|
القراءة رياضة ذهنية ، تقي من البلاهة والكسل العقلي
اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة
(Asmaa M Mustafa)
الحوار المتمدن-العدد: 4278 - 2013 / 11 / 17 - 02:45
المحور:
الطب , والعلوم
إذا كانت الرياضة البدنية تمنح الإنسان الحيوية وتنمي قدراته الحركية ولياقته الجسدية ، فإنّ القراءة رياضة ذهنية تنشط المخ وتحميه من الكسل والخمول العقليين اللذين يصيبان الإنسان حين مشاهدته التلفاز ، إذ أثبتت الأبحاث الحديثة أنّ القراءة تنشط الخلايا الخاملة او الساكنة في المخ بينما لاتفعل مشاهدة القنوات او ممارسة ألعاب الحاسوب ذلك . وقد قام علماء أعصاب بريطانيون مؤخراً ، وفقاً لماتناقلته وسائل الإعلام ، بإجراء أبحاث على مجموعة متطوعين عن تأثيرات مطالعة الكتب والصحف الورقية على القدرات الذهنية للإنسان ، بدفع ٍ من مراقبتهم إتساع التقنية المعلوماتية في الحياة ، ماأدى الى إتساع مساحة مشاهدة الأفلام والاستماع الى الكتب الصوتية وممارسة الألعاب الالكترونية على حساب مطالعة الكتب والصحف الورقية . وجد العلماء أن الدم ، خلال القراءة ، يتدفق إلى مناطق في المخ مسؤولة عن التركيز واستقبال المعلومات ، بينما لايصلها الدم في أثناء مشاهدة القنوات التلفازية او ممارسة الألعاب الالكترونية . كما توصل العلماء الى أن الجسم يؤدي وظائف تختلف هي الأخرى باختلاف الهدف من القراءة وطريقتها ، فوظائفه إذا كانت القراءة بقصد التسلية تختلف عنها فيما لو كانت بهدف التركيز ، فهذا الأخير وإن كان يشكل ضغطا على المخ إلاّ أنه يفيده بصفته تمرينا له ، وبذلك تكون القراءة بتركيز محفزة لقدرات المخ . وأثبتت تلك الأبحاث أيضاً أنّ قراءة الإنسان كتب الأدباء الكبار والجيدين تساعد في تحسين مداركه وقدرته على صياغة أفكاره بشكل سليم . إنّ ماتوصل اليه العلماء في أبحاثهم يفسر مانلاحظه من محدودية أفق التفكير وضعف المفردات اللغوية والحوارية لدى الكثيرين ممن لايولون القراءة إهتماماً ، ونحن هنا لانقصد أي قراءة ، بل تلك التي تدور حول كتب ثرية المحتوى ، إذ ندرك جميعا أن كتباً فكرية وأدبية وعلمية تتطلب قراءتها تركيزا، كي يستفيد قارئها منها ، بينما قراءة كتب ذات محتويات سطحية او بسيطة او لاتتطلب تركيزا او تفكيرا او تحليلا ، لاتشكل قراءة فاعلة تعود بالنفع على صاحبها . قد يجوز لنا تشبيه فعل القراءة الواعية على مخ الإنسان وتفكيره خلال سنوات حياته ، بخط بياني يتصاعد فيه عمل ونشاط خلايا المخ ويتطور تفكيره بشكل مستمر . وحيث أن العقل هو مجموعة معارف يستحصلها الإنسان من خلال تجاربه الحياتية ، فإنّ القراءة الواعية هي تجربة إيجابية بحد ذاتها ، وإنّ مرافقة كتاب واحد ثري المحتوى ترفع التفكير درجة ، على سبيل المثال ، ومن ثم يرتفع درجة أخرى مع قراءة كتاب هادف آخر ، وهكذا الى أن تتسع مدارك الإنسان باستمرار مع كل رحلة قرائية ، مثلما تتبلور الشخصية وتنضج أكثر بعد كل تجربة حياتية . ولعلّ القارئ الواعي يدرك بنفسه مثلما يلاحظ الآخرون ، التطور الفكري الذي يطرأ عليه تدريجيا ، فيرى أن أفكاره ومفرداته تتغير وتتطور بمرور السنين ، وإن أفق تفكيره في شبابه ، أوسع مما كان في فتوته ، وفي كبره أوسع مما كان في شبابه ، وهذا يعود ، الى جملة أسباب ، لعلّ القراءة في مقدمتها . ومن المؤكد أن لا أحدَ منا يرغب بأن يجلس بين أناس آخرين يتحدثون في موضوع ثقافي مثلاً ، ويجد نفسه كالأبله لايفهم مايقال ولايعرف ماذا