أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - صورة الجلاّد المقدّس..!!














المزيد.....

صورة الجلاّد المقدّس..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4294 - 2013 / 12 / 3 - 14:11
المحور: الادب والفن
    


لم تكن جاكلين روز أوّل من اكتشف النـزعة الميسيائية في الصهيونية، لكنها كرّست كتاباً لتفسير السلوك الانتحاري للدولة الإسرائيلية. وقد تأثرت، على الأرجح، بآراء والتر بنيامين، الذي سبقها بعقود، وأثارت قلقه، في عملية إحياء اللغة العبرية، الشحنة الميسيائية، التي يحاول آباء الصهيونية، توظيفها في هذا المشروع. فلا يدرك هؤلاء، في رأيه، حقيقة، وخطورة، الأشباح التي ستطل عليهم من الماضي.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بدانيال سيلفا، كاتب الروايات البوليسية الأميركي، الذي تتصدّر أعماله قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، والذي نشأ كاثوليكياً، وأعتنق اليهودية، ليس ثمة ما يوحي بأن تحذير روز، أو قلق بنيامين، لفتا انتباهه إلى حقيقة أن في مهنة ترميم اللوحات الفنية القديمة، التي اختارها لجبرائيل ألون، الفاعل الرئيس في سلسلة روايات متلاحقة، ما يمكّن القراءة النقدية من العثور عمّا يعزز صدقية التحذير، وجدية القلق.
وهذا ما يمكن التدليل عليه، إذا وضعنا في الاعتبار أن البنية التحتية، الدلالية، والمفهومية، لأعمال سيلفا، تعيد إنتاج أسطورة الجلاّد المقدس. وهي، بالمناسبة، قديمة قدم البشرية، وذات مضامين دينية، تعلمنت في سياق حروب التوّسع الكولونيالية في مفاهيم من نوع: القدر المتجلي، وعبء الرجل الأبيض. وأعادت الصهيونية إنتاجها في مفاهيم من نوع: تخليص الأرض، ونفي المنفى، واليهودي الجديد.
وكالعادة، جاء أهم ما يختزل الأسطورة، في تجلياتها الإسرائيلية، على لسان شخصية تعمل في السياسة، لا في حقل الأدبي، فالنصوص الأدبية حمّالة أوجه. اختزلت غولدا مائير، وهي من جيل مؤسسي الدولة، أسطورة الجلاّد المقدس بالقول: نحن لا نكره العرب لأنهم يقتلون أولادنا، بل لأنهم يرغمون أولادنا على قتلهم.
وقد سبقها، في هذا المضمار، ولكن بطريقة أقل فجاجة، وحتى دون كراهية، يزهار سيملانسكي في عمل من كلاسيكيات الأدب الإسرائيلي، ظهر بالعبرية بعيد قيام الدولة، بعنوان: "أيام تسكيلاغ"، ولم يُترجم حتى الآن إلى لغة أخرى. وفي المضمار نفسه أصدر يزهار رواية قصيرة بعنوان: "خربة خزعة"، نشر محمود درويش ترجمتها العربية، في مجلة الكرمل، في ثمانينيات القرن الماضي.
ولا أعتقد أن كل هذه التداعيات كانت جزءاً من هموم سيلفا الأدبية، عندما صنع فاعلاً رئيساً في روايات متلاحقة، يحمل اسم جبرائيل ألون، وشاء له أن يكون إسرائيلياً، واختار له مهنة ترميم اللوحات الفنية القديمة. هذا هو المهم، أما الباقي فمجرد تفاصيل تُدرس، وتُدرّس، في الجامعات، وتُنشر عنها كتب كثيرة، لتمكين الموهوبين من كتابة أعمال ناجحة.
ومنها، على سبيل المثال، أن شخصية القاتل المحترف، ممثل الأخيار، في روايات الجريمة، والصراع في عالم الظلال، يجب أن تكون إشكالية: يقتل على مضض، لا يحب السلطة، وغالباً، لا يكره ضحاياه، أو يفخر بأعماله، بل يعاني من آلام ما بعد القتل. وفي المقابل، ينبغي لشخصية ممثل الأشرار ألا تقل تعقيداً، فهو، أيضاً، محكوم بدوافع مضادة، بل ويمكن فهمها، وحتى التعاطف معها.
