أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - مبارك وسياسة إحتواء المعارضة - من ارشيف حزب العمال الشيوعى المصرى















المزيد.....



مبارك وسياسة إحتواء المعارضة - من ارشيف حزب العمال الشيوعى المصرى


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 23:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشر فى مجلة الطليعه الكويتية-- بعد نوفمبر- تشرين الثانى 1981-- ( فرع الخارج )
ملف الطليعة
موضوع الغلاف
مبارك وسياسة احتواء المعارضة
وحدة المعارضة مع النظام لا تعنى سوى التواطؤ مع نهج الخيانة الوطنية
هللت الصحافة المصرية للقرار الحكيم ، الذى اتخذه الرئيس المصرى الجديد بالافراج عن المعتقلين السياسيين فى حملة سبتمبر بذريعة اسهامهم في اذكاء نيران الفتنة الطائفية مثلما هللت من قبل لقرار اعتقالهم ، ولم يقتصر الطابع الاحتفالي بهذا الاجراء على الصحافة ذاتها ، بل تجاوزها حتى طال كل زعماء المعارضة ودوائرها المسؤولة . وحظى بتعليقات ابرز المعتقلين الذين افرج عنهم . وفي غمرة هذا الحدث بدا وكان الاهداف الحقيقية التى اخذت من اجلها المعارضة وقذف بها وراء القضبان , قد تلاشت وذوت لتصبح ذكرى عهد اصبح بائدا . فهل تغيرت مطالب المعارضة ام تغيرت سياسات النظام ؟
ويطرح هذا الاجراء عديدا من الاسئلة تتعلق بالدوافع التى حدت بمبارك لاتخاذ هذا القرار . وهل يعنى ذلك نوعا من الانفتاح السياسي . او نمطا من الانفراج الديمقراطي يتميز عن هذا النوع من الديمقراطية الذى عايناه فى عهد الرئيس الراحل ؟ بمعنى اخر ما هى طبيعة وحدود قرار الافراج ، هذا الاجراء الذي كان متوقعا سواء في عهد الرئيس الراحل ام فى عهد خلفه . وان كان من الطبيعي ان يختلف شكله بعض الشئ ؟ من ناحيه اخرى ما هو اثره من الناحية العملية على المواقف السياسية لاحزاب المعارضة التى استطاعت في الفترة الماضية – مايو حتى سبتمبر خاصة – ان تثير بعض القضايا الهامة في حدود منطلقاتها واهدافها ، وتمكنت من ان تحظى بتعاطف الجمهور السياسي الى حد ما ، هذا اذا استبعدنا من حديثنا بشكل مؤقت حزب التجمع .
ينبغى أن نقول فى البداية . أنه ليس من الحتمي للأنظمة التى أتخذت أشكالاً استثنائية في أسلوب ممارستها للحكم , أن تتخذ منحى واحدا , او طريقة واحدة , فمن المعروف أن من وسائل كل الانظمة التى لا تعبر عن مطامح شعوبها , اللجوء الى ممارسة القمع من جانب , والتضليل بالاصلاحات من جانب آخر . وهذان الشكلان يتضافران بنسب متفاوتة وفق متطلبات الاوضاع العينية المحددة , وفق جدل العلاقات في ميزان القوى بين الاتجاهات السياسية بشكل جوهرى ، بمعنى آخر فان بقاء المحتوى المعادى للديمقراطية وان تباينت أشكاله لا يعنى أن هناك تغيرا نوعيا يؤدى الى نشوء أوضاع جديدة مختلفة.
والحال أننا لا ينبغى أن نبالغ فى مغزي القرار الذى اصدره الرئيس الجديد , بتصور انه نوع من الانفتاح السياسي او الانفراج الديمقراطي ، فقضية الديمقراطية في مصر تتجاوز كثيرا مسألة الافراج عن معتقلى احزاب المعارضة وقد لا يخلو من دلالة معينة الاشارة الى أن القرار قد اتخذ دون أن يتضمن حفظا للتحقيق ، وهو ما يفيد ان الاخير بمثابة سيف مسلط يمكن استئنافه فى اي وقت شاءت السلطة .
ومهما يكن من شئ فما يمكن الجزم به هو بقاء شكل الحكم بما يرتبط به من سلسله كاملة من القوانين الاستثنانية . فضلا عن غياب حرية تشكيل الاحزاب الشعبية وحرية الصحافة , اضافة الى تحريم أشكال التعبير عن الرأي ووسائله وأدواته , والاستمرار في فرض الوصاية على النقابات المهنية والعمالية الخ ..... ان كل هذا لا يعني أن هناك انفتاحا سياسيا او انفراجا ديمقراطيا . وبالاحرى لا يعنى اننا على مشارف تغيرات ديمقراطية جذرية . وهو أمر لا يمكن ان يحدث تلقائيا من داخل وبمبادرة النظام . وانما عبر ضغوط القوى السياسية التى من مصلحتها اجراء هذا التغيير .
ان مبارك يعرف اكثر من اي حد آخر ان احزاب المعارضة لم تقم بإثارة الفتنة الطائفية . بل يعرف على نحو اكثر تأكيداً بأنها هى التى ناهضتها. وان الفتنة الطائفية لم تكن سوى ذريعة لضربها . حين حرضت ضد اتفاقيتى كامب ديفيد بما يترتب عليها من تطبيع العلاقات , ومن سياسه الانفتاح الاقتصادى بالشكل "الاستهلاكي" الذى تجرى به فحسب . كما أنها ناهضت شكل الحكم الاستثنائى الذي لا يتيح لها الاسهام والمشاركة في اتخاذ القررارت السياسية .
فاذا كان مبارك قد سعى الى "توحيد الصف وتعبئة وحشد الجهد القومى وراء القيادة الجديدة" فذلك لانه لا يخشى خطر المعارضة . ويدعم ذلك ما جاء على لسانه تبريرا لقرار الافراج حين تجمع بعض مستشاريه وسألهم : " هل في التصرفات المنسوبة الى المتحفظ عليهم من السياسيين ...ما يشكل اى خطر على أمن مصر . او تكون له أدنى صلة بأحداث الفتنة الطائفية أم بمخطط الارهاب الذى نواجهة الان". واجاب الجميع بأن "لا" . وعلى ذلك أصدر الرئيس الجديد قراره.
وما حاجته في الواقع الى الاستمرار في اجراء اتخذه الرئيس الراحل اذا كان بامكانه أن يصل الى ذات النتائج التى توخاها سلفه بغير هذا الاجراء الصارخ بما احاط به من ملابسات . بمعنى اخر لماذا يلجأ الى اعتقال عناصر من احزاب تقبل المهادنة . بنفس القدر الذى ترحب فيه بأعادتها الى " جادة الصواب " وذلك ما تفترضه طبيعتها كاحزاب لاتجاهات داخل الرأسمالية الكبيرة . وآفاقها هى ذاتها . بل ان برامجها وتوجهاتها لا تعرف إي تمايز جوهري عن النظام ذاته.
فاذا كانت هذه الخطوة "الانفراجية" ستكون عربون مساومة لكف هؤلاء المعارضين عن دعايتهم – التى كفوا عنها قبلها – التى تمثل خطرها الاساسى رغم عدم جذريتها فى التقاءها بالسخط الشعبى . وهو المادة الملتبهة القابلة للانفجار فيكون اذن قد حقق نفس غرض سلفه الراحل الذى اعتقلوا من اجله بطريقه تبدو اكثر " ديمقراطية".. " اكثر ليبرالية" .
واذا كانت " اسرائيل" قد صورت قرار الافراج بأنه محاولة من الرئيس الجديد للابتعاد عن خط السادات فينبغى ان نعرف انه لا ضير في الحديث عن التشدد حين يجرى عن طرف ننتزع منه أقصى التنازلات . ومن ثم فان مبارك لا يبتعد عن سياسه سلفه اذا كان قد نجح في احتواء المعارضة ودمجها في سياسات النظام ،وهذا ما تدركه "اسرائيل" جيدا بالطبع . والمغزى يكمن في تحسين هذه الخطوة – الوحدوية- بين المعارضة والسلطة واكسابها نوعا من الحظوة وذلك بالحديث عنها من خلال نغمة رافضة . فخطوة مبارك الفطنة هى افضل تحقيق ليساسة السادات .
• ضرورات وحدة المعارضة مع النظام
حين التقى مبارك ببعض قادة المعارضة ادرك حدود مطالبهم فهى لا تتعدى كما قيل اطلاق حرية تكوين الاحزاب – من نمط جزب الجبهة الوطنية الذى اعترضت عليه لجنة قيام الاحزاب - واقرار مبدأ الانتخاب الحر بدلا من نظام القوائم المطلقة واعطاء الصحافة حريتها بجعل اختيار رؤساء مجالس الادارات ورؤساء التحرير خاضعا للاختيار المباشر ( الانتخاب المباشر) ويمكن ان نلاحظ تراجع شعار الجمهورية البرلمانية والمطالب المتعلقة بشكل الحكم ، فضلا عن المواقف التى اتخذت من اتفاقيتى كامب ديفيد , رغم حرص قادة هذه الاحزاب على الاعلان عن عدم تخليهم عن برامجهم السابقة , غير ان البرهان الحقيقي يظل المواقف العملية .
وهكذا شقت صفوف " التآلف الوطنى" العريض ، الذى دعت اليه بعض اطراف المعارضة ومن بينها حزب التجمع . فضلا عن الحزب الشيوعي المصري الذي راودته فكرة انشاء جبهة تضم التيار الدينى وكافة احزاب المعارضة .
تقوم على برنامج من أربع نقاط . يشمل اسقاط سياسة كامب ديفيد , والانفتاح الاقتصادى ويسعى لاقامة اقتصاد يقوم على التنمية المستقلة , ويعتبران قضية فلسطين قضية مصرية مباشرة .
لقد شقت صفوف هذا التآلف بالفشل فى اجتذاب التيار الدينى الذى اتخذ منحى آخر . وأجهز عليه بالتخلى الصريح عن النقاط البرنامجية السالفة من حزبى العمل والوفد والأحزاب تحت التأسيس , فضلا عن المستقلين . وأخيرا لم يملك حزب التجمع الذى ينطلق من مواقف وطنية وديمقراطية غير متماسكة الا ان يقع أسير انحياز "الحلفاء" للنظام . وان يتخبط بالتالي هنا وهناك . وهكذا قضى على التآلف عند اول امتحان حقيقى قبل ان ينجز ايا من اهدافه كاشفا بذلك عن الطبيعة الاجتماعية لاحزاب المعارضة ومسددا ضربة قاصمة للاوهام التى راجت حولها . فقد تبين انه لم يكن من شأنها أن تقوم " بالانقاذ الوطنى " .
ولذا فان وحدة المعارضة مع النظام لا تعني شيئاً – حتى وان اسميت وحدة وطنية – سوى التواطؤ مع نهج الخيانة الوطنية في الواقع .
لقد ادركت احزاب المعارضة – التى تمثل اتجاهات رأسمالية داخل النظام ذاته – أن النظام بعد مقتل السادات يمر بمنعطف خطير .فمن نا حية هناك التسوية الاستسلامية وما يرتبط بها من الانسحاب الاسرائيلي في مرحلته الثالثة . وكون ان ((اسرائيل)) تحاول ابتزاز النظام من واقع رفض احزاب المعارضة لبعض جوانب التسوية رغم انها لا ترفضها من أسسها فهى توافق على ((الاعتراف باسرائيل , وبحدودها الامنة , وبالعلاقات الطبيعية )) – لكن دون الزام كما هو حادث – وقد ادركت المعارضة مغزى اغتيال السادات بما يعنى من رفض عنيف لكامب ديفيد فكان عليها أن تقلص اعتراضاتها حتى لا تفلت الامور شعبيا ((بحيث تتوجه لجذور هذه السياسات التى تحرص عليها ، خاصة وان قابلية الجماهير لمواجهة النظام ، مهما بدت الامور هادئة على السطح .قائمة تقريبا في كل لحظة يمكن ان تفجرها شرارات قليله . اضف الى ذلك أن هناك عوامل عديدة قابلة لتفجير الوضع الداخلى وعمادها الاوضاع الاقتصادية المتردية ، فهناك التضخم المتسارع , واختلال علاقة الاجور بالاسعار , ومشكلات البطالة والاسكان والصحة والمرافق والتعليم ... الخ فضلا عن سياسة الانفتاح الاقتصادي التى زادت من التفاوت الاجتماعى واضفت طابعا طفيليا واستهلاكيا يؤجج السخط الاجتماعى على النظام وحكوماته . فضلا عن عدم جدوى دعم الدولة لبعض السلع الاساسية .اما الاجراءات التى اتخذها الرئيس الجديد فلن تجدى لانها تقوم اصلا على قبول التبعية الاقتصادية للغرب الاستعمارى . وهى تحاول التخفيف من بعض مظاهر شرور التبعية الرأسمالية ، وهى لن تختفى . الا باختفاء مصدر الشرور ذاته . فرفض الوساطة او المحسوبية او الشللية – هذه المظاهر التى أحيطت بطنين مدو – فضلا عن انها لا تعتبر تغيرا في السياسة الاقتصادية , لا يمكن من الناحية الفعلية القضاء عليها في مجتمع طبيعته ان يفرزها .