يقول ، لذا يكون تفادي هذا الموقف المحرج بالقراءة المستمرة والمختارة بعناية . كما إنّ النتيجة الحسنة الأخرى التي تؤدي اليها القراءات أنها تزيد من رصيدنا اللغوي وتجعل أسلوبنا في الحديث أدق وأجمل وأكثر إقناعاً ، وهو مايكسبنا هالة من الجاذبية في عيون الآخرين . وعليه ، ندعو شبابنا وشاباتنا الى الإهتمام بالمطالعة والمواظبة عليها ، لأن تجاربها تعود عليهم بالنفع ، حين يجدون بين الأغلفة تجارب وحيوات تؤثر فيهم وفي مداركهم وتنقل وعيهم من حال او درجة الى أخرى عليا ، لاسيما وهم يتحركون بين عوالم تصيبهم بالدهشة ، ماكانوا يتصورون أنهم سيعرفونها او يلجون اليها قبل مرافقة كتاب غزير المحتوى ، وهو مالايحققه إدمان مشاهدة التلفاز وممارسة ألعاب الحاسوب والهاتف النقال والأنترنت ، فهذه تسطح التفكير لأنها لاتدعو لتشغيل خلايا الدماغ كما تفعل القراءة ، كما إن الإفراط في مشاهدة البرامج التي لاتدعو للتفكير الى درجة الإدمان قد يعطل ، ليس التفكير فقط ، وإنما القيم الجميلة التي تستبدل بأخرى غير عميقة بفعل التسطح الفكري والفقر الثقافي والجوع الروحي ، سيما إن القراءة غذاء للروح والقلب كما هي غذاء للعقل ، بينما الانغماس المفرط في نتاجات تكنولوجيا الإتصال يُضعف الجانب الروحي للإنسان وعلاقاته بالآخرين . وعلى العكس من كل إفراط في الحياة ، قد يؤدي الى نتائج عكسية ، فإنّ الإفراط في القراءة العميقة والجادة ، ينتج عنه وعي أكبر وأفق أوسع ، فخذوا الكتاب رفيقاً ينفع دائما ولايضر أبداً.
#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)
Asmaa_M_Mustafa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللامرئي
-
أنستاس ماري الكرملي .. رحلة حياة حافلة وذكرى خالدة
-
ثقافة حياة : النظافة العامة احترام للذات وشعور بالمسؤولية تج
...
-
بروفايل بقلم عواطف مدلول
-
قصة قصيرة : الدود
-
تقاعد البرلمانيين ... نفسي ومن ثم الشعب !!
-
من قلبي كلمة .. من عقلي أخرى (7)
-
حوار جريدة ملتقى النهرين مع أسماء محمد مصطفى / حين تتألق الم
...
-
قصة قصيرة : اختفاء
-
الفصل من الوظيفة بسبب النميمة والغيبة !!
-
تيه
-
دموع أم قصة قصيرة
-
قصة قصيرة : البيت والريح
-
قصة قصيرة : العشبة الصفراء
-
الحياة قائمة عليها .. هل المحبة صعبة ؟!! / نحو ثقافة المحبة
...
-
في الذكرى الخامسة لصدورها .. مجلة الموروث الثقافية .. كيف ير
...
-
من قلبي كلمة .. من عقلي أخرى (6)
-
من قلبي كلمة .. من عقلي أخرى (5)
-
إعصار جاسمية ، وتجربتي مع الأختين مطرة وطينة (حفظهما الله) ا
...
-
اجعلوا عروش المحبة مزدحمة بكم
المزيد.....
-
أعراض نقص النحاس فى الجسم.. أكلات هتفيدك
-
هل يزيد صفار البيض من مستويات الكوليسترول فى الدم؟ اعرف الحق
...
-
وزارة الصحة تكشف أعراض الإجهاد الحرارى وتوجه رسالة مهمة للمو
...
-
العراق.. جامعة سومر تنهي تكليف رئيس قسم الحاسوب بعد اعتقاله
...
-
إصابة شاروخان ودخوله المستشفى.. كل ما تريد معرفته عن ضربة ال
...
-
ما هي طريقة استخدام حبوب تأخير الدورة الشهرية؟
-
أعراض متحور كورونا الجديد فليرت.. منها آلام العضلات
-
اعرفى أهمية الكشف الدورى وفحص الثدى بداية من سن الأربعين
-
حشرات القراد..كيف تواجهها خلال فصل الصيف؟
-
المريمية أو -القصعين-..هل يمكن أن تحمي هذه العشبة حقًا من أم
...
المزيد.....
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة
/ مالك ابوعليا
المزيد.....
|