أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - إشكالية السعادة بالمغرب















المزيد.....

إشكالية السعادة بالمغرب


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 14:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُصنَّف المغرب من بين الدول التي لها نصيب ضئيل من السعادة، مثله مثل المجتمعات التي تعيش انتفاضات واحتجاجات وصراعات سياسية دامية أو التي لا تسأم من حروب الطوائف الدينية والعصابات الارهابية. و على الرغم من أنه يعيش الكوميديا السياسية يوميا في ظل جوٍ آمن (أي أنه لا يعرف مشاكل شبيهة بالتي سبق ذكرها)، إلا أن أفراده لا يتوقفون عن الشكوى والتذمر من الوضع الحالي، بدل الابتسام والضحك والاستمتاع.

ما يحدد سعادة مجتمع ما ،هو رفاهية أفراده. والرفاهية تشترط توفر دخل مناسب للفرد ما يمكنه من اقتناء وسائل تساعده على تحقيق أسلوب العيش المرغوب، التغطية الصحية، نظافة المرافق والأحياء، تعاون المؤسسات الحكومية مع المواطن والسهر على توفير الخدمات، ونوعية العلاقة التواصلية بين الناخبين والمنتخبين. وكل ما ذُكر ليس هو الرفاهية، بل الشروط اللازمة حتى تكشف هذه الأخيرة عن نفسها، مايعني أننا لا زلنا نتحدث فقط عن كيفية توفير العيش الكريم ! .

قبل مجيء المحتل الفرنسي، اعتمد الاقتصاد المغربي على التجارة والتبادل السلعي والزراعة. وخلال الاستعمار وما يعرفه "الوضع" من تغيرات على المستوى الاقتصادي للبلد، تسمح بالانتهاز واقتناص الفرص. فإنه بخروج المحتل، ترك خلفه طبقة اقتصادية نشأت بدمج تجار ما قبل الاحتلال بانتهازيي ذلك العهد (الاحتلال)، ما أنتج طبقة اقتصادية شكلت غالبية الأحزاب السياسية ـ فبتاريخ الحكم السياسي ارتبط النفوذ السياسي بالقوة الاقتصادية أي امتلاك وسائل الإنتاج وإعادة الإنتاج ـ .

فبعض العائلات من ضمن هذه الطبقة التي لمست علاقة السياسة بالاقتصاد، قد دأبت على تدريس أبنائها خلال العهود الاستعمارية ـ لتفكيك سلوك المستعمر، فالأبناء بتعلمهم للغة الفرنسية أصبح بإمكانهم التطلع على كتابات وجرائد العدو وتحليل الأفكار المتضمنة ـ ، هؤلاء الأبناء هم من سيصبحون المسيرين لتلك الأحزاب نظرا لتوفرهم على مستوى تعليمي يمكنهم من فهم اللعبة السياسية.

وبما أن تزاوج السياسية والاقتصاد ينتج مزيدا من الثروة، فإن الهوة ستبدأ بالاتساع بين أقلية ذات نفوذ سياسي اقتصادي، وبين أغلبية موجهّة ثقافيا لخدمة سياسة الدولة. لتجنب انتشار وتغلغل الأيديولوجيا الشيوعية والاشتراكية (المحاربة للبورجوازيات والأنظمة المَلكية)، وضد المد الشيعي السياسي (الساعي لإسقاط المَلكية مقابل تنصيب الإمام المعصوم).

فتم استدعاء الخطاب الديني والوهابي لردع الأفكار التجديدية الغربية، ولارتكاز هذا الأخير على رفض التظاهر ضد سياسة الحكم أو الخروج عن الحاكم. كذلك تعزيز الدعوة للقناعة والصبر والاهتمام بالعالم الآخر وترك الشؤون الحالية لأتباع الدنيا ! . رغم أن الحدث سيخلف أثارا لاحقة بالتفجيرات الارهابية التي ستشهدها الدار البيضاء، انطلاقا من تجذّر الفكر الارهابي الخامد الذي استُدعيَ سابقا. ولازلنا نرى بقايا له في التدين الشعبي المرتكز على المظاهر، وفي بعض الخطابات الأسبوعية (الجمعة) المليئة بالأخطاء اللغوية والتاريخية، زيادة على ضعف قيمتها الفكرية باستنادها على فكر ابن تيمية الذي يُعتَبر قزماً في الفقه أمام عمالقة كالشافعي أو أبي حنيفة.

