نكتة سياسية في زمن الكبت

سميح قرواني

الحوار المتمدن-العدد: 4250 - 2013 / 10 / 19 - 20:01
المحور: كتابات ساخرة
    

عندما بدأ الاخوان مقارعة النظام عن طريق الاغتيالات في اواخر السبعينيات، يساندهم مجموعة البعث العراقي (الذي كان النظام يطلق عليهم باليمين المتعفّن). كنت امارس هوايتي في الرسم في معهد صبحي شعيب. اذهب كل يوم بعد العصر. واحيانا كنت اجلس مع الأستاذ أحمد (الله يرحمه) في مقهى قديم كان في اول شارع الدبلان. كان لهذا الشارع عزّ في تلك الأم، إذ انه كان المتنفس الوحيد للناس كي يمارسوا حرية المشي وشراء البوظة والالبسة وأكل الشاورما (فقط). في المساء، تشاهد تقريباً نصف حمص تحتشد فيه ذهابا واياباً.
والمقهى كان يضم الناس الذين لايحبون المشي، بل النظر على الذين يمشون، حيث تكثر التعليقات منهم فهذه سمينة، وتلك ضعيفة، وهذا معوّج، وذاك مخنفس... اوصاف من هذا القبيل. مرة، قرّب الاستاذ رأسه مني وهمس: سأحكي لك نكتة على الماشي. قلت تفضّل. فبدأ وهو مازال هامساً من شدة الخوف التي ترافق محتوى النكتة. قال "كان اثنان يجلسان في مقهى كما نحن نجلس. احدهم تكلم على خطاب قائد الصمود والتصدّي، فرد الآخر عليه: اتركنا منه، هذا رجل علّاك (أي كثير الثرثرة). في تلك اللحظة امسك به المخابرات (التي لاتفوتها فائتة) من تلابيبه ورفعوه ثم هزّوه وصرخوا في وجهه: شو بتقصد ولاك حقير؟ فرد الرجل خائفا مذعوراً. القائد علاّك (أي رفعك) وعلّلا من شأن كل مواطن في هذا البلد. فنظروا اليه بحيرة ثم تركوه". يومها ضحكت على النكتة حتى دلقت القهوة على ثيابي. ربما الضحك اتى من شدة الكبت الذي وقعنا فيه. وكما قال فرويد مرّة، النكتة تعبر عن مكنونات الكبت. فشدّني الاستاذ أحمد من يدي وقال لاتضحك كثير، لقد فضحتنا. تلك النكتة، كانت توصل صاحبها إلى القبر أو السجن، حسب المزاج. والأستاذ أحمد فنان يحب الفكاهة والنكتة. وهذه النكتة نوع من كسر الهيبة التي ارغمت المخابرات الناس عليها. كنت اسمع كل يوم نكتة جديدة حول القائد الملهم. كانت تلك النكت نوع من التنفيس عن ذاك الكم الهائل من الرقابة على كل حركة يقوم بها الناس أو العبيد كما كان ينظر لسوريا بأنها وطن العبيد في تلك الفترة. لكن لايمكن أن يستمر شيء على حاله. إذ قام هؤلاء العبيد بالثورة – خلافاً لثورة أو تمرد سبارتكوس- على رجل سيّد نفسه عليهم بالقوة، وسلب أهم ماعند الانسان من قيمة، ألا وهي الكرامة. ثم تحويل الجميع إلى عبيد في مزرعة اقطاعية. هذا الاسلوب كان موجود في عهد العبودية، عندما كان القراصنة يستولون على مركب ويأخذون كل من فيه رقيق للبيع. انتهى عهد العبودية منذ اكثر من مئة وخمسين سنة في العالم ، لكن مازال امره سار المفعول عندنا.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل