أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - سقوط الحتمية















المزيد.....

سقوط الحتمية


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 4271 - 2013 / 11 / 10 - 13:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لعلنا تجاوزنا بمعارفنا المعاصرة مفاهيم " الجبر " و " التفويض " التي كان يدور حولها الخلاف والنقاش في قرون مضت ، التي كانت تخوض في جلها في مواضيع القضاء والقدر وإذا ما كان الإنسان مخيرا أو مسيرا في أفعاله ، والتي ورثناها من حضارات بائدة قبل الإغريق وبعدهم ..
أقول تجاوزنا هذه المفاهيم لكون المفاهيم العلمية هدمت اغلب مفاهيم الأقدمين ، لكن المفاهيم الجديدة لم تتمكن من استيعاب كافة الأفكار والقضايا المعاصرة المتعلق بالأحداث الفردية والجمعية التاريخية ..
فمفهوم " الحتمية التاريخية Historical Determinism " على سبيل المثال ، و الذي ظهر بوضوح مع المادية التاريخية ( الماركسية ) أضاء مساحات جديدة ومتنوعة من النقاشات الفكرية حول ما هو محتوم الحدوث و أيضاً ما يمكن للإرادة البشرية وخياراتها المتعددة من القفز فوق مساراته المتنوعة ..
ومفهوم الماركسية عن الحتمية مستنبط من مفهوم " حركة التاريخ " الذي ظهر بعد نقاشات طويلة للفلاسفة والمفكرين امتدت لقرون في سفر الأفكار الإنسانية ..
ففي حين ازدرى هيجل مفهوم " التفاعل المتبادل " لدى الكثير من فلاسفة سبقوه بين العوامل المتنوعة التي تؤدي الى تغير الواقع و حركة التاريخ واحداث العالم وولادة " المستقبل " ، واعتبره استسلاما بائسا للعقل البشري في تفسير المشاكل وايجاد الحلول ، إلا إنه في نفس الوقت طرح بدلا من ذلك الفكرة المطلقة الكونية او العامل المتسامي الذي يؤثر في حركة التاريخ ..
المهم الذي قدمه لنا هيجل خلال اطروحته هو " المنهج الجدلي " الذي يتمخض كصراع بين عوامل متعددة او عاملين تؤدي في النهاية الى ظهور هذا الصراع كعامل ثالث له القدرة على تجاوز هذا التناقض والصراع ( ضمن الفكرة الكونية وجزئياتها او ضمن الجوهر الاصلي او العامل المتسامي ) ..
إن فكرة " العامل المتسامي " لدى هيجل كمفهوم ميتافيزيقي ، ونقيضها المنعكس عنها لدى ماركس ( علاقات الانتاج وادوات الانتاج ) كمفهوم مادي ، هي اساس وضوح المستقبل كمسارات حتمية في النظرية الماركسية عموماً ..
وكما سنلاحظ في خاتمة المقال ، العامل المتسامي سيحل محله الوعي البشري كحقيقة موضوعية لا ميتافيزيقية كنتيجة لتطور الوعي ، وعلاقات الانتاج لن تتمكن وحدها من الهيمنة على مستقبل البشرية دائماً ، بل قوتها في تراجع و اضمحلال الى اليوم الذي ستسقط فيه " الحتمية " بشكل نهائي ..