باتساع الهوة بين الطبقتين، ما يعني انفصال المجتمع ثقافيا، بين خطاب معرفي يشجع على الاستهلاك وإعادة الانتاج" ما سيزيد من توسيع ثروة الأقلية. وبين خطاب ينشر ثقافة "الاستهلاك وإعادة الاستهلاك" ما يعني أنه عاجلا ما ستتقاتل الأغلبية على قلة الموارد التي يتم استهلاكها بسرعة. وهنا صرنا نتحدث عن نمطين اجتماعيين، نمط "أغنياء يزدادون غنا"، ونمط "فقراء يزدادون فقرا". النمط الأول يستهلك نفس الخطاب الخاص به لإعادة تكرار العملية - "التطور والازدهار". والنمط الثاني كذلك يستهلك ويعيد تكرار نفس العملية أي "التدهور والانحدار".

ولكن بما أن نظام المغرب الاقتصادي يعرف السوق الحرة، فإنه بإمكان أي شخص بَدْل بعض الجهد حتى يتمكن من تحقيق واقعه المعيشي المطلوب، ولما لا الالتحاق بطبقة الأقلية ! . لدى فإن الأغلبية صارت تحلم بالربح السريع ـ مع انتشار الإعلام الاستهلاكي الكاذب ـ وأصبحت ترغب بالتساوي مع طبقة الأغنياء بين "يوم وليلة"، وغاب عنها أن تلك الطبقة تشلكت عبر تاريخ من توارث العائلات الغنية.

هذا لم ينفي من ظهور الطفيلية الرأسمالية (أغنياء عبر السوق السوداء) وطبقة المخادعين الذين ركبوا على أكتاف الفقراء من محتالين سياسيين وموظفين مرتشين وما سواه من الذين ينطبق عليهم المثل المغربي "الله ينجيك من المشتاق إلى ذاق".

هذا المشتاق نجد وصفا له عند الكاتب السعودي عبد الله القصيمي بكتابه "يكذبون ليروا الإله جميلا" يقول فيه : "إن أكثر الناس إذلالاً واحتقاراً للطبقات المغلوبة هم أبناؤها إذا ارتفعوا فوقها وانفصلوا بانتصارهم وقوتهم عنها. إنه لا أحد يقسو على الطبقة المقهورة مثل أبنائها إذا خرجوا منها بأن أصبحوا قادرين. إنهم حينئذ لابد أن يبالغوا في الفتك بالطبقة التي ولدوا فيها وهربوا منها. إنهم بذلك كأنما يحاولون أن يعاقبوا ويهربوا من ماضيهم الذي قد كان. لئلا يفكر في العودة، ولئلا يفكر فيهم أو ينظر إليهم، أو يتحدث عنهم، أو يتذكرهم.. إنهم بفتكهم بالطبقة التي خرجوا منها كأنما يحاولون أن يُقنعوا أنفسهم بأنهم قد انتصروا وتفوقوا عليها، وبأنهم قد أصبحوا كائنات أخرى لا علاقة لها بما كان، بل لا شيء قد كان غير ما هو كائن الآن".

ويمكن أن نلمس هذه النزعة ببدايتها واقعيا، فأنت لا تجد مشكلة مع رئيس المؤسسة بقدر ما تجدها مع البواب أو الموظف، ولا تجدها مع مدير الشركة بقدر ما تجدها مع الحارس أو السكرتير. غالبا ما يخلق هؤلاء "الدانتيون" الصغار (جمع دانتي) صعوبات أمام الناس، حتى تتسنى لهم الظروف التي يكشفون فيها عن جحيمهم المكبوت بأرض الواقع، انتقاما من واقع البؤس الذي عاشوه ! .

