أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي لّطيف - الأسي , الضجر , رجلٌ رمادي .















المزيد.....

الأسي , الضجر , رجلٌ رمادي .


علي لّطيف

الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 00:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الأسي , الضجر , رجلٌ رمادي .

علي الطيف *

لم ارث الأمل , لا اعتقد ان الأمل يمكن ان يورث , ايها الأسي النحيل , هل لديك سيجارة ؟

خيبة الظن تلازمني هذه الأيام , اشعر بالفراغ و لا يمكن لأي أسي ان يملئني , بكوني فارغ راقت لي فكرة مشاهدة الجدران المختلفة في شوارع المدينة , رتابة الأيام حتمت علي ذلك , الضجر لا يمكن له ان يأمرني بفعل شي لا أريده .لا يوجد دافع معين جعلني اقرا كل كلمة علي كل حائط, اريد ان اقرأ فحسب , اغلب الاحيان لا املك دافعاً لافعالي, ليس الامر انني لا اريد ان املك دافعاً , لست املك واحداً فحسب .
ليبيا سنة 1972 , بعد عدة اسابيع من عملية ميونخ, ثلاث فدائيين من منظمة ايلول الأسود قدموا الي ليبيا من ميونخ , رفاقهم خطفوا طائرةً و تفاوضوا مع الحكومة الألمانية علي إطلاق سراحهم , الحكومة الالمانية اذعنت الي مطلبهم . عندما قدموا الي ليبيا قابلتهم جموع الجماهير بالتهليل و الغناء , اقاموا مؤتمراً صحفياً , جلسوا ثلاثتهم علي طاولة بُنية و ورائهم وقف احد الليبيين يُترجم لهم كلامهم .

سأل الصحفي أحدهم : هل اطلقت النار علي احد الاسري الاسرائيليين ؟
أجاب الفدائي : ليس مهما لو اني قتلت إسرائيلي او لا .
سال الصحفي فدائي آخر : ماذا ظننتم انكم انجزتم ؟
اجاب الفدائي الجالس علي اليمين : قد سمّعنا صوتنا للعالم الذي كان ينسانا .
سأل الصحفي جمال الجاشي الفدائي الجالس في المنتصف : هل هذا اعتقادك أيضاً ؟
أجاب الجاشي : بالطبع .

السخرية حاضرة اينما وُجد اي فعل , و لأي دافع كان الفعل . عندما كان الفدائيون يبحثون عن مدخل الي المجمع الرياضي الذي يسكنه اللاعبون الأسرائليون , قابلوا مجموعةً من اللاعبين الاميركيين , اخبرهم الامريكيون ان الباب مقفل و عليهم ان يقفزوا من السياج , ساعدهم الامريكيون علي ذلك , بعدها تمنوا لهم ليلةً سعيدة و تركوهم علي حالهم . في بادئ الامر اثار في غباء الامريكيين الضحك , و لكن هل يجدر بي الضحك علي حُسن نية لاعبين اولمبيين لمساعدة من ظنوهم لاعبين مثلهم ؟ لا أحتمل إلا ان اكبح نفسي عن اي مشاعر تتكون فيّ . اصبحت اعتقد اليوم ان كل فعل لا يمكن ان يكون خالصاً بالشر او بالخير . الامر مثل الوجود , يجمع كل شي و لا يوجد سبب مقنع يجعلك تنهض صباحاً علماً منك انك لن تستطيع ان تكون خالصاً , و ان الشائبة تلاحقك مهما كُنت تسعي للكمال , السنا شوائب ؟ فضائيون علي هذه الارض ؟