وكل وظيفة هذه الاجراءات التى تكمن قيمتها الحقيقية في تردادها والاعلان عنها اكثر من اي شيء اخر . انها تهدف فقط الى تبديد السخط الشعبى على فضائح النظام الصارخة .
ويبقى بعد ذلك التيار الدينى المتطرف الذي واجهته السلطة في الشهرين الماضيين مواجهة عنيفة . بحيث يمكن القول بأنها قضت عليه من الناحية الاساسية في أشكاله العنيفة والمسلحة . وما استمرار الادعاء بضرورة مواجهة هذا التيار سوى شعار لتغطية (( الوحدة الوطنية )) المطلوبة لتمرير التسوية على الشعب في شكل كامب ديفيد بما يرتبط به من تطبيع . هذا من جانب ، ومن جانب اخر ايقاف حملات المعارضة التى كانت رغم حدودها وقصورها تلتقى مع سخط قطاعات واسعة نسبيا من الشعب المصرى ، وتقدم مادة يمكن ان يتجاوزها هذا الاخير في حركته المستقلة بعيدا عنها . وذلك على الاغلب تحت قيادة الاحزاب والمنظمات غير العلنية التى ترفض في معظمها سياسات النظام بدرجات تتفاوت في جذريتها.
ولا يخلو من دلالة في هذا الصدد أن نشير الى ان الرئيس الجديد قد افتتح عهده بتوجيه ضربة بوليسية الى منظمتين يسارتين زاعما ان احداهما تهئ لشن كفاح مسلح .
والمنظمتان رافضتان لسياسة كامب دايفيد ، والانفتاح الاقتصادى ، وتحاولان كما قيل في صحف الحكومة عرقلة التطبيع مع العدو الاسرائيلي بتهيئة قواعد جماهيرية رافضة
• السلطة وحدود المعارضة
لقد دعا مبارك قبل قراره الاخير بفترة طويلة احزاب المعارضة الى ترك ((النظريات العقيمة)) ... ويبدو ان هذه الاحزاب قد ادركت اخيرا انها ينبغى ان تتخلي عن بعض مطالبها السياسية بهدف ان تحتفظ بسلطتها الاجتماعية التى يمثلها النظام ويحميها من مخاطر الثورة .
فماذا تريد السلطة من المعارضة واحزابها وباى منطق تسعى لتشكيل مستقبلها ؟
لقد عبر د. صوفى ابو طالب بشكل دقيق عما تريده السلطة من احزاب المعارضة ، وهو امر يحدد مستقبل الاحزاب ودورها السياسي ، كما يؤدى الى استنتاجات عامة بصدد مواقف السلطة منها اذا ما عزفت عن هذا التصور الرسمى فما هو هذا التصور ؟
أن دستور المعارضة كما يراه رئيس مجلس الشعب هو ((ميثاق شرف)) جديد يتواءم مع مرحلة يعتبرها من احرج مراحل العمل السياسي في مصر . وذلك يدعوه الى ان يبدأ بوضع تمييز صارم بين المعارضة والمناهضة ، فالمعارضة تلتزم بثورتى يوليو ومايو . اما المناهضة ، فتريد هدم الثورتين وهدم كل شيئ . وهو بالطبع يواصل تقاليد الرئيس الراحل الذي كان أول من حدد خصائص المعارضة والمناهضة ، فالمعارضة اذا دققنا تعنى التطابق مع النظام في القضايا الاساسية ، بينما تعنى المناهضة رفض هذه المواقف ، ولان مايو بثورته الانقلابية يعتبر تطويرا من وجهة نظر النظام – لثورة- يوليو فلا معنى اذن للتمييز الذى يقوم على مواجهة الانجازات القومية في العهد الناصري بتدهور وتفريط عهد الردة الذي تم فيه الانقلاب على هذه الانجازات ، بل ينبغى وضعهما متجاورتين وكأن احداهما تكمل الاخرى .!
ويطالب رئيس مجلس الشعب بمطلب يبدو أساسياً ولا يقتصر فقط على الفترة الراهنة وهو ضرورة حلول الوئام بين الحكومة وأحزاب المعارضة ، وينوه بأن هذا لا يعنى انكماشا في دورها في العمل السياسي . بل توسيعا لهذا الدور . ولكن بالطبع في اطار النظام فأولى المهام التى يضعها على عاتقة ، هى مقاومة الفكر الدينى المتطرف الذي اسهمت السلطة نفسها في دفعه للحدود القصوى ، وحصدت ثماره العنيفة. وراحت الان تدعو للحوار بالكلمة بديلا عن التراشق بالرصاص ، ولا يفوته أن يشير وهو بصدد تحديد موضع المعارضة من النظام التي يعتبرها (( جزءا من النظام )) الى ان ما حدث قبل حملة سبتمبر هو أن كثيراً من (( المناهضين )) لنظام الحكم قد تسللوا الى صفوف المعارضة ،سواء في الصحف او في المؤتمرات )) ..وهو يأمل أن نبدأ المعارضة بداية جديدة تطهر فيها صفوفها بوجه خاص من سياستها في الفترة الماضية .
