أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرهاد عزيز - حب ، وحب في زمن صعب














المزيد.....

حب ، وحب في زمن صعب


فرهاد عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


حب ، وحب في زمن صعب
9
غادرتني وانا امني النفس بلقائها واخذت معها كل كياني ، وصرت لا احس الغربة في هذه المدينة ، وكأنني عدت لأجتمع بالوطن ، صرت احس بالامن اكثر وبشجاعة مواصلة الحياة اكثر ، بل وبممارسة الوعي اكثر ، لدرجة بدأت اشعر بأنها قريبة مني كثيرا ، وهي في داخلي ، بل انها متفهمة جدا لممارستي للوعي ولدوري الانساني ، وهي ربما اعرف بالضريبة التي ادفعها لممارسة هذا الوعي ، فانا وحين اراجع نفسي اجدني ابن عائلة طيبة عملت جهدي ان اتوفق في حياتي ، وبعدها دفعتني ظروف الحرب الى ممارسة القسوة والتصدي لها في آن واحد ، دفعتني الى الدفاع عن نفسي والبكاء من اجل المستقبل الانساني ، الحياة القاسية في الاسر ومن ثم السجن دفعتني الى ان اتعمق في تفكيري لدرجة صرت خارج التمكن منه ، وبالتالي ممارستي لهذه المهنة التي لم احبها قط وكنت مكرها على ممارستها ، ومن ثم التمرد عليها بوعي ومن ثم نفي نفسي وعائلتي ، وبالتالي ايجاد نفسي مرميا لوحدي في هذه المستشفى وفي بلد ليس لي فيه قريب ولا أحس بأن لي فيه من يستطيع انقاذي من ممارسة الوعي ، وهاهي هذه الانسانة التي ترغمني بالرعاية هنا و تتحول الى منقذ لي . وتبعث في الامل على التواصل والسير وحيدا وسط ادغال الحياة ، وبساتينها .
تذكرت وانا في قمة وحدتي حديث امي حين سألتها :
ـ متى التقيت بأبي ؟ وكيف تزوجتما ؟
قالت انها قصة الحب التي لا تذكر ، قصة حب في زمن صعب فيه الحب ، واستحال فيه البوح به ، وانتفت فيه التضحية ، وكان الموت معادلا للحياة في قصة حب ، اشبه بقصة حب اسطورية .
ـ ياامي هل انت التي انتحرت من اجل ابي ام هو البادي .
كان ابوك اجيرا لدينا وهو من عائلة طاردها الفقر ووسمها بالكدح ، وكنا ميسوري الحال ، كنت انا شمعة بيتنا وابنتهم اليافعة ، انا الشابة الجميلة لعائلة سمحة متفهمة ولها مكانتها في القرية ، طلبني ابوك وبقى عاشقا لي دهرا ، رغم خوف الفقراء من التماس الحب ، طاوعته الحب وكان لنا ماصار وانتقلت الى كنف العائلة الفقيرة ، وكنت حاملا بك ، يوم سيق الى الخدمة الالزامية ، فصرت عبئا على اهله ، وصار هو الاخر عبئا علي ، اذ لم يكن لديه ما يستطيع سد شظف العيش وكنت كبيرة على نفسي ، فلم اشكو لأهلي قساوة الدهر واهله ، بل جهدت انا ابنة العز في العمل بجمع الحطب للأخريين كي احصل على لقمة خبز اوفر له ما يسد عليه الحاجة ، ولدت انت المسكين في اصعب الظروف ، حيث كانت له اول اجازة وكنت انت مازلت لم تتجاوز الاربعين يوما ، كنا قد طردنا نحن الاثنين من بيت اهله لتمردنا ، فما كان منا الا ان نتركك عند جدتي هاربين بانفسنا الى مدينة كبيرة لم نعرف فيها احدا ، وكنت اخشى عليك قسوة اهل ابيك ، لانهم لم يرضو علينا بتركك هناك ، استأجرنا غرفة في بيت واسع مع آخريين في غرف اخرى وسط حي شعبي كبير مزدحم ، وصارت لقمة الخبز عسيرة علينا ، كان والدك يعمل في العتالة بعد الدوام الرسمي ، وتطورحاله ليشتري عربة حمل ، وتوسعت عائلتنا وصار عددنا في تلك الغرفة الصغيرة اربعة وكنا نؤمن بان الله الذي خلقهم يبعث معهم رزقهم ، ومازلت انت هناك عند جدتك في القرية ، الا ان الذي حصل ياولدي هو ومازلت اتذكر تلك الامسية التي لم يعد فيها ابوك من العمل ولم يكن لدينا الكثير لنقتات به ، اذ كان قوت اليوم من عمل اليوم لا غير ، ليلتها اظلمت الحياة علينا نحن الباقين في تلك الغرفة ، كانت ليلة شتوية والبرد قارص ، الظلام كان حالكا ، والوحشة والقلق خيم على الغرفة وكنت قد استعنت بجارنا ان يساعدني في البحث عنه اذ لم اكن اعرف من المدينة الكبيرة غير شارع السوق الذي كنا نعيش في وسطه .
عاد جارنا بعد منتصف الليل ليخبرني بانه سأل في المستشفيات وفي مراكز الشرطة ولم يجد له اثرا ، وسأل البعض من المعارف في السوق ولم يفيدوه بشئ ، وولولوت كثيرا ولطمت الخدود ولم اعرف احدا في تلك المدينة الكبيرة المخيفة والسريعة الحركة ، كنت احس الحركة تلك عندما كان ياخذني الى الطبيب او في الاعياد لزيارة الاولياء الصالحين ، لكنني الان لوحدي اواجه محنة الغربة كامراة شابة وجميلة ولي طفلان عمر اكبرهما ثلاث والثاني عمره سنتان ، وانت كان عمرك آنذاك اربعة سنوا ت ، وكانت تصلني اخبارك مع الوافدين من القرية بان وضعك احسن من حالنا بكثير ، كنت احمد الله على وضعك واشكر جدتي على رعايتها لك ، لم اعرف اين اذهب ، وكنت اخرج الى اول السوق واعود الى اخره انظر يمينا وشمالا واتابع حركة العتالين عسى ان اجده بينهم ، وانظر الوجوه علني اجد ه وكنت اؤمل نفسي في طريقي هذا الذي صار هما يوميا على التواصل معه ، وانا احمل معي طفيلين ، كنت اجمع الخيز اليابس من المكانات التي يرمي فيها الناس بقايا خبزهم اليومي ، لاعود واضعها لاخوتك في الماء ، مضت ايام ولم نعرف نحن الثلاث طعم النوم ، لم يكن لدينا ما ندفئ به انفسنا ، ولم يكن لدينا اغطية كثيرة سوى غطاء تحتنا واخر فوقنا ، لم يكن لدينا معارف ، ولم اكن لاخبر اهلي عن وضعنا هذا ، وكنت اخشى ان ارسل خبرا لاهله ، لئلا اتعرض الى اضطهادهم ويحملوني مسئولية تعريض ابنهم الى مصير مجهول .

