أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - هل الوعي فوق كوني؟ مسيرة الدين والعلم مع الفكر الصوفي















المزيد.....

هل الوعي فوق كوني؟ مسيرة الدين والعلم مع الفكر الصوفي


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 4288 - 2013 / 11 / 27 - 12:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


غاية الدين فهم العالم وتحسين حياة الناس وعلى خطاه نشأ وسار العلم.

ان عدم امكانية الوصول الى فهم مُرضي للعالم هي مشكلة وعي بشري بغض النظر عن كبر أو صغر العالم ، بساطته أو تعقيده؛
لأنه اذا كان الوعي البشري من اشياء العالم فانه حتى يعرف نفسه أو العالم يحتاج لأن يكون أكبر من ذاته ومتفوقا على تلك الذات، يحتاج الى مجموعة محتواة تماما فيه – في الوعي – وهذه المجموعة تحتوي تماما العالم وبالتالي تحتوي تماما الوعي.
اذا كان الوعي عالميا – جزء من العالم – فمهما كان العالم بسيطا أو صغيرا فان الوعي سيواجه عناء لا مزيد عليه في محاولته لفهم العالم ثم لن يستطيع ذلك؛ لا لكون العالم معقدا أو كبيرا بل لأن الوعي جزء يحاول احتواء كله، فلا يمكن ومهما ركبنا من صعاب ادخال سيارة في كأس شاي ولا ناقلة بترول عملاقة في نفس الكأس بغض النظر عن تباين الفرق في الصغر والكبر.
لحل هذه المشكلة كانت – ولاتزال – هناك فرضية تقول أن الوعي البشري ليس من العالم بل متفوق على العالم ولدعم ذلك كان هناك طروحات متعددة منها أن العالم محتوى تماما في وعي ( قدرة ، ارادة ، علم، الخ.. ) فوق كوني والوعي البشري يستمد قدرته الواعية من هذا الوعي فوق الكوني أو وراء المادي. مع هذه الفرضية سيكون من الممكن تماما فهم العالم وليس بالضرورة الوعي والحياة لأنهما فوق كونيين (حسب هذه الفرضية).
هذه الفرضية قيمة للغاية فهي أوجدت معيارا يمكننا من معرفة طبيعة الوعي البشري: هل هو عالمي مادي أم فوق عالمي ووراء مادي.
يجب أن يحقق الوعي البشري فهم كامل للعالم مسلم به ومتفق عليه بنفس الطريقة التي يُسلم بها ويُتفق على العلم (الفيزياء) وهذا ما ظلت الانتلجنسيا ( المفكرون) البشرية تأمل به وتسعى له عدة آلاف من السنين. أو على الأقل أن تقل الصعوبة والعناء اللذان يواجهان الوعي في محاولته لفهم العالم اذا كنا نسير في الطريق الصحيح دون أن نصل الغاية المنشودة.
لكن الذي حدث هو العكس اذ بدل من أن نجد تفسيرا وفهما لقضايا العالم الغامضة والمختلف عليها ( والاختلاف - الفكري - دائما وحتما نتيجة للغموض) دخلت الفيزياء ( وهي أكثر فروع المعرفة البشرية وضوحا واتفاقا) دخلت نطاق الغموض مع ميكانيك الكم ولا تزال تتوغل فيه أكثر وأكثر حتى بات من غير الممكن لغير المختص فهم اسس الفيزياء الحديثة وحتى المختصون يفهمونها بطريقة رياضياتية تؤكد صحة الموضوعات رياضياتيا دون أن تجعل تلك الموضوعات مفهومة ومُعَرَفة حتى للمختصين أنفسهم.
ان صعوبة فهم العالم ازدادت بما لا يعد من المرات عما كانت عليه بدل أن تنقص؛ اذاً نحن لا نسير في طريق يمكن وعينا من فهم العالم! لأن هذا الطريق غير موجود اذا كان الوعي عالمي – جزء من العالم - .
هذا يدلل على أن الوعي وبالتالي الحياة البشريين عالميين وليسا فوق كونيين. حتى مع تلك الفرضية الموجودة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة لم يتمكن الوعي البشري من فهم العالم ولا ذاته ولا حتى الاقتراب من ذلك أو تقليل صعوبته.
ان كون الوعي البشري فوق عالمي يقتضي قطعا ويتطلب حتما الحصول على فهم – كامل: مسلم به ومتفق عليه - للعالم.