فاذا كانت أولى مهام المعارضة هى مواجهة التطرف الدينى كما يزعم رئيس مجلس الشعب فما هى الحدود التى يمكن أن تمارس نشاطها فيها ؟
انه يقدم نموذجا لا يخلو من ((إلهام)) نعنى نموذج المعارضة (( الاسرائيلية)) التى تقف احزابها مع الحكومة في ((المسائل القومية )) وقفة رجل ورأى واحد . مقترحا على المعارضة أن تتخذ نفس الموقف بصدد سياسة التفريط في الاستقلال القومى وانتهاج خط التبعية . ثم يعارض البعد الحزبى بالبعد القومى ، ويرى أن المعارضة يجب أن تسمو فوق الخلافات الحزبية . وكأن الخلافات الحزبية لا تدور حول القضايا القومية ذاتها ولكن بمناهج وسياسات مختلفة . وفي الواقع فان ما هو ((قومى)) تقرره السلطة وملحقها الحزب الوطنى الديمقراطى ، وهو لا يمانع في أن تدور مناقشات بين الاحزاب ((المعارضة لا المناهضة )) حول هذه الامور القومية ، فاذا ما تم الاتفاق على شئ التزمت به !. وبالطبع فان حزب الحكومة هو حزب الاغلبية ، فيملك من ثم الزامها (( قوميا)) وذلك عبر الشكل الديمقراطي ..شكل التصويت .
ولاينبغى ان نتعجل فما زال المجال رحبا امام احزاب المعارضة حتى تختلف مع السياسات الرسمية كما شاءت .
فهى من ناحية لها حق ( مراقبة تنفيذ ما اتفق عليه فى السياسات القومية (هل يجرى التطبيع بالمعدلات الواجبة أم لا؟ - هذا على سبيل المثال) اما حريتها المطلقة التى لا حدود لها فتنالها في الامور الداخلية وخصوصا ، كما يقول رئيس مجلس الشعب من المفروض أن المعارضة لها برنامج حزبي في العمل مختلف عن البرنامج الذى يقوم عليه حزب الاغلبية في المسائل الكبيرة ،(فما هى هذه المسائل الكبيرة ؟) فمثلا بالنسبة للأرض الجديدة أو الارض الصحراوية أسلوب الحزب الوطنى فيها يقوم على أسلوب معين معروف يعطى توزيع هذه الاراضى لشركات وجميعات تعاونية ، بعض المعارضة مثل حزب الاحرار يقول لا .. افتحها بلا قيود .. حزب العمل يركز على التعاونيات أكثر منه على الشركات .. مثال آخر .. في نظام الانتخابات مثلا .. بعض الاحزاب تأخذ بنظام القائمة بالاغلبية المطلقة – المعارضة تقول انا موافقة على القائمة لكن بأغلبية نسبية .. وهذا اختلاف جذرى .. ان مجال العمل للمعارضة مجال كبير جدا واسع جدا ).
ولا يخفى على أحد رحابة هذا المجال الواسع الذي يضيق بأى تطرق للسياسات القومية الكبري حقا . التى من بينها اتفاقتى كامب ديفيد وما يرتبط بهما من تطبيع ، والتبعية الشاملة للولايات المتحدة الامريكية ، وسياسة التبعية الاقتصادية للغرب الإمبريالي . فضلا عن كافة القضايا المتعلقة التى يرتبط انتزاع أدواتها بالنضال من اجل القضية الوطنية .. فالاختلاف مع سياسات النظام في هذه القضايا الكبرى حقا والقومية لا تدخل كلها في مجالات السلطة الرحبة .
فهل يمكن أن نطلق صفة الحزب على (جماعات) لا تتطرق لهذه القضايا الاساسية والحيوية وتقصر اهتمامها على مشاكل الاراضى الصحراوية ، ويكفيها التنازع حول القوائم اتكون نسبية أم مطلقة !
وحين يوجه السيد ابو طالب اهم انتقاداته الى المعارضة فانه يبرز جوهر هذه الانتقادات حين يمركزها حول اتفاقها ثم اختلافها مع كامب دافيد – يقصد حزب العمل – اضف الى ذلك معارضتها التطبيع والاتفاقيات الاقتصادية ويعتبر انه من غير المنطقى الاتفاق مع المعاهدة ورفض نتائجها ، وهو كلام غير مقبول لديه ( لان مصائر الشعوب لا تقرر بهذه البساطة ) ، . وتكتسب ملاحظته الاخيرة في الآونة الراهنة أهمية خاصة ، حيث تتوهم معظم – ان لم يكن كل – احزاب المعارضة الآن ، انه من الممكن الموافقة على مضض على الكامب ورفض نتائجه ... بل ويبلغ دهاؤها الساذج مداه لتتصور امكانية التحايل على المعاهدة . ولا يمكن من ثم لهذا اللعن الكلامى الا ان يكون شكليا ، مهما صوحب بادعاءات وممانعات لفظية .
فاذا كان هذا ما تريده السلطة لاحزاب المعارضة فما هو موقف الاخيرة مما يراد لها ؟
يقال انه في الصراعات التاريخية لابد للمرء بالاحرى أن يميز بين أقوال الاحزاب وتخيلاتها وبين طبيعتها الحقيقية ومصالحها الحقيقية . بين فكرتها عن نفسها وبين حقيقتها . ولا غنى في الواقع عن هذه القاعدة المنهجية حتى لا يضللنا ما يجرى في مصر في اللحظة الراهنة .
لقد عقدت أحزاب المعارضة مؤتمراتها في اعقاب تولى مبارك السلطة ، أيدت فيه السياسة العامة ، وكانت قبلها قد أيدت ترشيحه للرئاسة ، ولم يشذ عن هذا التأييد سوى حزب التجمع الذى تصرف باتساق مع مواقفه السابقة ، اذن أدركت احزاب المعارضة أن سلطتها الاجتماعية اغلى عليها من اي شيء اخر وانه قد تهددها مخاطر الوضع الجديد غير المستقر ، فسارعت لتأييد الرئيس الجديد واختيارها هذا الموقف يدل في الواقع على جوهرها وطبيعتها الاجتماعية ، فحين تهدد الاخطار مصالح طبقية اجتماعية في منعطف تاريخى ، فانها تسارع الى اتخاذ موقف موحد ، وهى بالتالي تكون متأهبة لوضع كافة خلافاتها عاليه الصوت جانبا .
وهذا ما جرى بالفعل .
