أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - رحلة إلى السماء .....تأملات فلسفية














المزيد.....

رحلة إلى السماء .....تأملات فلسفية


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 20:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مررت بأزمة صحية مؤخراً استدعت إدخالي إلى قسم العناية المركزة في أحد المستشفيات.
اكتشفت أن الإقامة في هذه الأقسام معاناة في حد ذاتها حيث لا يستطيع المرء أن ينعم بأي قسط من النوم إلا من خلال أقراص المنومات التي يوزعونها علينا ليلاً وذلك من كثرة الأجهزة المتصلة بجسد المرضى وأصواتها المزعجة التي تنطلق بشكل مفاجئ لتنبيه الممرضات حيال أي تغير غير مستحب في أحد المؤشرات الحيوية لدى أي مريض داخل القسم.

وبالرغم من المعاناة فإن التجربة كانت فرصة للتأمل والتفكير في رحلة الحياة وصراعاتها وما بعدها.

اكتشفت أن الخواطر الدينية تسيطر على مساحة كبيرة من التفكير في مثل هذه اللحظات التي يكون الانسان فيها قريباٌ جدا من العالم الآخر.
وكان السؤال الملح.. هل اخترت الطريق الصحيح لمسيرة حياتك أم إنك اضعت عمرك في الهرطقة والأوهام؟
ولو أن هناك فعلاً جنة ونار فأين ستكون محطتنا نحن الليبراليون المتهمون دائماً بالكفر والإلحاد؟

والحقيقة أنني لم أشعر بأي نوع من الخوف أو القلق وأنا أجيب على هذه الأسئلة من خلال استعراض شريط العمر حيث أنني اخترت لحياتي نهجاً يعتمد على تحكيم المنطق والضمير في كل خياراتي وقراراتي ولم اتبع أي ايديولوجية سواء كانت دينية أو سياسية بشكل أعمى وكانت قناعاتي دائماً أن الالتزام الحرفي بأي منهج أيديولوجي دون إخضاعه للنقد والتحليل يكون دائماً على حساب حرية العقل وإتباع المنطق السليم وينتهي الامر باتباع المنهج الأيديولوجي الديني بالموت التدريجي للضمير الفردي وهذه هي مشكلتنا الأزلية مع الأديان التقليدية التي نحن مطالبون فيها بتسليم مفاتيح عقولنا لرجل الدين باعتباره ممثلاً للعناية الإلهية وعلى دراية كاملة بمقاصد الرب ورغباته. ووفقاً لهذا المنهج يكون من المحرمات أن تحاول التفكير بعيدا عن رجل الدين أو أن تعمل عقلك لأنه سيقودك إلى الضلال والضياع.

هل تتذكرون مقولة الأشعري أو أبن تيمية " من تمنطق فقد تزندق " هذه المقولة العجيبة تلخص المسألة في أن الدين التقليدي لا يتماشى مع العقل والمنطق. إزاء هذا أمنت بإله مختلف وربما يبدو هذا نوع من الجنون ولكنني كنت دائماً سعيدا بهذا الخيار فإلهي غفور رحيم ومترفع عن الصغائر ولا يراقبني ليلا ونهاراً ولا يقف لي على كل صغيرة وكبيرة وكل ما يطلبه مني هو أن أكون مخلصا وأمينا ورحيماً ومعيناً لكل مخلوقاته التي بحاجة لعون وأن أهتدي ببصيرتي السليمة التي منحني إياها وأن أتبع ضميري.

إلهي يعينني في أوقات الشدة والأزمات وأشعر دائماً بلمساته الحانية ونور هديه في كل خطواتي، وعندما أفعل الخير أشعر بسعادة ومتعة لا حد لها لأنني أستشعر رضاه عني وعندما أخطئ فإنه يتركني لعذاب ضميري الذي لا يرحمني حتى أعود عن الخطأ.
علاقتي بإلهي علاقة محبة متبادلة وليس فيها مساومات أو تهديد ووعيد أو ترغيب.
أتحدث مع إلهي وأصلي له في أي وقت وفي أي مكان ولا أحتاج إلى أي وسيط بيني وبينه ولا أحتاج إلى كتب وشروحات وفتاوى كي أفهم ما يريده مني، وعلاقتي بإلهي هي علاقة بيني وبينه فقط وليست علاقة بيني وبينه وبينك.

