جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 21:32
المحور:
الادب والفن
ما زلتُ أتحسر على تمثال بوذا-وطوله 37مترا- الذي هدمته قوات(طالبان)في أفغانستان ,وهذا بسبب موقف الإسلام من الفنون والأعمال الإنسانية...وما زال الفن والفنون بكل أشكالها وألوانها في الدول العربية الإسلامية تتلقى مزيدا من عدم الاكتراث والإهمال,وكل ذلك بسبب سورة الشعراء في القرآن )َوالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(,وبهذه الآية كسب المسلمون موقفا سلبيا ومعاديا لكل الفنون,ويجمع الطبري في تفسيره مع ابن كثير أيضا بأن سبب اتخاذ الإسلام هذا الموقف من الشعر عائد بالدرجة الأولى على الشعراء من غير المسلمين وبما معناه(أنهم يمدحون الناس بما ليس فيهم ويهجون أقواما بما ليس فيهم,أما عن النحت والرسم فقد اتخذ الإسلام موقفا أكثر صرامة مع النحت على اعتبار أن فنون النحت لم تكن لتمارس على حسب النظرية القائلة(الفن من أجل الفن) بل الفن من أجل العبادة,فقد كانوا ينحتون التماثيل من أجل عبادتها وليس من أجل التمتع بمنظرها ولكن هذا الموقف يثبت لنا بأن القرآن ومحمد ما كانوا بقادرين على قراءة مستقبل الفنون بشكل جيد فقد بقي لهم موقفا ثابتا من الفن معتقدين بأن جميع المثّالين والنحاتين سيبقون إلى الأبد يمارسون الفن من أجل العبادة وليس من أجل الفن,وما كان الإسلام قادرا على كشف طبيعة الفنان المستقبلي الذي سيمارس الفن بعد مئات السنين من أجل الفن ومن أجل التعبير عن ذاته مشحونا بعواطف جياشة, لقد حز الإسلام رأس الشعر ومن ثم حز رأس الفن أو النحت,وبالإجمال الإسلام حز رأس الفنون جميعها وسجل موقفا سلبيا من الفن ما كان من اللازم أن يتخذ كل هذا الموقف العدائي من الفنون.
وكان لمحمد شاعره الخاص وهو بمثابة الصحفي أو الناطق الإعلامي بلغتنا اليوم,وكان هذا الشاعر هو حسان بن ثابت وأيضا أنعم محمدٌ على الشاعر (كعب بن زهير بن أبي سلمى)على قصيدته:بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ...متيمٌ إثرها لم يفدَ مكبولُ,وهنا توجد عملية تطبيع للشعر من جانب الإسلام بحيث كان محمدٌ يهدف أولا وأخيرا بتطبيع الشعر على نهجه ورؤيته له هو,وهذا الموقف سلبي جدا ومستحيل,ذلك أن الفن يأتي في أغلب الأحيان تعبيرا عن روح الفنان وتعبيرا عن عواطف الفنان التي تتغير في كل لحظة,فالعاطفة في العمل الأدبي ليست عملا سياسيا بل هي عملا إنسانيا عاطفيا يشاهد فيها الشارع نبضه ونبض الناس فتأتي كلماته وتعبيراته تعبيرا عما يجول في نفسه من عواطف وانفعالات وجدانية,وليس من الضروري أن يلتزم الشاعر بمنهج ديني أو حتى عقلاني,فالشعر والفنون كلها تتجاوز المعقول إلى اللامعقول,فعالم الفن الجميل له شيء واحد يجعله جميلا ألا وهو قدرته على صياغة عمله الأدبي بطريقة غير معقولة ولا يجوز في العمل الأدبي أن يخضع الفنان والمُبدع لمنهج عقلاني, فمثلا ما يجعل الأعمال الفنية جميلة هو أنها بصورتها التي وضعها المبدع تبقى إلى الأبد تحظى بأناس يعتقدون بأنها شخصيتهم وبأنها تعبير صادق عمّا يجول في خاطرنا وتعبيرا صادقا عن حياتهم العامة فكم من الأعمال الفنية التي نعتقد أنها تتحدث عنا! إنها كثيرة جدا وأحيانا في العمل الروائي نقول بأن هذه الشخصية تشبهني وتلك تشبهك,وأحيانا كما هو في الرواية الحديثة نشعر بأن الفكرة العامة التي تحوم حولها الرواية تشبهنا من رأسنا إلى أخمص قدمينا,إن الفن الملتزم من ناحية الفرد المبدع شيء ضروري وكل مبدع حر بالتزامه أما أن نجبر المبدعين على الالتزام بنمط معين فهذا ما لا يجوز مطلقا.