يتجلى تفوق الفكر الصوفي – وهو فكر ديني وان اختلف حتى من حيث الجوهر مع الدين الأصولي - في أنه اكتشف حتى قبل العلم استحالة فهم العالم؛ وكان يمكن ان يؤسس لنموذج مختلف ومتقدم من الدين لولا أنه سقط في بحار من الخرافات والشخصنة التي هي مناقضة لجوهره – التصوف – ؛ فعل ذلك لأسباب كثيرة من أهمها أنه ظل في موقع المتهم والمحاصر من قبل التيارات الدينية المسيطرة فلم يجد له ملجأً للبقاء الا استمالة عامة بسطاء الناس بالطرق التي يعشقوها وبالتالي لم يستطع تحرير نفسه ليشكل تيارا مستقلا عن الأصولية الدينية ومتقدما عليها.
الفكر الصوفي فكر انساني مستقل ومختلف عن الفكر العلمي وعن الفكر الديني بشكله الأصولي (لعله يحتويهما بشكل ما ويخالفهما بشكل آخر) فهو قائم على ثنائية الظاهر والباطن – أو الشريعة والحقيقة - (ربما يمكن ربطهما بالوعي واللاوعي في علم النفس الحديث وعليه يمكن القول أن العالم كما يبدو للوعي هو الظاهر وكما يبدو للاوعي هو الباطن). الفكر الديني الأصولي أحادي الحقيقة تقوم حقيقته على قوة فوق كونية مفارقة للعالم والانسان ومتعالية عليه ولا يمكن التواصل معها الا بطرقها التي تتم عادة من خلال المصطفين أو المختارين فالفكر الديني التقليدي فكر مؤسساتي ولو أتاح التواصل الشخصي الفردي مع ما وراء الطبيعة لانهارت المؤسسات، أما الانسان الفرد فلا قيمة له: هو خاطيء وتافه بالضرورة لأنه أقل من غيره من البشر الذين يملكون الحق والقدرة على الاتصال بالمطلق والحصانة من الخطأ اللازمة لذلك والممتنعة حتما على الأفراد العاديين الذين هم غالبية البشر. كذلك الفكر العلمي فكر انساني شامل يتطلب الاجماع البشري على صحة قضاياه وعليه يظل الانسان الفرد ضئيل بالضرورة؛ خاضع للقانون الفيزيائي والقدر الاحتمالي مثله مثل الحجر.
يفصل الفكر الصوفي بين الظاهر – الوعي - حيث هو هنا يتفق مع العلم الفيزيائي تماما مع تسليمه التام بأن الوعي لا يمكنه فهم العالم ولا هو بحاجة لذلك وكنتيجة لذلك يصح التسليم بأن الظاهر ليس مناطا به التواصل مع المطلق لأن كون الوعي عالمي – جزء من العالم - يجعل تكليفه فهم ما فوق العالم أو التواصل معه تكليف بما لا يطاق حسب تعبير الفقهاء. أما من حيث الباطن فان كل شخص فرد يتصل بالمطلق بشكل ما، وهنا يوجد تواصل من نوع باطن شخصي وفردي غير قابل للتعميم. لكن لا أحد هنا يتحدث عن فهم فالفهم من خواص الوعي أو الظاهر. يسمي المتصوفة هذا التواصل أو الوصال أحيانا بالذوق. هذا الفصل هو أساس ثنائية ابن رشد التي يعتبرها المفكرون الغربيون أهم فكرة فلسفية في الفكر العربي وكل فكر العصور الوسطى ويعتبرها معظمهم الفكرة التي مهدت الطريق لنشوء العلم الحديث.
وكذلك مهدت هذه الثنائية لفصل الايمان عن القانون وهو ما يسمى أحيانا بالعلمانية وانطلاقا منها قرر المتصوفة المسلمون أن الأحكام تبنى على الظاهر وهو يساوي القول أن الشرائع أو القوانيين تبنى على الوعي الذي هو المشترك الانساني. وهذا طبيعي فهما حسب الفكر الصوفي ينتميان الى عالمين مختلفين: الايمان من عالم الباطن بينما الشرع أو القانون من عالم الظاهر.
الصوفية فكر انساني يفصل حاجات الانسان المادية والروحية في عالمين حتى لا تهلك احداهما الأخرى – وهو ما حصل طوال التاريخ – والرابط بينهما هو الانسان الفرد كل حسب استعداده وحاجته. يمكن ان يقال أن العالم الروحي الباطني مجرد تصور بشري، لكن أليس هذا التصور مرده الى حاجة انسانية وهل هناك مناص من تلبية حاجات النفس الانسانية، العلم ذاته نشأ واستمر لهذا الغرض؛ تلبية حاجات الانسان. ان هذا يبدو اليوم أفضل الطرق المؤدية الى استمرار تطوير فهمنا للعالم حتى لو امتنع فهم العامل بشكل تام ومواصلة تحسين حياة الناس حتى لو تعذر كمال ذلك .