علمني إلهي أيضاً أن أحترم عقائد الآخرين فلك أن تؤمن بما تشاء أو لا تؤمن وطالما أنك لا تسعى لفرض معتقداتك أو ألهك على فسوف نظل أصدقاء وأحباء.
آمنت دائماً بأن الأديان بفهمنا القديم لها لا يمكن أن تجمعنا كبشر وسوف نظل نتقاتل باسمها متصورين أن مهمتنا على الأرض هي حماية هذه الاديان، والمفارقة هنا أننا أصبحنا نحميها بينما فشلت هي في حمايتنا من بعضنا البعض، فالعالم يتجه إلى الانهيار بسبب الطمع والأنانية والظلم والفساد والأديان التقليدية تقف عاجزة بل إنها تزيدنا فرقة واقتتالا.
وحتى الآن لم ندرك أن الإنسانية وحدها هي التي يمكن أن تجمعنا وأن تكون طريقنا للإخاء والتعاون والرحمة ونبذ التطرف والتمييز العنصري.

شعرت براحة عجيبة وهذه الأفكار التي آمنت بها تتدفق أمامي طوال اليل داخل غرفة العناية المركزة. وفي السابعة صباحاً حضر طبيبي الإنجليزي، نظر إلى شاشة المونيتور وصاح بدهشة والابتسامة تعلو وجهه: يبدو أنك كنت تصلي طوال الليل.
سألته لماذا؟ قال لأن قلبك عاد للنبض بشكل طبيعي كما أن ضغط الدم قد استقر أخيرا، وعلى الفور طلب من الممرضة وقف كل الأجهزة والمحاليل وقال أريدك أن تتحرك وتتناول طعام الإفطار وبعدها أراك في غرفة الفحص.

تمددت على سريري للحظات وهتفت من أعماقي شكراً يا ربي كم انت حنون ورحيم بي، أحبك من أعماقي.

تناولت الفطور بروح معنوية عالية وانتقلت إلى غرفة الفحص حيث مررت بكافة الفحوصات وقياسات الإجهاد بنجاح رغم وهن جسدي وقتها ولكنني كنت أشعر بيد خفية تعينني على الوقوف والصمود، إنها يد إلهي الحانية التي تمتد لي دائماً كلما كنت بحاجة لها.

انتهت محنتي وخرجت من المستشفى وهأنذا أعود إلى أسرتي وأصدقائي وعملي وإلى موقعي المفضل الحوار المتمدن.

أدعو إلهي العظيم أن يحفظكم جميعاً من كل سوء وأن ينعم عليكم بفيض من رضاه ومحبته وأن ينير بصيرتكم بهديه ويملأ ضمائركم بالعدل والحب والسلام.

صدقوني لسنا بحاجة إلى دين بقدر ما نحن بحاجة إلى ضمير حي.



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ المختصر لرئاسة مصر ومعضلة الرئيس القادم
- الشرعية للبندقية
- آخر التطورات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها علينا
- البكاء على البابا والضحك مع الشيخ حجازي
- عودة مرسي
- حتمية استمرار الصراع في مصر
- حول اسباب فشل الدول ( النموذج المصري )
- الاستعدادات الأخيرة لمعركة خراب مصر
- البحث عن نتينياهو عربي
- تأملات فلسفية في أحوالنا الدينية
- أسرع طريقة لإفقار أي بلد
- رؤية لنظام حكم يصلح للعالم الإسلامي
- حوار متمدن وعلمي وديمقراطي
- المنهج التبجيلي واستحالة تأصيل الفكر الديني
- مستقبل الرأسمالية - قراءة نقدية لكتاب جديد-
- الإله والإنسان
- من المسيء للإسلام؟
- الإسلام والربيع العربي
- كيف تحكم مصر الآن
- عندما تتحول الثورة إلى مهزلة - الجزء الثاني


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...
- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟
- عملية -الوعد الصادق- رسالة اقتدار وردع من الجمهورية الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - رحلة إلى السماء .....تأملات فلسفية