دروس في حلب التيوس..

توفيق الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 1218 - 2005 / 6 / 4 - 07:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    

في الوقت الذي تزف لنا فيه عناوين الأبناء المحلية ... بشرى وجود تيس آخر قابل للحلب من أجل علاج العقم ... تقوم إسرائيل التي لا تفخر بالتيوس وانما بإطلاق أقمار تجسسية ذات تقنيات عالية يكشف المستور وتفضح خبايا الأمور .
في الخبرين يكمن الفرق في نوعية الاهتمامات والتفكير بيننا وبين الاخرين !!
فبينما نحن نفكر في " شمهورش " ملك الجان المتخصص في تلبس عباد الله المسلمين فقط دون خلق الله على الأرض ...
و نفكر في تقوية الباءة ونتهافت على كأس حليب من تيسٍ موصوف بـ 150 شيكل ..!!
وبينما نحن نفكر في الذهاب إلى " الفتّاحين " للحصول على المراد وفك " العمل " المضاد وقراءة الفنجان...
وبينما نحن العرب وبلا فخر نتبوأ المرتبة الاولى في الامية على المستوى العالمي ولا نقرأ من الصحف إلا ما تقوله أبراج الحظ ...
يسعى العالم من حولناالىمحاربة " أمية الكومبيوتر " وإجراء الجراحات الدقيقة جداً .. واكتشاف ما يسبب الأمراض الخطيرة المفاجئة ...
ويسعى أعداؤنا بالذات الىالتصنت الدائم والتلصص على ما يجري حتى في مخادعنا .. والضعط على أعناقنا في لقمة العيش وحق الحياة إثباتاً لحسن النية في سلام عادل .
أمراض كثيرة .. موبوء بها التفكير المجتمعي العربي ... وبحاجة إلى إعادة نظر وتتطلب إجراء جراحات فكرية عميقة وسريعة ..!!
من البديهيات المعروفة أنه في ظلال كل هزيمة تنمو البدع والخرافات .. وتتراجع العقلية العلمية الموضوعية أو تصمت أمام فهلوة الدجالين والمشعوذين المتسترين بالدين .. وتصبح الجماهير العربية التي تعاني أمية متراكمة ومستحكمة أكثر قابلية لتصديق ما تراه من كذب وتخلف بل وتنغمس فيه ..
ولنتأمل بعض الأمثلة الخطيرة ... المضحكة .. المريبة ...التي تزين صفحات الحوادث والغرائب كل يوم
* صيدلي يدعى النبوة .. ويوضع في مستشفى المجانين .
 مشعوذ متخصص في معالجة العقم عند النساء يضبط متلبساً في أثناء ممارسته العلاج على طريقته ويعترف أنه مارس ذلك مع أكثر من عشرين ضحية بعد التخديرطبعا..

 حفلات " زار " غالبا ما تنقلب إلى حفلات " بلاي بوي "
 ( فتّاحة ) تقوم بالبحث عن " عمل " كان سبباً للتفريق بين زوجين وتحضره من السعودية إلى رفح في لمح البصر !! والحضور يرقصون فرحاً ويكبرون ...
( فتّاح ) يقوم بالربط والفك مقابل مبلغ "خمسمائة شيكل " عدا الهدايا وطلب الرضا والسماح من الأولياء فأصبح الآن مليونيراً من أصحاب الأملاك والأطيان بعد أن كان لا يملك من الدنيا سوى نعليه.. اللهم لا حسد ...
 وأخيراً وليس آخراً ما تردد في الجرائد عن الجنين الذي يؤذن في بطن سيدةٍ مقدسية .. وللحق فقد أعجبني وأسعدني جداً الرد الديني المتنور على هذه البدعة وفسرها بشكل علمي واعٍ يعطي الدليل على أن الوعي الديني لا زال بألف خير ولا تعارض بينه وبين العلم .. ويلغي مساحة التخريف والتجديف التي يحلو لبعض الناس ترويجها لكسب أو هوس..
 وأخيرا وليس أخرا طالبة الطب التي قضت نحبها تحت سياط مشعوذ كان يسعى لطرد الجن من اصبع قدمها اليمين
ولماذا نبتعد كثيرا وبين يدي مثال حي عايشته " كشاهد شاف كل حاجة " ..!!
مدرس زميل يتعرض لضغوط نفسية شديدة تسفر عن انهيار عصبي ... يذهب به ذووه إلى المتخصصين في إخراج الجن فقام أولئك بضربه ضرباً مبرحاً وخنقه .. مما زاد الحالة سوءاً .. فاضطر ذووه الذهاب إلى الطبيب ليخبرهم بعد الكشف ان الحالة سببها زيادة طارئة في كهرباء المخ ويصف العلاج لينقذ الرجل من موت محقق .

 لقد أصبح الدجل وسيلة للكسب والإغتناء بسرعة الصاروخ والسيطرة على أصحاب العقول البيضاء ... ومن الطريف أن ترى دجالاً يعاني من زحمة شديدة في زبائنه ويتردد عليه عشرة أضعاف ما يتردد على عيادة طبيب ملاصقة له ... هذا الدّجال .. رفض المعالجة والكشف عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله الا بالعملة الصعبة بدعوى أن " الجني " لا يتعامل بالشيكلات !!
دّجال آخر .. يشترط في هدايا الرضا .. " ديوك الحبش " والزغاليل والكنافة و ... و ... ويتجسد هنا ضحكاً وتخلفاً المثل القائل " رزق الهبل على المجانين " ...
يكفينا فخراً في هذه المرحلة من التاريخ العربي أن نحلب التيوس ونكسب رضا أتباع "شمهورش" فهذا انجاز حضاري لم ترق إليه أمة من الأمم من قبل ومن بعد !!
أتصور في هذا السياق أن تكثر التيوس المحلوبة وبالتالي تتطور قدراتنا النووية على الإخصاب والإنجاب بحيث لانحتاج الى فياجرا الفرنجة وبالتالي تظهر البطالة بين معشر الأطباء الذين لن يستطيعوا مجاراة التيوس الموصوفة في النجاعة والكفاءة .
كما أتصور في ظل المعطيات التي سمعناها عن الثرى الذي دفع عشرة آلاف دينار نقداً في التيس الأول أن تصبح التيوس المحلوبة تجارة مزدهرة وثروة قومية ...ومن المضحك آن جاري تمني ان يصحو ذات صباح ليجد نفسه تيسا حلوبا أملا في ان يوفر لأطفاله العشرة ولو خبزا حاف مع رشة زعتر..!!
ولقد شدت انتباهي تلك الإضاءة الذكية التي تقارن بين حلب التيوس وحلب الغلابا فبينما هي تحلب حليباً غالباً ... يحلب الغلابا نقوداً ودما لهذه المؤسسة وتلك ..
إلى هذا الدرك وصلنا ... تخلف سياسي .. تخلف اقتصادي .. تخلف اجتماعي .. وسيطرة شبه تامة للشعوذة والدجل على العقل العربي في الشارع المظلم .
جرس الوعي يدق ... والشخير يطغى على كل تفكير ...
اهتماماتنا العربية مركزة حول تجويد القدرة على الأكل بنهم .. والنوم .. والإخصاب ..
بينما عدونا النووي القاتل في " ديمونا " ينتظر .. وراء الباب ...

#توفيق_الحاج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات