أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - مستقبل الرأسمالية - قراءة نقدية لكتاب جديد-















المزيد.....

مستقبل الرأسمالية - قراءة نقدية لكتاب جديد-


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 3912 - 2012 / 11 / 15 - 23:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أن نشرع في تحليل مضمون الكتاب فإننا نود أن نوضح للقارئ العادي أن النظام الرأسمالي المهيمن على العالم كله حاليا يعاني من مشاكل واوجاع جمة ترجع إلى طبيعة النظام ذاته من حيث أنه يقوم على أساس تقليص دور الحكومة المركزية والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأن الدافع الأساسي للعملية الإنتاجية ذاتها هو الربح وتحقيق معدلات نمو لا نهاية ولا حدود لها. وفي رأينا أن هذه الآليات أدت إلى وجود فجوة هائلة ومتزايدة بين الفقراء والأغنياء مما يهدد الاستقرار والسلام المجتمعي في كل دول العالم وما يحدث في أوروبا الآن هو خير شاهد على هذا. أضف إلى هذا أن الطمع في المزيد من الأرباح والنمو اللانهائي أديا إلى اثار مدمرة على البيئة سيتحمل عبئها الأكبر أجيال المستقبل. وهناك الان محاولات جادة في الغرب لتداركك هذه المشاكل قبل استفحالها. وفي هذا الصدد صدر مؤخراً كتاب جديد بعنوان "رأسمالية أفضل" Better Capitalism لمؤلفيه روبرت ليتان و كارل شرام. ورغم صمت الكتاب عن الكثير من المشاكل العميقة التي تواجه النظام الرأسمالي عامة و الأمريكي خاصة والتي أشرنا إلى بعضها في هذه المقدمة فقد رأينا عرضه لأنه يتحدث عن الأسباب الرئيسية لتراجع الاقتصاد الامريكي من وجهة النظر الامريكية البحتة.

والكتاب هام باعتبار ان الاقتصاد الامريكي لعب دور القاطرة للاقتصاد العالمي لفترة طويلة امتدت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن ولكن بشكل متراجع وكما هو معروف فإن قيام امريكا بلعب دوراً بارزاً في إعادة إعمار اوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية قد عاد بالفائدة عليها ايضاً حيث تمتع الاقتصاد الامريكي بمعدل نمو بلغ حوالي 3 % سنوياً طوال الخمسينات والستينات من القرن الماضي وهو معدل نمو مرتفع بالنسبة لاقتصاديات الدول المتقدمة نسبة إلى وصول هذه الدول إلى مرحلة النضج الاقتصادي التي يصاحبها معدل نمو منخفض عادة مقارنة بالدول الاخذة في النمو حاليا مثل الصين والهند التي تصل فيها معدلات النمو إلى أكثر من ضعف هذا المعدل نتيجة الاحتياجات التنموية الكبيرة المطلوبة لرفع مستوى المعيشة لشعوبها التي عانت طويلاً من ويلات الفقر والتخلف.

يرى الكتاب أن المعطيات التي اعتمد عليها الاقتصاد الامريكي طوال العقود الماضية والتي جعلته أكبر وأهم اقتصاد في العالم قد تضررت كثيراً في الاونة الأخيرة وأهم هذه المعطيات القدرة على الابتكار واقتصاد المعرفة وأسواق المال الامريكية .

حسب الكتاب فإن الدور الذي كان يلعبه ما يسمى بال Venture Capital أو رأس المال المغامر قد اندحر كثيراً وانخفضت رؤوس الأموال الموجهة لشركات هذا القطاع الحيوي الذي أسهم في الماضي في نهوض الاقتصاد الامريكي بشكل محسوس وقيامه بلعب دور الريادة في كل الابتكارات والتقنيات الجديدة في العالم .

هذه الشركات كانت تعتمد في نموها وتمويل اختراعاتها على ما يسمى بال ""IPO Initial Public Offering اي طرح أسهمها في البورصة للاكتتاب العام وعلى سبيل المثال فإن شركة RIM الكندية وهي صاحبة تقنية الاتصال الخاصة بأجهزة البلاك بيري طرحت اسمها في وول ستريت منذ عشر سنوات تقريباً ولأنني كنت متابعاً لأخبار هذه الشركات الجديدة فقد تحمست لاختراعها واشتريت عدداً صغيراً من اسهمها بمجرد طرحها وكان سعر السهم في حدود 3 دولار للسهم على ما أتذكر وفي خلال عدة أشهر وصلت قيمة نفس السهم إلى أكثر من 40 دولار ثم 60 دولار ثم 120 بعد سنتين أو ثلاثة من نجاح الشركة المبهر على مستوى العالم وطبعاً ندمت أنني لم اشتر اسهماً أكثر .