ذكرت في بداية كلامي , اني احب النظر الي الكلام المكتوب علي الجدران , تلك الُجمل و الكلمات مفتقرة الدقة اللغوية و النحوية , تفتح لي نافذة علي ذوات الاخرين , الاخر يبدو ممتلئاً بالعاطفة , افتقر الي العاطفة . لهذا انظر الي الجدران , لأشعر بشي من العاطفة . ما زلت احاول , احياناً ينجح معي الأمر , في معظم الاوقات تُتعب عيني فحسب . العاطفة تملك الإنسان , تجعله موجوداً , تجعله يملك دافعاً , الجهاديون في الشرق الأدنى تستعبدهم , جُل ما يقومون به نابع من رغبةٍ دفينة و هي ان يُحبهم الله , لا اظن ان حور العين و انهار الخمر دافعهم الرئيسي . كما قتل قابيل هابيل لأنه اراد ان يتزوج زوجة اخيه , لأنه اراد ان تُحبه , فجّر الجهاديون انفسهم في من يظنون انه عدوهم , لأنهم ارادوا ان يحبهم الله .
الله , الوطن , الحب , وجوهٌ لكيانٍ واحد . عيسي , جمال الجاشي , روميو , الثلاث معاً , الثلاث شخصٌ واحد في الاصل , الثلاث تحملوا الألم و المخاطرة و القهر من اجل الحب , عيسي شُوه جسده من أسواط الرومانيين من اجل الله . روميو فضل جولييت عن عائلته , فضل الموت عن الحياة من غير جولييت , شرب السُم كله و لم يترك لجولييت اي قطرةً منه, لم يرد لها الموت, روميو ليس شخصية خيالية . جمال الجاشي قتل الأبرياء لان القتلة قتلوا اخوته الابرياء , جمال فعل ذلك من اجل ان تبقي قضية وطنه علي مرأى من العالم , يعلم ان وطنه لن تتحرر بما فعله , لكنه فقط اراد ان يري اسم فلسطين علي نشرات الأخبار و وجوه الناس , كرهوا ما فعله ام لا , جمال لا يهمه انه إرهابي , يهمه وطنه فحسب .
يحق لي ان اشعر بخيبة الأمل , الحروب ما لا تزال تُقام , قديماً كانت تُقام من اجل الفقر , اليوم تُقام الحروب من اجل المال . اظن ان تعريفي للحرب تغير , قديماً كنت اظن ان الحرب يجب ان تكون كالحرب العالمية الاولي و الثانية , او حرباً من طرفين , اليوم الحرب في نظري هي وجود الموت بضحيةِ واحدة او من غير ضحايا , الموت بسبب الكُره و الحب مجتمعين . بشئ غريب , تتعالي صيحات الأمل في الحُروب , ربما لهذا يجب ان توجد , لكي يوجد الأمل .
أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض . هذه الجملة شعار اليهود الصهاينة في بداية استيطانهم لفلسطين . الجدران المهجورة من عاطفة البشر تقول ذلك في موطني , ابصق عليها كل مرة مقتنعاً بكلامها البذيء عندما تقول لي ذلك , ربما لم اعترف بذلك من قبل , الحقيقة مؤلمة مهما كانت , و حقيقة اننا غير مؤهلين لننتمي لهذه الارض ترهقني كل يوم , لا اتكلم عن الافراد فُراداً في طوابير المخابز و محطات البنزين و المصارف , الفرد كفرد منفرد كائنٌ طيب, اتكلم عن الطابور كذاتٍ غير واعية تُحقر قيمة الفرد, لا تعرف ما تُريد , و لا اظن انها تُريد ان تعرف معني الإرادة علي اي حال .

جورج أورويل كتب في متشرد في باريس و لندن ان البؤس يُحررك من كل المقاييس المألوفة للسلوك , انا بائس لهذا اشعر بالحرية , اغلبهم يظنون ان في الحرية تكمن السعادة , لا اؤمن بذلك , اعتقد ان حريتي مختلفة عن حرية ابي و امي , حريتي تكمن في تخلصي من كل طموح املك , الطموح يسرق وجودك فتصبح شخص آخر لا تريده , الطموح ليس دافعاً مقبولاً للحياة , لا يوجد دافع مقبول للحياة إلا ملئ الفراغ . الامر مملً ان لا تملك دافعاً مهماً كوطن او كالله او أمرآة جيدة , الأمل يجعلك تملك دافعاً , و الحرب تجعل أملك حياً . أبحث عن الأمل في لوحة فان غوخ " ليلة مرصعّة بالنجوم " بعدما سرق ديك الجيران بصياحه ليلي .
يحدث مرةً ان يُولد المرء رمادياً ما بين الابيض و الاسود , يحدث مرةً ان يسبح الرمادي في البحر , فيعشقه و يجعله وطناً , لما لا نسكن في الماء يتساءل الرمادي ؟ يذهب الي جدارٍ ما و يكتب الماء سؤاله , لا يجد رداً , الجدار يمتص الماء و حرارة الجو تُجففه . بعد فترة من المحاولات الفاشلة ييأس الرمادي , يملكه اليأس بعدما سرق البيض و السود البحر بكمالهم المصطنع , و في يومٍ ما يختفي أساه و يُصبح فراغاً , يحاول ان يملئ فراغه بكل شي يراه , لا يستطيع , فكُل شي أُخذ منه , حتى بؤسه , يختار ان يكون حُراً فلا يستطيع , فيُصبح فارغاً مثل الوطن الذي يعيش فيه يسأل الاسي النحيل عن سيجارة . فلا يُجيبه الأسي ابداً . هذا الرمادي هو أنا .



#علي_لّطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراكش . مقال لجورج اورويل . *
- علي الماشي
- فوضوية رقصة الكلاشنكوف
- فتاة راقصة في القسطنطينية
- المستقبل : بين نهضة البشرية و سقوط الارض .
- قديسة الحي القذر .
- الثورة الثورة , الوطن الوطن , إنتحار مواطن ليبي .
- جزء من النص مفقود , كلمة من حرفين. ما يسمي فناً .
- مجرد ارقام إنسانية ليبية ( وطن محترق ) .
- طابور - الخلاص - في نهاية شهر خدمات تطوعية . ( سرد ليبي عامي ...
- الطلاب مازالوا نائمين .
- ليبيا , إلي أين ؟
- المدينة الفاضلة .


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي لّطيف - الأسي , الضجر , رجلٌ رمادي .