فما كان من مبارك الا ان تلقى هذا الموقف بامتنان ، لانها قد تفهمت حاجته – أي حاجة النظام في لحظته الراهنة ، فرحب بالاجتماع بزعماء المعارضة وبالمستقلين من اعضاء مجلس الشعب ، وبدت مؤشرات المصالحة بين الحكومة والمعارضة ، وتواترت بوادرها ، وتم تجاهل رئيس حزب التجمع (بسبب خروج الحزب عن خط التضامن بين الاحزاب) رغم أن خالد محيى الدين قد ادان الارهاب لا كوسيلة وحيدة من وسائل خوض النضال السياسي . وانما في حالته المحددة التى مورس فيها ضد السادات ، وان لم يمكن بمقدوره تأييد ترشيح مبارك الذي اعلن ، ومازال من الناحية الفعلية، انه سيواصل سياسة سلفه الراحل .
ومهما يكن من أمر ، فقد اعلنت المعارضة انها اختارت مبارك لاعتبارات قومية ، هذه الاعتبارات ( القومية التي لا ندرى كيف يمكن أن تنتزع عن القضية الوطنية وسياسات السلطة ازاءها . هذا ان لم تكن هى صلبها ، وجوهرها. محتواها .... وكان ان أعلن حزب العمل ( ان الظروف الراهنة لا تحتمل اي خلاف ) وان تباين وجهات النظر كان منصبا على قضايا الحكم الذاتى ، ومسألة القدس ، ومسألة المستعمرات الاسرائيليه ولما كان الشروع بتنفيذ هذه المسائل مرهونا بوقت محدد ، فقد وجدت المعارضة ان الافضل انتظارها هذا الوقت المحدد لعدة اسباب أهمها , ان السلطة المصرية اذ أكدت تمسكها بمبادئ كامب ديفيد , لم تتخل عن وجهة نظرها فيما يتعلق بالاهداف المتوخاة من هذه الاتفاقات ...)
وصرح رئيس حزب العمل ابراهيم شكرى بان لديه ثقة – لا يعرف مصدرها – بأن مبارك مستعد لمعالجة الأخطاء التي وقع فيها الحكم السابق ، بل انه يراجع الانتقادات التي وجهت من المعارضة . وابدي رئيس حزب العمل تفهمه لاعلان مبارك عن انه سيواصل سياسة السادات وعلق بأنه ( يقصد به العمل على تحقيق الاهداف القومية نفسها لمصر . ولكن ليس بالضرورة أن يكون تحقيق ذلك بأسلوب الرئيس السابق ) . لم يكن الخلاف اذن على التفريط بالاهداف القومية , بل كان الخلاف حول اسلوب الرئيس السابق .
لقد تخلت اذن احزاب المعارضة عن انتقاداتها ضد المعاهدة لصالح موقف ( قومى ) هو الوقوف وراء المعاهدة اي انها تدعم نهج التخلي عن القضية الوطنية ، فاذا كانت الظروف الراهنة لا تسمح (باي خلاف ) حتى لو كانيدخل فى صميم الاستقلال والسيادة الوطنيتين فعلى اي شئ اذن تريد ان تختلف . لكنها على ايه حال قد اوضحت ... فلم يكن هناك ما هو اكثر من ( تباين في وجهات النظر) حول تفاصيل تطبيق المعاهدة لا حول أسسها بالطبع وهي باتت تفضل الانتظار للوقت الاسرائيلي المحدد ، وخاصة ما دامت السلطة تصر على شمول اتفاقات كامب ديفيد .
حسنا حتى راية التخفى وراء القضية الوطنية قد سقطت في الوحل .
ولا ضير علي المعارضة ان واصلت تسجيل انتقاداتها وملاحظتها ، لانه لا ضير من اي ممانعة قولية مادام هناك اذعان فعلي . ولها أن تعلن على رؤوس الاشهاد ان (هذا لا يعني تراجعاً عن سياستنا) . لقد تحققت امانى المعارضة بمجئ الرئيس الجديد ، فها هو بشكل فطن يحاول تجميل النظام بالتخلى عن فضائحه الصارخة لا عن سياساته . وها هى المعارضة تبارك هذه الاجراءات . فهو قد وقف ضد الوساطة والرشوة والمحسوبية ، وركز على الاستثمارات بفرض تشجيع (الانتاج ) ، واوقف الحملات الاعلامية ضد الدول العربية . اذن لقد تنازل مبارك عن بعض المثيرات التى تستفز السخط ، لكن ليس من شأنه أن ينتهج سياسة جديدة على اي مستوى ، فهو على الاقل قد افتتح عهده باعلان حالة طوارئ ، كانت تغنى عنها ترسانة القوانين الاستثنائية القائمة ، وعدل من مواد القانون حتى يصبح من حق المتظلم من قرار الاعتقال وفقا لهذا القانون أن يلجأ بعد ستة أشهر بدلا من ثلاثين يوما ، وقد قبل الحماية الامريكية المباشرة من اخطار الوضع الداخلي ، كما اشترك في مناورات القوات الامريكية ، كما لم يفته أن يشن حملتى اعتقال قبل هذه الاخيرة ضد منظمتين يساريتين . فاذا كان هذا شأن بعض التفاصيل الصغيرة فان السياسات الاساسية قد تأكد السير عليها .
لقد استجاب حزب العمل اذن لضرورات مراعاة التهدئة وتوجيه القوى لمواجهة (الارهاب الاسود) عوضا عن الوقوف المتماسك ضد التبعية للغرب الاستعمارى وللولايات المتحدة الامريكية ، فضلا عن القبول الفعلى بالاتفاقيات المبرمة مع العدو الاسرائيلي . ولا يستبعد بالطبع في الظروف القادمة امكانية تشكيل ( حكومة ائتلافية ) بانتقاء بعض الشخصيات البارزة من المعارضة فيها مادامت تقف الان على ارض سياسة واحدة مع السلطة.
وعلى ايه حال ليس هذا موقف حزب العمل فقط ، بل موقف الاحرار ، والوفديين المستقلين الذين تعهدوا للرئيس مبارك بمساندة خطواته حتى تلك التى لا يوافقون عليها لاعتبارات مبدئية مثل معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية .
ولحق الصحفى محمد حسنين هيكل بالجوقة الذي كان من اثار ( خريف الغضب) ان اعلن ان اتفاقيات كامب ديفيد ثانوية وان الاهم هو الامن الشامل لمصر وللامة العربية ، هذا الامن فيما يبدو يمكن تحقيقه في غير مواجهة اسرائيل !