إن الإشكالية مرتبطة بسلوك الأفراد بين بعضهم البعض بقدر ما ترتبط بالاقتصاد، نحن نعلم أن الاقتصاد يساهم في السعادة، لكنه ليس هو السعادة لأن أكبر نسبة منها ترتبط بعقلية الشعب (وأفراد الشعب لا يحبون الخير لبعضهم البعض). ف"تاج" الملك بكل مافيه من جواهر لا يشفيه من صداع الرأس، مايشفيه هو عقل الطبيب الذي يجد الحل. فحتى لو حُزت على أضخم ميزانية وأغناها، فيلزمك عقول سليمة لتسييرها بطريقة سليمة.

يضيف "القصيمي" أن : "الذين يولدون في السماء لايمكن أن يعيشوا أو يعرفوا أو يجربوا أحقاد ومخاوف وهموم وبغضاء وبذاءات وأنياب ومجاعات وسفاهات من يولدون فوق الأرض أو تحت الأرض".

إن من ينتظرون السعادة أن تنزل من السماء، يغفلون عن البؤس الذي يصنعونه في الأرض، والذي لا يسمح للسعادة لا بأن تنزل ولا بأن تنمو. وكما يقول الروائي الروسي "دستيوفسكي" بلسان إحدى شخصياته (الجريمة والعقاب)، على أن الواحد صار يطمح لأن : "يجمع ثروة بأقصى سرعة وبأقل تكلفة، دون أن يتحمل مشقة أو أن يبدل جهداً، نعم، لقد اعتاد الناس أن يعيشوا عالة على الآخرين، دون أن يحفلوا بشيء أو أن يكترثوا لشيء، واعتادوا أن يقتصروا على القيام بأعمال سهلة، فمتى آن الأوان ظهر كل واحد على حقيقته".



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن تكون وغداً !
- الأصول الحيوانية لنظرية المؤامرة
- الوجه الخفي لدُور النشر والتوزيع
- هداية الملحدين وتنوير المتدينين
- الإهمال ولفت الانتباه
- اليمين واليسار وحرية التعبير
- رسالة مراهقة لأبيها
- المغرب والانفصام الاجتماعي، كمغرِبَيْن
- السلطة بين الخاضع والمُخضِع
- استقطاب جِهادي
- هل نفى المسيح نبوة محمد ؟
- تربية الأنثى أو إنتاج شخصيات عُصابية
- 10 أسئلة محيّرة
- عندما تُفهم النظرات بشكل خاطئ - تحايل لغة الجسد
- عندما تتناقل الجرائد أغلاطا صُحفية‏
- اختبار كشف نوع الشخصية
- الإنسان بين الدين والإلحاد والولاء القبلي
- 10 تصرفات تكشف عن نفسيات أصحابها
- أنا الوطن
- أشهر 20 تخريفاً في العالم !


المزيد.....




- سؤال صعب خلال فعالية: -مليونا إنسان في غزة يتضورون جوعًا-.. ...
- كيف تبدو تصاميم الحدائق والمناحل الجديدة المنقذة للنحل؟
- ماذا يعني قرار ترامب نشْر غواصتين نوويتين قرب روسيا على أرض ...
- ويتكوف: لا مبرر لرفض حماس التفاوض، والحركة تربط تسليم السلاح ...
- ويتكوف يتحدّث من تل أبيب عن خطة لإنهاء الحرب.. وحماس: لن نتخ ...
- فلوريدا: تغريم تيسلا بأكثر من 240 مليون دولار بعد تسبب نظامه ...
- عاجل | وول ستريت جورنال عن مسؤولين: واشنطن تلقت خلال الصراع ...
- عاجل | حماس: نؤكد مجددا أن المقاومة وسلاحها استحقاق وطني ما ...
- الهند والصين تُعيدان فتح الحدود للسياح بعد قطيعة طويلة
- حتى الحبس له فاتورة.. فرنسا تدرس إلزام السجناء بدفع تكاليف ا ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - إشكالية السعادة بالمغرب