أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودة إسماعيلي - الرسالة الملعونة















المزيد.....

الرسالة الملعونة


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4305 - 2013 / 12 / 14 - 18:05
المحور: الادب والفن
    


"عمران" شاب، وكأي شاب يحلم بمستقبل مشرق، كيف لا ! وقد توفرت لديه شروط النجاح، فهو موظف مرموق بشركة تجارية، يعيش تحت دفىء عائلته، سعيد، في مقتبل العمر، و سيتزوج قريبا من حبيبته.. لكن الظروف ستتغير، وما لم يحسب له عمران سيحدث. والد عمران، أطرحه المرض أرض الفراش فعلم بأن نهايته قريبة، لِدى نادى ابنه الوحيد والمقرب، فقال له :

ـ بني، إنها لحظاتي الأخيرة، و أريد أن أطلعك على بعض الأشياء قبل رحيلي.. أنا أعرفك يا عمران، كنت قويا منذ صغرك، لكن لا مهرب من الحقيقة، الآن صرت رجلا و قادرا على تحمل الصعاب.

أمر الوالد عمران بفتح خزانته بجانب السرير، ليأخذ ظرفين منها قام بوضعهما هناك في الماضي :

ـ عمران، لقد عرفت أن هذه اللحظة ستأتي، لذلك قمت بتقسيم ثروتي وأملاكي بينك و بين أمك، و الوصية في هذا الظرف خده. أما الظرف الثاني فهو يحوي سرا، أود منك أن تعاهدني بعدم الإطلاع عليه، وأن تسلمه لأمك .. و هكذا رحل الأب و تمت مراسيم الجنازة.

مرت أيام و في صباح إحداها، وبينما الأم تحضر الفطور، إذا بعمران يتناول الظرف و يقدمه لها.. أخرجت الأم رسالة من الظرف، وما إن أوشكت على الإنتهاء من قرائتها حتى تغير لو وجهها وانفجرت صارخة في وجهه :

ـ اخرج من بيتي، أنت لم تعد ابني، لا أريد رؤيتك بعد الآن.

استغرب الإبن فخرج وهو يعي جيدا أن امه لم تكن تمزح، ذهب إلى العمل كالعادة، فلاحظ مدير الشركة حزن عمران البادي على وجه، قدم عنده يسأله.. فروى له ماحصل هذا الصباح :

ـ هل هي معك الآن يا عمران ؟
ـ نعم ، لقد رمتني بها بعد طردي.
ـ هاتها لعلي أرى شيئا صعِب على والدتك ادراكه ! .

وماهي إلا لحظات حتى صرخ المدير قائلا :

ـ أنت مطرود من هذه الشركة ، كيف يعقل أن أُشغل شخصا مثلك.

هكذا خرج من الشركة ، فقام بمُهاتفت الشخص الوحيد الذي سيساعده على تجاوز محنته : "خطيبته" .. و ما كادت تنهي القراءة هي الأخرى حتى صدمته و هي تصرخ في وجه :

ـ أنت انسان حقير، كيف لي أن أرتبط مع شخص مثلك، لا أريد رؤية وجهك بعد اليوم .. فذهبت و تركته مع رسالته.

هكذا أدرك عمران أنه يحمل ذنبا عظيما في الرسالة التي يرى بأنها لصيقة به دون أن يعرف ما تحتويه، توقف عقله عن التفكير وهو يسير في الشارع، لا يدري إلى أين، الصمت يحول حوله ليخترق هذا الصمت الغريب صوت الحافلة المزعج عند توقفها في المحطة. ركب عمران الحافلة لعلها تأخده إلى مكان ليرتاح فيه، كيف وكل التعاسة والحزن اللتان لم يعرف مثلهما يوما، أتوا لتأدية الضريبة.

وبينما هو جالس في الحافلة، تقدم إليه الكمسري لأخد ثمن التوصيلة، وإذ به يجده صديقا قديما من أيام طفولته. تبادل الصديقان أطراف الحديث والأسئلة المتعلقة بالحالة المادية و المعنوية، وإذا بعمران ينفجر باكيا، ودون شعور بدأ بسرد القصة للصديق القديم لعله يأتي بحل أو خلاص لهذا الكابوس..

تأثر الصديق بقصة عمران وحزن لحاله .. وما إن انتهى من قراءة الرسالة هو الآخر، حتى صرخ قائلا :

ـ أوقف الحافلــــة أيها السائق، لن أسمح لهذا الراكب بإتمام الرحلة معنا حتى لو فقدت وظيفتي، هيا انزل، فأنا سعيد لأن الأيام باعدت بيني و بين شخص مثلك.

الآن بلغ الأمر حده، عمران لم يعد يستطيع تحمل المزيد، لِدى أخد قرارا نهائيا بوضع حد لهذا الفلم المرعب :

ـ سأذهب لجرف البحر، و أقرأ ما بداخل هذه الرسالة الملعونة، ثم سألقي بنفسي للصخور .. هذا ما جال ببال عمران، أن يعرف السر و ينتحر.

