عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 20:06
المحور:
الادب والفن
فنّ آلكتابةُ و آلخطابَةُ – ألجزء ألثّاني ح14
ألفصلُ ألثّالثُ - ألقسم ألثّانيّ: ما آلّذي يَجْعَلْ ألمُتحدّث مُؤثّراً؟
هناك جُملة من آلعوامل ألّتي تجعل كلمة ألخطيب أو ألمُتحدّث مُؤثّرة بحيث تدخل ألقلوب بعد آلعقول مباشرةً بعد ما تلامس و تُثير عواطفهم بمهنيّة عالية لتبقى عالقةً في أذهانهم إلى آخر ألعمر؟
من آلمعروف أنّ أكثر ألنّاس ألمُستمعين لخطباء آليوم ينسون آلخطبة أو آلكلمة بعد سماعها, حتّى قبل مُغادرتهم ألباب لسبب رئيسي و هو ضعف ألمستوى ألفكريّ و آلثّقافيّ بجانب جهلهم بفنون و آليات ألخطابة!؟
إنّ ألمواهب ألذّاتية و آلصّفات ألطبيعيّة ألأنسانيّة و آلبُنى آلثقافيّة و آلمعرفيّة للخطيب بجانب ألعوامل ألفنية هي آلتي تجعل ألمُتحدّث(ألخطيب) مُؤثّراً في آلنّفوس و آلجّماهير, و من أهمّها:
أوّلاً: ألأستعداد ألذّاتيّ
لِكلّ إنسانٍ إستعدادٌ ذاتيّ خاصّ, تشترك في تكوينهِ عوامل ذاتية و وراثيّة و بيئية, منها؛
ألمُحيط و آلتّربية؛ ألمدرسة؛ ألنّظام آلسّياسيّ ألحاكم؛ ألمَلَكة؛ ألثّقافة؛ ألأهداف, ألموهبة آلألهيّة ألّتي يتّصفُ بها آلبعض دون آلبعض آلآخر!
لكن الموهبة(التلنت) وحدها لا يُمكن أن تجعل آلخطيب نموذجاً و مؤثراً في آلنّفوس ما لم يصقلها و يوجّهها طبقاً للقواعد ألتي عرضناها!
لا بُدّ من آلأعداد و آلتّمرين و إتخاذ آلآجراآت ألمُسبقة آلّتي تحدّثنا عنها سابقاً, فهي آلتي تبرز آلموهبة و تظهرها في آلواقع, و آلخطباء ألمحترفون ألجّيدون يعرفون ذلك, لهذا يتمرّنون بطريقةٍ و أداءٍ خاصّ تَجعلهم مُتميّزين و مُقتدرين و مُؤثرين على آلآخرين.
ثانياً: ألآجراآت ألمُسبقة و إعداد ألمقدّمات أللازمة, و آلأستعداد ألتّام قبل زمن آلخطبة, كتحديد ألزّمان آلدقيق للمحاضرة و تعيين المكان المناسب و دعوة آلناس و بعض آلشّخصيات عبر الأعلام و آلوسائل المُتوفّرة, بآلأضافة إلى تقديم بعض آلمشروبات أو وجبة طعام.
ثالثاً: إجراء آلتمارين أللازمة و إنتخاب آلمتن(الموضوع) ألأصليّ و آلعبارات و رؤوس آلنقاط الهامّة و آلقصص آلمناسبة للتأثير في آلمستمعين و بما يتناسب مع تلك آلدعوة آلتي حضر لأجلها الناس.
رابعاً: ألمظهر ألجّيد(اللباس؛ ألوجه؛ ألشعر) بحيث تكون نظيفة و مرتبة و لائقة.
Preparation.و يجب أنْ يعلم ألخطيب بأنّ آلمستمعين لا يرونَ و لا يعرفونَ شيئاً عن كلّ تلكَ آلمُقدمات و آلتّمارين ألّتي أجريت
ألمشاهدون يحكمون فقط على آلنتيجة, أيّ يرون قوّة و أهمية آلخطبة و كيفية أدائها و ما يلمسونه على أرض ألواقع, و يحكمون من خلال ذلك على جودتها و حُسنها أو آلعكس من ذلك, بآلضبط مثل آلرّياضي ألمُحترف ألّذي لا يعرف آلنّاس شيئاً عن تمارينه و لا عن آلزّمن ألّذي كلّفهُ للوصول إلى آلبطولة, كلّ ذلك يبقى مخفيّاً و ربّما يُعدُّ جزءاً من أسرارهِ!