الفكرة أن متطلبات التسجيل لمثل هذه الشركات الجديدة المغامرة كانت سهلة في سوق ناسداك الامريكي مما كان يساعد هذه الشركات على تمويل اختراعاتها وتوسيع عملياتها وتوظيف كفاءات عالية لإدارة عملياتها وبالمناسبة فإن كل الشركات التي تعمل في مجال التقنية العالية مثل مايكروسوفت وجوجل وأمازون والفيس بوك وغيرها مرت كلها بهذه الدورة، ولولا مرونة أسواق المال في امريكا لما نجحت هذه الشركات على الإطلاق .
وهكذا يمكن للقارئ معرفة كيف عملت هذه الآليات وهي القدرة على الابتكار واقتصاد المعرفة وأسواق المال على ريادة الاقتصاد الامريكي وتحقيق معدلات نمو معقولة طوال عقود .

وعودة إلى الكتاب الذي يسجل أن عدد الطروحات المبدئية "IPO " انخفضت في امريكا من 547 في العام خلال التسعينات إلى حوالي 190 سنويا منذ العقد الماضي .

ولأن هذه الشركات الجديدة توفر عادة الملايين من فرص العمل في امريكا فإن انقطاع رأس المال عنها وأضطررها إما للإغلاق أو عدم التوسع أدى إلى ارتفاع معدل البطالة في امريكا إلى أكثر من 8% حالياً (22 مليون عاطل عن العمل ) .

يذكر المؤلفان أيضا وهما محقان في هذا أن امريكا اشتهرت في الماضي كمجتمع مفتوح على الآخر وسهولة اجراءات الهجرة إليها خاصة من جانب المواهب الشابة في جميع انحاء العالم ، هذه المواهب ذات الأصل الأجنبي حصلت على براءات اختراعات داخل امريكا أكثر من تلك التي حصل عليها المخترعون من أصل امريكي بحت .

ولكن ما شهدته امريكا في السنوات الأخيرة من تشديد وتعقيد في سياسات الهجرة والحصول على تأشيرات دخول امريكا أدت إلى حرمان امريكا من مواهب عديدة لصالح دول أخرى مثل كندا وبعض الدول الأوربية هذا بالإضافة إلى تحسن ظروف العمل و وتوفر فرص ممتازة في الكثير من الدول النامية مثل الصين والهند مما شجع الكثير من المواهب في هذه الدول على البقاء في بلادها .

يتحدث الكتاب أيضاً عن تدهور دور الجامعات الامريكية ومراكز البحث في النهوض بالاقتصاد الامريكي كما كان الحال في العقود السابقة بسبب تخفيض الدعم المالي الفيدرالي .
والكتاب يقترح حلولاً لمعضلات الاقتصاد الامريكي المالية من أجل تحقيق معدلات نمو معقولة ورفع معدلات التوظيف. والحلول المقترحة تتمثل في تبسيط اجراءات تسجيل الشركات وتخفيض عدد المساهمين المطلوب كحد أدنى للتسجيل ومنح الجرين كارد للطلاب الأجانب الذين يأتون لدراسة العلوم التقنية مثل علوم الحاسب والهندسة والرياضيات، بالإضافة الى تطبيق سياسات جديدة للطاقة ....الخ

وباختصار فإن الكتاب يركز على دور المنظمين Entrepreneurs" " كعنصر هام وفاعل في النهوض بأي اقتصاد.
ولا أحد يحاجي في أهمية هذا الدور ولكن حسب رأينا فإن هذا العنصر يتطلب مناخاً معيناً حتى يتمكن من القيام بدوره وهذا المناخ لم يعد موجوداً في امريكا بعد سبتمبر 2001 حيث ثبت ان خروج امريكا في حملات عسكرية خارج حدودها للبحث عن امنها كان خطأ استراتيجياً ولم يزيدها أمناً. وهذا العامل الهام الذي أغفله الكتاب أدى إلى زيادة الانفاق العسكري بشكل رهيب ومن ثم زيادة العجز في الميزانية الفيدرالية إلى ما يعادل 7.5 % من حجم الناتج الإجمالي وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة بحد الأمان المتعارف عليه في عالم الاقتصاد الذي يقدر ب 3 % ،كما أن سياسات توطين الصناعات الامريكية خارج امريكا لتوفير نفقات العمالة ادت إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل داخل امريكا حتى وصلت نسبتهم الى اكثر من 8 % وقد ادى ارتفاع نسبة البطالة الى افقار الطبقة المتوسطة بشكل لم تشهده الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية .

ومرة أخرى فإن الهاجس الأمني المبالغ فيه والحرب على الارهاب على اكثر من جبهة في العالم وزيادة حالة العداء للولايات المتحدة في العالم كله وخاصة العالم الإسلامي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الامريكي ومن ثم يمكن القول بأن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة قد خسر عسكرياً أمام الولايات المتحدة ولكنه نجح في ضرب امريكا اقتصادياً من خلال جرها الى مستنقعات افغانستان والباكستان والعراق وتحويل الحلم الأمريكي الى كابوس لا أحد يعلم متى سينتهي .

والملاحظ الآن أن الرئيس باراك أوباما يحاول انتشال الاقتصاد الامريكي من كبوته من خلال تقليص الدور العسكري لأمريكا في الدول السابقة ولعب دور القيادة من الخلف في سوريا كما فعل في ليبيا من قبلها.
كما انه يحاول بقوة منح الحكومة الامريكية دوراَ كبيراً في إدارة الاقتصاد الامريكي وإصلاح برامج الرعاية الصحية وهناك مقاومة كبيرة لهذا التوجه يتزعمها أقطاب الحزب الجمهوري المسيطر على مجلس النواب الذي يرى ان قيام الحكومة الفيدرالية بلعب دور اساسي في إدارة الاقتصاد يناقض المبدأ الاساسي للرأسمالية الأمريكية القائمة على الحرية والمبادرة الشخصية وترك آليات السوق تعمل بحرية دون تدخل مباشر من الحكومة .

كما يحاول اوباما إضفاء لمسة اشتراكية على الرأسمالية الامريكية للحد من جشعها وهو يتبنى المقترحات الواردة في الكتاب المشار إليه خاصة ما يتعلق بفرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء وتحسين منظومة التعليم ودعم الجامعات وتخفيف شروط منح الجنسية الامريكية للأجانب المقيمين بالولايات المتحدة بشكل غير نظامي والمرونة في منح تأشيرة الدخول الى امريكا. والمسافر الى امريكا هذه الايام سيلاحظ على الفور التحسن الكبير الذي طرأ على الاجراءات المطبقة في المطارات الامريكية والخاصة باستقبال الزوار الاجانب وشتان بين ما يحدث الان وبين ايام الرئيس بوش الابن .

كما يسعى أوباما الى استخدام السياسات الضريبية لدفع الشركات الامريكية العملاقة لإعادة توطين مصانعها داخل الاراضي الامريكية للتخفيف من حدة البطالة ، ونتوقع ايضاً ان يركز في فترة حكمه الثانية على المشاكل الداخلية الامريكية وتقليص دور أمريكا الخارجي كلما امكن هذا .

الخلاصة وبعيدا عن الكتاب فان من يعرف تاريخ الولايات المتحدة بشكل جيد يدرك ان هناك ديناميكية معينة تحكم حركتها بحيث انها تتعلم من اخطائها وتحاول دائماً ان توظف كل طاقتها للتعامل مع مشاكلها الداخلية بوعي وتركيز،فهل تنجح هذه المرة؟

مشاكل النظام الرأسمالي كبيرة وليست سهلة الحل واليات السوق وحدها لم تعد كافية والأمل الوحيد يتمثل في قيام الحكومات المركزية في الغرب بالتدخل بشكل اكبر في ادارة الاقتصاد وإضفاء لمسة اشتراكية على النظام للحد من الفروق الشاسعة والمتزايدة بين الاغنياء والفقراء وعلاج باقي أوجاع الرأسمالية التي اشرنا اليها في سياق المقال.


محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإله والإنسان
- من المسيء للإسلام؟
- الإسلام والربيع العربي
- كيف تحكم مصر الآن
- عندما تتحول الثورة إلى مهزلة - الجزء الثاني
- عندما تتحول الثورة إلى مهزلة- الجزء الأول
- عادل إمام مبدع الزمن الرديء
- تأملات فلسفية في أحوالنا العربية
- إلى مؤيدي الأسد: انتبهوا إنه يقودكم إلى خراب مؤكد
- فضيحة في ساحة القضاء المصري
- أصل الحكاية عسكر وحرامية
- الإخوان ومستقبل الثورة في مصر
- أرخص إنسان على وجه الأرض
- الثورة المصرية والرقص على السلم
- مصر ما بين فقدان الذاكرة وعدم الوعي
- العسكري يقود مصر إلى الخراب
- أردوغان يفجع الأحزاب الإسلامية في العالم العربي
- من مفارقات الرؤساء العرب
- ثورات الشعوب تكشف عورة النظام العربي
- رسالة قصيرة إلى الأغبياء الثلاثة


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - مستقبل الرأسمالية - قراءة نقدية لكتاب جديد-