الحتمية والعقل البشري

سبق وناقشت في مقال سابق مقدمة في الموضوع حول البارادايم ( النموذج ) الطبيعي العام المنحن للتشكيلات الطبيعية وانعكاساتها ومنها ( العقل البشري ) حيث تصبح الحوادث الطبيعية بموجب هذا البارادايم منحنية كمسارات فضاء زمنية ( حسب النظرية النسبية في الفيزياء ) قابلة للتجاوز بفعل الإرادة الانسانية ..
لو كانت هذا المسارات ثابتة ، غير متعددة ، واقصد مسارات الاحداث ، تصبح عندئذ حوادث حتمية ..
لكن طبيعة قوانين الحوادث الكونية ترتبط بالاحتمالية probability المتجذرة في الطبيعة الكمومية لبنية العالم الذري ، الهيكل الوجودي الاساس ..
اي ان حتميات النسبية كمسارات حوادث تكون متعددة هي الاخرى ، لكنها " محدودة " * ...
الخيارات مثلا امام اي سلوك بشري ( باعتباره حوادث طبيعية ) وبالرغم من كونها حرة مفتوحة ، لكنها تنحصر في حدود وهو ما يعرف بحدود الحرية freedom-limit-s ..
المرء مخير مثلا في نزول السلم او صعوده .. او البقاء في مكانه دون حركة ، وهي خيارات ثلاثة ، لكن لا يوجد خيار رابع يتمثل في التحليق في الهواء دون سلم .. فحدود الحرية هي خيارات ثلاثة فقط في هذا المثال ، وهكذا دواليك بالنسبة لأي حادثة في الكون ، هناك حدود للحرية ، بنفس الوقت يمكن اعتبارها بوجه آخر " خيارات " متعددة للحتمية .. وليست حتمية قدرية ذات مسار واحد كما عرفها الاقدمون بالجبرية ..
وعلى الرغم من إن الماركسية وشروحها توحي بمعرفة حدود الحرية أو خيارات الحتمية ، لكنها لم تتعامل في دراساتها لحركة التأريخ بمنهجية قابلة لاحتواء النتائج الجانبية وما تسببه من الحوادث غير المتوقعة " ماركسياً " والتي كان بالإمكان التنبؤ بها ، او على الاقل الاقتراب منها وفق خيارات الحتمية ، والتي ادت إلى إخفاق النظرية الشيوعية عموماً في تصوير مآل الرأسمالية وما بعدها ، و هو ما سنحاول توضيح بعضه ..

الحتمية التاريخية وحدود الحرية

هنا نعيد قراءة الحتمية التاريخية في ضوء الخيارات " المحدودة " لمستقبل الجنس البشري ، فتحول الانسانية من عصور المشاعة للعبودية فالإقطاع فالرأسمالية انما كان يحدث ضمن اطر الحتمية المتعددة و حدود الحرية تلك ..
وهو ما يعني ان عصور المشاعة كان يمكن ان تمتد في مدتها وكذلك عهود العبودية والاقطاع ، لكن الارادة البشرية " الجماعية " هي التي تخطت تلك " الاطر " والخيارات واحدة تلو الاخرى ، وهي الآن مستقرة فوق مرحلة تبدو و كأنها " الرأسمالية " بأمل تخطيها ايضاً ..
( والارادة البشرية الجمعية مرتبطة بالوعي كما سنناقشها لاحقاً ، فتعدد الخيارات المتجذر في نظرية الكم وبنية العالم الذري المايكروي ، هي اسس العقل الاساس ومن ثم الوعي )

فانهيار الرأسمالية حتمية تاريخية ضمن الفهم الماركسي ووفق آلية منهجه الجدلي ، لان الرأسمالية إطار حتمي " ما بعد الاقطاع " ، اي إطار واجب وجوده في مسار التاريخ ، وهناك إطار حتمي آخر ما بعد الرأسمالية ، تصور كارل ماركس انه " الاشتراكية وما قبلها " ثم " الشيوعية " ...
والسؤال هو :
هل توجد خيارات لمسارات تحولات " أخرى " للبشرية ما بعد الرأسمالية غير الاشتراكية والشيوعية ، لم يكن بمقدور ماركس ومن شرحوا نظريته رؤيتها ؟
حسب المادية التاريخية العامة وشروحها المتعددة المعروفة باسم الماركسية ، فإن لا خيارات لمسارات تالية للانهيار الرأسمالي الكبير في عموم الكوكب سوى الاشتراكية ، المسار الاشتراكي – الشيوعي هو المسار " التقدمي " الوحيد المتوفر ، ما دونه طوفان فقط من كوارث اقتصادية تعم الكوكب ..
ولعل هذا يجعلنا نفهم لماذا يتماهى مفهوم الحتمية التاريخية مع القدرية العبرية – الاسلامية لان الشيوعية بصورة عامة ، في صميم فلسفتها الجوهرية لم تحسب للتاريخ اي مسار آخر " ممكن " ربما للإرادة الشعبية والجنس البشري في عموم الكوكب فتكون له فرصة في اختياره ما بعد الرأسمالية .. !