عمران يقف الآن على حافة الجرف، و الحسرة تملئ قلبه. كيف لا ! وحياته الجميلة انقلبت رأسا على عقب، وها قد حانت النهاية، وأي نهاية ؟ مأساة ! كأن القدر يعاقب عمران على الحياة الجميلة التي حُرم منها الكثيرون من أقرانه.

سحَب الرسالة من جيبه، فتحها ليقرأها و يديه ترتعش بسبب الخوف :

ما الذي ياترى أخبرهم والدي عني ؟! ما الذنب الذي اقترفته ليجعل كل من يحبونني يعاملونني بهذه القسوة ؟ .. وهو غارق في أسئلة لا تنتهي، إذا بالرسالة تختفي من بين يديه.

كيف نسي هذا الغبي أن الرياح تكون شديدة عند الساحل ؟!! لأن الرسالة طارت معها في السماء !! فسقط مغشيا عليه.

استيقظ عمران فجأة ليجد نفسه في غرفة غريبة، تحيط به أجهزة متطورة، ورأى أشخصا يرتدون الأبيض بينهم شخص يعرفه جيدا.. "آه انها والدتي".

تفاجأ عمران من حضور والدته للمستشفى (بعد ان طردته).. فاقتربت منه وأمسكت يده :

ـ حمدا لله على سلامتك، لقد مر سبوع وأنت على هذه الحالة.

وبدا عمران مندهشا ..

ـ(تابعت) منذ حادثة وفاة والدك وأنت في غيبوبة، لقد أغمي عليك ساعتها بالبيت، فنقلتك للمستشفى بمساعدة الجيران. أخبرنا الطبيب "أنه تعرض لصدمة نفسية قوية، قد يستيقظ في أي لحظة، لدى يلزمه عناية حتى ذلك الحين".. رغم أسفي على رحيل والدك إلا أنني جد سعيدة لأنك بخير.

لا زالت الدهشة تحيط بوجه عمران الذي صاح :

ـ والرسالة ؟!

ابتسمت والدته وهي تجيبه وقد بدا بريق الحنان في عينيها :

ـ نعم لقد ترك لك رسالتين، إحداهما تحوي وصية تقسيم التركة، والأخرى (ضحكت) بها قصيدة كتبتها وأنت صغير، كنت لاتزال بعدُ بالسنة الأولى في الابتدائية. أظن انه كان يوم عيد ميلادي، فأخبرت أباك أنك تود تقديم هدية لي من صنعك، فاقترح عليك أن تكتب لي قصيدة لأنك كنت دائما تردد أنك ستصبح شاعرا عندما تكبر. ولازلتُ اتذكر أنك حزنت بشدة ذلك اليوم عندما قمت باتلافها ولم تجدها، فقام والدك بشراء هدية واعطاها لك حتى تقدمها لي. ويبدو أن والدك وجد القصيدة وخبئها، وقد كتبت فيها أنك تحبني وبأني اهم شخص لديك وتعدني فيها بأنك حين تكبر ستشتري لي الكثير من الهدايا وكل ما أريده وأرغبه وستأخدني برحلات حول العالم، ونزور "جزيرة الساحرات". وهي قصة مصورّة اشتراها لك والدك وكنت تستمتع بقراءتها.

ـ الآن فهمت لقد تركها أبي حتى يحين الوقت المناسب لعرضها، لقد جعلها وصيته لي نحو أمي .. قال عمران ذلك محدثا نفسه وبدا كأن دموعا تتجمع حول مقلتيه.



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما قاله -نيتشه- عن العرب : الجزء 2
- الإنسان العربي : أيها المتناقض !
- ماذا يحدث إذا كنت لا تمتلك المال ؟!
- كي تفهم العذاب النفسي
- الدافع الخفي خلف ادراج الدارجة بالنظام التعليمي
- تديُّن الحيوانات ودورها في السوسيولوجيا والدين : بين القصص ا ...
- الأنثى والردفين والنظرة الحيوانية
- لوحات أدولف هتلر : الإسقاطات النفسية
- كيف تكشف من يكذب عليك ؟
- دعاة الموت
- هل للإيمان دافع غريزي أم احتياج أيديولوجي نتيجة التلقين ؟
- كشف مشكلتك النفسية حسب صورك بحسابك الفيسبوكي
- لماذا يتجوز الرجل على زوجته ؟
- عقل اللص
- العقد النفسية الأكثر انتشارا
- المغرب يَسْجُن لأجل قبلة وروسيا تفتح مدرسة للجنس
- -نيتشه- بين العرب
- ما قاله -نيتشه- عن العرب
- الحرب والتلاعب بالعقل
- عقدة الأميرة النائمة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودة إسماعيلي - الرسالة الملعونة