان ياتى موسم القطاف كانوا يفرحون,يشكرون الله, و يباركون الثمره الاولى كما كان يفعل اجدادهم الكنعانيين منذ الالاف السنين.
اوسلو فى 25.1.2014.
انتهى
#سليم_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