هل اخفق ماركس في تقدير " الحتمية " ؟

لا شك ان المنهج الديالكتيكي في قراءة التحولات التاريخية عبر تحول " العلاقات " الانتاجية التي تربط البشر ضمن النسيج الاجتماعي وطبقاته هو منهج محكم بالنسبة لفلسفة وافكار القرن التاسع عشر الذي عاصره ماركس ..
فهناك بالفعل كان التناقض التناحري الحاد ما بين الطبقة العاملة و الرأسمالية والذي كان من المفترض ان يؤدي الى الزوال التلقائي للرأسمالية لتحل محلها الطبقة العاملة في هيمنتها على وسائل الانتاج ، وهو ما عرف بمصطلح " ديكتاتورية البروليتاريا " .
وكما ناقشنا " إشكالات في النظرية الماركسية " بمقالين سابقين ، فإن البروليتاريا كان من المفترض ان تتسع كطبقة لتزيد من ضغطها للأعلى على الرأسمالية كي تقود الثورة العالمية التي تؤدي لتفكك الرأسمالية وانهيارها لتدخل البشرية في مرحلة اممية تاريخية جديدة ..
فلماذا تقلصت الطبقة العاملة ، وكيف اتسعت بدلا منها الطبقة المتوسطة والبرجوازية ، وكيف ظهر نوع جديد من الاقتصاد " ما بعد الرأسمالي " دون المرور بالاشتراكية ؟
ناقشنا هذه المسائل في المواضيع السابقة " اشكالات في النظرية الماركسية ... " وبينا ان تطور وسائل الانتاج نفسه الذي استندت عليه الماركسية في تحليلها لمستقبل الجنس البشري هو الذي يدفع لتقليص الطبقة العاملة والتخفيف من ضغطها على بقية الطبقات ، ويؤدي في نفس الوقت لبروز قوة اقتصادية جديدة ، فئة يمكن ان تتحول الى طبقة تدخل في الصراع مع الرأسمالية ، التكنوقراط ..
فالنانو تكنولوجي حَوّل الكثير من الجهد الافتراضي للعمال الى الآلات ، وهو الجهد الذي عولت عليه الماركسية كقوة ضاغطة للبروليتاريا في التاريخ ..
فهل كان تطور" ذكاء " الآلة ( المرتبط بمهارات الطبقة الوسطى والتكنوقراط ) وقابليتها على تنويع واكثار الانتاج هو البعد الذي لم تدرس الماركسية مساره والذي اثر على الصراع الطبقي في القرن العشرين لصالح الطبقة المتوسطة وادى الى تخليق شكل بيني مرحلي جديد من اقتصاد " ما بعد الرأسمالية " لا يزال بعيدا عن الاشتراكية و البروليتاريا ؟
( وهو شكل النظام المالي – الرأسمالي الحالي الذي سبق وشرحناه في مواضيع خلت .. )

