أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - حجاب اللغة..!!














المزيد.....

حجاب اللغة..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4253 - 2013 / 10 / 22 - 16:52
المحور: الادب والفن
    


استكمالاً لما جاء في مقالة سبقت إجازة العيد، تناولتُ فيها كيف شطب ناشر لبناني معروف (الدار العرية للعلوم ناشرون) الرموز المسيحية من روايات ترجمها ونشرها بالعربية لبول سوسمان، تعالج مقالة اليوم كيف ترجم ناشر سعودي (مكتبة جرير) ثلاث روايات لديفيد بالداتشي، وماذا فعل بالنص الأصلي.
بداية، يحق للقارئ العربي معرفة أن بالداتشي نجم كبير من نجوم الرواية البوليسية في الولايات المتحدة، وخارجها، وفي رصيده عشرات الأعمال (نعم، عشرات) التي نالت رواجاً واسعاً في مناطق مختلفة من العالم.
ومن حق القارئ العربي، أيضاً، معرفة أن هذا النوع من الروايات يحظى باهتمام الشباب (العرب، وفي كل مكان آخر) ويعود على الناشر بعوائد مالية مُعتبرة. ولكن من حقه، أيضاً وأيضاً، معرفة أن ما يُترجم إلى العربية (كل ما يُترجم) يمر عبر مصفاة ثلاثة أنواع من الرقابة: رقابة المُترجم، والناشر، والسلطة السائدة. وغالباً، ما تنشأ بينها مجتمعة علاقة تخاطر، وتواطؤ، وغالباً ما يكون النص الأصلي ضحية بامتياز.
لذا، يحق للقارئ العربي الارتياب في كل نص مُترجم. فما يصله لا يعكس في الغالب ترجمة أمينة للنص الأصلي، كلما تعلّق الأمر بالسياسة، والجنس، والدين. وهذه هي أضلاع الثالوث المُحرّم، حسب التعبير البديع للسوري بوعلي ياسين.
يمكن، بطبيعة الحال، الكلام عن الثالوث وأضلاعه من مداخل مختلفة. ولكن ما ينبغي تأكيده (طالما نحن في سياق الكلام عن الترجمة) يتمثل في حقيقة أن كل فعل من أفعال الحياة اليومية لبني البشر، يمثل نوعاً من الترجمة: ترجمة العالم (في المقام الأوّل) بما فيه من طبيعة، وقيم، وثروة، ومعرفة، وسلطة. بمعنى آخر: الوجود فعل من أفعال الترجمة.
للاقتراب من هذا الأمر بطريقة أقصر، يمكننا الاستعانة بفقرة وردت في التمهيد لعقد مؤتمر للترجمة الأدبية في جامعة جزائرية، في أيار (مايو) الماضي: "المترجم ينقل عملاً أدبياً من لغة إلى أخرى مغايرة لها في ألفاظها، وتراكيبها، وتعابيرها، وثقافتها، وتراثها الأدبي، كما أنه يُسبغ على نقله من روحه، وذوقه، وأسلوبه، ويفرغ في إدراكه للنص الأصلي، فهمه لمضمونه، وتفسيره الخاص به".
هذه عبارة إنشائية. ولو حاولنا التدقيق أكثر سنجد أن المُترجم (إضافة إلى كل ما سبق، وفوقه) يترجم عالماً إلى عالم آخر. وهذا لا يقتصر على الألفاظ، والتراكيب، بل يشمل مكان ومكانة الواقع، والحقيقة، والصدق، والحرية، في عالم النص الأصلي. فإذا لم يكن لأشياء كهذه ما يماثلها، وينسجم معها، في عالم المُترجم والناشر والسلطة السائدة، سقط النص ضحية الرقابة، أي التشويه، والتمويه، والتحريف، والتزييف.
وبناءً عليه، يمكن القول بقدر من الطمأنينة، إن الترجمة في العالم العربي مشروع مستحيل، طالما أن علاقة العربي بالواقع، والحقيقة، والصدق، والحرية، محكومة، ومشروطة، بتابو الثالوث المحرّم.
والآن من التعميم إلى التخصيص، ومن التأويل إلى التمثيل. وهنا سأقارن بين النص الأصلي لرواية بالداتشي "التحكم الكامل"، وترجمة الناشر السعودي (مكتبة جرير) المنشورة بالاسم نفسه. وبما أن المجال لا يتسع لكثير من النماذج سأكتفي بمشهدين، ولن أتناول رداءة الترجمة.
في الفصل الثاني والعشرين (النص الأصلي) تدخل المرأة إلى حجرة، في الحجرة مائدة عليها عشاء لشخصين، وفي وسط المائدة زجاجة نبيذ. وفي النص المُترجم (صفحة 204) طارت زجاجة النبيذ من النص: "رأت سيدني مائدة في أحد الأركان موضوعاً عليها عشاء لفردين. وعلى الرغم من أنه لم يكن لديها شهية للطعام، فإن رائحته كانت مغرية". جاءت زجاجة النبيذ في النص الأصلي قبل موضوع الشهية، والرائحة المغرية. لا بأس.
وفي سياق المشهد نفسه (في النص الأصلي) راقبت المرأة الرجل يصب كأسين من النبيذ. وفي النص المُترجم (الصفحة نفسها) "نظرت سيدني إليه وهو يملأ كوبين من الشراب الساخن". طار النبيذ من الترجمة، بل وأصبح "شراباً ساخناً". ونحن، هنا، أمام احتمالين إما أن المُترجم لا يعرف شيئاً عن النبيذ، ولا الفرق بين الساخن والبارد، والكأس والكوب، أو أنه أراد التضليل فجعل من البارد ساخناً، ومن الكأس كوباً، للإيحاء بأنهما يشربان الشاي، مثلاً. لا بأس.
في الفصل الرابع (النص الأصلي) تعود إلى رأس الرجل في الصباح ذكريات ممارسة الجنس مع زوجته في الليلة السابقة، وكيف اغتسلا سوياً، وظلت رائحة الجنس عالقة في المكان. أما في النص المُترجم (صفحة 36) فنقرأ ما يلي: "ابتسم جاسون عندما مر بذكرياته اللحظات الممتعة التي قضاها مع زوجته، وعلى الرغم من أنه تركها منذ وقت طويل، فإن رائحة عبيرها ما تزال تحيط به". ولا وجود في النص الأصلي للوقت الطويل، بل فيه عودة الذكريات رغم قصر الوقت. ولم يرد فيه كلام عن اللحظات الممتعة والعبير".
ليس لدىّ ما يكفي من طول البال للعودة إلى 11 مناسبة وردت فيها كلمة الجنس في النص الأصلي، و15 مناسبة وردت فيها كلمة النبيذ، وكيف طارت أو أصبحت في النص العربي المُترجم.
المهم، أن الترجمة، هنا، لا تعكس مسألة تراكيب وألفاظ، ولا ذائقة، أو مفردات، بل تعكس مكان ومكانة الواقع، والحقيقة، والصدق، والحرية، في عالم المُترجم والناشر، والسلطة السائدة. وهما، أي المكان والمكانة، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالعالم العربي، إشكاليان في أفضل الأحوال.
لن نفهم استحالة الترجمة، دون التفكير في العلاقة التبادلية بين لغة الحجاب، وحجاب اللغة.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصليب، والكنيسة، والكهنة، والنبيذ..!!
- قرب النافذة، والضوء قوي..!!
- على باب حارة الأرمن في القدس..!!
- كش ملك..!!
- نزهة المشتاق في علم الأنفاق..!!
- الإخوان، سردية جديدة..!!
- مصر فازت، والديمقراطية لم تخسر..!!
- شعبان وبعض من وعود العلمانية..!!
- سلاح التلميذ النجيب في مفاوضات رام الله وتل أبيب..!!
- طه حسين في التحرير وقطب في رابعة..!!
- مصير مصر في الميزان..!!
- حقيقة الصراع في مصر وعليها..!!
- مصرُ التي في خاطري..!!
- يومٌ من أيام القيامة..!!
- لا ثورة، ولا إنقاذ..!!
- جريمة الغامدي وموت الضمير..!!
- وأخيراً، دولة الحق الطبيعي..!!
- فتح والنساء واليد الطالبانية..!!
- لن يقفز..!!
- سورية أصبحت مثل غزة..!!


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - حجاب اللغة..!!