من هنا جاءت إهانة الإسلام للفن وللشعر وللنحت,أي للفنون بكل أشكالها وألوانها,وبهذا الإسلام قضى على جوانب إنسانية كبيرة ومتعددة وقضى وشطب أهم الأهداف الإنسانية النبيلة مثل(التبني) و(الفنون).
على أنه من الواجب على محمد والقرآن أن يتخذا موقفا حداثيا من الشعر والفنون مقارنة بالمعقول وباللامعقول كما ذهب إلى ذلك معظم الفلاسفة في أوروبا إبان عصر النهضة,وهو بما عُرفَ بأسم:الفصل بين العلم والأدب,فالإسلام لم يفصل بين العلم والأدب وإنما حَرَمَ الإنسان من إنسانيته جراء نقده اللاذع للفنون بكل أشكالها,فمثلا الفيلسوف (ديكارت) أبدى عداء حادا للشعر وللشعراء في القرن السابع عشر الميلادي,والسبب في ذلك أنه في عصر ديكارت ظهرت الاكتشافات الجديدة التي غزت العالم,ومن هنا قارن الفيلسوف ديكارت بين العلم وبين الشعر وفضل العلوم الطبيعية على العواطف,ولكن محمدا لم تكن في عصره اكتشافات علمية لذلك طبيعة عداءه للشعر لم تكن نابعة من موقف علمي مثل ديكارت بل من موقف آخر كله أغلاط على أساس أن الشعراء يقولون ما لا يفعلون,وهنا على المسلم أن يعرف بأن العمل الأدبي أصلا كله من طراز الذي يقول ويبالغ في قوله,وكما قال النقاد العرب(أفضل الشعر أكذبه) وهنا الشعر يجب أن ينظر إليه المسلمون على أساس التخيل وبعث روح الدهشة في نفسية المتلقي له.
إن الشعر بحد ذاته هو أصلا(علم الإحساس),والأحاسيس تتقارب وتتباعد وتكبر وتصغر مما يدفع بالشاعر بأن يقول ما لا يفعله,فمثلا كان الشاعر القرشي(عمر بن أبي ربيعة) يقول ما لا يفعله,وقد يظن القارئ بأنه زير نساء غير أنه في الواقع لم يحل يوما إزاره على امرأة غير امرأته,وهذا ليس نفاقا بل مجرد أحاسيس ووصف لتلك الأحاسيس.
وعالم الأحياء الإنكليزي هكسلي(1825-1895م) ألقى ذات يوم خطبة جنائزية حدادا على الأدب,وقال بأن الشعر في العصور السابقة كان له ما يبرره,وفي عصر العلم اعتبره هكسلي شعوذة,وتصدى له الناقد(ماثيو ارنولد)قائلا بما معناه:بأن الأدب يضفي على العلم معناه الإنساني.
إن موقف أوروبا الناهضة من الشعر إبان عصر النهضة له ما يبرره حيث فُجع العلماء بالاكتشافات الحديثة مما دعاهم لاتخاذ موقف صارم من الشعر,أما في العصر الإسلامي فلم تكن هنالك أي ثورة علمية فلذلك موقف الإسلام والقرآن بالذات من الشعر ليس له ما يبرره,وهذا الموقف الأوروبي من الشعر لم يستمر طويلا فقد عاد الأدب من جديد ينبضُ بالحياة,وتمتعنا بالأعمال الغربية الأدبية,ولكن الإسلام حرمنا من المتعة الأدبية لذلك معظم الكتابات الأدبية العربية الملتزمة بالإسلام تأتي جافة ليس فيها ماء وميتة ليس فيها روح,وجسد ليس فيه دماء,وبيئة ليس فيها هواء نقي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