ألّذي يراهُ آلمشاهدين هو لقطاتٌ من خلال شوطٍ أو شوطين من آلمبارات لا أكثر!
إنّ آلخطابة فنٌّ و مهارةٌ إكتسابيّة تُصقل من خلال ألتّمرين, و كلّ خطيبٍ لهُ طريقتهُ آلخاصّة و إسلوبه آلخاصّ في آلتّحدث؛ ألبعض يُحبُّ أن يكون إسلوبه فكاهيّاًّ؛ أو ذات طابع فكريّ؛ أو إسلوبٍ مُقتضب؛ جدّيٌ مع شيئ من آلمزاح, و هكذ.
لكنّ مع كلّ ذلك .. لا تنسى بأنّ لغة آلقلوب و آلمحبّة و آلتّواضع في آلخطابة هي آللغة آلسّامية و آلخالدة و آلمؤثرة بشكلٍ كبيرٍ و فعّالٍ على آلمُستمعين في كلّ آلظروف و آلأحوال و آلمستويات.
إنّ إسلوب خطابك يعتمد على آلطريقة و آلأسلوب ألّذي تطرحهُ, فعليك بيان آلمطلوب آلذي تريدهُ بِبَيانٍ واضحٍ أنتَ نفسك تريدهُ و ترتاح له قبل آلآخرين, و هذا آلأمر هو آلّذي يجعل آلمُشاهدين و آلمُستمعين من معرفتكَ ثمّ تقيّمكَ.
من هو آلخطيب آلمُبْدع؟
ألخطيبُ آلناجح ألمُبْدع هو آلمختلف عن آلآخرين .. ألّذي يتمكّن من جعل أفكارهِ شفافةٌ و واضحةٌ و مؤثرةٌ ترتاح لها آلقلوب بعد عرضها بإسلوبٍ سلسٍ يمسُّ قلوبَ و وجدان و أحاسيس ألمُستمعين و آلامهم, بحيث تُهيّج عواطفهم و تجذبهم حتّى آخر آلمطاف, و لا يخلو من طابع آلفكاهة و آلواقعيّة, هذا بجانب حالة آلأنشراح و آلرّاحة آلظاهرة على محيا آلخطيب أمامَ آلنّاس, و كذلكَ حالة ألأطمئنان و عدم آلتّردّد أو آلشّك في قدرات آلنفس. فآلخطيب ألمُبدع واثقٌ و مطمئن و مؤمن بما يقولهُ, و لا يهمّه سوى أداء رسالته رغم كل المحن و آلأحزان و آلمشاكل آلتي يُعانيها.
يجب آلتّركيز على نقاط ألقوّة ألّتي في وجوده, بجانب ألسّعي إلى رفع ما يراه من آلعيوب و آلنّواقص في سلوكه و قدراته و معرفته و لو أمام آلنّاس على آلأقل!
إذا كانت لديكَ معلوماتٌ و معارفٌ واسعةٌ و أفكارٌ عديدة حول موضوعٍ مُعيّنٍ فعليكَ بآلأختصار و تحديد محاور ألخطبة آلأساسية و عدم آلخروج عنها لئلا تؤدي إلى ضجر و ملل آلناس نتيجة لطول آلكلمة و تشعّبات آلبحث لتلافي آلتشتت ألفكريّ و بآلتالي ضياع آلهدف الأساسي من آلخطبة, و هذا آلأمر لا ينتبه لهُ إلّا ألمُفكريين ألكبار, فما نُشاهده من خُطبٍ و بياناتٍ على جميع آلأصعدة خصوصاً ألدّينية منها – و هي كثيرة بلا شكّ – لا تُؤثر و لا تترك أثراً مطلوباً في نفوس ألمستمعين و سلوكهم, لهذا رأينا إنحراف آلأمّة آلأسلامية و كفرها بمقدسات الدين الأسلاميّ!