الحتمية والوعي

في الحقيقة ، إخفاق الشيوعية الكلاسيكية يتمثل في تركيز نظريتها على " العلاقة " بين الانسان والآلة دون بحث مسار تطور الآلة النابع من " الحاجة " البشرية بمختلف ابعادها المادية والمعنوية ..
فهي من جانب ، ركزت على البعد الاقتصادي في بحث العلاقة بين الانسان والآلة ، ومن جانب آخر تم اهمال تضخم تأثير " الوعي " والثقافة باعتبار ان الثقافة مجرد افراز وانعكاس لتطور العلاقات الانتاجية هي الاخرى ..
لكن ، للثقافة وتراكماتها تأثيرات في حركة التاريخ بشكل منعزل ومنفصل عن تطور وسائل الانتاج والعلاقات الانتاجية بين البشر ، لأنها ببساطة مرتبطة بالوعي الفردي وبالتالي بخيارات الارادة الحرة التي تتحرك ضمن " حدود " الحرية التي اشرنا اليها مطلع هذا المقال ..
ما اريد قوله بوضوح شديد ، الارادة البشرية ليست مقتدرة بالكامل على التاريخ ، لكنها بنفس الوقت ليست عمياء طائعة للأقدار في مسارها في الوقت نفسه ..
وهي ارادة متمددة نامية ، تكبر مع التاريخ حتى تهيمن عليه بشكل كامل في النهاية ..
فالحتمية كمسارات احتمالية يمكن الاختيار فيما بينها ، او كحدود قصوى للحرية بوجه آخر ، ليست اقتصادية فقط ، بل تدخل الثقافة فيها كبعد وإن كان ذو تأثير اقل بكثير من الحافز الاقتصادي لتطور العلاقات الانتاجية ..
ولعل اوضح الامثلة على تأثير الثقافة في التطور التقاني للآلات هو سعي البشر الدائب لمحاكاة العقل البشري عبر صناعة وعي او " عقل " آلي نظير للعقل البشري ، وهو ما نشهده في الغرب و تأثير وسائل الاعلام الحديثة في الوعي الجمعي العام المدفوع بمسارات ثقافية ما بعد اقتصادية لتطوير صناعة الآلات للترفيه او التسلية او لتحقيق انجازات " غير مسبوقة " حتى لو كان حافزها الاساس هو تحقيق عوائد اقتصادية ، فإن نتائجها تسهم في تراكم بنية ثقافية إنسانية جديدة مستقلة عن تطور العلاقات الانتاجية , وهي مؤثرة على مسار البحث العلمي كثيرا كما نلاحظ هذا في سعي اليابانيين والكوريين لتطوير " الروبوت " ليحاكي البشر دون غاية اقتصادية مادية واضحة ، كما لو انه مسعى فني – ثقافي بالدرجة الاولى ...

عالم ما بعد الحتمية

يمكن لنا ان نوجز أسباب تطور النانو تكنولوجي وتقليص حجم الدوائر المنطقية " الذكية " الى ابعاد النانو بالغة الصغر بثلاث حوافز اساسية مرتبة حسب الاولوية والتي لها تأثير بارز في تطوير العلاقات الانتاجية :
1- " العسكرية – السلطوية "
2- " الاقتصادية "
3- " الثقافية "
فالعلاقات الانتاجية و " السوق " على الرغم من كونها هي المحرك الاساس في تطوير الانتاج وادواته ، لكن العوامل الثلاث السابقة هي المؤثر الاكبر على تسريع او ابطاء تلك التحولات ، وهي عوامل " حية " مرتبطة بالوعي البشري الفردي والجمعي اقرب منها لمفهوم العامل المتسامي الهيجلي منها للعلاقات الانتاجية الماركسية " الميتة " ..
إضافة لذلك ، وكما ناقشنا في المقال السابق عن علاقة حوادث التاريخ بقوانين الكم ، كارما التاريخ ، فإن ترابط الوعي و قوانين الكم الطبيعية ، تضيء ولو بالنزر اليسير المساحة المعتمة من " حيوية " التأريخ لو صحت التسمية ..
ربما كانت الازمات الاقتصادية هي السبب الرئيس للحروب في القرون الماضية ، حين كانت الحتمية هي السائدة المقتدرة ، لعوامل كثيرة اهمها سيادة مبدأ القوة الصلبة بدل الناعمة ، وحصر الارادة البشرية في تغيير التاريخ بارادة السلطة السياسية التي تخضع لعوامل ومتغيرات محدودة اقرب ما تكون لترسيخ " الحتمية " ..
لكن ، الكوكب اليوم يشهد تحولاً في ميزان الحروب ودوافعها بعد ان غيرت التقانة ملامح حياتنا في القرنين العشرين والحادي والعشرين كثيراً ..
اصبح ، بفعل تطور وسائل الانتاج نفسها التي فرضت الحتميات السابقة ، وما اسهمت به من رخاء وتفتح ذهني ومعرفي لدى بني البشر ، اصبح بسبب كل هذا لدى الوعي البشري المجرد القدرة على هذا الاسهام الكبير في قرارات السلم والحرب ولم تعد عمليات التحول التاريخية ميكانيكية اقتصادية صرفة ..
بل تلك العوامل " الحية "هي التي تشكل " الوعي " السياسي العام الذي " سيحكم " التاريخ .. وهو الآن في مرحلة الصراع مع الاطار القديم للحقبة الكولنيالية المدفوعة بالعوامل الاقتصادية ، سينتصر في النهاية لا محال ..
ولعل احداث الازمة في العراق وسوريا ومصر اليوم هي اهم " بداية " لذلك الصراع وما ينخره في جسد الإطار الكولنيالي الكابيتالي القديم للاستعمار ..
و رغم ان الفارق كبير بين الوعي الذي يشكل التاريخ ( وعي الطبقات ) والوعي الذي يحكم التاريخ ( وعي الطبقة السياسية الحاكم ) ، لكن النتيجة ان التاريخ اليوم لا تحركه العلاقات الميتة فقط ، بل العوامل الواعية ايضاً دخلت في تصادم جديد مع علاقات الانتاج ..
بل يمكن القول ، اصبحت حركة التاريخ منبثقة من هذا التناقض الحاد بين الارادة المادية التاريخية والارادة الواعية للجنس البشري ، المرتبطة لحد كبير بالثقافة والحضارات التي تنتمي اليها الشعوب ..
فمن سيربح الصراع ، قوانين الحتمية الميتة او قوة الارادة الحرة الواعية ( ضمن خيارات ) ؟