ولكن هل يمكن لاي وطنى ان يرفض الانسحاب من سيناء الذي دفعنا فيه ثمنا باهظاً ؟
بمثل هذا السؤال المغلوط تحاول المعارضة وسياسييها ان تزيف القضية الاساسية فى وعي الشعب . وعلى هذا يصرح ابراهيم شكرى ( ان انسحاب اسرائيل النهائى من الجزء المتبقى من سيناء وهو الامر المقرر حدوثه في ابريل القادم سوف يكون انجازا عظيما ومن الممكن ان يكون بداية جديدة ) كما صرح د. محمد حلمى مراد بانهم ( حريصون على تحقيق الانسحاب من سيناء ) . وهو اكثر تحديدا فيما يرفضه فهو لا يرفض المعاهدة وإنما يرفض ما يختص (بتطبيع العلاقات ... فالعلاقات الطبيعية تعنى اننا لسنا في حالة حرب وعداء ولكن لا تعنى اعطاء او ايجاد علاقة او حقوق متميزة لاسرائيل لا تتمتع بها الدول العادية التى ليس لنا بها علاقة خاصة ) .
ولم يقتصر الامر على هؤلاء ، بل شمل السيد خالد محى الدين رئيس حزب التجمع الوطنى ، ففى ندوة (المصور) التي عقدت في نوفمبر الماضى حين سألته المجلة ( هل ترى بأن يطلب حزب التجمع من الرئيس مبارك الرجوع عن المعاهدة ؟)
أجاب ( لا . مصر قدمت تنازلات كثيرة ولا ينبغى وانا رجل عملى ان نطالب الرئيس بمثل هذا المطلب الان . نحن نطالب الرئيس مبارك ان يحرص على استرداد الارض وعدم الاستجابة للاستفزازات الاسرائيلية .. قبل الانسحاب النهائى من سيناء .. سأظل اعارض المعاهدة ولكن لانى عملى لا استطيع ان اقول له لا تأخذ سيناء ).
فالاحزاب جميعا ترى تسلم سيناء انجازا عظيما وبداية جديدة او قبول ينتمى للروح العملية السياسية . ولا شك ان ابداء ملاحظة شكلية هنا هو امر ضروري ، فمن الاتساق ان يعنى رفض النتائج رفض الاتفاقية ذاتها لانها جاءت التزاما – الزاما – بشكل مترابط ، كما ان قبول الاتفاقيات يعنى قبول النتائج مهما علت الاصوات بعكس ذلك . اما اذا اتجهنا الى الملاحظات الموضوعية ، فيمكن ان يقال ، اننا لم ندفع هذا الثمن الفادح – مقابل الانسحاب مرة واحدة الى الابد كما صور البعض ، لان مادفعناه وندفعه وسنظل ندفعه حال التزامنا بالمعاهدة هو مزيد من التفريط في استقلالنا القومى فى جوانبه الاقتصادية والسياسية والعسكرية كما انها هى في حد ذاتها تكريس لهذا التفريط . وقد قال السادات مرة للصحفى الراحل سليم اللوزي ( ان اي تردد في الموافقة على استعادة بوصة واحدة من الارض المحتلة ، في نظري . خطأ جسيم وحتى خيانة ) واذا كان السادات نسي كما ينسي البعض الان ان البوصة الواحدة بل عشرات الاميال عندما يتم استردادها مقابل التفريط في استقلالنا الوطنى ذاته فما ذلك سوى الخيانة العظمى التى تباهى الرئيس السادات بانجازها ويعتبرها البعض الان انجازا عظيما وبداية جديدة . ان ( اسرائيل ) لم تقسم امنها بالاميال بل بالتوافق مع ( ابناء العمومة ) من جيرانها في اطار الاستراتيجية الامريكية ، ومن ثم فليس استرداد بقية سيناء في ظل وضع التبعية للامبريالية وحليفها الاستراتيجي ( اسرائيل) بخسارة لهذه الاخيرة . وانما هو مكسب لها مادامت تقايض به على تبعية كاملة كما انه لا توجد عوائق فعلية تحول دونها حين تريد استعادة هذه الارض التى تخلت عنها ، ووضع المسألة بهذا الشكل الزائف هل نقبل الانسحاب او لانقبله ، يموه على واقع اننا ندفع استقلالنا ثمنا لهذه الاتفاقية ولهذا الانسحاب مادامت الاتفاقية قائمة . والسؤال الصائب هو هل نقبل التفريط في استقلالنا القومي ام لا؟ وهل نقبل الاتفاقية التى تفرط في هذا الاستقلال الذي تتبناه القوى السياسية الراديكالية في مصر .
فمن ناحية تفترض المعاهدة ان انهاء حالة الحرب بين الطرفين تشترط تطبيع العلاقات وتربط انجاز الانسحاب المرحلي به , وان هذه العلاقات الطبيعية التى ستقام بين مصر واسرائيل ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وانهاء المقاطعة الاقتصادية ، كما ان مصر ملتزمة بعدم الدخول في اي التزامات تتعارض مع المعاهدة . واذا حدث تعارض ، فان التزاماتها مع اسرائيل تكون هى المزمة والنافذة ، وفي كل الاحوال فان الحكومة المصرية ملزمة باقامة العلاقات الاقتصادية والتجارية ، والعلاقات الثقافية واباحة حرية التنقل والمواصلات ، واخيرا في سبيل التنمية وعلاقات حسن الجوار . ولكن ما هو اهم من ذلك هو الضمانات التى وفرتها الولايات المتحدة لاسرائيل ففى مذكرة التفاهم بين كل منهما بشأن الضمانات ، نصت المادة الاولي على انه ستتخذ الولايات المتحدة اجراءات ملائمة لتأمين المحافظة على تنفيذ معاهدة السلام بصورة تامة وفي مادتها الثانية ، تتدخل الولايات المتحدة اذا جرى خرق للمعاهدة ، ليس ذلك فحسب بل اذا جرى تهديد بخرقها . وهذه المذكرة بكاملها تحتوى ما كانه فيما بعد التحالف الاستراتيجي بين الطرفين .