بغــــــــداد
اواخر كانون الثاني عام 2013



#فرهاد_عزيز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثالوث جنس مقدس 8
- صاحبة الصوت هنا
- امي والله
- الصوت حاجة هنا وهناك
- ايهما ال(هنا) .. ام ال (هناك) ارحم
- أين الخلل ، فينا أم منا
- الحياة لمن يستحقها
- نكسة الاتحاد الوطني في الانتخابات وللمرة الثانية مسئولية من ...
- ديمقراطية رحم المجتمع
- هل يتمكمن العراق ، ان يتحول الى مشروع حضاري ، لدولة مواطنة ، ...
- الدولة الطائفية المسيسة والدروع البشرية
- الفيليون قضية دولة العراق بعد قرارالمحكمة
- الفيليون ليسوا ملفا على الرف
- الدولة والدين
- اسئلة بين سطور الخبر
- العائدون لكن دون اشلاء
- تفعيل عمل الجالية العراقية المشترك في الدنمارك مهمةاحزاب ام ...
- اربعينية فنان الشعب الكردي الراحل محمد جه زا
- مجلس جالية مهمشة الحضور الا من كلمات المناسبات
- حلم جالية عراقية في الدنمارك لم تتجسد على ارض الواقع


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرهاد عزيز - حب ، وحب في زمن صعب