أمير البياتي
(Ameer Albayaty)
الحوار المتمدن-العدد: 4305 - 2013 / 12 / 14 - 10:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرا ما يحدث في المجتمعات الاسلامية خلط في المفاهيم فكلمة التكفير أصبحت جرما بالنسبة للكثير من المسلمين ولهم الحق في ذلك, لما يحدث على أرض الواقع من جرائم القتل والتهجير والهجمات الانتحارية التي تستهدف الأبرياء العزل ... لدرجة ان كلمة تكفيري أصبحت من أبشع التهم والأكثر رواجا يستخدمها البعض في التسقيط السياسي أو للهجوم على المخالفين سواء بالمذهب او التنظيمات السياسية والحزبية... فهل يا ترى التكفير جريمة بحد ذاتها ؟
في اللغة الكفر نقيض الأيمان وكفر أي أنكر ولا تحتمل الكلمة أكثر من هذا المعنى في بعض معاجم اللغة تجد الكفر بمعنى الجحود بنعمة الله وهذه كلها ليست جريمة , فكل مسلم هو كافر بكل الأديان الأخرى وكل من هو لا يعتنق الإسلام هو كافر, والقرآن نفسه كفر في مواضع عديدة سواء المسيحيين الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة, و الذين قالوا ان عيسى ابن الله, وكفر الذين أمنوا مسبقا وقال لهم لقد كفرتم بعد ايمانكم , فهل الله تكفيري بحسب المعنى السائد هذه الأيام ؟
المشكلة ليست بالتكفير أبدا فكل شخص يعتقد بفكرة معينة هو بالضرورة كافر ومنكر لغيرها فلا تجد مسيحي مسلم في نفس الوقت أو يهودي مسلم, أو مسيحي يهودي, المشكلة الحقيقية هي في تبعات التكفير التي جعلته مرتبط بالإرهاب. الإرهاب وكما هو معروف هو أن تعطي لنفسك الحق في قتل الأخرين وان كانوا أبرياء عزل وان تسلبهم حق الحياة التي من منظورك الخاص لا يستحقونها, فلماذا ارتبط التكفير بالإرهاب ؟ لا يوجد مذهب اسلامي لا يقول بقتل المرتد والمرتد هو من دخل الاسلام ثم كفر ونرى المدارس الفقهية تسهب في تعريف المرتد وأنواعه فهناك المرتد الفطري والمرتد الملي وهناك المرتد والفطري فيه نوعان من ولد لوالدين مسلمين, ومن ولد لأحد الوالدين مسلم, وهناك من يشترط في المرتد الفطري البلوغ لكي يعتبر مسلما ثم ارتد عن اسلامه. أما المرتد الملي هو من دخل ملة الاسلام بعد أن كان كافرا ثم كفر وخرج من الملة. بعد كل هذه التقسيمات التي عرضتها بشكل مختصر جدا نفاجأ بالوضوح والأسلوب المباشر في الحكم ألا وهو أن المرتد الفطري يستتاب فأن حسن اسلامه يعفى عنه وان لم يتوب وأصر على كفره يقتل على الفور, أما بخصوص المرتد الملي فلا داعي لاستتابته يقتل على الفور, فلا حرمة لدم المرتد وقتله واجب شرعي لأن وجوده في المجتمع أصبح خطرا على غيره وفتنة لمن هو ضعيف الأيمان وليكن عبرة لغيره.
من هنا فهمنا ان التكفير بمعنى الإرهاب وخصوصا اذا كان بين فرق وطوائف المسلمين فكل فرقة بإمكانها ان تكفر الأخرى مستندين الى نصوص مقدسة لا نقاش فيها وبعد الحكم بالتكفير يجوز القتل وهذا هو سبب التناحر المستمر بين المسلمين, والمضحك في الأمر ان كل من ينبذ التكفير ويتهم به الأخر لا ينتبه الى أن القرآن نفسه يكفر غير المسلمين كما أشرت سابقا لكن القرآن لم يأمر بشكل مباشر بقتل من قالوا ان الله ثالث ثلاثة مثلا, فلا يجد المسلم نفسه في صراع مباشر مع المسيحيين وقد يتسامح معهم, لكن حد الردة يحتم على من يكفر الأخر القتل فهو حكم واجب التطبيق.
