قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4279 - 2013 / 11 / 18 - 03:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اعتدنا نحن الهيتين كما هم العراقيون، ومنذ أن ولدنا أن يحيي أهلنا في ليل أول أحد من شهر شعبان ليلة عرفنا اسمها من أهلنا بأنها ليلة الزكريا أو ليلة زكريا، وعرفنا سببها من أمهاتنا حيث قصوا لنا الحكاية ،فقلن لنا: إن اسم الليل اقترن باسم النبي زكريا عليه السلام، الذي رجا ربه بأن يرزقه بولد بعد أن بلغ الثانية والتسعين من عمره ،ولم يولد له ولد من زوجته العاقر أيشاع التي كانت في الثامنة والتسعين من العمر ، وقد لبى الله سبحانه وتعالى طلب زكريا فرزقه بأبنه الذي أسماه ( يحيى) ، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:" يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا . قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا. قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا "، وعلى وفق هذا اتخذت هذه الليلة طقسا للنساء اللائي لا ينجبن ثم يرزقهن الله بمولود، فالليلة هذه تعد عيد ميلاد لكل طفل ولد بعد رجاء من الله تقدم به الوالدان.
هذه هي قصة ليلة الزكريا ، أما كيف كانت تقام طقوسها عندنا في مدينة هيت فأقول: لقد كان الأهل وبالأخص الأمهات وفي كل البيوت الهيتية يتهيأن لهذه الليلة المباركة ، فيقمن بشراء ما كان متوفرا من الحلويات في تلك السنين، وهي وعلى وفق ما عشته في اكثر من عشرين ليلة من هذه الليالي بدأت في الخامسة من عمري : الجكليت ، والحامض حلو ، واللقم أو الحلقوم ، والخرفيش، وبيض الحمام، وبعض المكسرات ، ويوضع كل نوع بماعون ، ولا تنسى أمهاتنا من وضع ماعون من الدبس مزينا بالسمسم ،وتوضع جميع المواعين بأكبر صينية في البيت، ويتم ترتيبها بشكل دائري حول الشموع الملونة التي تختلف الوانها وأحجامها، ولكنها تكون بعدد أهل البيت المحتفلين بهذه الليلة ، وتوضع الصينية ومحتوياتها على مسطبة صغيرة. ومن العوائل من كان يضع اغصانا من الياس وعلى حسب المتوفر، ونجلس نحن الأطفال حولها بعد أن توقد الشموع، مرددين ببراءة وبما يشبه الأغنية " يا زكريا عودي عليا، كل سنة وكل عام ننصب صينية"، ونبقى ننتظر حتى تنطفأ آخر شمعة فنأكل حصتنا مما في صينية زكريا من حلويات.
هكذا كنا نعيش أيامنا وأعيادنا فرحين مستبشرين، لا نرى في الحياة غير الحب والأمل. رحم الله أمهاتنا الطيبات ، وأسعد الله أمهات العراقيين في أيامنا هذه وجعل كل لياليهن زكريا.
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