عالم ما بعد الحتمية هو الذي نعيشه اليوم ، وعالم الحتميات كان يوماً موجوداً ، وعلى اساسه اطلق كل من ماركس وقبله هيجل احكامهم عليه ، لكن ، وببساطة شديدة اقول :
ذلك العالم لم يعد موجوداً ، عالم اليوم هو عالمٌ جديدٌ شجاع .. كما اسماه آدم كوبر في كتابه :
(الثقافة ، التفسير الانثروبولوجي)

عالمنا والحتمية

يذهب بعض المنظرين الماركسيين الى ان الرأسمالية قامت بتغيير جلدها للمحافظة على وجودها ودمرت النظام الرأسمالي القديم ذو قوة العمل الانتاجية وحلت محلها المجتمعات والدولة الاستهلاكية ..
بالتالي ، نحن امام " وعي " و " إرادات " متنوعة خاصة بالطبقات هي التي تتصارع ضمن دائرة الصراع الطبقي ..
هذا الوعي اشبه بوعي الفرد الواحد ، لكنه جماعي *** يخضع لتناقضات افكار وارادة الجماعة نفسها فيظهر بالنتيجة كمحصلة جمعية تمثل وعي وارادة الطبقة ككل ، كلما كان تناقض الافكار حاداً كلما ضعف هذا الوعي ، وكلما قل التناقض برزت قوة وعي الطبقة الجمعية وتصرفت بإرادة حرة " قد " تتجاوز حدود الحتمية المتوقعة ... ( رفض مجلس العموم البريطاني الحرب على سوريا كمثال .. ) .
الاشكالية حول فهم الحتمية تتعلق في " ترجيح " احد الاحتمالات لقوته وكثرة الادلة على حدوثه والبناء على مستقبله وكانه واقع فعلاً دون الالتفات الى حقيقة إن التطور التقاني والمعلوماتية زادت من حدة التناقضات ونوعت الآراء والافكار .. وجعلت الارادة الشعبية والوعي الجمعي للفئات والطبقات أكثر ضبابية وادخلتنا في مرحلة يمكن ان نسميها " مجازاً " عالم ما بعد الحتمية ...
لم يعد التاريخ يخضع للشروط والحدود الواضحة ، بدليل اننا نقرا تحليلات السياسيين ومراكز الابحاث والدراسات لتنبؤاتها عن المئة سنة الماضية ، إلا ان احداً لم يكن ليصدق بان ثورة البلاشفة ستنتهي الى بناء عملاق تاريخي عظيم اسمه الاتحاد السوفييتي ..!
ولم يكن ليصدق احد ان الفكر القومي الالماني سينتج ديمقراطية " مستبدة " توصل ادولف هتلر للسلطة وتشعل اكبر حرب في تاريخ البشرية .. وتحول العالم بعد حرب عالمية كبرى الى قطبين متصارعين ، وحتمية حدوث حرب نووية كبرى ضمن ذلك الصراع القديم ، وسقوط الاتحاد السوفييتي فجأة ..
لم يدر في خلد احد ان روح الله الخميني سيؤسس لإمبراطورية كبرى تتردد اعظم الجيوش في العالم لو فكرت محاربتها ..!
او يكون مصير بلد مزدهر مثل العراق في اواخر السبعينيات من القرن العشرين الى بلد مفكك مضطرب في مطلع القرن الحادي والعشرين ... بفعل استهتار السلطة الحاكمة بقدرته ومقدراته !
احدا لن يصدق مسارات ما سوف يجري خلال عقدين قادمين ، لان الاحداث باتت مرتبطة بتصادمات وصراعات أطر الوعي المختلفة من جمعية شعبية وسلطوية واقتصادية مهيمنة متنفذة في العالم مع اطر نظام العالم القديم ( الحتمي ) الذي درسه ماركس و انجلز ولينين وهيجل ..
إنه عالم ما بعد الحتمية .. حيث اصبح لوعي الانسان المعاصر التأثير الاكبر فيه ، وكما تقول فرجينيا وولف :
مطلع القرن العشرين ، تغيرت الشخصية الانسانية !!