ولا يخفى عن البال أن الدين الإسلام من التعقيد ما هو يكفي للإتاحة فرصة التكفير لأي شخص فهذا الكم الهائل من التفاصيل والعبادات اليومية يجعله دين صعب التطبيق أو التكامل فنجد بعض الفرق تحاول الاجتهاد وتبسيط الأمور كما في المذهب الجعفري على سبيل المثال لا الحصر الصلاة في ثلاثة أوقات بدلا من خمسة والنتيجة بإمكان غيرهم المذاهب تكفيرهم بحجة التلاعب بأصول الدين وهكذا تسري الأمور. مع تقدم الحياة ودخول المفاهيم العصرية الحديثة وتعدد الآراء بخصوص ما هو حلال وما هو حرام واستغلال البعض لتوافه الأمور لتكفير جهة معينة مستندا الى النصوص التي بين يديه والهدف منه ليس كلمة الحق كما يدعون وانما تصفية حسابات وثارات تأريخيه . متناسين ان الحق نسبي وما يرونه صواب في امكانية الخطأ.
الغريب في الأمر أن لا يوجد في القرآن اشارة صحيحة لقتل المرتد مع ذلك لا يوجد مذهب اسلامي لا يقر هذا الحكم المجحف نجدهم يجتهدون في ابسط الامور ويختلفون في الرأي ويتركون مثل هذه الأحكام مثل القنابل الموقوتة, أصبحوا أسرى النصوص المقدسة التي يفترض بها ان تكون جاءت للإصلاح لا للهدم . لكن لو تناولنا الموضوع من جهة أخرى نجد أن هذا الحكم قد خدم الاسلام في نشأته الأولى وكان السبب في قوته فلا مجال للتراجع طالما دخلت وان كان دخولك بالقوة والتهديد بالقتل أو دفع الجزية وغيره,ا فلا يمكنك الخروج وبالتالي و بتوارث هذا الدين وانتقاله من جيل الى أخر قوي الإسلام واصبح دولة عسكرية عقائدية تغزو وتهدد غيرها من الدول, وخير شاهد هو ما حصل بعد موت النبي من ردة تدخل الخليفة الأول بقوة السيف وقضى على هذه الحركة التي كانت بالفعل تهدد بزوال الاسلام, لكن هذا الحكم الذي كان له دور كبير في انشار الاسلام حتى اصبحت أمة المليار هو نفسه تحول الى معول تهديم داخل الاسلام بعد ان تقسم الى فرق وطوائف معينة.
قد يقول قائل أن هذه الحدود ليست للعامة ولا تطبق الا في ظل دولة اسلامية عادلة فأقول له في ظل الدولة الحديثة ومفهومها لا يمكن أن تقوم دولة اسلامية وان قامت فلا يمكن أن تكون عادلة فهي دولة تميز بين مواطنيها ولا تؤمن بحريات الأنسان واهمها حرية الفكر والاعتقاد. ومع هذا الكم الهائل من كتب التراث الاسلامي وتوافرها في كل مكان وكونها مليئة بمثل هذه الأحكام فلماذا الاستغراب من نشوء جماعات مسلحة إرهابية, فالكل يرى نفسه هو الأجدر بتمثيل الاسلام الحقيقي ولا يقبل بوصاية غيره. أما أن تنقحوا كتبكم من هذه الأفكار والأحكام التي تمثل منبعا للإرهاب أو تعترفوا أن كل ما يحدث على الساحة هو من صلب الدين.
#أمير_البياتي (هاشتاغ)
Ameer_Albayaty#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