أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - رائحة القبور ..














المزيد.....

رائحة القبور ..


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4330 - 2014 / 1 / 9 - 07:24
المحور: الادب والفن
    



هواء معفر برائحة القبور ، يسبح في فضاء سجن كبير ، لا يبيح لساكنيه أن يهبط الحجاب الحاجز اسفل صدورهم الى مدياته الطبيعية ، حيث يشيع اختناق ممل ، لا يريد ان ينتهي ليل نهار .. الاخبار تتوالى من وراء الافق ، وهي تحمل صورا اختفت منها كل الالوان ، الا لون واحد هو لون الدم .. مسميات لا حصر لها لجماعات مسلحة راحت تذبح الناس ، وهم يسيرون على ارصفة الشوارع وفي البيوت قربانا للرب في الاعالي .. شعوب بكاملها تفر من مدنها لتسكن وراء الحدود ، يستضيفها الهوان ، وتقتلها المذلة ..
ثمة حصار يمتد سوره ليغطي كل المساحات .. تطفو فوق فضائه شعارات تحدد لمن يراها مسالك حياته ( لا تمزح فالمزاح يذهب الهيبة ..لا تضحك فذلك باب من ابواب الهلاك .. لا تغني فالغناء ضرب من ضروب النفاق .. ) وفوق تلك الشعارات ، يبرز القول المأثور ( الموت حق ، والحياة باطلة ) .
انه جو تفسده رائحة الزفير الطاغية ، فرت منه اسماء الله الحسنى ، واستقرت بداخله نواميس الشيطان ، لتقرر وعلى رؤوس الأشهاد ، بأن الدنيا فانية ، ولا حاجة لأحد أن يسعد فيها ، كي لا يكون وقود للنار يوم يستدعى العباد ليوم الحشر .
صدري يضيق .. وينحسر بداخله حيز الاحساس بطعم الهواء النقي .. ثمة غصة غريبة تعترض حلقومي لتمنع عني الاقدام على أي فعل يختص به البشر دون الحيوان ، فأنا مستعد لالتهام أي لون من الوان الطعام لغاية الشعور بالقيء ، غير انني ابدو عاجزا عن التحرك صوب ما أريد ، لا ما يريده لي عالم الحزن ..
( لا تتنفسوا على سجيتكم يوم الاثنين القادم ، واحرصوا على وضع الكمامات على افواهكم وانوفكم خشية استنشاق رذاذ اليورانيوم ، فيصيبكم مرض السرطان .. فلقد اعلن العارفون بتقلبات المناخ ، بأن عاصفة رعدية سوف تغطي سماء البلاد خلال ذلك اليوم ) .. بهذا أفصح الرجل الذي يدير مصبغة للجلود غير بعيد عن مقهى الحي .. فقابله زميل له ( بعفطة ) هزت اركان المكان قائلا ( ومن قال لك بان اليورانيوم قادر على تخريب جسد لعربي ؟؟ ) ..
في الطرف الايسر من الزقاق ، بدت الامور اكثر تأثيرا على المشهد المفعم بالاحتقان ، حين راح الاطفال يجرون صوب مكان ما ، كي لا تفوتهم المساهمة في تلوين الحدث .. وحين وصلت على اعقابهم الى هناك ، علمت بان الحاج اسماعيل ، قد اخرجه عن طوره قط مهووس وعنيد ، أصر على ان يحتاط من برد الشتاء ، لينام داخل محرك سيارته عندما يجن الليل ، فيفسد عليه تشغيل المحرك فجرا .. وعندما حاول الحاج ، كعادته كل يوم ، مطاردة القط ليبعده عن مكانه ، ضربه في خاصرته نتوء خشبي كان عالق بجدار بيت جاره ، فسقط على الارض ، وانكسرت ساقه ..
سرب من الطائرات المروحية الامريكية ، تحوم في سماء المدينة ..
- متى يغادرنا أولاد القحبة هؤلاء ؟ .
قالها بائع الخضار ، وهو يدفع بعربته جانبا ، لكي يتفادى مجموعة من الصبية المسرعين خلف احدهم ، وكان يحمل كرة من المطاط ..
فضيلة أم الشاي ، هكذا يسمونها لانها اعتادت ان تبيع الشاي في نهاية الزقاق ، مفترشة الارض ، وكان اغلب زبائنها هم من سائقي سيارات الاجرة المتجمعين بالقرب من سياراتهم منتظرين ادوارهم في النقل .. فضيلة لم يتعدى عمرها الخامسة والثلاثين ، وهي مطلقة ولها ولد واحد فقط ، طالما اشتكت منه كونه لا يعينها ومنشغل في تناول حبوب الهلوسة مع شلته من غير الاسوياء .. جمالها عرضها لمشاكل مع بعض الزبائن ، دون ان ينال احد منها شيء .. حين قررت ان اشرب شايا منها ذات مرة ، وكانت لوحدها ، حاولت اثارتها ، فحاورتها قائلا :
- لا اعرف بماذا أكنيك ، قصدي ما اسم ابنك ؟ .
- ما لك وابني من يكون ، وماذا يكون اسمه ؟ .. اشرب شايك وتوكل على الله .
- طيب ..
وعندما ناولتها كأس الشاي الفارغة ، شممت منها رائحة غير مستساغة ، هي اشبه برائحة التبن المتعفن .
تحركت عدة خطوات لابتعد عنها ، متطلعا الى الشارع المقابل .. مستندا الى جدار يصطبغ بسواد يافطات تعلن عن استشهاد أو وفاة أو رحيل انسان .. هكذا كانت العناوين .. استشهاد ووفاة ورحيل .. اما النساء ، فليس هناك ما يبيح الاعلان عن وفاتهن بأسمائهن ، بل بأسماء ازواجهن حتى ولو كانوا موتى ..
مواكب من الناس تتوالى بالظهور امامي ، وكل واحد منها يحمل نعشا في المقدمة ، ومنادي يكبر وينعى صاحب او صاحبة النعش .. المشيعون يبدون على غير اهتمام بالحدث ، فهم في حوار عابر بين بعضهم البعض ، ويسيرون بتثاقل واضح وكل منهم يود لو دسوا الجسد المتوفي تحت التراب على عجل ، ليتحرروا من تلك المهمة المملة .
سيارات الاسعاف المسرعة في كل الاتجاهات توحي بقتامة المنظر .. في حين لا تتردد العجلات العسكرية من نوع ( همر ) في دهس أو قتل أي هدف تشم منه رائحة الاعتراض غير المقبول ..
صبي يمر من امامي ، وعلى ظهر قميصه ( جيفارا ) ، وقد بدا لي وكأنه ينظر الي ليحفزني على العودة الى بيتي قبل ان تطالني رصاصة ضالة ، أو شظية قنبلة حاقدة .
أدرت ظهري لبلدي الذي بان لي موحشاً ، وطفقت انقل خطاي ببطيء صوب المنزل ، لأجد الاخبار المدافة برائحة الموت ، تقذف بها شاشة التلفزيون المحلي ..
السرير اذن ، هو الملاذ الوحيد لأنام ، رغم ان الوقت كان في الصباح ..