من آلأمور ألهامّة جدّاً أيضاً هو: إعداد مخططٍ مُختصر(رؤوس نقاط) لمحاور آلخطبة في عقلك مُسبقاً ليكونَ بمثابة آلأساس و آلعمود ألفقري آلذي تعتمدهُ لألقاء آلخطبة بشكلٍ متكامل و منضبط, و عدم آلخروج بعيداً عن أصل آلمحاور, و لو كنتَ تُواجه صعوبةً في ذلك؛ فعليك بطلب آلمساعدة من صديق أو من آلذين لهم آلمقدرة على المساعدة في هذا آلمضمار.
حاول أن تُركز في حديثك على مفهوم واحد و نقطة أساسية كمحور للمحاور جميعاً, و تحديد ذلك من قَبل بَدَلَ أنْ تطرحَ ألفَ مسألةٍ قد لا تُغني شيئاً و تُسبّب أيضاً تشتيت أفكار آلمُستمعين و آلمُشاهدين, فآلوقائع و آلتّجارب أثبتتْ أنّ آلمستمع و آلمُشاهد يُمكنهُ فقط فهم و هضم موضوع واحد و إستيعاب قضيّةٍ واحدة, و من آلصّعب إفهامهُ بأكثر من ذلك بشكلٍ كافٍ و شافٍ و كاملٍ.
و هذا آلأمر يُعطيك مجالاً أرحب كي تُبيّن موضوعاً واحداً بشكلٍ واضحٍ و (مُمتاز)!
و بشكلٍ (جيّد) موضوعاً ثانياً في نفس ألمحاضرة!
و بشكلٍ (ضعيف) موضوعاً ثالثاً في نفس ألمحاضرة!
هذا تسلسل مهم على آلخطيب ملاحظته و وضعه بنظر ألأعتبار.
و نعني:
طرح موضوع واحد في محاضرةٍ كاملةٍ تكون مؤثرة بدرجة (إمتياز).
طرح موضوع ثانٍ مع الموضوع الأول يكون مؤثراً بدرجة (جيّدة).
طرح موضوعٍ ثالث مع آلموضوعين آلسّابقين في نفس آلمحاضرة يكون مؤثراً بدرجةٍ (ضعيفة).
فآلتّجارب آلعلميّة أثبتَتْ بأنّ بيان موضوع واحد بشكلٍ واضحٍ و مُركّز في محاضرة واحدة هو آلأنسب و آلأكثر تأثيراً في آلمشاهدين و آلمُستمعين, و عليكَ إغتنام ألدّقائق آلعشرة ألأولى لطرح آلفكرة آلأساسيّة و لو إجمالاً كمقدمة,ثم آلدّخول في آلتفاصيل و آلفروع لبيانها بوضوحٍ و شمولية مع إشارة للمصادر إن أمكن.
يجب أنْ يكون كلامك واضحاً و سلسلاً مباشراً و سهلاً يفهمه آلجميع, حيث إنّ آلبلاغة لها أثرٌ كبير في نقل آلمعاني و الأفكار.
و عليك أنْ تعرف دائماً بأنّ خطبتك ليست مقالةٌ صحفيةً و لا رسالةً جامعيةً تحوي ألمصادر ألتفصيلية و آلأرقام ألطويلة و آلمعادلات ألمُعقدة, إنّها كلمةٌ جامعةٌ ذات أهدافٍ محدودة في مناسبة مُعيّنة لجمع مختلط من آلمُشاهدين ألحضور, لهذا يجب أن تتصف بآلبساطة و البيان الواضح آلذي يناسب آلجميع بدون تكلّفٍ و تصنّعٍ و إسهاب و تفاصيل.
لا تنس من إعداد مُخططٍ كاملٍ عن محاور ألكلام و آلتركيز على آلهدف ألذي تريد آلتّحدث عنهُ – رؤوس نقاط مختصرة جداً – تضعها أمامكَ أو بيدكَ كي يتمّ آلتركيز عليها فقط لتتلافى آلنسيان أو ألخروج عن أصل ألموضوع, و عليكَ آلتّحدث عن آلأشياء ألّتي تُؤمن بها و تُحبّها و تعتقد أنّها صحيحة و تلامس قلوب ألناس و آلامهم و أوضاعهم, و لا حول ولا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم.
عزيز الخزرجي
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