الفكر الصوفي له ثلاث تفسيرات للمطلق فهو – المطلق – اما الكون فقط أو الكون وما فوق الكون أو ما فوق الكون فقط (ليس في الوجود الا الله) ولكن النتيجة هي عينها فالشخص يتصل بالمطلق بشكل فردي ودليله على المطلق هو فردي خاص وهذا معنى كونه باطني .
العلم يسلم بأنه لا دليل على مطلق وكذلك الدين الأصولي سلم اخيرا بأنه ليس هناك من دليل يقدمه الوعي – أو العقل – على المطلق لذا حصر أدلته بفرضيات غير قابلة للنقض يسميها المعجزات والفكر الصوفي – مثله مثل العلم - يدرك تماما أن هذه الأدلة هي من النوع الذي لا يقنع الا من سبق له أن اقتنع.
الدليل الصوفي فردي يحصل عليه كل فرد في باطنه بوسيلة خاصة ما؛ ومعظمهم يميل الى أن المجاهدة وتطهير النفس هو الطريق الأكثر ملاءمة لذلك.
تطهير النفس من النقائص ما هو؟ أليس هو السمو بالنفس الى تحقيق مصلحتها ومصلحة غيرها من الناس والكائنات؟ أليس هذا هو الحب؟ القضية هنا مقررة بشكل دقيق معكوس: أحب نفسك والعالم والرابط أو الشيء الذي يضم ذاتك والعالم (سواء كنتم واحد أو اثنان أو ثلاثة لا فرق) فيكون موجودا وخيرا. لأن الحكيم الخير لا يحب سرابا ولا شرا. وهذه أهم مميزات الفكر الصوفي فكل فكر ينطلق من مسلمة لا يطلب عليها برهان ولا هي تحتاج الى برهان والمنطلق المسلم به للفكرالصوفي هو أن الانسان حكيم خير وصفة خير الثانية للتأكيد دفعا لأي شبهة لأن كونه خير متضمن في كونه حكيم.
احتيج لدفع الشبهة لأن الانسان في الفكر الفيزيائي لا يختلف عن الحجر يحكمه القانون والقدر وهو في الفكر الديني الأصولي خاطيء يقوده مقدس من خلال قديس يصير في النهاية مقدسا. في الفكر الصوفي كل فرد خطاء ولا أحد خاطيء وكل فرد قديس ولا أحد مقدس. أما لمقدس أو المطلق فوصاله - الاتصال به - شأن باطني شخصي فردي.

العلم والدين هما شيء واحد نشأ عن الحاجة الى فهم العالم وبقيا متحدين عصورا طويلة ثم افترقا في لحظة أدرك فيها العلم أن هناك خللا قاتلا في التفسير الديني للعالم – بكل أشكاله – ونتيجة لمعطيات العلم عاد الدين ليدرك ذلك. فهل يعودان الى الاتحاد بشكل ما بعد أن صار مسلما بأننا لا نملك فهما كاملا للعالم وهو ما يقتضي أن الوعي عالمي وليس فوق عالمي؟ خاصة اذا علمنا أن ادراك العلم ضحالة التفسير الديني – الأصولي - للعالم بان وظهر نتيجة للضوء الباهر الذي أناره الفكر الديني ذاته لكن بشكله الصوفي لا الأصولي.



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا؛ يخسر الأقوياء ويختفي الضعفاء
- زيادة السكان مشكلة المنطقة الأهم
- الديمقراطية ليست حكم الأكثرية
- الطيران
- بستان التفاح والإبداع البشري
- الروح
- التوحيد بين الايمان والالحاد -سر التثليث-
- المفقود
- دين التقدم
- الإعجاز بين الفهم واللافهم
- الإله كصديق
- تحول أسلوب السلطة في الإسلام بعد فتح مكة وتأثيره على الإسلام
- سأغفر لله
- قيمة الدين بشكله القديم
- السقوط
- هل هناك عقلانية زائدة؟
- الأشراف والتهجين
- الايمان الأصيل والإلحاد وجهان لحالة واحدة
- رب شرير أم إسلام قديم؟
- الرغبة والفكر


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - هل الوعي فوق كوني؟ مسيرة الدين والعلم مع الفكر الصوفي