هوامش :

• * ستيفن هاوكنك ، عالم الفيزياء المعروف ، تأثر بهذه المفاهيم الثورية الحديثة عن الكوزمولوجيا في طرحه فكرة الاكوان الموازية ( المتعددة ) الخفية .
• ** يقول هيجل ، كما ورد في موسوعة العلوم الفلسفية : (( إن الاقتصار على النظر إلى مضمون معين، من زاوية التفاعل المتبادل.. لهو منهج تميز بالبؤس المفاهيمي إلى أقصى الحدود. ففي هذه الحالة، فإننا نظل في مجال الواقع الخام. ولذلك فإن الحاجة إلى التوسط التي تبرز حينما يتعلق الأمر، باكتشاف سبب الارتباط، تبقى غير مشبعة. إن قصور المنهج الذي ينظر إلى الظواهر من زاوية التفاعل المتبادل، يكمن في كون أن علاقة التفاعل، بدل أن تحل محل المفهوم، يتعين عليها هي نفسها أن تكون مفهومة. وهذا لن يتأتى إلا إذا نظرنا إلى العاملين اللذين يؤثران في بعضهما البعض، على أنهما نتيجة لعنصر ثالث متسام، بدل أن ننظر إليهما كمعطيين مباشرين ))
عبد السلام المؤذن
http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=138952&t=4

• *** حتى الوعي الفردي في حقيقة الأمر ، يبدو كما لو انه وعي جمعي لمليارات خلايا الدماغ في الفرد الواحد ..!!



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارما التأريخ
- بارادايم العقل البشري ، مقدمة في علم الحتمية
- إشكالات في النظرية الماركسية 2-2
- إشكالات في النظرية الماركسية 1-2
- مراجعات في الماركسية (2)
- مراجعات في الماركسية (1)
- الإمام المهدي والحرب العقائدية الامبريالية !!
- الوعي السياسي العربي بين قبول التسلط الاسرائيلي ورفض السلطة ...
- الوعي السياسي العربي بين قبول التسلط الاسرائيلي ورفض السلطة ...
- الكعبة , الرمز والدلالة
- شيء عن الحب
- شرقاً عبر المحيط ..
- نحن والهوية : مقارنة في سيمولوجيا البناء الثقافي بين العرب و ...
- التقمص و الذاكرة The Reincarnation and Memory
- ذاتَ مساءٍ في تشرينْ
- اجنحةُ الفراشةْ
- رسالة للسيد هنري كيسنجر : العقلانية و مراحل التضاد الخمس
- الشيعة و السنة قراءة ديالكتيكية – عقلانية (2)
- الشيعة و السنة قراءة ديالكتيكية – عقلانية (1)
- ذاكرة الفرد وذاكرة الامة : المعنى الميتافيزيقي للحضارة والتا ...


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - سقوط الحتمية