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجرة المعاكسة للفلاحين .. هي الحل .
- اليابان .. وآمال شاكر الناصري
- مرة أخرى .. من أجل يسار موحد .
- حصار الثقافة .
- منظمات المجتمع المدني في العراق .. والدائرة المغلقه
- الأستاذ برهان غليون .. انه النبأ اليقين
- حقوق المرأة في اقليم كرستان .. الى أين ؟
- الحرب الطائفية في سورية .. وكذبة الأمة الواحدة
- حقيقة التدخل الدولي في سورية ( مداخلة مع الاستاذ سلامة كيلة ...
- فراشاتي الثلاثه
- هجرة الارياف الى المدن ، واحدة من الاسباب المهمة لظاهرة البط ...
- بذور عباد الشمس
- رمية في بحيرة الربيع العربي .
- كنت في القاهره ( تجربة في طيات مخيلة ممنوعة من السفر )
- داء الوعي
- أوراق صفراء
- اللعبة القذره ..
- قوافي مبعثره ..
- تردي الوضع البيئي في العراق .. من المسؤول ؟ ..
- هل من دور للحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي ؟


المزيد.....




- كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري ...
- الإعلان عن سبب وفاة الفنان المصري سليمان عيد
- الموت يغيب النجم المصري الشهير سليمان عيد
- افتتاح الدورة السابعة والأربعين لمهرجان موسكو السينمائي الدو ...
- السوق الأسبوعي في المغرب.. ملتقى الثقافة والذاكرة والإنسان
- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - رائحة القبور ..