وفي هذا النوع من الكتب، التي تعلّم الناس كيف يكتبون روايات بوليسية ناجحة، يُنصح الدارس بمشاهدة الأفلام السينمائية، وتحليل حبكتها، وتوقيت ظهور شخصياتها الرئيسة والمساعدة، وخلفياتها، وملامحها. لذا، تطغى النـزعة البصرية، وتكثر المواقف المثيرة، والساخنة، القابلة للترجمة بعين الكاميرا، على هذا النوع من النصوص، التي يحوّل الناجح منها إلى أفلام سينمائية، ويدر الكثير من النجومية والمال.
ولعل هذا ما فعله سيلفا، الذي بدأ حياته المهنية في شبكة السي إن إن، قبل التفرّغ للكتابة. كانت شروط النص الناجح حاضرة في ذهنه، إضافة إلى موهبة لا يمكن إنكارها، وكان عليه أن يستجيب للشروط، ولكن في سياق السردية الإسرائيلية الكبرى، حول قصة نشوء الدولة، ونجاحها في صراع البقاء. وكان عليه أن يستخرج منها مكوّنات شخصية الفاعل الرئيس.
لذا وضع الهولوكوست، وعداء العرب المقيم، والعداء للسامية، كخلفية عامة، سيكولوجية، وثقافية، وسياسية، وأيديولوجية، لأفعال ودوافع ممثل الأخيار. وفي المقابل وضع النكبة، وحياة اللاجئين في المخيمات، والأعمال الانتقامية الإسرائيلية، والاحتلال، كخلفية عامة، لأفعال ودوافع ممثل الأشرار.
هذا هو الإطار المفهومي والدلالي العام، لسلسلة الروايات، التي نشرها سيلفا، ومنح فيها دور الفاعل الرئيس لجبرائيل ألون. أما الباقي، أي توليف الحدث، فلا يحتاج إلى أكثر من قراءة ما كُتب عن الموساد الإسرائيلي، وحروب إسرائيل. وهناك الكثير من الكتب، إضافة إلى ما يُنشر في وسائل الإعلام. وغالباً ما يضع سيلفا قائمة بالمصادر التي اعتمد عليها لكتابة هذه الرواية، أو تلك.
وإذا كانت أعماله لا تنجو من صور، وتصوّرات، نمطية، وتمثيلات وهمية، ومتوّهمة، للأخيار، والأشرار، على حد سواء، إلا أن عقب أخيل يتجلى بصورة أشد دلالة في المهنة، التي اختارها لفاعله الروائي الرئيس، أي ترميم اللوحات الفنية القديمة، وهذا ما يعيدنا إلى ما بدأنا به عن روز، وبنيامين، والميسيائية الصهيونية، وأشباح الماضي.
فالترميم (Restoration) الكلمة التي لا يكف ألون (القاتل المحترف على مضض) عن ترديدها، تعني استعادة نضارة وحيوية ألوان، وتفاصيل، اللوحات الفنية التي رُسمت قبل قرون. بمعنى آخر: إصلاح ما أفسد الدهر، وإعادة شيء ما إلى كان عليه. ولهذه المفردة دلالة في التاريخ الإنكليزي، وفي تاريخ الكنيسة.
وفي هذا ما يعيد التذكير بمفردة "تيكون"(Tikkun) العبرية، التي تعني الأمر نفسه، في التقليد الديني اليهودي. وكلتاهما، أي الترميم، وتيكون المُعلمنة، حجر الزاوية في خطاب الصهيونية عن تخليص الأرض، ونفي المنفى، واليهودي الجديد. وبهذا المعنى، أيضاً، ومع توابل فنية، وتقنيات سردية، وجثة هنا أو هناك، تكتمل في شخصية المُرمم، كما صاغها دانيال سيلفا، صورة الجلاّد المقدّس، الذي يُرغمه الأشرار (الفلسطينيون، مثلاً) على قتلهم، ولكن على مضض.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعلام هو الحل..!!
- حاضر غزة مستقبل ليبيا..!!
- صورة جانبية لمحمد مرسي..!!
- فتّش عن المرأة..!!
- حجاب اللغة..!!
- الصليب، والكنيسة، والكهنة، والنبيذ..!!
- قرب النافذة، والضوء قوي..!!
- على باب حارة الأرمن في القدس..!!
- كش ملك..!!
- نزهة المشتاق في علم الأنفاق..!!
- الإخوان، سردية جديدة..!!
- مصر فازت، والديمقراطية لم تخسر..!!
- شعبان وبعض من وعود العلمانية..!!
- سلاح التلميذ النجيب في مفاوضات رام الله وتل أبيب..!!
- طه حسين في التحرير وقطب في رابعة..!!
- مصير مصر في الميزان..!!
- حقيقة الصراع في مصر وعليها..!!
- مصرُ التي في خاطري..!!
- يومٌ من أيام القيامة..!!
- لا ثورة، ولا إنقاذ..!!


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - صورة الجلاّد المقدّس..!!