ولعل ذلك يبدد تصورات حسنى النية ممن يتوهمون انه بعد انجاز المرحلة الثالثة من الانسحاب يمكن لمبارك ان ينقلب على المعاهدة ذاتها , حتى يصبح بمقدوره ان يرسل قوات مصرية للحدود السورية حتى تقاتل من هناك . يبدو انه لا وسط فى الامر ، فقبول المعاهدة يعنى قبول كل ما يترتب عليها . ورفضها يترتب عليه اقامة اقتصاد حرب , وخوض حرب تحرير شعبية . هذا من منظور بعض القوى السياسية المصرية .
ولذا هناك منهجان فى حل القضية الوطنية ، حل يفرط في الاستقلال القومى ، وحل يعطى ابعاده الجذرية ، وهو حل يتجاوز مبارك ونظامه باحزاب المعارضة التى تنتمى اليه كجزء منه .
وموقف احزاب المعارضة قد سدد في الواقع ضربة لاوهام التحالف العريض بلا تمييز بين المنطلقات الاجتماعية والسياسية للقوى المختلفة ، كما ان التقدم في اتجاه احراز الاستقلال القومى الجذرى ، الذي ترفع رايته القوى الوطنية الديمقراطية الجذرية .. لا يمكن ان يتحقق الا عبر تناحر خطى الصراع ( خط التفريط ، وخط تحقيق الاستقلال الجذرى) ولا يمكن للمستقبل الحقيقى لشعبنا ان ينبثق من اي تسويات حقوقية زائفة . ولا من تحالف منافق بين وجهات نظر ومصالح متنافرة .
ويمكن القول الآن ان احزاب المعارضة قد اسهمت بمواقفها الاخيرة فى لجم الاندفاعة السياسية التى كان يمكن ان تتحقق بموت السادات باعتباره رمز التفريط في الاستقلال القومي وقمع الحريات الديمقراطية وذلك لصالح النظام (الشرعي) وتثبيته ، وقد قدموا وعودهم للمدافعين عنه من ممثليه , كي يضمنوا دعم هؤلاء لخططهم الخاصة ، فاذا كانوا قبلا قد تمكنوا من احتلال (موقع وسيط ) بين القوى الوطنية الديمقراطية الجذرية وبين السلطة الاستبدادية التى تمارس سياسة القبول بالتبعية ، وكانوا يدفعون من ناحية حركة الشعب قدما بالتقائهم بسخطة ، ومن ناحية اخرى يجرونه الى الوراء بدعايتهم المضللة لقصورها وعدم جذريتها ، ولدورانها في فلك مصالحهم الخاصة ، فان الوضع الراهن بات يشهد انفصالا كاملا لاتجاهين متمايزين بعد ان احالت هذه الاحزاب الى المستقبل غير المنظور كل المبادئ واجبة التطبيق لان - الظروف الراهنة لا تحتمل اي خلاف !- او بأنهم عمليون لم ينضج الوضع بعد لتبنى آرائهم ، وهم بالطبع ليست لديهم نية انضاجه . ولذا فهم يفضلون المشاركة فى شرور النظام العامة . وبذلك اكدوا وضع انفسهم خارج القوى الوطنية الديمقراطية الجذرية ، وذلك بعد ان اتفقوا مع النظام على الخط الذى سوف تتبعه المعارضة . ورأوا ان المستقبل السياسي فى ظل مبارك سيكون افضل .
• اوهام الشرعية فى نظم غير شرعية
اذا كان حزب التجمع قد ادان اغتيال السادات باعتباره عملا ارهابيا ، دون أن يرى الوجهة التى اتجه اليها هذا العمل وطابعه النوعى ، فانه قد اتخذ موقفا مبدئيا بشأن ترشيح مبارك للرئاسة بعد ان اعلن عن مواصلته لسياسة سلفة الراحل ، لكنه أشاع جوا من المبالغة حول وقف الحملات الاعلامية على البلدان العربية ، وحول الاتجاه للحوار الوطنى متجاهلا ان مضمون هذه القرارات لا يناهض بل يؤكد على السير في نفس السياسات القديمة فوقف الحملات الاعلامية جزء من التهدئة العامة على مختلف الجبهات حتى يتفرغ لتأمين الوضع الداخلى . وهى تهدئة تقوم بشروط الرئيس الراحل حيث يندفع هو الاخر صوب الولايات المتحدة و(اسرائيل) . واذا كان الرئيس الراحل قد حاول الضغط على البلدان العربية بقبول اتفاقيات السلام بأساليب مثيرة للاستفزاز ، فان خلفه يسعى لذلك عبر تجاوز الاستفزازات ومن خلال سياسة التهدئة . والحوار الداخلى هو ضرورة للوجه الخارجي يهدف الى حشد القوى وراء السياسة الخارجية والداخلية للنظام .
فاذا كان مبارك تبع اسلوبا فطنا معتدلا فى توحيد المعارضة بأحزابها مع السلطة فان هذا التوحيد لا يمثل سياسة جديدة بقدر ما يمثل اسلوبا جديدا للاحتواء , احتواء المعارضة وجرها الى تأييد اتفاقيات كامب ديفيد بمجمل نتائجها بغض النظر عما أبدى من ممانعات قولية فالوحدة الوطنية المزعومة – أي الوحدة المعادية للوطن – تهدف الى استكمال تمرير التسوية واعطاء زخم من التأييد الداخلى – غير الشعبى – لها
ويمكن القول ان حزب التجمع باعتباره يمثل الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى يتبع سياسة مترددة ويتراوح بين السلطة والجماهير الشعبية وهو ما يسم سياسته بالتذبذب وعدم التماسك . فنراه من ناحية يرفض سياسة مبارك اذا ما استمر على نهج السادات ، على حد قول رئيسه ، ثم يردف ذلك بأن (مبارك امامه فرص تاريخية لاحداث تغيير سياسي بحيث يبقى صديقا للولايات المتحدة ويترك للفلسطينيين تحديد مصيرهم بأنفسهم ويقبل المشروع السعودي لتسوية أزمة الشرق الاوسط دون ان يضطره ذلك للعدول عن اتفاقيتى كامب ديفيد ) بل ونرى احد اعضاء سكرتاريه التجمع الكاتب لطفى الخولى يدعو الى تشكيل حكومة ائتلافية وطنية في مصر تكون أداة تعزيز سلطة الرئيس على الصعيد الداخلى ، واداة تقارب مع البلدان العربية وهذه الحكومة كما يقترح الخولى تضم ( كافة القوى العاملة فى مصر ) ويبدو ان حزب التجمع قد تورط فى الاعلاء من شأن الارهاب الدينى . فضلا عن ان وجوده لا يقتضى التخلى بحال عن مواقف وطنية سابقة .. ولكن التجمع رأى ان يغض النظر عن ( برنامجه ونظرته السابقة للقضايا السياسية المختلفة حيث طرأ على الساحة الارهاب الدينى ) . فهل باسم هذا الاخير يعاد ترتيب الاولويات بحيث تصبح القضية الوطنية والديمقراطية فى المرتبة التالية بينما السير بهما هو فى الواقع هو الضمانه الحقيقية ضد اى ارهاب .
باسم الارهاب تحاول السلطة تجميد المعارضة . لكن حتى مواجهة الارهاب ذاته يمكن ان تتم بمناهج مختلفة فبينما تطلب السلطة ان يتكاتف الجميع على مساندتها في اجراءاتها القمعية بمواجهة الارهاب . فان المنطق المقابل هو الذى يواصل النضال من اجل الاهداف القومية حقا . لان هذا هو الحاجز الحقيقى ضد الارهاب من اى نوع وحزب التجمع من ثم يخضع اولويات برنامجه للاعتبارات المؤقتة . ومنها احداث العنف الدينى . فيصرح احد قادته د . ابراهيم سعد الدين بضرورة ارجاء تنفيذ برنامج الحزب واعادة ترتيب الاولويات وفقا للقضية الملحه. فاذا كان البرنامج يطرح شعار الجمهورية البرلمانية او يقدم تصورا عن ضرورة وجود قطاع العام , او عن الاشتراكية فان هذه الاشياء المتفق عليها , غير واردة وغير مطروحة . وهكذا ينزلق التجمع الى عدم تمييز اتجاهه من الناحية الفعلية عن اتجاه سياسات السلطة . فمن ناحية يرفض كامب ديفيد ومن ناحية اخرى يرى تغبيرا سياسيا فى قبول مشروع فهد للتسوية . فى الوقت الذى يعود للموافقه على كامب ديفيد اذا ما ترك مبارك للفسطينين حرية ( تحديد مصيرهم بأنفسهم ) بل ويطرح لطفى الخولى مطلب حكومة ائتلافية التى لن تكون في الوضع الراهن سوى حكومة تمكن من ممارسة قدر من التضليل بالديمقراطية , رغم بقاء شكل الحكم كما هو عليه . فماذا يملك التجمع من قوة لفرض حكم ائتلافي على السلطة في الوقت الذي نراة بالاحرى يتخلى عن برنامجه ، هل ستكون الحكومة تكريسا لهذا التخلى ؟ وماذا يمكن ان تكون غير هذا ؟ هل بات حزب (اليسار) حريصا على الخروج من (عزلته) كما قيل حيث يندفع الى العزلة القاتلة والمصفية له بتواطئه مع السلطة . وهو في الواقع ما تريده له الاخيرة وتهيئة له فمازال هذا الحزب ( يتهم) بأنه لم يفهم (ضوابط الانتقال من الشمولية الى الديمقراطية ).
كما حدث فى 18و19 يناير بل اتهم مؤخرا بأنه تبنى موقفا حزبيا (لا قوميا ) حين عارض ترشيح مبارك للرئاسة وهو موقف مبدئى لا يتسق فى الواقع مع التذبذبات المتوالية , ونفاجأ بالتقرير السياسي لحزب التجمع الذى قدمته السكرتاريه الى لجنة الحزب المركزية , حيث يرد فيه عدم توقع اى تغيير جوهرى في النظام القائم ، واحتمل ان تستبدل فقط بعض المناهج واساليب التنفيذ , وندد باتفاقتيى كامب ديفيد التى عقدها السادات وتحالفه مع الغرب الاستعمارى وخاصة الولايات المتحدة , وطالب بالتغيير وبضرورة تحالف قوى الشعب العامل . كما اكد على ضرورة الغاء القوانين المقيدة للحريات . لكنه من ناحية اخرى عاد الى نغمة مؤتمر جنيف – وكأن الاستسلام بالجملة يختلف عن الاستسلام بالقطاعى – وندد بالانفتاح الاقتصادى وربطه بضرورة وجود خطة تنمية غير موجودة ولن توجد في ظل الرأسمالية القائمة . واعتبر الانفتاح ( الانتاجى ) خطوة متقدمة , رغم ان اي انفتاح في الظروف الحالية يكرس علاقات التبعية الجديدة للامبريالية .
ويبقى ان نقول ان مواقف احزاب المعارضة – باستثناء التجمع القابل لتجذير مواقفه – قد كشفت عن أنها (حليف) لا يركن اليه ، وهى تتجه بالطبع الى فقدان ما ميزها فى الفترة الماضية وهو معارضتها للسلطة ، ومن ثم تتعرض شعبيتها فى الآونة الراهنة لاختلال خطير ، وسوف يزداد هذا مع احتمالات دخول اى رموز للمعارضة في التشكيلات الوزارية . من ناحية اخرى , ان الاستقطاب السياسي الجارى ، يترك الطريق مفتوحا امام القوى السياسية الراديكالية ، التى لم تر فى العهد الراهن تحولا اساسيا ، كما لم تتوقع ان تصل احزاب المعارضة الى أبعد مما وصلت اليه .




#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة والثورة المضادة فى افريقيا - من أرشيف حزب العمال الشي ...
- جذور الفتنة الطائفية فى مصر - 1981-- من أرشيف حزب العمال الش ...
- فى أزمة غياب القيادة الثورية - 1
- حزب العمال الشيوعى المصرى - تأريخ النميمة والإغتياب
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى
- قبل أن تهب العاصفة 3 - حتى لانتذيل الجناح الآخر للثورة المضا ...
- قبل أن تهب العاصفة 2 - هل يمكن أن نتجاوز فوضى الشعارات ؟
- قبل أن تهب العاصفة - 1 - حتى لانعزز الثورة المضادة
- القانون ونشأة الذات الرأسمالية - يفيجينى ب . باشوكانيس
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - سايمون كلارك - مر ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- سلطة الشعب أو - ثورة إدسا - بين التوظيف الليبرالى ومرض الشيخ ...


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - مبارك وسياسة إحتواء المعارضة - من ارشيف حزب العمال الشيوعى المصرى